الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان عليه الأمر في عهده صلى الله عليه وسلم من حيث وضوح الترتيب بالنسبة لمعظم القرآن، وربما وقع الاجتهاد في بعض السور التي لم يتضح فيها الترتيب، وكان لا بد من الاجتهاد في الأمر، والاجتهاد ليس في الترتيب، وإنما في ترجيح ما كان عليه الأمر في عهد النبوة، ولهذا اختلف ترتيب مصحف عثمان عن ترتيب مصحف ابن مسعود، الذي جعل سورة النساء مقدمة على سورة آل عمران، ويبدو أن اللجنة الرباعية التي أعدت مصحف عثمان رجحت تقديم سورة آل عمران على النساء، ورأت أن ذلك الترتيب هو الأرجح في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يؤكد التوقيف في كل ما يتعلق بالقرآن أن الصحابة التزموا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الاجتهاد في أي أمر يتعلق بالقرآن، والتوقف عند حدود النقل الثابت، ويؤكد هذه الحقيقة أن الصحابة لم يضيفوا البسملة إلى أول سورة «براءة» ولم يكن يحق لهم ذلك، ولم يجتهدوا في الأمر، حتى إن بعضهم ظن أن سورة براءة هي جزء من سورة الأنفال السابقة لها، لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتفريق بين السورتين، ولم يضف إليها البسملة، واختلفوا في تفسير سقوط البسملة في «سورة براءة» وقال بعضهم: السبب في ذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا أرادوا نقض عهد لم يكتبوا البسملة في كتاب النقض، ونزلت براءة بنقض العهد الذي كان للكفار، ولما قرئت خلت من البسملة، إيذانا لهم بما اعتادوه في مثل هذه المواقف.
عدد سور القرآن:
أجمع العلماء على أن عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، وقيل: مائة وثلاث عشرة سورة عند من جعل الأنفال وبراءة سورة واحدة.
وطلب الحجاج بن يوسف من قراء البصرة أن يحصوا له كلمات القرآن وحروفه، فمكثوا أربعة أشهر يعدون الكلمات والحروف بالشعير، وأجمعوا على أن كلمات القرآن سبع وسبعون ألفا وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة، وحروف القرآن ثلاث مائة وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا (1).
(1) انظر الإتقان، ج 1، ص 184.
وأما عدد الآيات فهو ستة آلاف آية، واختلفوا فيما زاد على ذلك، مائتان وأربع آيات، أو مائتان وتسع عشرة آية، أو مائتان وخمس وعشرون، أو مائتان وست وثلاثون:
وأطول سورة في القرآن هي البقرة وأقصر سورة هي الكوثر، وأطول آية هي آية الدين، وأقصر آية هي «والضحى» .
وتعلم الآية بتوقيف من الشارع الحكيم، كما هو الشأن بالنسبة للسور القرآنية، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر كتاب الوحي بمراعاة ذلك، ولولا ذلك التوقيف الشرعي لما أمكن بالاجتهاد أن تكون هناك آيات طويلة أو قصيرة، لصعوبة وضع معيار ثابت لذلك، فبعض الآيات كلمة واحدة، وبعضها آيات طوال.
وأكد الزمخشري ذلك بقوله: الآيات علم توقيفي لا مجال للقياس فيه، والأرجح أن نقول إن كل ما يتعلق بالقرآن توقيفي، وبخاصة ما يتعلق بالرسم والترتيب والآيات والسور، والاجتهاد قليل، وهو معتمد على نقل أو رواية راجحة أو قرينة ثابتة يستعان بها في معرفة التوقيف.
وحاول بعض العلماء ذكر الفائدة من معرفة الآيات والفواصل، وأن ذلك ضروري في بعض الأحكام الفقهية، في قراءة آية كاملة في خطبة الجمعة، وفي صلاة من جهل فاتحة الكتاب وفي معرفة مواطن الوقف، وقال البخاري:«لا أعلم لعدد الكلمات والحروف من فائدة» ، وبخاصة وإن من الصعب ضبط الكلمات والحروف لاختلاف مفهوم الكلمة من حيث الحقيقة والمجاز.
وإذا انتفت الفائدة من بعض ما انصرف العلماء إليه من بيان الكلمات والحروف، فإن ذلك مؤشر واضح الدلالة على عظمة الجهود التي بذلها العلماء في ضبط كل ما يتعلق بالقرآن، رسما وترتيبا وجمعا ورواية. تأكيدا لمكانة هذا القرآن العظيم في نفوس المسلمين، وحرصا منهم على صيانته من أي عبث يسيء إليه.