الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
514 -
(70) بالب: نقض الكعبة وبنائها والجدر وبابها والحج عن المعضوب والصبي
(3121)
- (1247)(227) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ، لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قُرَيشًا، حِينَ بَنَتِ
ــ
514 - (70) باب نقض الكعبة وبنائها والجدر وبابها والحج عن المعضوب والصبي
3121 -
(1247)(227)(حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري (قالت) عائشة (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حداثة عهد قومك) يعني قريشًا، والحداثة بفتح الحاء، وفي رواية أخرى لولا حدثان قومك بكسر المهملة وسكون الدال بعدها مثلثة بمعنى الحدوث أي لولا قرب عهدهم وزمنهم (بالكفر) موجود، ولولا حرف امتناع لوجود فإذا قلت لولا زيد لهلكت فالمعنى أنه امتنع هلاكنا لوجود زيد فالمعنى في الحديث أنه امتنع النقض لوجود قرب عهدهم بالكفر وكان ذلك مانعًا لأن قرب عهدهم مظنة إنكار تغيير البيت لما يعتقدون من تعظيمه اهـ أبي، ايعني أن قريشًا كانت تعظم أمر الكعبة جدًّا فخشي أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالكفر أنه غيّر بناءَها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويستفاد منه ترك المصلحة لأمر الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم ولو كان مفضولًا ما لم يكن محرمًا كذا في الفتح اهـ، والمعنى لولا قرب عهدهم بالكفر والخروج منه والدخول في الإسلام وأنه لم يتمكن الدين في قلوبهم فلو هدمت الكعبة وغيرتها ربما نفروا من ذلك وللإشعار بهذا المعنى أورده البخاري في كتاب العلم أيضًا في باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه اهـ من بعض الهوامش (لنقضت) وفدمت (الكعبة) المشرفة (ولجعلتها) أي ولجعلت بناءَها (على أساس إبراهيم) الخليل عليه السلام أي لهدمتها وأعدتها على قواعد بناء إبراهيم عليه السلام (فإن قريشًا حين بنت
الْبَيتَ، اسْتَقْصَرَتْ. وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا".
(3122)
- (00)(00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ.
(3123)
- (00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ
ــ
البيت) أي الكعبة كان بين ذلك البناء وبين المبعث النبوي خمس سنين، وقال مجاهد: كان ذلك قبل المبعث بخمس عشرة سنة والأول أشهر وبه جزم ابن إسحاق، قال النووي: قال العلماء: بُني البيت خمس مرات بنته الملائكة أولًا ثم إبراهيم عليه السلام ثم قريش في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون سنة وقيل خمس وعشرون وفيه سقط على الأرض حين وقع إزاره ثم بناه ابن الزبير ثم الحجاج بن يوسف واستمر إلى الآن على بناء الحجاج اهـ (استقصرت) أي اقتصرت على هذا القدر من إتمام بناء إبراهيم لقصور النفقة بهم عن تمام بنائه كما يفهم من الروايات الآتية لأن بعضها تفسر بعضًا (ولجعلت) أنا بضم التاء للمتكلم معطوف على جعلتها لا بصيغة التأنيث الغائب عطفًا على استقصرت كما توهمه القابسي (لها خلفًا) بفتح المعجمة وسكون اللام بعدها فاء أي بابا خلفًا أي ولجعلت لها بابا آخرًا خلفها يقابل الباب المقدم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 176]، والبخاري [584]، والترمذي [875]، والنسائي [5/ 215]، وابن ماجه [2955].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3122 -
(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا) عبد الله (ابن نمير عن هشام بهدا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لأبي معاوية.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال:
3123 -
(00)(00) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن
شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"أَلَمْ تَرَي أَنَّ قَوْمَكِ، حِينَ بَنَوُا الْكعْبَةَ، اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام؟ " قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ! فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ". فَقال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَت هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
ــ
شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق) التيمي المدني أخا القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، روى عن عمته عائشة في الحج، ويروي عنه (خ م س) وسالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولى ابن عمر، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، قال مصعب: قتل بالحرة شابًّا، سنة (63) ثلاث وستين (أخبن عبد الله بن عمر) بنصب عبد الله على المفعولية، وظاهره أن سالمًا كان حاضرًا لذلك فيكون من روايته عن عبد الله بن محمد (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى، غرضه بيان متابعة عبد الله بن محمد لعروة بن الزبير وفيه ثلاث من الأتباع يروي بعضهم عن بعض (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لها (ألم تري) بحذف النون للجازم ولولا الجازم لكان ترين، ومعناه ألم تعرفي يا عائشة (أن قومك) قريشًا (حين بنوا الكعبة اقتصروا عن) بنائها على (قواعد إبراهيم عليه السلام) أي اقتصروا على هذا القدر منها إذ لم يجدوا نفقة (قالت) عائشة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أ) تتركها على هذا القدر (فلا تردها) أي لا تعيدها (على قواعد إبراهيم) وأساسه (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حدثان قومك) قريش أي قرب عهدهم (بالكفر لفعلت) إعادتها على قواعد إبراهيم عليه السلام، قال ابن الأثير: حدثان الشيء بكسر أوله مصدر حدث يحدث حدوثًا وحدثانًا والحديث ضد القديم اهـ وهو كما في الرواية الأولى مبتدأ محذوف الخبر وجوبًا أي لولا قرب عهدهم بالكفر موجود (فقال عبد الله بن عمر) والله (لئن كانت عائشة سمعت هذا) الكلام (من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هذا اللفظ من ابن عمر على سبيل التضعيف. لروايتها والتشكيك في صدقها
مَا أُرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلامَ الرُّكْنَينِ اللَّذَينِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ، إلا أَنَّ الْبَيتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ.
(3124)
- (00)(00) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرِ بن أَبِي قُحَافَةَ، يُحَدِّثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛
ــ
وحفظها فقد كانت من الحفظ والإتقان بحيث لا يستراب في حفظها ولا فيما تنقله، ولكن كثيرًا ما يقع في كلام العرب صورة التشكيك، والمراد التقرير واليقين كقوله تعالى وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين وقوله عز وجل قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت الآية اهـ عياض (ما أرى) ولا أظن (رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين) افتعال من السلام، والمراد هنا لمس الركن بالقبلة أو اليد (اللذين يليان) أي يقربان (الحجر) -بكسر المهملة وسكون الجيم- وهو حائط معروف على صنعة نصف الدائرة إلى جانب الكعبة الغربي، وقدرها تسع وثلاثون ذراعًا، والقدر الذي أخرج من الكعبة سيأتي قريبًا (إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم) عليه السلام. وانفرد الإمام مسلم رحمه الله تعالى بهذه الرواية.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها فقال:
3124 -
(00)(00)(حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (عن مخرمة) بن بكير بن عبد الله المصري (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (حدثنا) عبد الله (بن وهب أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم المصري ثقة، من (5)(قال) بكير بن عبد الله (سمعت نافعًا مولى ابن عمر يقول سمعت عبد الله) بن محمد (بن أبي بكر) الصديق عبد الله (بن أبي قحافة) عثمان والد الصديق التيمي المدني (يحدّث عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة نافع لسالم بن عبد الله في الرواية عن عبد الله بن
أَنَّهَا قَالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ (أَوْ قَال: بِكُفْرٍ) لأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالأَرْضِ، وَلأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ"
ــ
محمد (أنها) أي أن عائشة (قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لولا أن قومك) قريشًا (حديثو عهد) أي قريبو زمن (بجاهلية) وهي الحالة التي كانوا عليها قبل الإسلام من الجهل بالله وبرسوله وبدينه (أو قال) الرسول أو الراوي (بكفر) بدل بجاهلية، والشك من عائشة أو ممن دونها (لأنفقت كنز الكعبة) أي لصرفت المال المكنوز أي المجموع لها (في سبيل الله) تعالى أي في سبيل الخير أو في الجهاد، وفيه إشعار بأنه كان فيها مال مكنوز، قال الحافظ: لم أر هذه الزيادة إلا من هذا الوجه، ومن طريق أخرى أخرجها أبو عوانة من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قال النواوي: وفيه دليل على جواز إنفاق كنز الكعبة ونذورها الفاضلة عن مصالحها في سبيل الله لكن جاء في رواية لأنفقت كنز الكعبة في بنائها وبناؤها من سبيل الله فلعله المراد بقوله في الرواية الأولى (في سبيل الله) والله أعلم، قال القرطبي: وكنز الكعبة المال المجتمع مما يهدى إليها، قال عياض: وكانوا في الجاهلية ينفقون منه فيما يحتاج إليه البيت ويقرون الفاضل ولا يتعرضون إليه تعظيمًا لها فأقره صلى الله عليه وسلم على ما كان عليه ولم يتعرض له للعلة التي ذكرها وهو خوف أن تقول قريش وتنكره كما تنكر بناء البيت على عادتهم في تعظيم تغيير ذلك فأقره صلى الله عليه وسلم ولم يغيره استئلافًا لهم وأقره أبو بكر، ثم إن عمر هم بقسمه فخالفه بعض أصحابه، واحتج بأن صاحبيه لم يفعلاه، وقال له أبي: إن الله قد بين موضع كل مال ولما في إبقاء مالها وحليتها من الترهيب للعدو، قال القرطبي: وليس من كنز الكعبة ما تحلى به من الذهب والفضة كما ظنه بعضهم فإن ذلك ليس بصحيح لأن حليها حبس عليها كحصرها وقناديلها وإنما كنزها فضلة ما يهدى إليها بعد نفقة ما تحتاج إليه كما مر اهـ (ولجعلت بابها) ملاصقًا (بالأرض) بحيث يكون على وجهها غير مرتفع عنها وكان مرتفعًا عنها بحيث لا يصعد إليه إلا بسلم وكان الآن كذلك (ولأدخلت فيها) أي في الكعبة ما أخرج منها (من الحجر) عند بناء قريش لقلة النفقة عليهم، بينه ما في الآخر من قوله وزدت فيها ستة أذرع من الحجر.
