الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمسكت به واعتزت بنصوصه، وهذا طريق محاط بالأشواك والأخطار، ومن الواجب تطويق الأخطار قبل أن يستفحل أمرها، وأن يمنع كل أمر يمكن أن يؤدي إلى خلاف وانقسام.
وهذا يؤكد لنا أن ترجمة القرآن ليست ممكنة من الناحية الواقعية، وكل ترجمة للقرآن لا تعتبر قرآنا، ولا يجوز أن يطلق عليها لفظ القرآن، إلا عن طريق المجاز.
مدى الحاجة إلى ترجمة القرآن:
بالرغم من كل ما يقال عن استحالة ترجمة القرآن، فإن ترجمة القرآن إلى لغات الشعوب الإسلامية أمر ضروري، إذ لا يمكن لتلك الشعوب أن تقرأ القرآن بلغته العربية، وهي بحاجة إلى معرفة ما اشتمل عليه القرآن من معان وحكم، ونقل هذه المعاني من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى ليس أمرا محرما وليس ممنوعا، بل هو أمر مطلوب ومفيد، وفيه مصلحة واضحة، ومن حق كل مسلم أن يعرف معاني القرآن بلغته.
وإذا أثبتنا استحالة ترجمة القرآن بطريقة حرفية، لأن أية ترجمة لا يمكن أن تستوعب جميع دلالات الألفاظ العربية، ولا أن تتضمن جميع المقاصد المستفادة من النص القرآني، فإن الترجمة النسبية ممكنة، ويحرص المترجم من خلالها على أن يختار الكلمة المعبرة عن الكلمة الأصلية بقدر الطاقة البشرية، وبحسب ما يتراءى له أنه الأصح والأدق، سواء من حيث فهمه للفظة القرآنية، أو من حيث اختياره للكلمة المرادفة لتلك اللفظة، وفي جميع الأحوال فإن أية ترجمة للقرآن مهما بلغت درجة إتقانها ودقتها، لا يمكن أن تكون قرآنا.
وذهب الزرقاني في كتابه: «مناهل العرفان في علوم القرآن» إلى تقسيم ترجمة القرآن إلى قسمين:
- ترجمة حرفية: وهي غير ممكنة، لأنها تتطلب وجود مفردات متماثلة في اللغة المترجم إليها، واللغة المترجم منها، بحيث تترجم اللفظة بما يماثلها ويعبر
عنها، وهذا أمر غير ممكن، لعدم إمكان التماثل في اللغات، ولأن كل لفظة تدل على معنى قد لا تدل عليه اللفظة المماثلة في اللغة الأخرى، ولو أمكنت الترجمة الحرفية لتماثلت الترجمات وتوحدت، ولما وقع الاختلاف بين المترجمين في كيفية الترجمة وفي اختيار الألفاظ المعبرة عن المعنى الأصلي.
- ترجمة تفسيرية: وهذه ممكنة من الناحية الواقعية، أولا: لأنها تعتبر الترجمة نوعا من التفسير، وثانيا: لأنها تنفي عن الترجمة صفة الترجمة، ولا تعتبر الترجمة في ظل هذا المفهوم ترجمة للقرآن، وإنما هي نوع من التفسير.
وكلمة التفسير ليست ملائمة في مجال الترجمة، فالترجمة ليست تفسيرا، وشروط الترجمة ليست هي شروط التفسير، وكلمة الترجمة التفسيرية تنفي عن الترجمة صفة الترجمة، لأن المفسر لا يكلف بما يكلف به المترجم من الالتزام باختيار الكلمة المماثلة، فإذا جاءت الكلمة غامضة فليس من حق المترجم أن يفسر غموضها، بخلاف المفسر، فهو مكلف بإزالة الغموض، وإذا كانت اللفظة محتملة لمعان عدة وجب على المترجم أن يأتي باللفظة المحتملة لنفس المعاني والدلالات، وليس من حقه أن يختار ويرجح، بخلاف المفسر فمن واجبه أن يبين ويوضح ويرجح، ولهذا فإن استعمال كلمة «الترجمة التفسيرية» ليست دقيقة في هذا المجال، لاختلاف معاني التفسير عن الترجمة.
وبالرغم من أنني استعملت كلمة الترجمة التفسيرية في بعض كتبي (1) تعبيرا عن معنى الترجمة النسبية، واعتبرت ذلك هو الترجمة الممكنة، فإنني أؤكد أن الكلمة ليست دقيقة، فالترجمة صيغة بديلة عن الأصل، ولا تنفصل عنه، وتفي بجميع معاني الأصل ومقاصده، وكلمة التفسير لا تلزم المفسر بالإتيان بالصيغة البديلة عن الأصل، والتفسير في اللغة هو البيان والتوضيح، والترجمة لا تعني البيان والتوضيح، وإذا قام المترجم ببيان الأصل وإزالة غموضه، فهو مفسر وليس مترجما، وتحكمه مقاييس التفسير وليس مقاييس الترجمة.
(1) انظر مبادئ الثقافة الإسلامية للمؤلف ص 156 - 157، طبعة دار البحوث العلمية.