الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتوقيف على من قال بالاجتهاد أن الدليل موجود، ويتمثل الدليل في إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم للرسم القرآني، كما كتبه كتاب الوحي، وكان صلى الله عليه وسلم يوجههم في بعض الأحيان ويعلمهم كيف ترسم بعض الكلمات.
وفضلا عن هذا، فقد انعقد الإجماع على الإشادة بالرسم القرآني، ومحاولة استكشاف جوانب الخصوصية في هذا الرسم، ولم يقل أحد بما انفرد به ابن خلدون من القول بأن الرسم القرآني مخالف لقواعد الإملاء بسبب جهل الصحابة بتلك القواعد.
وقد أوردت في كتابي «الفكر الخلدوني من خلال المقدمة» رأي ابن خلدون في رسم القرآن، وناقشت هذا الرأي وبينت بطلان ما ذهب إليه ابن خلدون وخطورته ثم قلت: «ويجب أن تستبعد كليا فكرة الخطأ في الكتابة، لأن الخطأ يؤدي إلى نتائج أكثر خطورة، ولا تستقيم مع حفظ الله تعالى لكتابه، إذ من المؤكد أن الرسم العثماني هو رسم لا يتطرق الخطأ إليه من حيث الكتابة، ولا يجوز القول بذلك، ولو صح وقوع الخطأ لأدى ذلك إلى ملاحظة الصحابة لذلك الخطأ أو اللحن، ولأشاروا إليه وأنكروه، وأصلحوا في المصاحف العثمانية، إذ لا مبرر لإبقاء اللحن والخطأ، وهم أكثر الناس حرصا على كتاب الله تعالى (1).
الرأي الثالث: موقف التوسط:
يستفاد من كلام بعض العلماء أنه ليس من الضروري كتابة القرآن على الرسوم الأولى لكتابته، وإن ذلك لا يكون على إطلاقه، لئلا يؤدي إلى دروس العلم.
ولما نقل الزركشي في البرهان ما قاله الإمام أحمد في تحريم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك عقّب على ذلك بقوله:
«قلت: وكان هذا في الصدر الأول، والعلم حي غض، وأما الآن فلا يخشى الإلباس، ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف
(1) انظر كتابنا الفكر الخلدوني من خلال المقدمة ص 413.
الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة، لئلا يوقع في تغيير من الجهال، ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء أحكمته القدماء لا يترك مراعاته لجهل الجاهلين» (1).
ويستنتج من هذا النص ما يلي:
الأمر الأول: إباحة كتابة القرآن بالكتابة الإملائية الموافقة لقواعد اللغة، وذلك تيسيرا لقراءة القرآن، وتمكينا من التلاوة السليمة، لأن الرسم العثماني يتطلب قدرة على قراءة الرسم وحفظا للقرآن.
الأمر الثاني: الحفاظ على الرسم العثماني، كرسم أصيل للنص القرآني، لأن ذلك الرسم يحظى بمكانة متميزة في النفوس.
ويمكننا أن نقرر في موضوع رسم القرآن ما يلي (2):
أولا: استبعاد فكرة الخطأ في الرسم العثماني:
وهذا منطلق أساسي لدراسة فكرة الرسم القرآني، فلا يمكن التسليم بما ذهب إليه ابن خلدون من إثبات الخطأ الإملائي في الرسم، لعدم قيام الدليل على ذلك، ولاستحالة قبول الصحابة الأخطاء الإملائية في رسم المصاحف العثمانية، ولو افترضنا أن خطأ ما وقع اكتشافه بعد الكتابة لكان من اليسير التنبيه عليه وإصلاحه، وإن قبول الصحابة والتابعين وأجيال العلماء التي جاءت بعدهم بالرسم العثماني دليل على انعدام فكرة الخطأ، والتسليم بخصوصية الرسم القرآني.
وردّ العلماء على ما أثاره البعض من شبهات، وضعفوا ما روي عن عثمان عند ما عرض عليه القرآن أنه قال:«أحسنتم وأجملتم إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها» ، وقال الألوسي عن هذه الرواية أن ذلك لم يصح عن عثمان أصلا، وكيف يجوز من الناحية العقلية أن يقول عثمان عن مصحفه الذي اعتمده
(1) انظر البرهان للزركشي، ج 1، ص 379.
(2)
انظر كتابنا الفكر الخلدوني من خلال المقدمة ص 414.
وأشرف على جمعه وكتابته «إن فيه لحنا» وإذا ثبت اللحن فلماذا لم يكلف عثمان اللجنة المؤتمنة على الكتابة والجمع والضبط أن تقوم بإصلاح اللحن؟
ثانيا: ضرورة الحفاظ على الرسم العثماني:
وهذا أمر بديهي، فالرسم العثماني هو الرسم الأصيل للقرآن، وهو الرسم الذي وقع اعتماده وإقراره، وأجمعت الأمة على قبوله، وهو الأصل في الكتابة القرآنية، وما عداه من إشكال الرسوم والخطوط لا تعتبر رسوما أصيلة في كتابة القرآن.
ثالثا: جواز كتابة الآيات بالخطوط المتعارف عليها:
وذلك للتيسير على الأمة، لكي يتمكن الناس من قراءة القرآن بطريقة سليمة، ويتصور ذلك في الكتب المدرسية حيث تتطلب المصلحة أن تكون الكتابة القرآنية مطابقة للنطق القرآني، وموافقة لقواعد الإملاء، وجواز الكتابة بالرسوم والقواعد المعتادة لا يقلل من أهمية تعويد الناس على القراءة بالرسم العثماني، لكي يكون هذا الرسم هو الأساس في المصاحف.
ولا شك أن الأمر يتعلق بالمصلحة، فإذا تأكدت المصلحة في كتابة الآيات وفقا للقواعد الإملائية وجب الأخذ بالمصلحة، لكي يكون النطق القرآني سليما وصحيحا.
وبهذا نفرق بين المصاحف التي يجب أن تحافظ على الرسم العثماني الذي هو الأصل في الكتابة القرآنية وكتابة الآيات القرآنية في إطار الكتب المدرسية أو في إطار الاستشهاد بها، مما لا يعتبر من المصاحف.
وفي جميع الأحوال لا يجوز التساهل في أمر الرسم العثماني في المصاحف المعتمدة، كتراث قرآني عظيم الفائدة واضح الدلالة على تميز المصاحف بخطوطها ورسومها عن الكتابات الأخرى.