(3125)
- (00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ سَعِيدٍ (يَعْنِي ابْنَ مِينَاءَ) قَال: سَمِعْتُ عَندَ اللهِ بْنَ الزُّبَيرِ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي خَالتِي (يَعْنِي عَائِشَةَ) قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ! لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ. فَأَلْزَقْتُهَا بِالأَرْضِ. وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَينِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا. وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها رابعًا فقال:
3125 -
(00)(00)(وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثني) عبد الرحمن (ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا سليم) مكبرًا (ابن حيان) بالمهملة المفتوحة والتحتانية المشددة، الهذلي البصري، ثقة، من (7) وليس في الصحيحين من اسمه سليم إلا هذا الثقة (عن سعيد يعني ابن ميناء) بكسر الميم ومد النون مولى البختري بن أبي ذباب بوزن غراب أبي الوليد المكي أو المدني، ثقة، من (3)(قال سمعت عبد الله بن الزبير) بن العوام رضي الله عنهما (يقول حدثتني خالتي يعني عائشة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن الزبير لمن روى عن عائشة (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لولا أن قومك) قريشًا (حديثو عهد) أي قريبو زمن (بشرك) أي لولا حدثان قومك موجود (لهدمت الكعبة) المشرفة (فألزقتها) أي ألصقت بابها (بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيًا) يدخلون منه (وبابًا غربيًا) يخرجون منه، وتأتي رواية بابا يدخل الناس منه وبابًا يخرجون منه، والباب الشرقي هو الباب الذي له الآن وهو الباب القديم، والباب الغربي هو الباب الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم إحداثه كما ذكره ابن حجر ويكون من خلفه يقابل الباب المقدم (وزدت فيها) أي في الكعبة (ستة أذرع من الحجر) تحديده لما يدخل بستة أذرع، وفي الآخر بخمسة أذرع تحديد لمقدار ما في الحجر من البيت اهـ أبي. (قلت) اختلفت الروايات في تحديد قدر ما كان من البيت من الحجر ففي رواية ستة أذرع، وفي أخرى سبعة أذرع، وفي أخرى ستة أذرع وشبر، وفي أخرى خمس أذرع، ويجمع بينها بأن رواية خمس شاذة ويجمع بين الباقي بأن رواية ستة وشبر، ورواية ستة أسقطت الكسر، ورواية سبعة كملت الكسر والله أعلم هكذا ظهر للفهم السقيم، أي أدخلت في البيت حين بنيتها وجددتها قدر ستة أذرع من الحجر لأنه
فَإِنَّ قُرَيشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ".
(3126)
- (00)(00) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي سُلَيمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ. قَال: لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاويَةَ، حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ،
ــ
منها أخرجته قريش منها حين بنتها لقلة النفقة عليهم، قوله (ستة أذرع) كذا في جميع النسخ بتأنيث اسم العدد وكذا في صحيح البخاري، والقياس أن يقال ست أذرع بتذكير اسم العدد لأن ذراع المساحة مؤنث في أكثر اللغات ولكن نظر هنا إلى لفظه كما علله بقوله (فإن قريشًا اقتصرتها) أي اقتصرت في بناء الكعبة على القدر الذي يطيقون نفقته (حيث بنت الكعبة) وتركوا بعض ما هو من الكعبة في خارجها من جهة الحجر، ومعنى (حيث بنت الكعبة) أي حين بنتها ذكر ابن هشام في المغني أن كلمة حيث قد ترد للزمان كما هنا.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة خامسًا رضي الله تعالى عنها فقال:
3126 -
(00)(00)(حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الكوفي، ثقة، من (10)(حدثنا) يحيى بن زكريا (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9)(أخبرني) عبد الملك (بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري العرزمي أبو محمد بن ميسرة الكوفي، صدوق، من (5)(عن عطاء) بن أبي رباح المكي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عطاء لسعيد بن ميناء في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن الزبير (قال) عطاء (لما احترق البيت) المعظم (زمن يزيد بن معاوية) بن أبي سفيان الأموي الشامي، أحد أمراء بني أمية (حين غزاها) أي غزا البيت (أهل الشام) قال الأبي رحمه الله تعالى: لا بد من تقديم ما يتضح به معنى الحديث، قال البياسي وغيره من المؤرخين: إن معاوية كان عهد لابنه يزيد بالخلافة وأخذ الناس بذلك وتأخر عن الدخول فيه الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير فلما توفي معاوية وبويع ليزيد لم يكن عليه أهم من مبايعة الثلاثة فكتب إلى عامله بالمدينة؛ أما بعد: فخذ حسينًا وابن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذًا شديدًا ليس فيه رخصة والسلام، فأرسل إلى الحسين وابن الزبير فوعداه أن يأتياه من الغد ثم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خرج ابن الزبير تحت ليل إلى مكة فأرسل في طلبه فلم يوجد لأنه أخذ غير الطريق الأعظم، واشتغل العامل في طلبه إلى المساء، فأرسل إلى الحسين فوعده أن يأتيه من الغد فخرج أيضًا تحت ليل في بنيه وأهل بيته إلى مكة فلما استقر بها أرسل إليه أهل الكوفة أن ائتنا نبايعك فخرج إليها فخذلوه فقتله عبيد الله بن زياد من قبل يزيد قبل وصوله إليهم وبعث برأسه وأهل بيته إلى يزيد، فلما قتل خلى الحجاز لابن الزبير فقام في أهل مكة فعظم قتل الحسين، وذم أهل العراق فقال: هم غدر وفجر وأشر أهل العراق أهل الكوفة أرسلوا إلى الحسين ليولوه عليهم فخذلوه وخلع أهل المدينة بيعة يزيد وأخرجوا عامله ومن معه من بني أمية فكتبوا إلى يزيد يعرفونه فاستحضر عمرو بن سعيد بن العاص فعرفه الخبر وأمره أن يسير في الناس إليهم فقال: يا أمير المؤمنين كنت ضبطت لك البلاد وأحكمت الأمور فأما الآن إذ صارت إنما هي دماء قريش تراق فولها من هو أبعد رحمًا مني، فقال: يا غلام ادع لي الضحاك بن قيس الفهري فأتى فقال: فيم الشورى يا أمير المؤمنين! فعرفه الخبر، فقال الراوي: فرأيته يتصبب عرقًا فرجوت فيه الخير، فقال له يزيد: الرأي، فقال: يا أمير المؤمنين عشيرتك وقومك وبلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمه أرى أن تعفو عنهم، فقال: اخرج، ثم قال: يا غلام ادع لي مسلم بن عقبة المري فجاء رجل أعور ثائر الرأس كأنما يقلع رجليه من وحل إذا مشى فسلم ثم قال: فيم الشورى يا أمير المؤمنين! فعرفه الخبر، فقال: إني قدمت إليك وإلى أبيك فيهم فخالفتموني، فقال: دع العتاب وهات الرأي، فقال: أرى أن تبعث إليهم جيشًا كثيفًا، غليظة قلوبهم، بعيدة أرحامهم، فقال يزيد: أنت لها لولا أنك ضعيف، فقال: إن أمرتني بمصارعتهم فأنا أضعف منهم، وإن كنت تريد الرأي والتدبير فأنا قوي، قال: فتجهز فخرج منادي يزيد ينادي في الناس أن يسيروا إلى الحجاز على أعطياتهم وزيادة مائة دينار معونة فانتدب إلى ذلك اثنا عشر ألفًا ليس فيهم أكبر من ابن خمسين سنة، فلما فرغ مسلم من جهازه دخل على يزيد فودعه وقال له: سر على بركة الله، وإن حدث بك حادث فاستخلف على الناس حصين بن نمير السكوني، وإذا نزلت بالمدينة فأنذر أهلها ثلاثًا فإن أجابوا ودخلوا فيما خرجوا عنه فانصرف عنهم إلى ابن الزبير، وإن أبوا فناجزهم القتال، وإن ظهرت عليهم فأبح المدينة ثلاثًا فيما فيها من الطعام والسلاح والمال، فلما أشرف على المدينة بأهل الشام خرجوا إليه في جموع كثيرة وهيئة قتال لم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ير أحسن منها، فلما رآهم أهل الشام هابوهم وكرهوا قتالهم فأرسل إليهم مسلم يدعوهم إلى الطاعة وبيعة يزيد وقال: يا أهل المدينة إني أكره إراقة دمائكم وانتهاك حرمكم وإني أؤجلكم ثلاثًا فمن ارعوى وراجع الحق قبلت منه وانصرفت عنكم إلى هذا الملحد الذي بمكة وجمع عليه المراق والفساق، وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إليكم فقالوا: يا أعداء الله إنا لا نثق بعهودكم ولو أردتم أن تجوزوا إليه ما تركناكم حتى نقاتلكم، ولا تكون طريقكم علينا لغزو بيت الله تعالى لتخيفوا وتلحدوا فيه أبدًا، فلما فرغ الأجل، ناداهم مسلم: يا أهل المدينة قد انقضى الأجل ما تصنعون أتسالمون أم تحاربون؟ قالوا: بل نحارب فوقع القتال بالحرة، وكانت الهزيمة على أهل المدينة وهي وقعة الحرة المشهورة، وأباح مسلم المدينة ثلاثًا، ثم أخذ البيعة عليهم ليزيد على أنهم عبيد له إن شاء باع وإن شاء أعتق وإن شاء قتل، وكان سبب الهزيمة أن بني حارثة من أهل المدينة أدخلوا عليهم القوم من جهتهم فكانت الهزيمة، وصرخ الناس والصبيان وركب الناس بعضهم بعضًا في الطرقات، وبلغت القتلى من وجوه الناس سبعمائة من قريش والأنصار، ووجوه الموالي ومن غيرهم من النساء والصبيان والعبيد والموالي عشرة آلاف، وقيل إن الذي مات من القراء سبعمائة ثم رحل مسلم إلى مكة، فلما بلغ قديدًا حضرته الوفاة، فاستخلف على أهل الشام حصين بن نمير السكوني لعهد يزيد إليه بذلك حسبما تقدم، فنزل حصين مكة فحاصر أهلها ورمى البيت بالمنجنيق وحرقها فبعد انقضاء أربعة وستين يومًا من الحصار، بلغ ابن الزبير أن يزيد مات، ولم يبلغ حصينًا وأهل الشام موته فناداهم ابن الزبير أن طاغيتكم هلك فعلام تقاتلون، فلم يصدقوه، ثم لما استيقنوه رحلوا مولين إلى الشام، وبايع أهل الشام بعد يزيد ابنه معاوية بن يزيد وهو ابن نيف وعشرين سنة وذلك سنة أربع وستين من الهجرة، ثم توفي معاوية بن يزيد بعد أربعين يومًا من ولايته، وبايع أهل الشام بعد مروان بن الحكم، وتوفي يزيد وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وكانت خلافته ثلاثة أعوام وثمانية أشهر، ثم توفي مروان بعد عشرة أشهر من خلافته، وبويع لابنه عبد الملك بن مروان، وبويع لابن الزبير عند موت معاوية بن يزيد بالحجاز ومكة، وتسمى بالخليفة وأذعن له سائر الأرض إلا الأردن بعد أن أقام الناس شهرين بلا خليفة، وبعث عماله إلى الحجاز والمشرق وبقي خليفة إلى أن قتله الحجاج بمكة بعد أن حوصر بها مدة، وذكر أبو عمر في التقصي أن مالكًا رحمه الله تعالى كان يقول: ابن
فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزبَيرِ. حَتى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ. يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ (أَوْ يُحَرِّبَهُمْ) عَلَى أَهْلِ الشَّامِ
ــ
الزُّبير أحق بالخلافة من مروان وابنه، قوله (قال) عطاء (لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية) تقدم في القصة عن البياسي أن حصين بن نمير السكوني الموجه من قبل يزيد رمى البيت بالمنجنيق وحرقه، وقيل في تحريقه أن رجلًا من أصحاب ابن الزُّبير رفع قبسًا على رمحه فطارت شرارة فأحرقت الستارة فاحترق البيت، قال السهيلي: وقيل إن شرارة طارت من جبل أبي قبيس، وقيل من يد امرأة والذي احترق من البيت فيما ذكر عروة بن أذينة قال: قدمت مكة يوم احترق البيت فرأيت الكعبة مجردة من الحرير، ورأيت الركن قد اسود وانصدع من ثلاثة أمكنة، فقلت: ما أصاب الكعبة؟ فأشاروا إلى رجل من أصحاب ابن الزُّبير قالوا: بسبب هذا احترقت، رفع قبسًا على رمحه.
