الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمكن القول دون ما مبالغة أن نوعًا من المعرفة والملاحظات والتأملات ذات الصبغة الجغرافية قد بدأت مع وجود الإنسان على سطح هذا الكوكب ولازمته في رحلة حياته عبر قرون طويلة.
أولاً:
ماهية الفكر الجغرافي:
اعتمد التفكير الجغرافي منذ أقدم العصور على دعامتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالفلك والأجرام السماوية التى لاحظها الإنسان واستدل بها في أسفاره فكانت بمثابة أول بوصلة استعان بها في حياته.
والدعامة الثانية هي إدراك العلاقات المكانية التى يسرت الكشف الجغرافي، ولقد ظلت هاتان الدعامتان أساس الفكر الجغرافي منذ أقدم العصور حتى مطلع العصور الحديثة حينما اتسعت آفاق المعرفة الجغرافية وامتدت أطرافها لتشمل مجالات جديدة.
وكلمة جغرافيا التى نستخدمها اليوم عبارة عن كلمة إغريقية تعنى "وصف الأرض" إذ إن "geo" تعني أرضًا، و graphy تعني "وصفا". ويعد بطليموس "75م-153م" أول من استخدم كلمة "جغرافيا" عنوانًا لأحد مؤلفاته وهو كتاب المرشد أو المدخل إلى الجغرافيا.
وتجمع قواميس اللغة ومعاجمها على اختلافها بأن الجغرافيا هي العلم المختص بدراسة سطح الأرض. لكن هذا التعريف الذي يعد تفسيرًا لمدلول لفظ "الجغرافيا" لم يرض الجغرافيين منذ القرن التاسع عشر الميلادي. وقد اعترض رتر Ritter الجغرافي الألماني البارز آنذاك على هذا التعريف "وصف الأرض" وقال: إنه تعريف مضلل خاطئ. وأضاف بأن
الجغرافيا هي "دراسة العلاقة بين كافة الظاهرات الطبيعية والجنس البشري".
ومنذ أن بدأ الاعتراض على تعريف وصف الأرض فتح الباب أمام تعريفات عديدة لكنها بصفة عامة تدور حول مفهوم واحد يتمثل في أن علم الجغرافيا يسعى جاهدًا لإبراز العلاقة بين الإنسان وبيئته التي تحيط به، وتوضيح مدى التفاعل الذى ينشأ عن هذه العلاقات، في إطار الأبعاد والاختلافات المكانية.
ومن أمثلة التعريفات المختلفة لعلم الجغرافيا تعريف مارث Marthe الذي يقول: "الجغرافيا هي أينية الأشياء Geography is the where of things".
ومن التعريفات التى لاقت رواجًا كبيرًا بين الجغرافيين لفترة طويلة تعريف رتشارد هارتشورن R. Hartshorne سنة 1939م والذي جاء فيه أن الجغرافيا هي "دراسة الاختلافات المكانية"، ومن أهم ما يوجه إلى هذا التعريف من نقد أن هذه الاختلافات المكانية لا تتضح أبعادها إلا بعد دراسة الأماكن ككل. وهكذا فالجغرافيا لا تتخير الاختلافات المكانية وتقتصر على دراستها، ولكنها تصل إلى معرفة هذه الاختلافات وطبيعتها من خلال الملاحظة والتحليل والتعليل.
ولو مضينا نستعرض التعريفات العديدة لعلم الجغرافيا لاستغرق ذلك صفحات عديدة. لقد تعددت التعريفات التى تحاول تحديد مفهوم الجغرافيا وما زالت تتراكم، لكنها وحتى اليوم لم تتفق على تعريف واحد جامع مانع
يحدد مجال هذا العلم وطبيعته تحديدًا دقيقًا، ويرجع ذلك بلا شك إلى اتساع مجال الدراسة الجغرافية ونمو هذا المجال باستمرار.
ومع كل ما ذكر مع صعوبات واختلافات حول تعريف علم الجغرافيا إلا أننا نستطيع أن نصوغ للجغرافيا تعريفًا في ظل ما يسود اليوم من اتجاهات فنقول:
"الجغرافيا هي دراسة شخصية المكان بملامحها الطبيعية والبشرية ودراسة توزيع وتحليل وتعليل".
وحينما نخضع هذا التعريف للتحليل نرى بأنه يتميز بالخصائص الآتية:
1-
النظرة الكلية التي تدرك الواقع بجوانبه البشرية والطبيعية على اختلاف عناصر مكوناته وتفاعلها.
2-
إبراز شخصية المكان التي تعد من أهم ما يهدف إليه علم الجغرافيا، إذ إن لكل مكان شخصيته المختلفة التي تميزه عن غيره. ولولا هذه الاختلافات التى تميز بين الأماكن من حيث الظروف المتنوعة لما كانت هناك جغرافيا كما نعرفها حاليًا.
3-
الاهتمام بالظاهرات الجغرافية من حيث التوزيع والتحليل والتعليل؛ وذلك لإدراك العلاقات بينها، وهي أمر لا يرى بالعين المجردة، بل يتم الوصول إليه عن طريق التحليل والتوزيع، ويعد إدراك العلاقات المكانية عن طريق التوزيع والتحليل والتعليل من أهم السبل لإبراز وحدة الكل الجغرافي الذي لا يتجزأ.