الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: التفسير والتأويل
قال ابن فارس: معاني العبارات التي يعبر بها عن الأشياء ترجع إلى ثلاثة: المعنى والتفسير والتأويل، وهي إن اختلفت فالمقاصد بها متقاربة (1).
ويراد بالمعنى القصد والمراد، يقال عنيت بهذا الكلام كذا أي قصدت، وهو مشتق من الإظهار ويقال عنت القربة إذا أظهرت الماء ولم تحفظه، ومنه عنوان الكتاب، وتطلق لفظة علماء المعاني على من صنف في معاني القرآن كالزجاج والفراء وابن الأنباري، وأهل المعاني هم العلماء الذين اختصوا بهذا العلم (2).
المراد بالتفسير:
ويراد بالتفسير الإيضاح والتبيين، ويفيد معنى الإظهار والكشف، وأصله في اللغة من الفسر وهو الإبانة، وفسّر الشيء يفسره بالكسر والضم أي أبانه، والفسر كشف المغطى، ويراد به كشف المغلق من المراد باللفظ وإطلاق للمحتبس عن الفهم به، ويقال فسرت الشيء أفسره تفسيرا، وفسرته أفسره فسرا، وقال بعضهم: فسر مقلوب من سفر ومعناه الكشف، يقال: سفرت المرأة سفورا إذا ألقت خمارها عن وجهها وهي سافرة، وأسفر الصبح أضاء.
وقال الراغب: الفسر والفسر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، وجعل الفسر لإظهار المعنى المعقول، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار، يقال: سفرت المرأة عن وجهها وأسفر الصبح (3).
وذهب أبو حيان إلى أن التفسير يراد به التعرية، يقال: فسرت الفرس إذا عريته لينطلق، وهو يعبر عن معنى الكشف، ومعظم ما جاءت به لفظة التفسير في اللغة معبرة عن معنى الكشف والبيان.
(1) انظر البرهان للزركشي، ج 2، ص 147.
(2)
انظر نفس المصدر.
(3)
انظر نفس المصدر ص 148.
واستعمل القرآن كلمة التفسير مرة واحدة في سورة الفرقان في قوله تعالى:
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان: 33]. أي: بيانا، وقال ابن عباس في قوله تعالى: وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً أي: تفصيلا.
وأطلقت كلمة «التفسير» على العلم الذي يتحدث عن معاني القرآن، من حيث نزول الآية ومناسبتها، والإشارات النازلة فيها ومعانيها المحتملة، والدلالات اللفظية، من حيث العموم والخصوص والمطلق والمقيد والمجمل والمفسر، كما يبحث علم التفسير عن كل ما يتعلق بالقرآن من معاني مستفادة من الألفاظ، من حيث الأحكام والتوجيهات والعبر والقصص والمواعظ.
ويمكننا أن نعرف علم التفسير بأنه العلم الذي يبحث عن كل المعاني القرآنية المحتملة التي تدل عليها الألفاظ، سواء ما يتعلق منها باستنباط الأحكام الشرعية، أو ما تعلق بها بمعرفة المعاني الواردة في القرآن، ويستعين المفسر بأدوات التفسير التي تمكنه من معرفة المراد بالقدر الممكن.
واختلف العلماء في تعريف التفسير، ولا حدود لاجتهادات العلماء في تعريف هذا العلم، فكل عالم يعرف علم التفسير بما يراه الأقرب والأدق، في معرفة المعاني القرآنية، وينظر من زاوية تختلف عن الزاوية الأخرى، فالبعض عرف التفسير بأنه العلم الذي يبحث عن أحوال القرآن من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، والبعض الآخر اعتبره علم نزول الآيات وشئونها وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكيّها ومدنيّها، ومحكمها، ومتشابهها، وناسخها، ومنسوخها، وخاصها، وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وحلالها وحرامها ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها (1).
ولعل المعنى الأيسر للتفسير والأوضح هو العلم الذي يبحث عن معاني القرآن ودلالاته بحسب ما تفيده الدلالة اللفظية، ويستعين لذلك بما ييسر له الأمر.
(1) انظر البرهان، ج 2، ص 148.
وهنا يقع التساؤل:
- هل من واجب المفسر أن يبحث عن مراد الله، أم يجب عليه أن يبحث عن الدلالة المستفادة من اللفظ؟
قد يقول قائل: ليس هناك تعارض بين القصدين، فالمفسر يبحث عن مراد الله من خلال الدلالة اللفظية، إذ لا يمكنه أن يكشف مراد الله إلا عن طريق الدلالة اللفظية، ولو تجاوز تلك الدلالة لوقع في خطأ جسيم، وانحرف عن خط الاستقامة، وتحكم في مراد الله بحسب هواه.
وأحيانا قد تقوده الدلالة اللفظية إلى معاني لا يمكن أن تكون من مراد الله، لوجود أدلة وقرائن ومرجحات تؤكد بطلان هذا الاستنتاج، وبخاصة إذا اصطدم هذا التفسير بمقاصد ثابتة للشريعة مستفادة من أدلة قاطعة.
وهنا يبرز دور المفسر، في توجيه الدلالة اللفظية لكي تنسجم مع التوجيهات القرآنية العامة، فلا يمكن أن يقع التناقض بين آية وأخرى، ولا يمكن أن يقع التصادم بين حكم وآخر، كما لا يمكن أن يقع التنافر بين توجيه وآخر، فالقرآن متكامل في توجيهاته، يؤكد بعضه البعض الآخر، وإذا ظهر التنافر والتباين بين آية وأخرى، فهذا التنافر دال على قصور في التفسير، ووقوف عند حدود الألفاظ، والألفاظ متعددة المعاني، والمعنى الأدق والأصح في تفسير الآية هو المعنى الذي يحقق ذلك التلاؤم والتكامل بين الآيات القرآنية.
وتبرز عظمة المفسر وموهبته في مثل هذه المواقف الصعبة، حيث يقف عمالقة المفسرين بشجاعة يتخطون حواجز الألفاظ الضيقة باحثين عن المعنى الأدق والأصح الذي يؤكد الانسجام والتوافق في التوجيه القرآني، وهم في سعيهم هذا يعتمدون على أدوات التفسير اللغوية والعقلية والنظرية لكي يوجهوا النص القرآني نحو غايته المرجوة التي يدل عليها النسق القرآني العام، وتؤكدها مقاصد واضحة للشريعة الإسلامية.
وليست مهمة المفسر قاصرة على شرح المفردات وبيان دلالاتها. فهذا عمل