(حين غزاها) أي حين غزا مكة (أهل الشَّام) بعد وقعة الحرة بالمدينة الكائنة في آخر ثلاث وستين سنة من الهجرة المقدسة بأمر يزيد بن معاوية رموا البيت بالمنجنيق ورموا مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان وغير ذلك من المحرقات فاحترقت ثياب الكعبة وأخشاب البيت (فكان من أمره) أي من أمر البيت وشأنه (ما كان) من الاحتراق، وقوله فكان من أمره معطوف على فعل الشرط للما وجوابها، قوله (تركه) أي ترك البيت (ابن الزُّبير) على حاله محروقًا من غير إصلاح ما تهدم منه (حتَّى قدم النَّاس الموسم) أي موسم الحج، وكان احتراقه لثلاثٍ خلون من شهر ربيع الأول، والموسم هي أيام الحج، والتأخير إنما هو فيما بين الزمانين؛ يعني أن ابن الزُّبير ترك الكعبة ليراها النَّاس محترقة يحرضهم على أهل الشَّام، وهو معنى قوله (يريد) بتركها على حاله (أن يجرئهم) أي أن يجرئ أهل الآفاق ويشجعهم وهو -بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الراء المكسورة بعدها همزة- من الجراءة وهي الشجاعة أي أن يشجعهم على قتالهم بإظهار قبيح أفعالهم هذا هو المشهور في ضبطه (أو) قال عطاء: يريد أن (يحربهم) -بضم الياء وفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة- أي يغضبهم (على أهل الشَّام) بما فعلوه بالبيت من التحريب، يقال حربت الأسد إذا أغضبته، وحربت الرَّجل إذا حملته على الغضب وعرفته بما يغضب منه، قال القاضي: وقد يكون معناه يحملهم على حرب أهل الشَّام ويحرضهم عليها ويؤكد عزائمهم لذلك، ورواه العذري يجربهم -بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة -أي يختبرهم وينظر ما
فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَال: يَا أَيها النَّاسُ! أَشِيرُوا عَلَيَّ في الْكَعْبَةِ. أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِي بِنَاءَهَا. أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهى مِنْهَا؟ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِني قَدْ فُرِقَ لِي رَأْيٌ فِيهَا. أَرَى أن تُصْلِحَ مَا وَهى مِنْهَا. وَتَدَعَ بَيتًا. أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيهِ. وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيهَا وَبُعِثَ عَلَيهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال ابْنُ الزبَيرِ: لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيتُهُ، مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ. فَكَيفَ بَيتُ رَبِّكُمْ؟ إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثلَاثًا. ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي
ــ
عندهم في ذلك من حمية وغضب لله ولبيته، ورواه آخرون (يحزبهم) بالحاء والزاي والباء أي يشد قوتهم ويميلهم إليه ويجعلهم حزبًا له وناصرين له على مخالفيه، وحزب الرَّجل من مال إليه، وتحازب القوم تمالوا.
(فلما صدر النَّاس) أي انصرفوا ورجعوا عن الموسم إلى مكة (قال) لأهل مكة أو المعنى فلما انصرف رعاع النَّاس وعوامهم ورجعوا إلى بلادهم وبقي خواص أهل الموسم قال ابن الزُّبير (يَا أيها النَّاس أشيروا عليّ في) شأن (الكعبة) أي أظهروا لي رأيكم فيها (أنقضها) بتقدير همزة الاستفهام أي هل أَنقضها وأهدمها (ثم أبني بناءها) الجديد (أو أصلح ما وهي) وتهدم (منها) قال النواوي: وفيه استشارة الإِمام ذوي العقل من رعيته، وأن عظائم الأمور لا يستبد بها (قال ابن عباس) في جواب مشاورة ابن الزُّبير (فإنِّي قد فرق) بالبناء للمجهول أي قد كشف وبين (لي رأي فيها) أي في شأن الكعبة فإنِّي (أرى) فيها (أن تصلح ما وهي) وانهدم (منها) وتعيده (و) أن (تدع) أي وأن تترك (بيتًا أسلم النَّاس عليه) على حاله من غير تغيير (وأحجارًا أسلم النَّاس عليها) يعني أحجار الكعبة من غير تبديل (و) تترك أحجارًا (بعث عليها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال ابن الزُّبير) في رد رأي ابن عباس رضي الله عنهما (لو كان أحدكم احترق) عنه (بيته ما رضي) أن يتركه على حاله محترقًا (حتَّى يجده) -بضم الياء وكسر الجيم بعدها الدال المشددة- أي حتَّى يجعله جديدًا، قال النووي: وفي كثير من النسخ حتَّى يجدده بدالين أولاهما مشددة وهو بمعنى الأول (فكيف) يترك (بيت ربكم) محترقًا على حاله، ثم قال (إنِّي مستخير ربي ثلاثًا) من الليالي أي طالب من ربي أن يريني في المنام ما هو خير من هدمها وتركها ثلاث ليال (ثم) بعد الثلاث (عازم) أي جازم نيتي (على أمري) أي على ما
فَلَمَّا مَضَى الثَّلَاثُ أَجْمَعَ رَأيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا. فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَتزِلَ، بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ، أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ. حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً. فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيءٌ تَتَابَعُوا. فَنَقَضُوهُ حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الأَرْضَ. فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيرِ أَعْمِدَةً. فَسَتَّرَ عَلَيهَا السُّتُورَ. حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ
ــ
ظهر لي في أمر البيت ومجمع عليه (فلما مضى) وتم (الثلاث) من الليالي (أجمع) ابن الزُّبير أي عزم (رأيه) وجزم نيته (على أن ينقضها) أي على أن يهدم الكعبة (فتحاماه) أي فتحامى نقض البيت (النَّاس) واجتنبوه وابتعدوا عنه وتحرزوا منه مخافة (أن ينزل بأول النَّاس يصعد فيه) أي يطلع عليه لنقضه (أمر) أي آفة وعذاب (من السماء) كما نزل بابرهة الذي أراد هدمه، وقوله (حتَّى صعده) غاية للتحامي أي تحاموا نقضه حتَّى صعد البيت (رجل) من النَّاس، وسيأتي قريبًا أن ذلك الرَّجل هو ابن الزُّبير نفسه (فألقى منه) أي قلع ورمى من البيت (حجارة) من أحجاره (فلما لم يره النَّاس) أي فلما لم ير النَّاس ذلك الرَّجل (أصابه شيء) أي عذاب من السماء (تتابعوا) أي تعاقبوا وتلاحقوا في هدمه (فنقضوه حتَّى بلغوا) ووصلوا (به) أي بنقضه (الأرض) أي أساسه من الأرض، وقال ابن عيينة في جامعه عن داود بن سابور عن مجاهد قال: خرجنا إلى منى فأقمنا بها ثلاثًا ننتظر العذاب، وارتقى ابن الزُّبير على جدار الكعبة هو بنفسه فهدم، وفي رواية أبي أُوَيس المذكورة، ثم عزل ما كان يصلح أن يعاد في البيت فبنوا به فنظروا إلى ما كان لا يصلح منها أن يبنى به فأمر به أن يحفر له في جوف الكعبة فيدفن واتبعوا قواعد إبراهيم وهي صخر أمثال الخلف من الإبل فانفضوا له أن حركوا تلك القواعد بالعتل فنفضت قواعد البيت ورأوه بنيانًا مربوطًا بعضه ببعض فحمد الله وكبره، ثم أحضر النَّاس فأحضر بوجوهم وأشرافهم فنزلوا حتَّى شاهدوا ما شاهده ورأوابنيانًا مُتّصِلًا فأشهدهم على ذلك اهـ فتح الملهم (فجعل ابن الزُّبير أعمدة فستر عليها) أي فجعل على تلك الأعمدة (الستور حتَّى ارتفع بناؤه) أي بناء البيت وظهر للنَّاس، قال النووي: المقصود بهذه الأعمدة والستور أن يستقبلها المصلون في تلك الأيام ويعرفوا موضع الكعبة ولم تزل تلك الستور حتَّى ارتفع البناء وصار مشاهدًا للنَّاس فأزالها لحصول المقصود بالبناء المرتفع من الكعبة، واستدل القاضي عياض بهذا لمذهب مالك في أن المقصود بالاستقبال البناء والبقعة، قال: وقد كان ابن عباس أشار إلى ابن الزُّبير بنحو هذا، وقال
وَقَال ابْنُ الزُّبَيرِ: إِنِّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَوْلَا أَنَّ النَّاسَ حَدِيثْ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، وَلَيسَ عِنْدِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّي عَلَى بِنَائِهِ، لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا يدخلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ"
ــ
له: إن كنت هادمها فلا تدع النَّاس بلا قبلة، فقال له جابر: صلوا إلى موضعها فهي القبلة، ومذهب الشَّافعيّ جواز الصلاة إلى أرض الكعبة ويجزئه ذلك بلا خلاف عنده سواء كان بقي منها شاخص أو لا والله أعلم.
