الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
476 - (32) باب: جواز تعليق الإحرام وهو أن يحرم كإحرام فلان فيصير محرمًا مثل إحرام فلان
(2837)
- (1191)(111) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ. عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ. فَقَال لِي: "أَحَجَجْتَ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقال: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ " قَال: قُلْتُ: لَبَّيكَ! بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
ــ
476 -
(32) باب جواز تعليق الإحرام وهو أن يحرم كإحرام فلان فيصير محرمًا مثل إحرام فلان
2837 -
(1191)(111)(حَدَّثَنَا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار، قال ابن المثنى حَدَّثَنَا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن قيس بن مسلم) الجدلي بفتح الجيم أبي عمرو الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن طارق بن شهاب) بن عبد شمس البجلي الأحمسي الكوفي، قال أبو داود: رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع صحابي أو ثقة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) أبو موسى (قدمت) من اليمن (على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ) أي مضجع ناقته (بالبطحاء) أي ببطحاء مكة وهي المسماة بالأبطح والمحصب اهـ مفهم، والمعنى أي نازل بالبطحاء بإناخة ناقته فيها وذلك في ابتداء قدومه (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحججت) يا أبا موسى أي هل أحرمت بالحج؟ وفي الرواية الآتية (بم أهللت) قال أبو موسى (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) أحرمت (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بم أهللت) أي كيف أهللت، وما هنا بمعنى كيف لأن السؤال عن حقيقة ما أحرم ذكر أولًا بقوله أحججت إلَّا أن يقال إن معناه هل أحرمت كما في الرواية الآتية (قال) أبو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم (قلت) يا رسول الله في إحرامي البيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم أي أجبت لك يا إلهي بإحرام كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم، قال الأبي: تقدم الكلام على إحرامه هذا أو إحرام عليّ وعلى ما يتعلق بذلك من
قَال: "فَقَدْ أَحْسَنْتَ. طُفْ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَأَحِلَّ" قَال: فَطُفْتُ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ أَتَيتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي قَيسٍ. فَفَلَت رَأْسِي. ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ
ــ
الكلام، قال النواوي: وفيه صحة الإحرام المعلق وهو أن يقول: أحرمت بإحرامٍ كإحرام زيد، ويلزمه ما أحرم به زيد من حج أو عمرة أو قران وإن كان زيد أحرم مطلقًا لزمه إحرام مطلق، وله أن يخالف ما صرف زيد إحرامه إليه فإن صرف زيد إحرامه إلى الحج فله هو أن يصرفه إلى عمرة، وقال الأبي أيضًا: تقدم أن الشافعي أخذ من الحديثين صحة الإحرام بالنية المبهمة وليس فيهما ما يدل عليها لأن الإحرام بالنية المبهمة هو أن ينوي الدخول في النسك فقط، ثم له أن يصرفه لما شاء من حج أو عمرة وليس فيهما ما يدل على هذا، وإنما فيهما الإحرام المعلق على ما أحرم به فلان، والفرق بين الإحرامين أن الإحرام بالنية المبهمة له أن يصرفه كما تقدم، والإحرام المعلق ليس له أن يصرفه عما أحرم به فلان كما تقدم (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقد أحسنت) في إحرامك، وهل سقت هديًا؟ كما هو المصرح في الرواية الآتية، قلت: لا، قال: إذًا (طف بالبيت و) اسْعَ (بالصفا والمروة) أي بينهما (وأحل) من إحرامك بالتقصير، قال النواوي: وفي قوله أحسنت، استحباب الثناء على من فعل جميلًا، قال النواوي: أمره بفسخ حجه إلى العمرة ولم يذكر الحلق لأنه عندهم معلوم أو اكتفى عنه بقوله وأحل (قال) أبو موسى (فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم) بعد تحللي بعمل عمرة (أتيت) أي جئت عندما قرب يوم التروية (امرأة من بني قيس) وفي بعض الروايات امرأةَ من قيس، قال الحافظ: والمتبادر إلى الذهن من هذا الإطلاق أنها من قيس عيلان وليس