الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
منذ فترة طويلة كنت أتطلع إلى إعداد كتاب عن القرآن الكريم، علومه ومباحثه، وكنت أشتاق إلى ذلك، ولم تكن الغاية تأليف كتاب جديد يضاف إلى ما كنت أعددته من مؤلفات سابقة، وإنما كانت غايتي الخوض في بحر هذه العلوم القرآنية، لمزيد من المعرفة حول كتابنا العظيم، الذي يجدر بنا أن نحتضنه بحب وأن نمسك بناصيته، في حياتنا، مستهدين بنوره، متطلعين إلى أفقه الرحب في التربية والتوجيه والتشريع
…
وجاء شهر رمضان، وهو شهر خير وبركة، ووجدت نفسي أبحث عن الكتب القرآنية وأقلب صفحاتها بشغف وفرحة، أستطلع ما بذله العلماء السابقون من جهود، وأستزيد من ثقافتي القرآنية، وبخاصة فيما يتعلق بعلوم القرآن، ووجدت نفسي على غير إرادة مسبقة أخوض في مباحث الدراسات القرآنية، وأتتبع المصنفات الأصيلة التي تناولت علوم القرآن، وفي هذه الفترة دعيت لمؤتمر عقد في القاهرة عن السيوطي، وعكفت على إعداد دراسة عن منهج السيوطي في كتابه:«الإتقان في علوم القرآن» ، وأخذت أقارن بين ما كتبه السيوطي في الإتقان وما كتبه الزركشي في البرهان، وبدأت رحلة هذه الدراسة، التي اطمأنت نفسي إلى متابعتها، والخوض في مباحثها الممتعة، وكنت قبل ذلك أتهيب الخوض في الدراسات القرآنية، لدقة هذه العلوم ولاتساع مباحثها، ولقد ألفت في هذه العلوم مصنفات موسعة، ما زلنا حتى اليوم نجهل الكثير عن مظان وجودها، ولم يصل إلينا منها إلا النزر اليسير.
وأعترف أنني لم أضف شيئا فيما كتبت، ولم أنفرد برأي أو اجتهاد، واكتفيت بعرض المادة العلمية، كما جاءت في مصادرها، باذلا جهدي في تبسيط هذه المادة، تيسيرا لطلابنا، ومساعدة لهم على حسن الفهم، وسعة الاستيعاب، واختصرت ما اعتقدت أنه بحاجة إلى اختصار، وأوجزت ما رأيت أنه يحتاج لإيجاز، وتوسعت في مباحث توقعت أن تكون مفيدة.
وحسبي من هذه الإطلالة على دراساتنا القرآنية أنني أضفت لبنة صغيرة متواضعة في صرح هذا العلم، وتعلمت ما كنت بحاجة إليه من معرفة بعلوم القرآن، وبخاصة فيما يتعلق بالقراءات القرآنية، وأوجه الإعجاز القرآني، ومباحث الرسم القرآني.
وسميت هذا الكتاب: ب «المدخل إلى علوم القرآن الكريم» لكي أؤكد على أن الغاية من هذه الدراسة تبسيط المادة العلمية، وتيسير الرجوع إليها، بعبارة سهلة التناول، واضحة العبارة.
وقسمت هذا الكتاب إلى فصول، خصصت «الفصل الأول» للتعريف بالقرآن، وكيفية إنزاله، وأسباب نزوله منجما، وأقوال العلماء في الأحرف السبعة، ومعرفة أسباب نزوله، وتكلمت في «الفصل الثاني» عن ظاهرة الوحي ومعاني الوحي وكيفية نزوله، وناقشت فكرة الوحي، وعرضت في «الفصل الثالث» لنشأة علوم القرآن، والتصنيف في هذه العلوم، وبينت أهمية كتاب البرهان للزركشي والإتقان للسيوطي، ومنهج كل منهما، وقارنت بين منهجي الكتابين، وفي «الفصل الرابع» تحدثت عن التفسير والتأويل، وخصائص كل منهما. وتكلمت عن ترجمة القرآن في «الفصل الخامس» ، وأوضحت الفرق بين الترجمة والتفسير من حيث الصفة الاستقلالية ومدى إمكان استيعاب كل المعاني الأصلية، واقترحت تشكيل «هيئة مختصة بترجمة القرآن» تضم كفاءات مختصة في اللغة والتفسير وفي الدراسات اللغوية المقارنة تعكف لمدة سنوات على إعداد ترجمة دقيقة للقرآن الكريم، وتلحق بالترجمة «ملاحق بيانية» توضح المعاني الممكنة والمحتملة، والغاية من تشكيل هذه الهيئة القضاء على الترجمات الفردية المليئة بالأخطاء والتجاوزات. وفي «الفصل السادس» تكلمت عن المكي والمدني في القرآن الكريم، والغاية من معرفة ذلك دراسة مراحل الدعوة، ومعرفة
الناسخ والمنسوخ، وفهم النصوص عن طريق معرفة تاريخ نزول القرآن، وأوضحت في «الفصل السابع» مراحل جمع القرآن، وخصائص كل مرحلة، والدقة في الجمع والاعتماد على الحفظ والكتابة، لتوثيق النص القرآني أولا، ولتوحيد القراءة
القرآنية ثانيا، وخصصت «الفصل الثامن والتاسع» لفواتح السور ولخواتمها، ولترتيب السور والآيات، وبينت اختلاف العلماء في ترتيب السور من حيث التوقيف أو الاجتهاد، كما عرضت لآراء العلماء في التناسب بين السور والآيات بحيث تكون الآيات محكمة البناء، متلاحمة الأجزاء، مما دفع العلماء إلى اعتبار علم المناسبة من مظاهر الإعجاز في القرآن.