قوله (وقال ابن الزُّبير) معطوف على قوله في أول الكلام "قال: أيها النَّاس أشيروا عليّ" على كونه جواب لما، قال الأبي: كان المناسب أن يكون هذا حين الاستشارة وحين قال ابن عباس، ولكن العطف بالواو، والأظهر أن ابن عباس لا يخفى عليه ذلك، ولكن رأى أنَّه فرق بين بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وبناء غيره، وأنه لو بناها صلى الله عليه وسلم لكان بناؤه أوقع في النفوس من بناء أسلم عليه النَّاس، ورأى ابن الزُّبير عكس العلة وهو قوله فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف النَّاس اهـ منه، ولكن يرد عليه أي على قوله أجد ما أنفق ولا أخاف النَّاس ما ذكر ابن عباس من قوله فإنِّي قد فرق لي رأي فيها إلخ وما ذكره مالك لهارون الرشيد حين أراد أن يرده على ما بناه ابن الزُّبير فقال له مالك: نشدتك الله يَا أمير المُؤْمنين لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك لا يشاء أحد إلَّا نقض البيت وبناه فتذهب هيبته من صدور النَّاس فترك ما هم به، واستحسن النَّاس هذا من مالك، وعملوا عليه فصار هذا كالإجماع على أنَّه لا يجوز التعرض له بهدم أو تغيير اهـ من المفهم، أي قال ابن الزُّبير استدلالًا على رأيه (إني سمعت عائشة تقول إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن النَّاس) يعني قريشًا (حديث) بتنوين حديث ورفع (عهدهم) على إعمال الصفة المشبهة أي لولا أن النَّاس قريب زمنهم (بكفر و) الحال أنَّه (ليس عندي من النفقة ما يقوي) أي ما يساعدني (على بنائه) وجملة ليس جملة حالية معترضة لاعتراضها بين لولا وجوابها؛ يعني أن كلا من الأمرين مانع ذلك، وفي نسخة ما يقويني (لـ) هدمت الكعبة وبنيتها و (كنت أدخلت فيه) أي في البيت (من الحجر خمس أذرع ولجعلت لها) أي الكعبة بابين (بابا يدخل النَّاس منه) وهو الباب الشرقي (وبابًا يخرجون منه) وهو الباب الغربي، وفي بعض النسخ
قَال: فَأَنَا الْيَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ. وَلَسْتُ أَخَافُ النَّاسَ. قَال: فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ. حَتَّى أَبْدَى أُسًّا نَظَرَ النَّاسُ إِلَيهِ. فَبَنَى عَلَيهِ الْبِنَاءَ. وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا. فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ. فَزَادَ في طُولِهِ عَشَرَ أَذْرُعٍ. وَجَعَلَ لَهُ بَابَينِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ. فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيرِ كَتَبَ إلى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ
ــ
(ولجعلت له) فالضمير للبيت باعتبار التذكير، وللكعبة باعتبار التأنيث، فالحديث الذي سمعه ابن الزُّبير من خالته السيدة الصديقة هو الذي حمله على هدم الكعبة وبنائها كما في صحيح البُخَارِيّ، ففي حديثها تقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة، وأشار ابن الزُّبير إلى أن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب المصلحة حيث (قال) أي ابن الزُّبير (فـ) أما (أنا اليوم) فـ (أجد ما أنفق) علي بنائه (ولست أخاف النَّاس) أي عتابهم كما خاف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (قال) عطاء (فزاد) ابن الزُّبير (فيه) أي في البيت (خمس أذرع من الحجر) أي فأراد ابن الزُّبير أن يدخل في البيت قدر خمس أذرع من الحجر فحفر من أرض الحجر ذلك المقدار (حتَّى أبدى) وأظهر (أُسًا) أي أساس البيت الذي أسس عليه إبراهيم عليه السلام حتَّى (نظر النَّاس إليه) أي حتَّى أرى النَّاس أساسه ونظروا إليه (فبنى عليه البناء) أي فوضع بناء البيت عليه أي على ذلك الأساس الذي أظهره (وكان طول الكعبة) قبل ابن الزُّبير أي ارتفاعها في السماء (ثماني عشرة ذراعًا فلما زاد) ابن الزُّبير (فيه) أي في البيت من جهة الحجر (استقصره) أي استقصر ابن الزُّبير المقدار المذكور الذي كان للبيت قبله وهو ثماني عشرة ذراعًا أي عده قصيرًا (فزاد في طوله) على ما ذكر (عشر أذرع) فكانت جملة طوله ثمانية وعشرين ذراعًا، وقوله (ثماني عشرة ذراعًا) وروي من وجه آخر أنَّه كان طوله أولًا عشرين ذراعًا فلعل راويه جبر الكسر، وجزم الأزرقي بأن الزيادة تسعة أذرع فلعل عطاء جبر الكسر أَيضًا، قال السهيلي: كان طول البيت من عهد إسماعيل عليه السلام تسعة أذرع لم يكن له سقف فلما بنته قريش قبل الإِسلام بخمس سنين زادوا في طوله تسعة أذرع فلما بناه ابن الزُّبير زاد في طوله تسعة أذرع أَيضًا، فكانت سبعة وعشرين ذراعًا، وعلى ذلك هو الآن اهـ فتح الملهم (وجعل) ابن الزُّبير (له) أي للبيت (بابين أحدهما يدخل منه) بالبناء للمجهول، وكذا قوله (والآخر يخرج منه فلما قُتل ابن الزُّبير) أي فلما قتله الحجاج (كتب إلى عبد الملك بن مروان) بن
يُخْبِرُهُ بذلِكَ. ويخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيهِ العُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَكَتَبَ إِلَيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيرِ في شَيءٍ. أمَّا مَا زَادَ في طُولِهِ فَأَقِرَّهُ. وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إلى بِنَائِهِ. وَسُدَّ الْبَابَ الَّذِي فَتَحَهُ. فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إلى بِنَائِهِ
ــ
الحكم الأُموي، حالة كونه (يخبره) أي يخبر الحجاج لعبد الملك (بذلك) أي بقتلهم ابن الزُّبير (وبخبره) أيضًا بـ (أن ابن الزُّبير قد وضع البناء) أي بناء البيت حين بناه (على أس) أي على أساس إبراهيم الذي أظهره حين حفر الحجر و (نظر إليه) أي إلى ذلك الأساس (العدول) والأعيان والأشراف (من أهل مكة) فهل نترك البيت علي بنائه أم نهدمه فنجدده (فكتب إليه) أي إلى الحجاج (عبد الملك) بن مروان (إنا) معاشر بني أمية (لسنا من تلطيخ ابن الزُّبير) من إضافة المصدر إلى فاعله، وهو بيان مقدم لقوله في شيء) من المؤاخذة أي إنَّا لسنا في شيء من المؤاخذة بما تلطخه واقترفه واجترمه ابن الزُّبير من هدم الكعبة؛ يعني إنَّا برءاء مما تلطخه من جريمة هدم البيت (أما) الآن فـ (ما زاد) هـ (في طوله) أي في طول البيت وارتفاعه إلى السماء (فأقره) أي فاتركه على حاله ولا تنقص عنه (وأما ما زاد فيه) أي في البيت (من الحجر) وأدخله فيه (فـ) لا تتركه بل (رده) أي رد البيت (إلى بنائه) الأول، وأخرج منه ما أدخل فيه من الحجر (وسد) أي سك (الباب) الثاني (الذي فتحه) وزاده في البيت (فنقضه) أي فنقض الحجاج بناء البيت وهدمه (وأعاده إلى بنائه) الأول، وللفاكهي من طريق أبي أويس عن هشام بن عروة فبادر يعني الحجاج فهدمها وبنى شقها الذي يلي الحجر ورفع بابها وسد الباب الغربي، قال أبو أويس: فأخبرني غير واحد من أهل العلم أن عبد الملك ندم على إذنه للحجاج في هدمها ولعن الحجاج، قوله (وأما ما زاد فيه من الحجر) الخ هذا من خطإ عبد الملك إذ لا فرق بين ما زاده في طوله وما زاده من الحجر بل الأولى والأهم العكس لأن الطواف إنما هو من وراء الحجر، وكثيرًا ما يغلط الطائفون فيطوفون في الحجر فالاحتياط عما يؤدي إلى الوقوع في ذلك آكد، ويحتمل أن يكون الجواب إنما فرق بأن التغيير بإضافة الحجر أبين، وعبد الملك لا يريد أن يبقى لابن الزُّبير أثر ولا ذكر فعل بحال اهـ من شرح الأبي، قال الحافظ: جميع الروايات التي جمعتها في هذه القصة متفقة على أن ابن الزُّبير جعل الباب بالأرض، ومقتضاه أن يكون الباب الذي زاده على سمته، وقد ذكر
(3127)
- (00)(00) حَدَّثني مُحَمَّد بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ بَكْرٍ. أَخبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعتُ عَبدَ اللهِ بْنَ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ وَالْوَلِيدَ بْنَ عَطَاءٍ يُحَدِّثَانِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ أبي رَبِيعَةَ
ــ
الأزرقي أن جملة ما غيره الحجاج الجدار الذي من جهة الحجر والباب المسدود الذي في الجانب الغربي عن يمين الركن اليماني وما تحت عتبة الباب الأصلي وهو أربعة أذرع وشبر وهذا موافق لما في الروايات المذكورة، لكن المشاهد الآن في ظهر الكعبة باب مسدود يقابل الباب الأصلي وهو في الارتفاع مثله، ومقتضاه أن يكون الباب الذي كان على عهد ابن الزُّبير لم يكن لاصقًا بالأرض، فيحتمل أن يكون لاصقًا كما صرحت به الروايات لكن الحجاج لما غيره رفعه ورفع الباب الذي يقابله أَيضًا ثم بدا له فسدد الباب المجدد ولكن لم أر النقل بذلك صريحًا، وذكر الفاكهي في أخبار مكة أنَّه شاهد هذا الباب المسدود من داخل الكعبة في سنة (263) ثلاث وستين ومائتين فإذا هو مقابل باب الكعبة، وهو بقدره في الطول والعرض، وإذا في أعلاه كلاليب ثلاثة كما في الباب الموجود سواء والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3127 -