بينهم وبين الأشعريين نسبة لكن في رواية أيوب بن عائذ امرأة من نساء بني قيس، وظهر لي من ذلك أن المراد بقيس قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري، وأن المرأة زوج بعض إخوته، وكان لأبي موسى من الأخوة أبو رهم وأبو بردة، قيل ومحمد اهـ، وقال النواوي: وهذا محمول على أن هذه المرأة كانت محرمًا له والله أعلم (ففلت رأسي) بفاء التعقيب بعدها فاء ثم لام خفيفة مفتوحة ثم مثناة أي سرحت شعر رأسي وتتبعت القمل وأخرجته منه بيدها يقال فَلَى يفلي فليًا من باب رمى يرمي كما في المصباح (ثم أهللت) أي أحرمت (بالحج) يوم التروية، قال النواوي: يعني أنه تحلل بالعمرة وأقام بمكة حلالًا إلى يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة، ثم أحرم بالحج يوم التروية كما جاء مبينًا في غير هذه الرواية، فإن قيل قد علق علي بن أبي طالب وأبو موسى رضي الله
قَال: فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ. حَتى كَانَ فِي خِلافةِ عُمَرَ رضي الله عنه. فَقَال لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُوسَى! أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيسٍ! رُوَيدَكَ بَعْضَ فُتْيَاكَ. فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدَكَ. فَقَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ كُنَّا أَفْتَينَاهُ فُتْيَا فَلْيَتَّئِدْ
ــ
تعالى عنهما إحرامهما بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم فأمر عليًّا بالدوام على إحرامه قارنًا وأمر أبا موسى بفسخه إلى عمرة، فالجواب أن عليًّا رضي الله عنه كان معه الهدي كما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم الهدي فبقي على إحرامه كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم وكل من معه هدي، وأبو موسى لم يكن معه فتحلل بعمرة كمن لم يكن معه هدي، ولولا الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم لجعلها عمرة اهـ، وقد سبق الكلام على هذا في بعض الأبواب السابقة فراجعه.
(قال) أبو موسى (فكنت أفتي) وأخبر (به) أي بفسخ الحج إلى العمرة والتحلل منه بها ثم إحرام الحج يوم التروية كالمكيين ويكون متمتعًا (الناس) أي لمن سألني من الناس أي أخبرهم بجواز الفسخ ومستنده في فتياه اعتقاده عموم مشروعية الفسخ وعدم قصره على الصحابة رضي الله عنهم كما اعتقده ذلك غيره قاله الأبي، وقال عياض: قوله (أفتي به) أي بالتمتع بالعمرة إلى الحج كما جاء مفسرًا بعد اهـ، وعبارة القرطبي: يعني أفتي الناس بالتحلل لمن أحرم بالحج بعمل العمرة، وكان أبا موسى رضي الله عنه اعتقد عموم مشروعية ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من التحلل وتعديه لغير الصحابة، ولم ير أن ذلك خاص بالصحابة رضي الله عنهم كما اعتقده غيره منهم اهـ مفهم، أي أفتى به الناس في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر (حتى كان) فتواه (في خلافة عمر رضي الله عنه فقال له) أي لأبي موسى (رجل) لم أر من ذكر اسمه (يا أبا موسى أو) قال له الرجل (يا عبد الله بن قيس) والشك من طارق بن شهاب أو ممن دونه (رويدك) يا أبا موسى أي تمهل (بعض فتياك) قليلًا وأمسك عنه واتركه، قال النواوي: أي ارفق قليلًا وأمسك عن فتياك، ويقال فتيا وفتوى لغتان، وقال القرطبي: أي ارفُقْ رفقك أو كف بعض فتياك فيصح أن يكون مصدرًا ومفعولًا (فإنك) يا أبا موسى (لا تدري) ولا تعلم (ما أحدث) وأظهر (أمير المومنين في) حكم (النسك بعدك) أي بعد فتواك (فقال) أبو موسى أي نادى في الناس (يا أيها الناس من كنا أفتيناه) أي أجبناه عن سؤاله في حكم من أحكام النسك (فتيا) بضم الفاء وسكون التاء أي جوابًا (فليتئد) أي فليتمهل
فَإِن أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيكُمْ. فَبِهِ فَائْتمُّوا. قَال: فَقَدِمَ عُمَرُ رضي الله عنه فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ. فَقَال: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِن كِتَابَ اللهِ يَأْمُرُ بِالتَّمَامِ. وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ
ــ
وليتأن عن العمل بها ولا يعجل، وهو افتعال من التؤدة وزان رطبة، أي فليتربص وليصغ إلى قول أمير المؤمنين وليأتم به إن ظهر له رجحان قوله والله أعلم.