وفي «الفصل العاشر» تحدثت عن علم الناسخ والمنسوخ وآراء العلماء في المكثرين في النسخ، وسجلت قواعد النسخ عند «ابن العربي» التي تعتبر نواة نظرية متكاملة في النسخ في القرآن الكريم، وخصصت «الفصل الحادي عشر» لرسم القرآن، وأقوال العلماء في الرسم القرآني، وأكدت ضرورة الحفاظ على الرسم القرآني لأنه الرسم الأصيل للخط القرآني، واعتبرت فكرة الخطأ في الرسم القرآني من الأفكار التي لا يمكن قبولها من الناحية الدينية ومن الناحية التاريخية، ولا بد من التسليم بخصوصية الرسم القرآني، ورجحت مراعاة المصلحة في جواز كتابة الآيات بالخطوط المتعارف عليها بطريقة استثنائية لتيسير التعليم، على أن يحتفظ بالرسم العثماني الأصيل، وعرضت لمزايا الرسم القرآني، وأهمها مراعاة القراءات وإفادة المعاني المختلفة، والدلالة على بعض المعاني الخفية، ومراعاة بعض اللغات الفصيحة، وأوضحت في «الفصل الثاني عشر» معنى المحكم والمتشابه، وآراء العلماء في معنى المتشابه، وقد أدى المتشابه بسبب غموضه إلى فتح آفاق واسعة من البحث والدراسة، لاستقصاء المعاني الممكنة للألفاظ المتشابهة، وتوسعت في بحث القراءات القرآنية في «الفصل الثالث عشر» ، والغاية منها العلم بكيفية أداء القرآن من حيث نطق الألفاظ أو اختلاف تركيبها، بحيث تكون القراءة موافقة لما ثبت نقله عن القراء الأوائل الذين اشتهروا بحفظ القرآن وضبطه، وأكدت أن القراءات ليست هي الأحرف السبعة، فالقراءات السبع هي التي اعتمدها «ابن مجاهد» في القرن الثالث الهجري واختارها من القراءات التي شاعت في عصره، والمقياس المعتمد في القراءة الصحيحة، أن تكون موافقة للعربية ولو بوجه، وأن تكون موافقة لأحد المصاحف العثمانية ولو
احتمالا، وأن تكون صحيحة السند، وأكد ابن الجزري في كتابه النشر أن القراءة التي توفرت فيها هذه الشروط لا يجوز إنكارها ولا ردها، فإذا افتقد شرط من هذه الشروط اعتبرت القراءة شاذة
…
والحكمة من تعدد القراءات كما ذكر السيوطي في الإتقان التخفيف على الأمة، والكشف عن أوجه التعليل والترجيح في كتاب الله، وإظهار سر الله في صيانة القرآن عن التبديل، والمبالغة في الإعجاز، كما يؤكد لنا تعدد القراءات عناية العلماء بكتاب الله، وتوقيف كل ما يتعلق به، قراءة له، ورسما لكلماته وحروفه، وأداء لألفاظه، وضبطا لكيفية نطق كلماته وألفاظه، وشرحت بعض المصطلحات الفنية التي استخدمها القراء لتوضيح كيفية النطق والأداء اللفظي من حيث الإدغام والوقف والإشمام والروم والسكت والقطع والقصر والمد والحدر والتدوير والترتيل والتجويد والترقيق والتفخيم والإمالة، وشرحت في «الفصل الرابع عشر» الوقف والابتداء، ولا يحسن الترتيل إلا بمعرفة الوقوف وتجويد الحروف، وتحدثت في «الفصل الخامس عشر» عن إعجاز القرآن، وذكرت أقوال العلماء في وجوه الإعجاز، وشرحت معنى الإعجاز عند العلماء، فالخطّابي نظر إلى الإعجاز من خلال تأثير القرآن في النفوس والقلوب، والرمّاني نظر إلى الإعجاز من حيث البلاغة وأورد الخصوصيات البلاغية في القرآن، ورأى القاضي الباقلاني الإعجاز في «بداعة النظم» ، من حيث مخالفته لما عهد العرب من أساليب السجع والشعر وابتعاده عن الألفاظ الوحشية