(00)(00)(حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حَدَّثَنَا محمَّد بن بكر) البرساني (أخبرنا ابن جريج قال سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير) مصغرًا بلا إضافة بن قتادة بن سعد بن عامر بن جندع الليثيّ أَبا هاشم المكيّ، روى عن الحارث بن عبد الله في الحج، وابن عمر وعائشة وعدة، ويروي عنه (م ع) وابن جريج، ثِقَة، من الثالثة (والوليد بن عطاء) بن خباب الحجازي روى عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة في الحج، ويروي عنه (م) وقرنه بعبد الله بن عبيد وابن جريج، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (يحدثان عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة) المخزومي الحجازي، روى عن عائشة في الحج، وحفصة في الفتن، ويروي عنه (م س) وعبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء وعبد الرَّحْمَن بن سابط، قال ابن سعد: كان قليل الحديث، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال في التقريب:
قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيدٍ: وَفَدَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الله َعَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ في خِلَافتِهِ. فَقَال عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَظُن أَبَا خُبَيبٍ (يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيرِ) سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا. قَال الْحَارِثُ: بَلَى! أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهَا. قَال: سَمِعْتَهَا تَقُولُ مَاذَا؟ قَال: قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيتِ. وَلَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ
ــ
صدوق، من الثَّانية (قال عبد الله بن عبيد: وقد) أي حضر (الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته) أي في زمن خلافة عبد الملك (فقال عبد الملك) للحارث بن عبد الله (ما أظن أَبا خبيب يعني) عبد الملك بأبي خبيب (ابن الزُّبير) وأبو خبيب -بضم المعجمة- كنية عبد الله بن الزُّبير، وكانت له كنيتان أبو بكر وأبو خبيب، والمشهورة منهما هي الأولى، وكانوا إذا أرادوا ذمه كنوه بأبي خبيب كما هو معلوم لمن اشتغل بكتب السير، وهذا الكلام من عبد الملك تكذيب لابن الزُّبير فيما نقل عن عائشة كما صرح بتكذيبه فيما بعد، وعبد الله بن الزُّبير من أكابر الصَّحَابَة، ففي تكذيبه وسبه ما في تكذيب غيره من الصَّحَابَة، وأنت تعلم حكم من سب أحدًا منهم، وقد صرح بعضهم بفسق عبد الملك قال: وناهيك برجل الحجاج بعض سيئاته (سمع من عائشة ما كان يزعم أنَّه سمعه منها) من حديث نقض الكعبة (قال الحارث) بن عبد الله لعبد الملك (بلى) أي ليس الأمر عدم سماعه منها بل سمعه منها حتَّى (أنا سمعته) أي سمعت هذا الحديث (منها) أي من عائشة، زاد عبد الرَّزّاق عن ابن جريج فيه: وكان الحارث مصدقًا لا يكذب، وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الحارث بن عبد الله لمن سمع عن عائشة (قال) عبد الملك، وقوله (سمعتها) بفتح التاء للمخاطب (تقول ماذا) اسم استفهام مركب في محل الرفع على الابتداء، وجملة سمعتها خبره أي أي شيء سمعتها تقول، أو ما اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، وذا اسم موصول في محل الرفع خبره، وجملة سمعتها صلة الموصول أي ما الذي سمعتها تقول (قال) الحارث بن عبد الله (قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قومك) يَا عائشة يعني قريشًا (استقصروا) أي قصروا وعجزوا لقلة النفقة (من بنيان البيت) أي من بنائه على قواعد إبراهيم عليه السلام، وأساسه من الاستقصار وهو القصور والقصور العجز عن أداء المراد (ولولا حداثة) بفتح الحاء المهملة أي ولولا قرب (عهدهم) وزمنهم (بالشرك) موجود لنقضت
أَعَدْتُ مَا تَرَكُوا مِنْهُ. فَإنْ بَدَا لِقَوْمِكِ، مِنْ بَعْدِي، أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي لأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ". فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. هذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيدٍ. وَزَادَ عَلَيهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَطَاءِ: قَال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَينِ مَوْضُوعَينِ في الأَرْضِ شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا. وَهَلْ تَدْرِينَ لِمَ كانَ قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟ "
ــ
الكعبة وبنيتها و (أعدت) أي أدخلت فيها (ما تركوا منه) أي من البيت أي ما أخرجوا منه من جهة الحجر (فإن بدا) وظهر (لقومك) قريش (من بعدي) أي من بعد وفاتي رأي واتفاق على (أن يبنوه) أي على بناء البيت أي ظهر لهم بناؤه فلترينهم حدوده فإن لم تعلمي حدوده (فهلمي) أي تعالى إليّ (لأريك) حدوده (ما تركوا منه) قال الحارث بن عبد الله (فأراها) أي أرى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عائشة وأبصرها مقدارًا (قريبًا من سبعة أذرع) من الحجر، قوله (فإن بدا لقومك) أي ظهر لهم ما لم يظهر أولًا، والاسم البداء مثل سلام، يقال بدا له في الأمر بداءً بالمد أي حدث له فيه رأي لم يكن أولًا، ويقال هو ذو بدوات أي يتغير رأيه، والبداء محال على الله تعالى بخلاف النسخ كذا في الشرح، وقوله (فهلمي لأريك) قال النووي: هذا جار على إحدى اللغتين في هلم، قال الجوهري: تقول: هلم يَا رجل بفتح الميم بمعنى تعال، قال الخليل أصله: لم من قولهم لم الله شعثه أي جمعه كأنه أراد لم نفسك إلينا أي أقرب، وها للتنبيه، وحذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعل اسمًا واحدًا يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمؤنث فيقال في الجماعة هلم هذه لغة أهل الحجاز، قال الله تعالى:{وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَينَا} [الأحزاب: 18]) وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين هلما وللجمع هلموا وللمرأة هلمي وللنساء هلممن، والأول أفصح هذا كلام الجوهري، قال الأبي: والحديث قوي فيما فعل ابن الزُّبير فالأصل كان أن يعاد لولا الذي أشار إليه مالك في قوله للرشيد كما مر اهـ.
قوله (فأراها قريبًا من سبعة أذرع) وهذا ليس مخالفًا لما سبق من خمس أذرع لأن هذا تقدير وتقريب وذكر الخمس تحقيق وتحديد اهـ من المفهم، قال ابن جريج (هذا) المذكور (حديث عبد الله بن عبيد) بن عمير (وزاد عليه) أي على عبد الله بن عبيد (الوليد بن عطاء) في روايته قالت عائشة (قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولجعلت لها) أي الكعبة (بابين موضوعين في الأرض) أي ملصقين على الأرض (شرقيًا وغربيًا) بدل من بابين (وهل تدرين) أي هل تعلمين يَا عائشة (لم كان قومك رفعوا بابها) أي باب
قَالتْ: قُلْتُ: لا. قَال: "تَعَزُّزًا أَنْ لا يَدْخُلَهَا إلا مَنْ أَرَادُوا. فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا يَدَعُونَهُ يَرْتَقِي. حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَ دَفَعُوهُ فَسَقَطَ". قَال عَبْدُ الْمَلِكِ لِلْحَارِثِ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ هذَا؟ قَال: نَعَمْ. قال: فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ ثُمَّ قَال: وَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهُ وَمَا تَحَمَّلَ.
(3128)
- (00)(00) وحدّثناه مُحَمَّد بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ
ــ
الكعبة من الأرض (قالت) عائشة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) أدري لم رفعوه من الأرض (قال) لها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رفعوه من الأرض (تعززًا) بزايين أي تكبرًا وامتناعًا، وقوله (أن لا يدخلها إلَّا من أرادوا) دخوله، فلا فيه زائدة، وحرف الجر مقدر قبل أن المصدرية أي تكبرًا وامتناعًا من دخول أحد فيها إلَّا من أرادوا دخوله البيت، وفي بعض الهوامش أي تكبرًا وتشددًا على النَّاس في دخولها فلا يدخلها أحد إلَّا من أرادوا، وفي بعض نسخ مسلم (تعزرًا) براء بعد زاي من التعزير والتوقير، فإما أن يراد توقير البيت وتعظيمه أو تعظيم أنفسهم وتكبرهم على النَّاس كذا في النهاية (فكان الرَّجل) من غيرهم (إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه) أي يتركونه (يرتقي) أي مرتقيًا على السلم (حتَّى إذا كاد) وقرب الرَّجل (أن يدخل) البيت (دفعوه) أي رموه من فوق (فسقط) على استه فيضحكون به، قوله (إذا كاد أن يدخل) الح قال النووي: هكذا هو في النسخ كلها كاد أن يدخل، وفيه حجة لجواز دخول أن بعد كاد، وقد كثر ذلك وهي لغة فصيحة ولكن الأشهر عدمه.