وقال الأبي: (فإن قلت) كيف رجع عن اجتهاده والمجتهد لا يحل له أن يرجع إلى اجتهاد غيره؟ (قلت) يحتمل إنه قال ذلك تقية من أمير المؤمنين فليس برجوع حقيقة، والمجتهد له أن يفعل ذلك، فإذا زالت التقية رجع إلى قول نفسه، وبالجملة فهو رجوع في الظاهر لا في الباطن ويحتمل أنه رجوع حقيقةً لأجل أنه ظهر له دليل الغير لا أنه تقليد له لأن المجتهد لا يقلد غيره (فإن أمير المومنين قادم) أي قريب قدومه من المدينة (عليكم فبه) أي فبأمير المؤمنين لا بغيره (فائتموا) أي فاقتدوا به خاصة دون غيره لأن الاقتداء به واجب عليكم فيما ليس بمعصية (قال) أبو موسى (فقدم عمر رضي الله عنه من المدينة (فذكرت ذلك) الذي أفتيته للناس أولًا ثم نهيهم عن العمل بتلك الفتيا (له) أي لعمر (فقال) عمر (أن نأخذ بكتاب الله) تعالى وتمسكنا به (فإن كتاب الله) تعالى (يأمر) نا (بالثمام) أي بإتمام الحج والعمرة يعني قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله (وإن نأخد بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل) من إحرامه (حتى بلغ الهدي محله) بفتح الميم وكسر الحاء؛ أي موضع حل ذبحه ووقته وهو منى يوم النحر، قال المازري: الأظهر أنه إنكار للفسخ لاحتجاجه بالآية والحديث وقيل في احتجاجه بالحديث أنه إنكار للتمتع والقرآن لكن على سبيل الأولى لا على سبيل المنع جملةً، ويدل عليه قوله في الآخر بعده فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ويكون هذا مثل استحبابه لأهل مكة أن يهلوا بالحج إذا رأوا هلال ذي الحجة ليبعد ما بين إحرامهم وعمل الحج ليظهر عليهم أثر الشعث، وقيل نهيه إن كان عن الفسخ فهو نهي لزوم، وإن كان عن التمتع فهو نهي ندب وإرشاد للفضل الذي هو الإفراد اهـ من المعلم بفوائد مسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1559] والنسائي [5/ 153].
