الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسير لا يحقق غاية مرجوة، ولا يتطلب موهبة كبيرة، وتمتد مهمة المفسر لكي يطرح الآفاق المحتملة المستفادة من الآية، بحيث يكون ما استنبطه المفسر وما وصل إليه بعد جهد منسجما مع الهدي القرآني العام، مراعيا غاية القرآن في استقامة أمر البشر، مصححا مسيرة الإنسان في رحلته في الحياة، مدافعا عن حق الإنسان في حياة كريمة.
والمفسر ليس هو الشارح للمفردات اللغوية، فتلك مقدمات ضرورية على طريق التفسير، وليس هو الباحث عن مكي الآيات ومدنيها، وناسخها ومنسوخها، وأسباب نزولها، فذلك شرط ضروري يجب أن يعرفها المفسر قبل أن يتصدى للتفسير، وبعد ذلك تبتدئ مهمة المفسر الشاقة في استكشاف الإرادة القرآنية، وفي استلهام الحكم المرادة المستهدفة، وفي إقرار التوجهات السلوكية في مجال الأمر والنهي، التي تنسجم مع التوجيهات القرآنية العامة المستفادة من القرآن كله، بحيث لا يقع أي تصدع في صرح المنهج الرباني المتكامل، سواء في نظرة القرآن للكون والإنسان، أو في مطاردة كل الأسباب التي تعارض المبادئ التي أقرها الإسلام لاستقامة الحياة البشرية.
المفسر إذا كان ضيق الأفق لا يمكنه أن يستوعب الآفاق الممكنة للتوجيه القرآني، وهو في تفسيره الضيق يضيّق الخناق على النص، فيسيء من حيث لا يدري، ويضيق ما اتسع من آفاق، ويحرم ويحلل وفق معايير يظنها موضوعية وعلمية، وهي في الحقيقة معايير تغلب عليها الرؤية الذاتية، ولا بد في التفسير من النظر إلى شخصية المفسر، فالشخصية عامل هام في التفسير، تحسن وتسيء وتصيب وتخطئ، وتوسع وتضيق، لأن التفسير رؤية ذاتية للنص المفسر، تتأثر بشخصية المفسر، لأنه أداة الرؤية، ويستمد تلك الرؤية من تجربته الذاتية، ولهذا تتفاضل قدرات المفسرين وتتباين في مدى عمقها ودقتها، فمنهم الغني بفكره وآفاقه، ومنهم الضيق الذي لا يضيف شيئا.
الفرق بين التفسير والتأويل:
خصص الزركشي في البرهان فصلا مستقلا لبيان الفرق بين التفسير والتأويل،
ورد على من قال بأن التفسير والتأويل واحد بحسب عرف الاستعمال، وقال:
والصحيح تغايرهما (1)، ونقل عن الراغب قوله: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ، وأكثر استعمال التأويل في المعاني، وأكثر ما يستعمل التأويل في الكتب الإلهية، وأكثر ما يستعمل التفسير في معاني مفردات الألفاظ.
ولفظة التأويل مأخوذة في اللغة من الأول، يقال آل الأمر إلى كذا أي صار إليه، وأصله من المآل وهو العاقبة والمصير، يقال: أوّلته فآل أي: صرفته فانصرف، وكأن التأويل يعني صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني (2).
وجاءت لفظة التأويل في القرآن في قوله تعالى: ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [الكهف: 82]، وقوله: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [الأعراف: 53]، وقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7]، وقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59].
واستعملت لفظة التأويل في مواطن كثيرة في القرآن الكريم في معرض تأويل الأحلام وتأويل الأحاديث، وكأن هذه الاستعمالات للفظة التأويل تفيد أن التأويل أمر
يختص بتفسير الأشياء الغيبية مما لا يتعلق بالألفاظ والمفردات اللغوية، فالتأويل هو تفسير إشارات واستلهام معاني من مفردات وحوادث ووقائع مما لا يخضع للمعايير التفسيرية المحكمة التي لا يملك المفسر فيها حق الخروج عن مقتضى الدلالات اللغوية.
ويمكننا أن نلاحظ أن الفرق بين التفسير والتأويل كما هو واضح في الاستعمالات اللغوية كبير، وقد استعملت لفظة التأويل حيث لا يجوز أن تستعمل لفظة التفسير، فالتفسير توضيح وبيان لمعاني مفردات، ويخضع المفسر لضوابط لغوية، بحيث لا يملك المفسر أن يخرج عن إطار الدلالة اللغوية، بخلاف
(1) انظر البرهان، ج 2، ص 149.
(2)
انظر البرهان، ج 2، ص 148.