(قال عبد الملك) بن مروان (للحارث) بن عبد الله أ (أَنْتَ) أي هل أَنْتَ (سمعتها) أي سمعت عائشة (تقول هذا) الحديث (قال) الحارث (نعم) سمعتها تقول (قال) الحارث (فنكت) عبد الملك (ساعة) في الأرض (بعصاه) أي بعود في يده أي بحث بطرفها في الأرض وهذه عادة من تفكر في أمر مهم (ثم قال) عبد الملك (وددت) أي أحببت وتمنيت الآن (أني تركته) أي تركت ابن الزُّبير (وما تحمل) أي وما تولى من ذلك أي من بناء البيت كما في بعض الروايات.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3128 -
(00)(00)(وحدثناه محمَّد بن عمرو) بن عباد (بن جبلة) العتكي
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ بَكْرٍ.
(3129)
- (00)(00) وحدثني مُحَمَّد بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ؛
ــ
البَصْرِيّ، صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا أبو عاصم) النَّبِيل البَصْرِيّ الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشَّيبانِيّ، ثِقَة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثِقَة، من (11)(أخبرنا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ، ثِقَة، من (9)(كلاهما) أي كل من أبي عاصم وعبد الرَّزّاق رويا (عن ابن جريج) غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن بكر البرساني (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن عبيد والوليد بن عطاء عن الحارث بن عبد الله عن عائشة رضي الله تعالى عنها (مثل حديث) محمَّد (بن بكر) البرساني.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3129 -
(00)(00)(وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حَدَّثَنَا عبد الله بن بكر) بن حبيب الباهليّ (السهمي) سهم باهلة، أبو وهب البَصْرِيّ، روى عن حاتم بن أبي صغيرة في الحج، وابن عون وحميد الطَّويل وهشام بن حسان، ويروي عنه (ع) ومحمَّد بن حاتم وأَحمد وإسحاق الكوسج وأبو خيثمة، وثقه أَحْمد وابن معين والعجلي، وقال ابن سعد: كان ثِقَة صدوقًا، وقال الدارقطني: ثِقَة مأمون، وقال في التقريب: ثِقَة حافظ، من التاسعة، مات في المحرم سنة (208) ثمان ومائتين (حَدَّثَنَا حاتم بن أبي صغيرة) -بمهملة ومعجمة مكسورة- مسلم بن يونس القشيري الباهليّ، ويقال أبو صغيرة زوج أمه وهو حاتم بن مسلم، وقال ابن أبي حاتم: أبو صغيرة أبو أمه أبو يونس البَصْرِيّ، روى عن أبي قزعة سويد بن حجير في الحج، وسماك بن حرب في الديات والتوبة، ومسلم بن يناق في اللباس، وابن أبي مليكة في صفة الحشر وعذاب القبر، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن بكر السهمي ومعاذ بن معاذ ويحيى بن سعيد القطَّان وأبو خالد الأحمر، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنَّسائيّ، وقال ابن سعد: ثِقَة إن شاء الله، وقال في التقريب: ثِقَة، من السادسة (عن أبي قزعة) سويد بن حجير بتقديم المهملة على
أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، بَينَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيتِ إِذْ قَال: قَاتَلَ اللهُ ابْنَ الزُّبَيرِ! حَيثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمّ الْمُؤْمِنِينَ. يَقُولُ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ! لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيتَ حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ. فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرُوا في الْبِنَاءِ" فَقَال الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: لا تَقُلْ هذَا. يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فأنا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ هذَا. قَال: لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ، لَتَرَكْتُهُ عَلَى مَا بَنَى ابْنُ الزُّبَيرِ
ــ
الجيم مصغرين الباهليّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل) أي لعن (الله ابن الزُّبير حيث يكذب على أم المومنين يقول) ابن الزُّبير (سمعتها تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي قزعة لعبد الله بن عبيد والوليد بن عطاء في رواية هذا الحديث عن الحارث بن عبد الله (يَا عائشة لولا حدثان) بكسر المهملة وسكون الدال أي قرب زمن (فومك بالكفر لنقضت) أي لهدمت (البيت حتَّى أزيد فيه) أي أدخل في البيت ما هو منه (من الحجر) بكسر المهملة وسكون الجيم وهو قدر سبع أذرع أو خمس (فإن قومك) يَا عائشة (قصروا) بتشديد الصاد المهملة من التقصير أي قصرت بهم النفقة (في البناء) أي في بناء البيت أي لم يتسعوا لإتمامه لقلة ذات يدهم (فقال الحارث بن عبد الله) بن عياش (بن أبي ربيعة) التابعي المشهور أخو عمر بن أبي ربيعة، أي قال لعبد الملك بن مروان (لا تقل هذا) الكلام لعبد الله بن الزُّبير (يَا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين) عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها (تحدّث) وتخبر للنَّاس (هذا) الحديث الذي حدّث عنها ابن الزُّبير، فإن ابن الزُّبير صادق فيما حدّث عنها، وفي هذا الانتصار للمظلوم ورد الغيبة وتصديق الصادق إذا كذبه إنسان (قال) عبد الملك (لو كنت سمعته) أي سمعت هذا الحديث (قبل أن أهدمه) أي قبل أن أهدم هذا البيت بأمر الحجاج بن يوسف (لتركته على ما بنى) عليه عبد الله (بن الزُّبير) ولم أهدمه، وفي كلامه هذا تصريح منه بجهله بالسنة الواردة في ذلك وهو غير معذور في ذلك فإنَّه كان متمكنًا من التثبت في ذلك والسؤال والبحث عنه فلم يفعل واستعجل وقصر فالله حسيبه ومجازيه على ذلك. وشارك المؤلف في هذه الرواية أَحْمد [6/ 239] ، والبخاري [1586] ، والنَّسائيّ [5/ 216].
(3130)
- (1248)(228) حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيتِ هُوَ؟ قَال:"نَعَمْ" قُلْتُ: فَلِمَ لَمْ يُدْخِلُوهُ في الْبَيتِ؟ قَال: "إِنَّ قَوْمَكِ قصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ"
ــ
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3130 -
(1248)(228)(حَدَّثَنَا سعيد بن منصور) بن شعبة الخُرَاسَانِيّ الأصل أبو عثمان المكيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (15) بابا (حَدَّثَنَا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي ألكوفي، ثِقَة، من (7)(حَدَّثَنَا أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن الأسود المحاربِيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (6)(عن الأسود بن يزيد) بن قيس النَّخَعيّ الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم، من (2)(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكّيّ، غرضه بسوق هذا الحديث الاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة (قالت) عائشة (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر) -بفتح الجيم وسكون الدال- والمراد به هنا أصل الجدار الذي أخرجته قريش عن بناء الجدار الذي بنوه وهو المعبر عنه بالشاذروان، وقد يكون الجدر أَيضًا ما يرفع من جوانب الشرفات في أصول النخل وهي كالحيطان لها، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"اسق يَا زبير حتَّى يبلغ الماء الجدر" أخرجه السبعة (أمن البيت هو) أي الجدر، بتقديم همزة الاستفهام التقريري لأنه مما يلزم الصدارة؛ أي هل الجدر والشاذروان من البيت فلا يجوز الطواف فوقه أم لا؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) هو من البيت فلا يجوز الطواف فوقه، ولا يجوز جعل اليد مثلًا فوقه عند الطواف (قلت) له صلى الله عليه وسلم (فلم لم) أي فلأجل ما لم (يدخلوه) أي لم يدخل قريش بناء الشاذروان (في) جدار (البيت) بل تركوه خارجًا عنه كالدكة والمزلة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن قومك) قريشًا (قصرت) بتشديد الصاد أي ضاقت (بهم النفقة) أي نفقة بناء البيت وقلت مؤنته في أيديهم ورجعوا الجدار عن مقابل الأساس إلى جهة الداخل أي لم يتسعوا لإتمامه لقلة ذات يدهم، فهو كما في شروح البُخَارِيّ بتشديد الصاد المفتوحة، وروي قصرت بتخفيفها مضمومة أي قصرت وضاقت بهم النفقة الطيبة
قلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَال: "فَعَلَ ذلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاؤُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاؤُوا. وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ في الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، لَنَظَرْتُ أَن أُدْخِلَ الْجَدْرَ في الْبَيتِ، وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بالأَرْضِ".
