الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لذلك الافتراض أنصار وكان له معارضون، الأنصار يقدمون الدليل تلو الدليل لإثبات صحة فكرة الزحزحة القارية، والمعارضون يرفضون الفكرة جملة وتفصيلًا ويقولون بأنها ضرب من الخيال. وأخيرًا جاء عام 1964م وفجأة بدأ الأنصار يتنفسون الصعداء وتوقف معظم المعارضين عن الطعن في صحة فكرة الزحزحة القارية. لم يعد هؤلاء المعارضون يناصبون تلك الفكرة العداء بل على العكس من ذلك فإنهم بدأوا إعادة النظر فيما قالوه ضدها.
والآن وبعد هذا التمهيد يجدر بنا أن نتساءل عن أمرين على الأقل هما:
- ما هو افتراض الزحزحة القارية؟
- ما الحدث الذي حل في سنة 1964م وجعل ذلك الافتراض يكاد يرقى إلى مرتبة النظريات؟
ونظرًا لأن هذين التساؤلين يقبعان على رأس قائمة التساؤلات الأخرى الخاصة بهذا الافتراض فإننا سنعالج كلًّا منهما على حدة كالآتي:
افتراض الزحزحة:
في نهاية العقد الثاني من القرن السابع عشر ذكر فرانسيس بيكون Francis Bacon احتمال اتصال أوروبا وأفريقيا من جهة مع الأمريكتين من جهة أخرى في الماضي السحيق، بمعنى آخر إنه اعتقد أن القارات الأربع السابقة الذكر كانت متصلة ببعضها البعض وبعد مرور أقل من مئتي عام اكتشف أنطونيو سنايدر Antonio Snider وجود شبه كبير بين حفريات النباتات الموجودة على السواحل الغربية للقارة الأوروبية والسواحل الأمريكية المقابلة لها. ولقد شجع هذا الاكتشاف صاحبنا سنايدر بأن
يفترض أن كل القارات كانت في يوم من الأيام متصلة ومكونة كتلة يابس واحدة1.
ثم جاء دور الجيولوجيا لتقول رأيها في هذا الموضوع على لسان إدوارد سويس Edward Susess، الجيولوجي الاسترالي المشهور، وذلك في نهاية القرن التاسع عشر. قال إدوارد بأنه شاهد تطابقًا وتشابهاً كبيراً بين كتل يابس نصف الكرة الجنوبي. وأكد بأن مثل هذا التطابق ربما يعني أن تلك الكتل كانت في يوم من الأيام قارة واحدة كبيرة الحجم، وأطلق إدوارد على تلك القارة التي افترض وجودها في الماضي اسم قارة غندوانا أو غندوانا لاند 2 Gondwanaland. وكانت قارة غندوانا تضم كلًّا من إفريقيا، جزيرة ملاغاس، الهند، بعض أجزاء من أمريكا الجنوبية، واستراليا.2
وما إن جاءت سنة 1910م إلا وعالم ألماني يدعى "الفريد فاغنر" Aifred Wagner يخاطب المحافل العلمية وينادي بأن يابس الكرة الأرضية، قبل حوالي 200 مليون سنة، كان كتلة واحدة متماسكة. ونتيجة لأسباب لا داعي لذكرها في هذا المجال، تصدع اليابس وانشطر ونتج عن ذلك وجود قارات جديدة. ثم أخذت هذه القارات تتحرك أفقيًّا في عدة اتجاهات إلى أن استقرت في أماكنها التي نعرفها الآن، وأخذ فاغنر يدعم افتراضه هذا في الأوساط العلمية بتقديم الكثير من الأدلة والإثباتات التي تؤيد صحته. لقد أكد العالم الألماني وجود تطابق في الطبقات الجيولوجية لليابس الواقع
1 Patrick M.Hurley، The Confirmation of Continental Drift، Scientific American، Vol. 218، No.4 "New York: SCIENTIFIC.American
Inc. April، 1968"،p.53
2 أطلق إدوارد سويس اسم "غندوانا لاند" أو "قارة غندوانا" على القارة التي تخيل وجودها في الأزمنة الغابرة نسبة إلى "غندوانا" وهي إحدى المقاطعات الجيولوجية الرئيسية الواقعة في الجزء الشرقي من وسط الهند.
