الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج-
الجغرافيا التطبيقية في خدمة الحروب:
هناك علاقة وثيقة بين الجغرافية والحروب، فليست المعارك الحربية إلا التقاء بين قوتين بشريتين في ميدان إما أن يكون رقعة من الأرض أو مسطحا مائيا، أو قد تكون هذه المعارك في الجو. ونتائج الحروب قد تكون خسارة بعض الدول لأجزاء من رقعتها الجغرافية، وإضافة أجزاء من الأرض للدول المنتصرة، ولا شك أن معرفة الخصائص الجغرافية لميدان المعارك تتيح قيادة المعارك بنجاح، ويمكن القول بأن الجيش الذي يحسن الاستفادة من الظروف الجغرافية لميدان المعركة يستطيع أن يحقق الكثير من خططه.
وميدان المعركة ليس إلا مكانا يتميز بخصائص طبيعية وبشرية مختلفة، وليست شخصية المكان مجرد مجموعة هذه الخصائص الطبيعية والعوامل البشرية، بل هي نتاج تفاعل مستمر بين الإنسان والظروف الطبيعية المتمثلة في الموقع والسطح والمظاهر الطبوغرافية والمناخ بعناصره من حرارة ورياح وأمطار، والنباتات الطبيعية سواء أكانت أعشابا أم غابات.
ويلعب الموقع دورا مهما في نتائج المعارك الحربية، وذلك حسب أهميته واستراتيجيته ومدى تحكمه في الطرق، وعلى سبيل المثال أعلنت إسرائيل أنها ستحتفظ بشرم الشيخ ذات الأهمية البحرية لتأمين ملاحتها في البحر الأحمر، إلا أن حرب رمضان سنة 1393هـ أثبتت فشل هذا الادعاء، وذلك من واقع إحكام سيطرة العرب على مضيق باب المندب الذي يعد منفذا للبحر الأحمر، وكثيرا ما تكون أهمية الموقع الجغرافي لبعض الدول سببا في طمع الدول الكبرى في التنافس في السيطرة على هذه الدول والتي تتمتع بمواقع ذات أهمية حربية. لقد كانت أهمية موقع مصر وقناة السويس سببا في تنافس الدول الاستعمارية في السيطرة عليها منذ أقدم
عصور التاريخ، لهذا فإن مصر قد قاست كثيرا؛ بسبب تتابع حملات الغزاة الطامعين الذين جذبهم موقعها الاستراتيجي المهم.
ولقد ساعدت الدول الاستعمارية على قيام إسرائيل في قلب الأمة العربية؛ لتكون حاجزا يحول دون تلاحم الدول العربية الآسيوية بالدول العربية الأفريقية.
وحرصت بريطانيا، يوم كانت سيدة البحار بما تملكه من أساطيل بحرية، على السيطرة على الممرات البحرية المهمة مثل قناة السويس، وباب المندب، ومضيق جبل طارق، وممر ملقا؛ وذلك حتى لا توصد هذه الممرات في وجه سفن أساطيلها.
وتؤثر مظاهر السطح تأثيرا كبيرا في سير المعارك الحربية، إذ إن الجبال تعوق سهولة الاتصال، وتقف عقبة كبيرة في وجه الجيوش الغازية، ولذا استخدمت الجبال كحدود سياسية للفصل بين الدول كما هي الحال بين فرنسا، وأسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا.
وتعتبر المناطق الجبلية مناطق مناسبة للمباغتة ونصب الكمائن؛ وذلك بسبب قلة امتداد الرؤية التي تحددها الحواف الجبلية.
وما زال التاريخ يذكر خسائر العثمانيين التي تكبدوها حينما حاولوا فتح اليمن المعروفة بجبالها الوعرة مما دفع إلى القول بأن اليمن "مقبرة الأناضول".
وعلى الرغم من تطور وسائل النقل العسكرية الحديثة، بحيث أصبحت تستخدم الطائرات بأنواعها المختلفة، وبذلك تتخطى العقبات الجبلية، إلا أن الجبال ما زالت عقبة عسكرية تحد من مدى نيران المدفعية
وتحجب الرؤية وتعوق موجات الرادار. وتعتبر المناطق السهلية مجالا سهلا أمام المواصلات تتيح الحركة في يسر، كما تسمح بمدى بعيد للرؤية، وعموما لا يستمر القتال طويلا في المناطق السهلية حيث يتقرر فيها مصير المعارك بسرعة حسب الإمكانات العسكرية المتاحة.
ويستغل المناخ كثيرا ويراعى عند التخطيط للمعارك، ويقصد بالمناخ حالة الجو بعناصره المختلفة من حرارة ورياح وسحب وأمطار، والحرارة مثلا تتطلب ملابس خاصة، فإذا كانت المعركة في منطقة حارة فإن ذلك يفرض استخدام ملابس خفيفة. ومن المعروف أنه يوجد لدى الجيش الأمريكى بضعة عشر نوعا من الملابس التي تلائم أنواع المناخ المختلفة. ولقد هزم نابليون سنة 1812م حينما هاجم موسكو لأنه لم يعطِ انخفاض درجة الحرارة أهمية كبيرة حتى لقد قيل: إن "جنرالات البرد هم الذين قهروا نابليون"..
وحينما تستخدم الغازات السامة في الحروب لا بد من معرفة اتجاهات الرياح، ولقد استغلت الشعوب القديمة الرياح كسلاح في مهاجمة الأعداء إذ إن هذه الشعوب كانت تتحين الأوقات التي تهب فيه الرياح إلى مناطق الأعداء فيشعلون النار ويضيفون إليها بعض النباتات التي تؤدى إلى تصاعد أبخرة وغازات سامة.
وللسحب كذلك دورها في الحروب، فإذا كانت كثيفة فإنها تحجب الأهداف عن الطائرات. ومما يذكر أن الولايات المتحدة عندما قررت سنة 1945م استخدام القنبلة الذرية في حربها مع اليابان، اختارت ثلاثة أهداف هي هيروشيما، وكوكورا ونجازاكي ولم يحدد القرار الأمريكي ساعة الصفر. ولكن كانت هناك ثلاث طائرات استكشاف أمريكية تواصل الطيران