(3131)
- (00)(00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: حَدَّثَنَا
ــ
التي أخرجوها لبناء البيت لأنهم قالوا: لا تدخلوا فيه من كسبكم إلَّا طيبًا، لا مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من النَّاس. فقصرت النفقة من ذلك اهـ من بعض الهوامش بزيادة (قالت) عائشة (قلت) له صلى الله عليه وسلم أَيضًا (فما شأن بابه) أي باب البيت حاله كونه (مرتفعًا) عن الأرض لا لاصقًا بها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فعل ذلك) الارتفاع (قومك) قريش (ليدخلوا) البيت (من شاؤوا) إدخاله (ويمنعوا من شاؤوا) من دخوله (ولولا أن قومك حديث) بالتنوين، وهو صفة مشبهة تعمل عمل الفعل اللازم، وقوله (عهدهم) بالرفع فاعل، وقوله (في الجاهلية) هكذا هو في جميع النسخ، وفي بمعنى الباء أي لولا حداثة عهد قومك بالجاهلية أي قرب زمنهم بالجاهلية موجود (فأخاف أن تنكر قلوبهم) عليّ، قال الحافظ رحمه الله تعالى: رواية شيبان عن أشعث تنفر بالفاء بدل الكاف، ونقل ابن بطال عن بعض علمائهم أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم (لنظرت) ورأيت (أن أدخل الجدر في البيت) -بفتح الجيم وسكون الدال- كما مر وهو بقايا حائط البيت الذي لم يتم عليه البناء وهو المسمى بالشاذروان كما مر (وأن أُلزق بابه بالأرض) أي ألصق بالأرض، وقوله (لنظرت) جواب لولا، وقوله (أن أدخل الجدر) تنازع فيه أخاف ونظرت، وفي صحيح البُخَارِيّ بحذف جواب لولا وهو قوله لنظرت، فيكون أن أدخل مفعولًا به لتنكر بلا تنازع، قال الزرقاني: وروي تنفر بدل تنكر، وفيه ترك ما هو صواب خوف وقوع مفسدة أشد واستئلاف النَّاس إلى الإيمان واجتناب ولي الأمر ما يتسارع النَّاس إلى إنكاره، وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة وأنهما إذا تعارضا بُدئ بدفع المفسدة، وفيه سد الذرائع اهـ من بعض الهوامش. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم ذكر رحمه الله تعالى فيه المتابعة فقال:
3131 -
(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال) أبو بكر (حَدَّثَنَا
عُبَيدُ اللهِ (يعْنِي ابْنَ مُوسَى) حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ أَشعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحِجْرِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ. وَقَال فِيهِ: فَقُلْتُ: فَمَا شَأنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا لا يُصْعَدُ إِلَيهِ إلا بِسُلَّمٍ؟ وَقَال: "مَخَافَةَ أن تَنْفِرَ قُلُوبُهُمْ".
(3132)
- (1249)(229) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ َعَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
عبيد الله يعني ابن موسى) العبسي الكُوفيّ، ثِقَة، من (9)(حَدَّثَنَا شيبان) بن عبد الرَّحْمَن التَّمِيمِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7)(عن أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن جبير المحاربِيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (6)(عن الأسود بن يزيد عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شيبان لأبي الأحوص (قالت) عائشة (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر) -بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم- وهو الحائط الصغير بين الركنين الشاميين، ورواية أبي الأحوص (الجدر) بالجيم والدال مُرجحة على رواية شيبان لأن أَبا الأحوص ثِقَة متقن، وشيبان وإن كان ثِقَة فليس بمتقن، فأبو الأحوص أقوى منه (وساق) شيبان أي ذكر (الحديث بمعنى حديث أبي الأحوص وقال) شيبان (فيه) أي في ذلك المعنى الذي حدثه قالت عائشة (فقلت فما شأن بابه مرتفعًا) بزيادة قوله (لا يصعد إليه إلَّا بسلم وقال) شيبان أَيضًا في روايته (مخافة أن تنفر قلوبهم) بدل قول أبي الأحوص (فأخاف أن تنكر قلوبهم) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
3132 -
(1249)(229)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار) الهلالي المدنِيُّ مولى ميمونة، ثِقَة، من (3)(عن عبد الله بن عباس أنَّه قال كان الفضل بن عباس) وهو أخو عبد الله، وكان أكبر أولاد العباس، وبه كان يكنى (رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي راكبًا خلفه على ناقته. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد
فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ. فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيهَا وَتَنْظُرُ إِلَيهِ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ
ــ
نيسابوري، تقدم في حديث جابر الطَّويل في باب حجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن أسامة كان ردف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، وكان الفضل بن عباس رجلًا حسن الشعر أبيض وسيمًا، وتقدم أَيضًا ارتداف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الفضل في باب استحباب إدامة الحاج التلبية في حديث ابن عباس (فجاءته) صلى الله عليه وسلم (امرأة من خثعم) -بفتح المعجمة وسكون المثلثة- قبيلة مشهورة من اليمن، حالة كونها (تستفتيه) صلى الله عليه وسلم عن حكم من أحكام الحج وتسأله (فجعل) أي شرع (الفضل) بن عباس (ينظر إليها) أي إلى المرأة (وتنظر) المرأة (إليه) وفي رواية شعيب: وكان الفضل رجلًا وضيئًا أي جميلًا، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها (فجعل) أي شرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل) أي يحوله (إلى الشق) أي إلى الجانب (الآخر) الذي ليست فيه المرأة، والذي تقدم في حديث جابر الطَّويل: مرت به ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن، وفي رواية شعيب: فالتفت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فدفع وجهه عن النظر إليها، وهذا هو المراد بقوله في حديث علي فلوى عنق الفضل، ووقع في رواية الطبري في حديث علي وكان الفضل غلامًا جميلًا فإذا جاءت الجارية من هذا الشق صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الفضل إلى الشق الآخر، فإذا جاءت إلى الشق الآخر صرف وجهه عنه، وقال في آخره: رأيت غلامًا حدثًا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان، قال ابن بطال: وفي الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنَّه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع، وقال: يؤيده أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يحول وجه الفضل حتَّى أدمن النظر إليها لإعجابه بها فخشي الفتنة عليه، قال: وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب بهن، وفيه دليل على أن نساء المُؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل، قال: وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضًا، قال الحافظ: وفي
قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ في الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيخًا كَبِيرًا. لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ. أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟
ــ
استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر لأنها كانت محرمة والله أعلم اهـ فتح (قالت: يَا رسول الله إن فريضة الله على عبادة في الحج) أي من الحج (أدركت) تلك الفريضة (أبي) مفعول أدركت أي لزمته حالة كون أبي (شيخًا) وقوله (كبيرًا) صفة أولى لشيخًا أي كبير السن، وقوله (لا يستطيع أن يثبت على الراحلة) صفة ثانية له، ويحتمل أن يكون حالًا أَيضًا ويكون من الأحوال المتداخلة؛ والمعنى أنَّه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة، وقوله (لا يستطيع أن يثبت على الراحلة) أي لا يقدر على الاستمساك على الراحلة، وزاد في رواية يحيى بن أبي إسحاق وإن شددته خشيت أن يموت.
اتفقت الروايات كلها عن ابن شهاب على أن السائلة كانت امرأة، وأنها سألت عن أبيها، وخالفه يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان فاتفق الرواة عنه على أن السائل رجل، ثم اختلفوا عليه في إسناده ومتنه، وكذا وقع الاختلاف في سياق غيره، ففي بعض الروايات إن أبي مات، وفي بعضها إن أمي عجوز كبيرة، وفي بعضها إن امرأة سألت عن أمها، وفي بعضها إن أبي أدركه الحج مع تسمية السائل بحصين بن عوف الخثعمي، وفي أخرى تسميته بأبي الغوث بن حصين الخثعمي، قال الحافظ: بعد تفصيل الاختلاف الواقع بين الروايات والذي يظهر لي من مجموع هذه الطرق أن السائل رجل وكانت ابنته معه فسألت أَيضًا، والمسئول عنه أبوالرَّجل وأمه جميعًا، ويقرب ذلك ما رواه أبو يعلى بإسناد قوي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال: كنت ردف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأعرابي معه بنت له حسناء فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها، وجعلت ألتفت إليها، ويأخذ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم برأسي فيلويه فكان يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة. فعلى هذا فقول الشابة إن أبي لعلها أرادت به جدها لأن أباها كان معها، وكأنه أمرها أن تسأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيسمع كلامها ويراها رجاء أن يتزوجها فلما لم يرضها سأل أبوها عن أَبيه، ولا مانع أن يسأل أَيضًا عن أمه، وتحصل من هذه الروايات أن اسم الرَّجل حصين بن عوف الخثعمي، وأما ما وقع في الرواية الأخرى أنَّه أبو الغوث بن حصين فإن إسنادها ضعيف اهـ من فتح الملهم. والهمزة في قوله (أفأحج عنه) للاستفهام
قَال: "نَعَمْ" وَذلِكَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
(3133)
- (00)(00) حدّثني عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضلِ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبِي شَيخٌ كَبِيرٌ. عَلَيهِ فَرِيضَةُ اللهِ في الْحَجِّ. وَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَويَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَحُجِّي عَنْهُ"
ــ
الاستخباري داخلة على محذوف، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والتقدير أيجزئ النيابة في الحج فأحج عنه؟ أو أيجوز لي أن أنوب عنه فأحج عنه؟ كما هو مذهب الزمخشري خلافًا للجمهور كما بسطنا الكلام على أمثال هذا في تفسيرنا حدائق الروح والريحان في مواضع كثيرة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) حجي عنه (وذلك) السؤال والجواب (في حجة الوداع) قال العيني: فيه جواز الحج عن غيره إذا كان معضوبًا وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال مالك والليث والحسن بن صالح: لا يحج أحد عن أحد إلَّا عن ميت لم يحج حجة الإِسلام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 346] ، والبخاري [1513] ، وأبو داود [1809] ، والنَّسائيّ [5/ 118] ، وابن ماجه [2909].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
3133 -
(00)(00)(حدثني علي بن خَشْرم) بن عبد الرَّحْمَن المروزي (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكُوفيّ، ثِقَة، من (8)(عن ابن جريج عن ابن شهاب حَدَّثَنَا سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل) بن عباس. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد مكّيّ وواحد كُوفِيّ وواحد مروزي، وفيه رواية صحابي عن صحابي، وتابعي عن تابعي، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لمالك (أن امرأة من خثعم قالت: يَا رسول الله إن أبي شيخ كبير) السنن (عليه فريضة الله في الحج وهو لا يستطيع) أي لا يقدر (أن يستوي) أي أن يثبت (على ظهر بعيره فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لها (فحجي عنه) أي عن أبيك.