(2838)
- (00)(00) وحدّثناه عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. فِي هذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
(2839)
- (00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه. قَال: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ. فَقَال: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ " قَال: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:
2838 -
(00)(00)(وحدثناه عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد السابق يعني عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب (نحوه) أي نحو ما حدث محمد بن جعفر عن شعبة، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها تقوية السند الأول.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:
2839 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن قيس) بن مسلم الجدلي الكوفي (عن طارق بن شهاب) البجلي الكوفي صحابي أو ثقة (عن أبي موسى) الأشعري الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان لشعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن قيس بن مسلم (قال) أبو موسى (قدمت) من اليمن (على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (منيخ) أي نازل بإناخة ناقته (بالبطحاء) أي ببطحاء مكة يعني المحصب أول قدومه مكة (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بم أهللت) أي كيف أحرمت (قال) أبو موسى (قلت) له صلى الله عليه وسلم (أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم أي أحرمت كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي:
قَال: "هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ " قُلْتُ: لَا. قَال: "فَطُفْ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ حِلَّ" فَطُفْتُ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ أَتَيتُ امْرَأَةَ مِنْ قَوْمِي فَمَشَطتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي. فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَإِمَارَةِ عُمَرَ. فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَال: إِنكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأنِ النُّسُكِ. فَقُلْتُ: أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ كُنَّا أَفْتَينَاهُ بِشَيءٍ فَلْيَتَّئِدْ. فَهذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
ــ
وهذا كما تقدم من إهلال علي رضي الله عنه وظاهره أنه يجوز أن يهل من غير تعيين حج ولا عمرة ويحيل في التعيين على إحرام فلان إذا تحقق أنه أحرم باحدهما، وقد اختلف في هذا فقال بمنعه مالك، وأجازه الشافعي كما تقدم (قلت) ولا تتم حجة الشافعي بهذا الحديث ولا بحديث علي رضي الله عنه حتى يتبين أنهما حيث ابتدا الإحرام لم يعلما عين ما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم إذ يجوز أن يكون كل واحد منهما نقل إليه عين ما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم ولفظهما محتمل والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (قال) لي النبي صلى الله عليه وسلم (هل سقت) معك (من هدي قلت لا قال) لي النبي صلى الله عليه وسلم إذن (فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل) من إحرامك بالتقصير، وهو بكسر الحاء، أمر من حل يحل من باب حن بمعنى تحلل، قال أبو موسى (فطفت) كما أمرني النبي صلى الله عليه وسلم (بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت) أي جئت (امرأةً من قومي) أي من أقاربي كما قال في الرواية الأولى امرأةً من بني قيس أي من بنات بني قيس بن سليم كانها بنت بعض إخوته فيكون عمًا لها لأن قيسًا هذا والد أبي موسى (فمشطتني) أي سرحت شعر رأسي وأصلحته (وغسلت رأسي فكنت أفتي) وأخبر (الناس بذلك) أي بالاعتمار في أشهر الحج متمتعًا على سبيل الفتوى (في إمارة أبي بكر) الصديق (و) صدرًا من (إمارة عمر) رضي الله عنهما (فإني لقائم بالموسم) والأنسب بهذا المقام بينا، ولفظة إذ في قوله (إذ جاءني رجل) للمفاجأة، وأراد بالموسم موسم الحجاج وهو مجمعهم فحق الكلام أن يقال فبينا أنا قائم بالموسم إذ جاءني رجل أي فاجأني مجيء رجل (فقال) الرجل (إنك) يا أبا موسى (لا تدري) ولا تعلم (ما أحدث) وأفتى (أمير المومنين) عمر بن الخطاب رضي الله عنه (في شأن النسك) وحكم الحج والعمرة (فقلت) بلا مهلة يا (أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء) من أحكام المناسك (فليتئد) أي فليتأن عن العمل به وليتأخر ولا يستعجل (فهذا) الخليفة القريب قدومه (أمير المؤمنين
قَادِمٌ عَلَيكُمْ. فَبِهِ فَائْتَمُّوا. فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا هذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ قَال: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِن اللهَ عز وجل قَال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَإنْ نَأْخُذْ بِسُنةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام، فَإن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الهَدْيَ.
