الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه القواعد تؤكد أن الرسم العثماني روعيت في كتابته غايات ومقاصد، منها ما يمكن إدراكه ومعرفته، ومنها ما لا يمكن إدراكه وتفسيره، ولهذا فإن الرسم العثماني يظل إحدى أهم دعائم النص القرآني من حيث التوثيق والضبط والدقة، وسواء قلنا بأن هذا الرسم توقيفي أم اجتهادي فإن الحفاظ على هذا الرسم يجب أن يظل من المطالب الضرورية، وهذا لا يمنع عند الضرورة من كتابة القرآن بالإملاء الموافق للنطق المعتاد في الكتابة العربية لأغراض تعليمية، وبخاصة إذا كثر اللحن في قراءة القرآن، وتعذرت على الناس قراءته بطريقة سليمة وصحيحة.
مصير المصاحف العثمانية:
اعتمد «عثمان» مصحفه بعد أن أتمت اللجنة المكلفة بجمعه وكتابته عملها، وأشرف على ضبط الآيات، وترتيب السور بحيث يكون هذا الترتيب موافقا للتلاوة والترتيل الذي كان حفاظ القرآن يلتزمون به.
وأصبحت المصاحف العثمانية هي المصاحف المعتمدة في الأمصار الإسلامية الرئيسية في مكة والشام والبصرة والكوفة والمدينة بالإضافة إلى المصحف الإمام الذي هو الأساس في المصاحف الأخرى، وهو المصحف الأول الذي نسخت منه المصاحف.
وأوفد عثمان مع كل مصحف قارئا يقرئه ويسهر عليه، فقد كلف زيد بن ثابت أن يقرئ الناس بالمدينة، وأوفد عبد الله بن السائب إلى مكة، والمغيرة بن شهاب إلى الشام، وأبا عبد الرحمن السلمي إلى الكوفة، وعامر بن عبد القيس إلى البصرة، وأصبح هؤلاء هم قراء القرآن وحفظته يسهرون على حفظ المصحف المعتمد، ويقرءون الناس به، ولا يسمحون بأن يناله تحريف أو تبديل، أو زيادة أو نقص.
وكان هذا العمل من أعظم الأعمال التي أدت إلى حفظ القرآن، وتوحيد نصه وقراءته ورسمه، لئلا يقع فيه تغيير أو تبديل، وظلت المصاحف العثمانية في
الأمصار الإسلامية نسخا معتمدة أجمعت الأمة على قبولها وصحتها وسلامة ما جاء فيها.
ومن أبرز ما كان يميز المصاحف العثمانية أنها كانت خالية من النقط والشكل والزركشة والنقوش، وجاءت روايات عن بعض العلماء السابقين في القرن الخامس والسادس تؤكد رؤيتهم لبعض المصاحف العثمانية، وقال ابن كثير صاحب التفسير المشهور وكتاب البداية والنهاية في التاريخ في كتابه فضائل القرآن: إنه رأى مصحف عثمان الموجود في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وكان قبل ذلك بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود سنة 518 هـ، وقد وصفه بقوله: وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل» (1).
وذكر ابن الجزري صاحب كتاب: «النشر في القراءات العشر» وابن فضل الله العمري صاحب: «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» إنهما رأيا المصحف الشامي.
وروى الدكتور صبحي الصالح في كتابه: «مباحث في علوم القرآن» أن بعض الباحثين يميل إلى أن هذا المصحف أمسى زمنا ما في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينينجراد ثم نقل إلى إنكلترا، وهناك فريق من الباحثين يرجح أن هذا المصحف بقي في مسجد دمشق حتى احترق فيه سنة 1310 هـ، ونقل الدكتور الصالح عن الدكتور يوسف العش أن أحد قضاة دمشق أخبره بأنه قد رأى المصحف الشامي قبل احتراقه، وكان محفوظا بالمقصورة وله بيت خشب.
وهناك مصاحف كثيرة في المكتبات الإسلامية وخزانات المساجد المشهورة يدعى المشرفون عليها أنها من المصاحف العثمانية، وبعضها واضح في عدم مطابقته لما كانت عليه المصاحف العثمانية، من حيث النقط والشكل والزركشة والفواصل، مما يؤكد أنه كتب بعد ذلك.
(1) انظر مباحث في علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح، ص 88.