الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويرى بعض الباحثين أن مجال الجغرافيا الحيوية لا يضم الإنسان ككائن حي فقط، بل وككائن اجتماعي أيضًا1، وتعرف الجغرافيا الحيوية أحيانا باسم الجغرافيا الحياتية. وتقسم الجغرافيا الحيوية إلى نوعين هما الجغرافيا النباتية، والجغرافية الحيوانية.
وفيما يلي دراسة لكل من هذين الفرعين.
1 يوسف توني، معجم المصطلحات الجغرافية، ص156.
الجغرافيا النباتية
مدخل
…
أ- الجغرافيا النباتية:
تهتم الجغرافيا النباتية بدراسة النباتات الطبيعية ومدى ارتباطها بالبيئات الجغرافية المختلفة. وتدرس الجغرافيا النباتية: أنواع النباتات، والتوزيع الجغرافي للنباتات، والعلاقة بين ظروف البيئة وأنماط النباتات، والعلاقة بين الإنسان وبين النباتات الطبيعية أو ما يعبر عنه بالقيمة الإنتاجية لهذه النباتات.
وقبل أن نناقش أنواع النباتات وتوزيعها الجغرافي يجدر بنا أن نتناول أهم الظروف والعوامل التى تتحكم في النباتات الطبيعية.
1-
الظروف والعوامل التي تتحكم في نمو النباتات الطبيعية:
النباتات الطبيعية انعكاس صادق لقيمة الأمطار وغيرها من أنواع التساقط الفعلية في ظل الظروف الطبيعية الأخرى من تربة وسطح وغيرها، ولكن تدخل الإنسان واستغلاله لهذه النباتات الطبيعية قد أدخل كثيراً من التغيرات عليها، فلم تصبح كما كانت بل تبدلت كثيراً، أضف
إلى ذلك الحرائق الكبيرة التي أحدثتها الصواعق، فقضت على مساحات كبيرة من النباتات الطبيعية.
أ- أثر المناخ في النباتات الطبيعية:
يعد المناخ أهم عامل يتحكم في صورة الغطاء النباتي. ويعتبره بولنن Polunin سيد العوامل المتحكمة في توزيع النباتات الطبيعية، وبالطبع إن ما ذهب إليه هذا الكاتب أمر طبيعي، خاصة وأن المناخ بعناصره المختلفة من حرارة ومن ورياح، ورطوبة، وضوء شمس، هو الذي يحدد نوع النبات وكثافته، وذلك في إطار الظروف الجغرافية الأخرى مثل التربة، والسطح، والإنسان، والحيوان.
وهناك ارتباط كبير بين المناخ وتوزيع النباتات الطبيعية. ومن أجل التعرف على مدى هذا الارتباط فإننا سنقوم بدراسة كل من عناصر المناخ على حدة من أجل بيان أثره في توزيع النباتات الطبيعية على سطح الأرض.
الحرارة: لكل نبات إطار حراري ينمو فيه، ويتحدد هذا الإطار بأدنى درجة تلائم نمو النباتات ويطلق عليها "صفر النمو" Zero Point Growth ويختلف صفر النمو من منطقة إلى أخرى حيث يقل في المناطق الباردة ويرتفع في المناطق المعتدلة والحارة. وإذا كانت هناك درجة دنيا لنمو النبات فهناك كذلك حد أقصى لدرجة الحرارة التي يمكن أن يتحملها النبات. ويمكن أن نطلق تعبير "الإطار الحراري" على مقدار الدرجات الحرارية التي يستطيع النبات أن ينمو فيها. وتحدد هذا الإطار الحراري درجة دنيا ودرجة قصوى. وكلما زادت سعة الإطار الحراري كلما كانت مقدرة
1 N.Polunin، Introduction to Plant Geog. "London: Longman" 1960، p.9
النباتات على تحمل الاختلافات الحرارية كبيرة.1
ومن المعروف أن النبات يستمد طاقته من الحرارة، وتقل درجات الحرارة اللازمة لنمو النباتات في المناطق الباردة بينما تزيد هذه الدرجات بالنسبة لنباتات المناطق الحارة التي تتحمل درجات حرارة تزيد على 100 ْف. "38 ْم".
وتحاول النباتات التخفيف من ارتفاع درجات الحرارة عن طريق البخر والنتح، وعلى هذا تزيد حاجة النباتات للماء كلما ارتفعت درجات الحرارة.
ضوء الشمس: الإشعاع الشمسي هو مصدر الحرارة والضوء. والضوء شرط أساسي لنمو معظم النباتات الطبيعية. وتعد أشعة الشمس أحد العوامل الرئيسية ذات التأثير المباشر في النباتات الطبيعية، إذ إن الأوراق والأنسجة الخضراء تعتمد على طاقة الشمس في تحويل المواد التي تستخلصها جذور النبات من التربة إلى مواد كربوهيدراتية. وتعرف عملية التحويل هذه بعملية التمثيل الضوئي Photosyntyhesis.