3 Monkhouse، مرجع سبق ذكره، ص159.
على كلا الشاطئين الشرقي والغربي للمحيط الأطلسي، أضف إلى ذلك فإنه كشف النقاب عن وجود تطابق في الحفريات الموجودة على أو بالقرب من الشاطئين المذكورين. ولاحظ فاغنر أن شكل الساحل الغربي لأفريقيا والساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية يوحي بأنهما كانا في يوم من الأيام متلاصقين. ونظرًا لأن فاغنر قد تبنى هذا الافتراض ورمى بكل ثقله خلفه وقام بعدة دراسات من أجل أن يجعل منه نظرية علمية فإنه عرف باسم افتراض فاغنر Wagner Hypothesis.
حقائق سنة 1964 م تؤكد فرض فاغنر:
جاء فاغنر بافتراضه السابق الذكر ولم يستطع أن يرفعه إلى مصاف النظريات العلمية تاركًا المجال لغيره ممن يحاولون ذلك. وفي سنة 1964م عقدت ندوة في لندن تحت رعاية الجمعية الجغرافية الملكية واشترك فيها لفيف من أساتذة جامعة كامبردج. حيث قدم اثنان من أساتذة تلك الجامعة هما ايفبرت J.E. Everett وسميت A.G. Smith دراسة قيمة عن مقارنة ومطابقة الساحلين الشرقي والغربي للمحيط الأطلسي. ومن أجل أن تكون نتائجهما أكثر دقة حاولا مطابقة حافتي الرصيفين القاريين للساحلين المذكورين. واستعملا في دراستهما تلك الحاسب الآلى. ومما يلفت النظر أن النتائج التي توصل إليها هذان الأستاذان كانت تظهر تطابقًا يكاد يكون كاملًا بين حافتي الرصيفين.1
ولقد حاول بعض العلماء تفسير أسباب حدوث الزحزحة القارية، ومن بين أولئك العلماء هولمز Holmes، وولسن WILSON ويرى هولمز أن المصهورات البركانية التي اندفعت من باطن الأرض في الأزمنة الجيولوجية السحيقة هي المسئولة عن وجود التصدعات في طبقة السيال
1 Hurley، مرجع سبق ذكره. ص59.
المكونة للقارات. أما بروك وولسن فإنهما على الرغم من الإشارة إلى مسألة الزحزحة القارية فإنهما يتخذان من ذلك الحدث نقطة انطلاق لها للكلام عن الألواح التكتونية1 Plate tectonics كما سنرى بعد قليل. ولقد أثبتت الدراسات الحديثة التي أجريت على قيعان المحيطات وجود شواهد تؤيد فكرة زحزحة القارات. ومما تجدر الإشارة إليه أن بوادر تلك الشواهد بدأت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية باكتشاف سلاسل وسط المحيط الجبلية Mid-Oceanic Ridges "شكل 29".
وخلاصة لما تقدم، فإنه يمكن القول بأن الجيولوجيين قد أكدوا أن القارات الحالية كانت في نهاية دهر الحياة القديمة وفجر دهر الحياة المتوسطة عبارة عن كتلة قارية واحدة. ولقد أطلق على تلك الكتلة اسم "قارة بانغيا" Pangaea أو "أم القارات""شكل 30أ". وعندما اقترب عصر الترياسي من نهايته بدأت "أم القارات" في التمزق وأخذت أجزاؤها في الابتعاد عن بعضها البعض بصورة تدريجية وبطيئة، ونجم عن هذا التمزق وجود قارتين عظيمتين هما:"شكل 30ب".
- لوراسيا Laurasia وكانت تضم كلًّا من آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، كما أنها احتلت جزءًا من نصف الكرة الجنوبي.
-غندوانا Gondwana وضمت هذ القارة كل القارات الجنوبية وهي: أمريكا الجنوبية، أفريقيا، استراليا، والقارة المتجمدة الجنوبية. هذا بالإضافة إلى شبه القارة الهندية.
وبعد ذلك، أي في الفترة الواقعة بين أواخر العصر الكريتاسي وبداية زمن الثلاثي بدأت تمزقات جانبية في القارات أهمها:
1 يطلق عليها بعض الباحثين البلاطات التكتونية.
شكل "29" سلاسل وسط المحيطات الجبلية