قوله (عن ابن عباس عن الفضل) قال الحافظ: كذا قال ابن جريج، وتابعه معمر،
(3134)
- (1250)(230) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أبي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
ــ
وخالفهما مالك، وأكثر الرواة عن الزُّهْرِيّ لم يقولوا فيه عن الفضل، وروى ابن ماجه من طريق محمَّد بن كُريب عن أَبيه عن ابن عباس أخبرني حصين بن عوف الخثعمي قال: قلت: يَا رسول الله إن أبي أدركه الحج ولا يستطيع أن يحج .. الحديث، قال التِّرْمِذِيّ: سألت محمدًا يعني البُخَارِيّ عن هذا فقال: أصح شيء فيه ما روى ابن عباس عن الفضل. قال: فيحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره، ثم رواه بغير واسطة اهـ، وإنما رجح البُخَارِيّ الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حينئذ، وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة فكأن الفضل حدّث أخاه بما شاهده في تلك الحالة، ويحتمل أن يكون سؤال الخثعمية وقع بعد رمي جمرة العقبة فحضره ابن عباس فنقله تارة عن أخيه لكونه صاحب القصة وتارة عما شاهده، ويؤيد ذلك ما وقع عند التِّرْمِذِيّ وأَحمد وابنه عبد الله والطبري من حديث علي مما يدل على أن السؤال المذكور وقع عند المنحر بعد الفراغ من الرمي، وأن العباس كان شاهدًا فلا مانع أن يكون ابنه عبد الله أَيضًا كان معه اهـ.
وقوله (لا يستطيع أن يثبت على الراحلة) هذا هو المسمى بالمعضوب من العضب بمعنى القطع، وبه سمي السيف عضبًا وكأن من انتهى إلى هذه الحالة قطعت أعضاؤه إذ لا يقدر على شيء، فمجموع الروايتين دلت على أنَّه لا يقدر على الاستواء على الراحلة، ولو استوى لم يثبت عليها.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
3134 -
(1250)(230)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكيّ (جميعًا عن ابن عيينة قال أبو بكر حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع (عن إبراهيم بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدنِيُّ، ثِقَة، من (6)(عن كُريب) مصغرًا ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم (مولى ابن عباس) أبي رشدين
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ. فَقَال:"مَنِ الْقَوْمُ؟ " قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ. فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَال: "رَسُولُ اللهِ" فَرَفَعَتْ إِلَيهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالتْ: أَلِهذَا حَجٌّ؟ قَال: "نَعَمْ. وَلَكِ أَجْرٌ"
ــ
المدنِيُّ، ثِقَة، من (3)(عن ابن عباس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان أو كُوفِيّ ونسائي أو كُوفِيّ ومكيّ وواحد طائفي، قال ابن عباس (لقي) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (ركبًا) أي أصحاب الإبل راكبين عليها، وهو بفتح الراء وسكون الكاف، جمع راكب أو اسم جمع له كصحب وصاحب، وهو العشرة فما فوقها من أصحاب الإبل في السفر دون سائر الدواب، ثم اتسع لكل جماعة؛ أي لقيهم في سفر حجة الوداع (بالروحاء) -بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة الممدودة- موضع معروف بين الحرمين من عمل الفرع بينه وبين المدينة نحو أربعين ميلًا، وفي كتاب مسلم ستة وثلاثون ميلًا، وفي كتاب ابن أبي شيبة ثلاثون ميلًا، زاد في رواية أبي داود فسلم عليهم (فقال) لهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستفهام من القوم (من القوم) أي من أنتم؟ أي فسألهم سؤال من لم يعلم من كانوا إما لأنهم كانوا في ليل، وإما لأن هؤلاء الركب كانوا فيمن أسلم ولم يهاجروا (قالوا: المسلمون) أي نحن مسلمون (فقالوا) له صلى الله عليه وسلم (من أَنْتَ) قال القاضي عياض: يحتمل أن هذا اللقاء كان ليلًا فلم يعرفوه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل كونه نهارًا لكنهم لم يروه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك لعدم هجرتهم فأسلموا في بلدانهم ولم يهاجروا قبل ذلك (قال) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لهم أنا (رسول الله) صلى الله عليه وسلم (فرفعت إليه) صلى الله عليه وسلم (امرأة) منهم (صبيًّا) لها، في بعض الروايات (من محفة) بكسر الميم كما جزم به النووي وغيره، وحكى القاضي في المشارق بالكسر والفتح بلا ترجيح؛ شبه الهودج إلَّا أنَّه لا قبة عليها (فقالت) المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم (أ) يصح (لهذا) الصبي (حج) إن حججت به (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) له حج النفل، وقال عمر وكثيرون: فتكتب حسناته دون السيئات، نقله الزرقاني في شرح المواهب (ولك أجر) وثواب يعني بسبب ما تكلفته من أمره بالحج وتعليمها إياه وتجنيبها إياه محظورات الإحرام، زاد قوله (ولك أجر) على جواب سؤالها ترغيبًا لها، قال القاري: أجر السببية وهو تعليمه إن كان مميزًا، أو أجر
(3135)
- (00)(00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّد بْنُ الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
ــ
النيابة في الإحرام والرمي والإيقاف والحمل في الطواف والسعي إن لم يكن مميزًا اهـ، قال النواوي: وفي الحديث حجة للشافعي ومالك وأَحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الإِسلام بل يقع تطوعًا وهذا الحديث صريح فيه، وقال أبو حنيفة: لا يصح حجه، قال أصحابه: وإنما فعلوه تمرينًا له ليعتاده فيفعله إذا بلغ، وهذا الحديث يرد عليهم، قال القاضي: ولا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان، وإنما منعه طائفة من أهل البدع ولا يلتفت إلى قولهم بل هو مردود بفعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة، وإنما خلاف أبي حنيفة في أنَّه هل ينعقد حجه وتجري عليه أحكام الحج وتجب فيه الفدية ودم الجبران وسائر أحكام البالغ؟ فأبو حنيفة يمنع ذلك كله ويقول: إنما يجب ذلك تمرينًا على التعليم، والجمهور يقولون: تجري عليه أحكام الحج في ذلك، ويقولون: حجه منعقد يقع نفلًا لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جعل له حجًّا، قال القاضي: وأجمعوا على أنَّه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإِسلام إلَّا فرقة شذت، فقالت: يجزئه، ولم تلتفت العلماء إلى قولها.
قال القرطبي: ورفع الصبي يدل على صغره وأنه لم يكن (جفرًا) قال في اللسان: الجفر الصبي إذا انتفخ لحمه وأكل وصارت له كرش اهـ، ولا مراهقًا إذ لا ترفعه غالبًا إلَّا وهو صغير، وفي الموطإ: فأخذت بضبعي صبي لها وهو في محفتها. والضبعان العضدان فأخرجته من محفتها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 219] ، وأبو داود [1736] ، والنَّسائيّ [5/ 120 - 121].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:
3135 -
(00)(00)(حدثنا أبو كُريب محمَّد بن العلاء) بن كُريب الهمداني الكُوفيّ (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكُوفيّ (عن سفيان) بن سعيد الثَّوريّ الكُوفيّ (عن محمَّد بن عقبة) بن أبي عياش -بتحتانية ومعجمة بينهما أَلْف- الأسدي المدنِيُّ، ثِقَة، من (6)(عن كُريب) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن عقبة لإبراهيم بن
قَال: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًا لَهَا. فَقَالت: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلِهَذا حَجٌّ؟ قَال: "نَعَمْ. وَلَكِ أجْرٌ".
(3136)
- (00)(00) وحدثني محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيبٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًا فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلِهذَا حَجٌّ؟ قَال: "نَعَمْ. وَلَكِ أَجْرٌ".
(3137)
- (00)(00) وحدثنا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمَنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّد بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. بِمِثْلِهِ
ــ
عقبة في رواية هذا الحديث عن كُريب (قال) ابن عباس (رفعت امرأة صبيًّا لها) من محفتها (فقالت) المرأة (يَا رسول الله أ) يصح (لهذا) الصبي (حج؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) يصح له حج (ولك أجر) بما حججت عنه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:
3136 -
(00)(00)(وحدثني محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن) بن مهدي بن حسان الأَزدِيّ البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا سفيان) الثَّوريّ (عن إبراهيم بن عقبة) بن أبي عياش المدنِيُّ (عن كُريب) عن ابن عباس. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثَّوريّ لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن إبراهيم (أن امرأة رفعت صبيًّا) لها من محفتها (فقالت: يَا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:
3137 -
(00)(00)(وحدثنا ابن المثنَّى حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن) بن مهدي (حَدَّثَنَا سفيان) الثَّوريّ (عن محمَّد بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدنِيُّ (عن كُريب عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن عقبة لإبراهيم بن عقبة في رواية هذا الحديث عن كُريب في طريق محمَّد بن المثنَّى، وأما المتابعة السابقة بين ابني عقبة ففي طريق السفيانين فلا تكرار في متابعة ابن عقبة كما توهمه بعضهم، تأمَّل وساق محمَّد بن عقبة (بمثله) أي بمثل ما روى إبراهيم بن عقبة عن كُريب في السند قبل هذا. والله أعلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثماني متابعات، والثاني حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث ابن عباس الأول ذكره للاستدلال على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه الرجعى والمآب، ومنه نرتجي المتاب من كل المحاب، وهذا آخر ما يسره الله لي بتوفيقه من المجلد الثامن من الكوكب الوهاج على صحيح مسلم بن الحجاج، وقد فرغت منه قبيل الغروب يوم الاثنين المبارك من تاريخ 25/ 3 / 1424 من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وكان تاريخ الشروع في هذا المجلد 12/ 6 / 1423 هـ.
وجملة ما شرحت فيه من الأحاديث الغير المكررة (230) مائتان وثلاثون حديثًا، وجملة ما فيه من الأبواب سبعون بابا.
والحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة والسلام على سيد الخلق والخليقات، سيدنا محمَّد أفضل الكائنات، وعلى آله وصحبه السادات القادات، وتابعيهم بإحسان إلى يوم المحاسبات، آمين آمين يَا سامع الأصوات، ويا مجيب الدعوات.
***
تم المجلد الثامن من الكوكب الوهاج والروض البهاج على صحيح مسلم بن الحجاج، ويليه المجلد التاسع (1)، عشر وأوله باب فرض الحج في العمر مرة واشتراط وجود المحرم مع المرأة في سفرها للحج وغيره
ــ
(1)
وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.