وتتفاوت النباتات فيما بينها من حيث متطلباتها من ضوء الشمس. فهناك نباتات محبة لضوء الشمس Sunloving Plants، وهناك نباتات أخرى لا تنمو إلا في الظل، ويعوض استمرار الضوء لفترة طويلة النقص في درجات الحرارة، وذلك بالنسبة لبعض النباتات.
الرياح: تؤثر الرياح في النباتات الطبيعية تأثيرًا مباشرًا، وتأثيرًا غير مباشر. ويتمثل التأثير المباشر في الأثر الميكانيكي الذي يتجسد في اقتلاع
1 يقصد بتعبير "سعة الإطار الحراري" هنا: فرق الدرجات بين درجة الحرارة الدنيا ودرجة الحراة القصوى التي يمكن لنبات معين النمو فيها.
الأشجار وتحطيم فروعها، وتمزيق الأوراق. أما التأثير غير المباشر فهو تأثير فسيولوجي يتمثل في اختلاف التوازن المائي للأشجار؛ نتيجة ازدياد النتح وفقد الماء بدرجة تفوق ما تمتصه جذور الأشجار، والتأثير الفسيولوجي أشد ضررا من التأثير الميكانيكي؛ لأنه يؤدي إلى فقدان الماء وموت الأشجار، ويكون خطر التأثير الميكانيكي أشد إذا قلت الرطوبة الجوية.
وأحيانا تدفع الرياح الكثبان الرملية فتزحف وتغطي النباتات وتقضي عليها. كما أن الرياح أيضًا تساعد في عمليات التلقيح.
الرطوبة: الرطوبة من العناصر المناخية المهمة للنباتات المختلفة؛ لأنها تؤثر في مقدار ما يتبخر من ماء وما ينتحه النبات. ومن المعروف أن مقدرة الهواء على التبخير تتوقف على مقدار ما به من رطوبة. وبالتالي فإن انخفاض نسبة الرطوبة يزيد مقداره على ما تفقده النباتات من ماء عن طريق عمليتي التبخر والنتح.
الأمطار: يعد المطر أهم عناصر المناخ المؤثرة في نمو النباتات الطبيعية إذ إنه المصدر الرئيسي للمياه العذبة على اختلاف مسمياتها كالمياه الجوفية أو المجاري المائية.
وعلى الرغم من أن الماء ضروري لجميع النباتات؛ لأنه الوسيلة التي تحمل المواد الغذائية الذائبة إلى الخلايا النباتية، إلا أن المتطلبات المائية تختلف من نبات إلى آخر ومن مكان إلى آخر ومن فصل إلى آخر بالنسبة للنبات الواحد في ظل الإطارات الحرارية المتباينة.
ولتقدير أهمية الماء بالنسبة للنباتات تجدر الإشارة إلى أن الماء يكوّن نحو 90% من وزن معظم النباتات. كما أن هناك بعض النباتات التي ترتفع نسبة الماء بها إلى حوالي 98% من وزنها، ويمكن القول بأن الغطاء النباتي
صورة صادقة لكمية المطر وقيمتها الفعلية، فمناطق الغابات أغزر مطرا من مناطق الحشائش، والمناطق التي تنمو فيها الحشائش أغزر مطرا بدورها من المناطق الجافة.
وتحدد موسمية الأمطار موسمية نمو النباتات الطبيعية، كما أن سلوك نمو النباتات يتمشى إلى حد كبير مع الأمطار كمية وموسمًا.
ب- أثر التربة في توزيع النباتات الطبيعية:
سبقت الإشارة إلى ذلك عند حديثنا عن التربة حيث تؤثر التربة بنسيجها وأملاحها ومحتواها العضوي في توزيع النباتات الطبيعية.
ج- أثر السطح في النباتات الطبيعية:
يؤثر السطح في النباتات الطبيعية تأثيرًا غير مباشر. وعلى سبيل المثال تتناقص درجة الحرارة بالارتفاع كما سبقت الإشارة، وللحرارة تأثيرها على النباتات، وإذا كان ارتفاع الجبال كثيرا غطى الثلج قمم هذه الجبال، وبالتالي يختفي الغطاء النباتي، كما أن انحدار السفوح الجبلية الشديد يؤدي إلى تعرية التربة وبالتالي اختفاء النباتات بقدر يتلاءم مع تعرية التربة.
ومن الملاحظ أن قمم الجبال العالية تكون خالية من الأشجار لقلة سمك التربة هناك بسبب نشاط عوامل التعرية المتزايد، وإذا ما توافر الماء عند سفوح وحضيض الجبال، فإن الأشجار تنمو بتلك المناطق نظرًا لعمق التربة بها والمنجرفة من أعالي الجبال.
د- أثر الإنسان والحيوان في النباتات الطبيعية:
أزال الإنسان النباتات الطبيعية من جهات كثيرة؛ إما من أجل استغلال الأرض في الإنتاج الزراعي، أو لاستغلال أخشابها كوقود، أو في صناعة السفن والأثاث وغيرها مثل البناء ومد السكك الحديدية.