والمستكرهة، وذهب القاضي عبد الجبار إلى أن الإعجاز القرآني يتمثل في «جزالة اللفظ وحسن المعنى ومطابقة الكلام لمقتضى الحال» ، ورأى عبد القاهر الجرجاني الإعجاز في «الملاءمة بين الألفاظ» ، لأن الكلمة لا تستمد مكانتها من ذاتها، ويقع التفاضل بين الكتاب بحسب قدرتهم على إيجاد التلاؤم بين اللفظة واللفظة التي تليها، كالنسج والتأليف والصياغة والبناء والوشي والتحبير، بحيث يكون الوضع والترتيب خاضعا لمعايير وأقيسة ومرجحات، بحيث لو تم استبدال هذا الترتيب بغيره لما صح النظم ولما استقام، وأكد «الجرجاني» أن ما أعجز العرب هو تلاقي اللفظ والمعنى معا، فلا مجال للإعجاز في لفظ دون معناه، ولا في معنى دون لفظ، والعبارة البيانية هي نتاج لفظ
معبر ومعنى يجسد الصورة، ويعطي للألفاظ أبعادها وصورها وجمالها، ويؤكد الجرجاني أهمية اللفظ، ويعتبره الأداة الأولى للتعبير، فاللفظة تجد مكانها المناسب والمعنى الدقيق يبحث عن لفظ معبر.
وختمت هذه الدراسة بالفصل الخاص ب «القصة في القرآن» ، وتكلمت في هذا الفصل عن المحور العام للقصة القرآنية وعن أشخاص القصة القرآنية، وخصائص هذه القصة من حيث الإقناع العقلي واستخدام اللغة لإحداث التأثير النفسي، وأهم خصوصيات القصة القرآنية تداخل القصة بالحكم والعبر المستفادة منها حيثما دعت الحاجة إلى ذلك، في بداية القصة أو في نهايتها، أو على لسان شخصيات القصة أثناء الحوار. ولا شك أن القصة القرآنية مظهر من مظاهر الإعجاز القرآني، سواء من حيث إخبارها عن الأمم السابقة، أو من حيث وضوح الالتزام بالأهداف القرآنية أو من حيث الأسلوب المؤثر في إحداث الغاية المطلوبة من عرض القصة، ومن اليسير علينا أن نستنتج من كل قصة في القرآن مواقف إنسانية، وبخاصة فيما يتعلق بالصراع بين الحق والباطل، والطغاة والمستضعفين، ويقف الأنبياء دائما في وجه الطغاة، يقاومون بشجاعة رموز الشر، ويدافعون عن حقوق الإنسان وكرامته، مبشرين ومنذرين، منتصرين للفضيلة والحق، مؤكدين أن الدين الحق غايته تحرير الإنسان من العبودية، ومقاومة الطغيان في المجتمع.
وفي الختام، أرجو الله تعالى أن يتقبل هذا العمل العلمي المتواضع، وأن يجعله مباركا، وأن ينفع به، وأعتذر عما يمكن أن يكون قد وقع فيه من أخطاء، وأسأله تعالى أن يشرح قلوبنا لما يحبه لنا، وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم. والله الموفق لكل خير.
محمد فاروق النبهان
رباط الفتح
27 رمضان المبارك 1414 هـ
10 مارس 1994 م
الفصول الرئيسية
الفصل الأول: القرآن الكريم.
الفصل الثاني: الوحي والقرآن.
الفصل الثالث: نشأة علوم القرآن.
الفصل الرابع: مقدمة في التفسير.
الفصل الخامس: ترجمة القرآن.
الفصل السادس: المكي والمدني في القرآن الكريم.
الفصل السابع: جمع القرآن وكتابته.
الفصل الثامن: فواتح السور القرآنية وخواتمها.
الفصل التاسع: ترتيب السور والآيات.
الفصل العاشر: علم الناسخ والمنسوخ.
الفصل الحادي عشر: رسم القرآن.
الفصل الثاني عشر: علم المحكم والمتشابه.
الفصل الثالث عشر: القراءات القرآنية.
الفصل الرابع عشر: الوقف والابتداء.
الفصل الخامس عشر: إعجاز القرآن.
الفصل السادس عشر: القصة في القرآن.