(2840)
- (00)(00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيسٍ،
ــ
قادم عليكم فبه فائتموا) أي فخصوه بالاقتداء فخذوا قوله واتركوا قولي إن خالفه (فلما قدم) عمر بن الخطاب (قلت) له (يا أمير المومنين ما هذا الذي أحدثت) وأفتيت للناس (في شأن النسك) من منعهم عن فسخ الحج إلى العمرة والتحلل منه بعملها (قال) عمر استدلالًا على نهيه عن الفسخ (إن نأخذ) أي إن أخذنا (بكتاب الله) سبحانه وتعالى وتمسكنا به (فإن الله عز وجل قال) في كتابه العزيز ({وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}) أي فيلزم إتمام كل منهما على حدة ولا يجعل أحدهما تابعًا للآخر، وقد يقال إن الآية إنما دلت على وجوب إتمام الحج والعمرة المشروع فيهما وذلك صادق بانواع الإحرام الثلاثة، وسيأتي بيان وجه كراهية ذلك من عنده رضي الله عنه (وإن نأخذ بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل) من إحرامه بالحج (حتى نحر الهدي) يوم النحر بمنى، ورمى جمرة العقبة، ولم يحل بعمرة كما فعل أصحابه، ففهم من الآية أن من تلبس بشيء منهما وجب عليه إتمامه ثم أظهر له أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قضية معينة مخصوصة فقضى بخصوصية ذلك لأولئك فنهى عن فسخ الحج إلى العمرة والتحلل منه بعملها.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:
2840 -
(00)(00)(وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة ثبت، من (11) روى عنه في (17) بابا (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11)(قالا أخبرنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا أبو عميس)
عَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي إِلَى الْيَمَنِ. قَال: فَوَافَقْتُهُ فِي الْعَامِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ. فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا مُوسَى! كَيفَ قُلْتَ حِينَ أَحْرَمْتَ؟ " قَال: قُلْتُ: لَبَّيكَ إِهْلالًا كَإِهْلالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "هَلْ سُقْتَ هَدْيًا؟ " لا فَقُلْتُ: لَا. قَال: "فَانْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ أَحِلَّ" ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ.
(2841)
- (00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
ــ
الهذلي المسعودي عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن قيس بن مسلم) الجدلي الكوفي (عن طارق بن شهاب) البجلي الكوفي (عن أبي موسى رضي الله عنه الأشعري الكوفي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي عميس لشعبة وسفيان في رواية هذا الحديث عن قيس بن مسلم، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) أبو موسى (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى اليمن) لعمالة (قال) أبو موسى فرجعت من تلك العمالة (فوافقته في العام الذي حج فيه) صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أي فأتيت الحجاز موافقًا له صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فجئته بالبطحاء (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا موسى كيف قلت حين أحرمت قال) أبو موسى (قلت) له صلى الله عليه وسلم يا رسول الله قلت في إهلالي (لبيك) وأهللت (إهلالًا كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ففيه التفات من الخطاب إلى الغيبة (فقال) لي (هل سقت هديًا فقلت) له (لا) أي ما سقت هديًا (قال) لي إذن (فانطلق) أي فاذهب إلى الحرم (فطف بالبيت و) اسع (بين الصفا والمروة ثم أحل) من إحرامك بالتقصير أمر من الإحلال (ثم ساق) أي ذكر أبو عميس (الحديث) السابق (بمثل حديث شعبة وسفيان).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:
2841 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار) البصريان (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري
عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ. فَقَال لَهُ رَجُلٌ: رُوَيدَكَ بِبَعْضِ فُتْيَاكَ. فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدُ. حَتى لَقِيَهُ بَعْدُ. فَسَأَلَهُ. فَقَال عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَدْ فَعَلَهُ، وَأَصْحَابُهُ. وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ
ــ
(عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5)(عن عمارة بن عمير) التيمي الكوفي، ثقة، من (4)(عن إبراهيم بن أبي موسى) الأشعري الكوفي، حنكه النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة وسماه إبراهيم ودعا له بالبركة ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا عداده في الكوفيين، روى عن أبيه في الحج والمغيرة بن شعبة، ويروي عنه (م س ق) وعمارة بن عمير، وله في الصحيح هذا الحديث الواحد، قال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال في التقريب: له رؤية لم يثبت له سماع إلا من بعض الصحابة، وذكره ابن حبان في الثقات، مات في حدود (70) السبعين، له في مسلم فرد حديث (عن أبي موسى) الأشعري. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وأربعة كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة إبراهيم بن أبي موسى لطارق بن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي موسى (أنه) أي أن أبا موسى (كان يفتي بالمتعة) أي بجوازها أي بجواز فسخ الحج إلى العمرة والتحلل عنه بعملها (فقال له) أي لأبي موسى (رجل) لم أر من ذكر اسمه (رويدك ببعض فتياك) أي أخَّره وتمهل فيه فلعله يخالف ما أحدثه أمير المؤمنين (فإنك لا تدري ما أحدث) ـه وأفتاه (أمير المومنين) عمر بن الخطاب (في) شأن (النسك بعد) أي الآن أي بعد ما أفتيت به فيحتمل أنه يغضب عليك لمجيئك على خلاف رأيه، قوله (حتى لقيه بعد) غاية لمحذوف تقديره فترك أبو موسى فتواه بعد قول الرجل له رويدك، فلقي عمر (فسأله) أي فسأل أبو موسى عمر بن الخطاب عن سبب نهيه عن المتعة (فقال عمر) إعتذارًا عن نهيه عنها (قد علمت) أنا (أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله) هو (وأصحابه) قال الأبي: إن كان المراد به الفسخ فنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من حيث إنه أمر به لأنه لم يفعله واعتذاره عن النهي عنها بقوله (ولكن كرهت أن يظلوا معرسين) معناه أن يحلوا من حجهم بالفسخ فيطئوا النساء قبل تمام حجهم الذي كانوا أحرموا به ولا يظن بمثل عمر رضي الله عنه الذي جعل الله الحق
بِهِنَّ فِي الأرَاكِ. ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُؤُوسُهُمْ
ــ
على لسانه وقلبه أنه منع ما جوزه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرأي والمصلحة فإن ذلك ظن من لا يعرف عمر ولا فهم استدلاله المذكور في الحديث، وإنما تمسك بقوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وظن أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم إنما كان لعلة، وقد ارتفعت، ثم إنه أطلق الكراهة وأراد التحريم وقد فعل ذلك كثير يطلقون الكراهة وهم يريدون التحريم حذرًا من قوله تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116] لأنه مما أداه إليه اجتهاده وهذا طريقة كبراء الأئمة كمالك والشافعي اهـ من المفهم بتصرف، وقوله أن يظلوا معرسين -بضم الميم وسكون العين وكسر الراء- جمع معرس وهو الذي يخلو بعرسه أي بزوجته، ولا يصح أن يكون من التعريس لأن الرواية -بسكون العين وتخفيف الراء- ولأن التعريس إنما هو النزول من آخر الليل ويناقضه يظلون ويروحون فإنهما إنما يقالان على عمل النهار والله تعالى أعلم، يقال أعرس الرجل إذا صار ذا عروس ودخل بامرأته عند بنائها والمراد هنا الوطء، والضمير في (بهن) للنساء وإن لم يذكرن لعلمه من المقام؛ أي كرهت أن يكونوا أول النهار واطئين بالنساء (في الأراك) أي في موضع يسمى بالأراك بقرب نمرة لتحللهم من الحج بالفسخ (ثم يروحون) أي يكونون في الرواح أي في آخر النهار (في) أعمال (الحج) حالة كونهم (تقطر) وتمطر (رووسهم) من مياه الاغتسال المسببة من الوقاع بعهد قريب، فبين عمر رضي الله عنه العلة التي لأجلها كره التمتع، وكان من رأيه كما قال الزرقاني: ينبغي عدم الترفه للحاج بكل طريق فكره قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر البلل إلى ذلك الحين بخلاف من بعد عهده بهن ومن تفطم ينفطم اهـ، والأراك بوزن سحاب القطعة من الأرض فيها أراك وهو شجر معروف يستاك بأغصانه والمراد به هنا موضع بعرنة كثير الأراك كذا في القاموس وشرحه والمعنى أني أكره التمتع لأن التحلل الذي فيه يفضي إلى مواقعة النساء إلى حين الخروج إلى عرفات.
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي موسى وذكر فيه أربع متابعات.
***