الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتطلبه المقام، فيستعمل الإيجاز في موطن الاختصار وهو معبر عن التمكن من الفصاحة، وهو مما يستحسن في الكلام، وجوامع الكلم هي الكلمات المختصرة الدالة على معان كثيرة، ويستعمل الإطناب للتأكيد والترسيخ وتوضيح المعنى المراد، سواء بتكرار الكلمة أو زيادة حروف أو تأكيد الكلمة بمصدرها، قال تعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً.
والإيجاز من عظمة النص القرآني (1)، واهتم علماء الفصاحة والبيان بمباحث الإيجاز، وقالوا يحسن الحذف في بعض المواطن لقوة الدلالة على المحذوف ولإفساح الفرصة للتأمل والتفكير فيما يفيده الكلام، أو لتركيز الذهن على المطلوب من الكلام لئلا يضيع في زحمة التطويل، ولكي يستقيم الكلام لا بد من ترك إشارة تدل على المحذوف، والإيجاز قد يكون عن طريق الحذف وقد يكون بغير حذف، كالإيجاز الجامع وإيجاز القصر، ومن الإيجاز قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ، وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ، أما إيجاز الحذف فيتم عن طريق اقتطاع بعض أحرف الكلمة أو عن طريق الاكتفاء بأحد المعنيين المتلازمين كقوله تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ، وخص الخير بالذكر لأن ذكر الشر ليس من الأدب.
[فوائد إيجاز الحذف]
وذكر العلماء فوائد إيجاز الحذف، ومن أهم هذه الفوائد:
أولا: التفخيم والإعظام لما فيه من الإيهام، ويقع ذكره فيما يتعلق بوصف الأشياء التي لا تتناهى ولا تفي الكلمات بوصفها وتضيق الألفاظ عن التعبير عنها، كقوله تعالى في وصف النار: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ، لا شك أن أي وصف لا يمكن أن يعبر عما يمكن أن يروه.
ثانيا: شهرة ما يمكن أن يقال، ويختصر لكيلا يكون ذكره من باب التكرار
(1) انظر معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي، ج 1، ص 295.
الذي لا مبرر له، وأحيانا يتم الإيجاز للتخفيف، كما في حذف حرف النداء في قوله تعالى: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وأحيانا يفيد الحذف معنى التحقير عند ما يراد تجاهل الأمر أو لرعاية الفاصلة في القرآن ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى.
ولا يتصور الحذف فيما يجب ذكره لإتمام الكلام، فالحذف في القرآن لا يمكن أن يؤدي إلى وجود خلل، فلا يحذف ما يجب ذكره كالفاعل ولا يحذف ما هو مختصر، ولا يتم الحذف في موطن التأكيد، ويجب تقدير المحذوف بما يناسبه من الألفاظ والمعاني ويكمله وهنا يقع الاجتهاد في تفسير معاني المحذوف، ويمكن أن يكون الحذف في بعض الأحيان لتوسيع دائرة الاجتهاد لمعرفة المحذوف أو لتعدد الاحتمالات الممكنة لإتمام المعاني وإكمالها، والحذف في جميع الأحوال مما تقتضيه اللغة وتدعو إليه، وهو أمر محبب إذا لم يؤد إلى نقص في المعنى، ويتحدد الحكم عليه بحسب أثره في النظم من حيث سلامة التعبير ووضوح المعنى.
وكما يبرز الإعجاز في الإيجاز كأسلوب دال على عظمة النص القرآني يبرز أحيانا في الإطناب المتمثل في زيادة بعض الكلمات أو الحروف للتأكيد والتوضيح، والتأكيد لا يقع إلا بالنسبة لما يحتاج إلى التأكيد، وهو موافق لما كان عليه كلام العرب من استعمال التأكيد وكانوا يعتبرون ذلك من الفصاحة ما دام دالا على معنى.
وفي مجال الرد على المنكرين لا بد من اللجوء إلى أدوات التأكيد وكلما اشتد الإنكار زادت الحاجة إلى قوة التأكيد كما في قوله تعالى: قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ [يس: 16]، وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج: 1]، وقوله تعالى: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف: 53].
واستعمل القرآن في هذه الآيات «أدوات التأكيد» ، لتأكيد الرسالة في الآية الأولى بعد إنكار الكافرين لنبوة الرسل، وتأكيد الحساب بعد دعوتهم إلى التقوى، وتأكيد طبائع النفس الأمارة بالسوء بعد نفي ادعاء البراءة، وتستعمل
أدوات التأكيد المعروفة إذا كان المخاطب منكرا ومترددا في قبول الخطاب، وأحيانا يترك التأكيد إذا قامت قرائن وأدلة واضحة على الحكم، وهذه القرائن كافية لترجيح كفة الإثبات، ومن العبث استعمال أدوات التأكيد كالقسم وحروف التأكيد الأخرى لإثبات ما هو ثابت أو لما قامت الحجة عليه.
وأحيانا يستعمل «التأكيد الصناعي» (1) وهو التأكيد بتكرار اللفظ الأول أو بمرادفه، كما في سورة فاطر وَغَرابِيبُ سُودٌ، وفي سورة المؤمنون هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ، أو التأكيد باستعمال الكلمات الدالة على التأكيد مثل: كل وأجمع وكلا وكلتا، كما في قوله تعالى في سورة الحجر: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ أو تأكيد الفعل بمصدره، كقوله تعالى في سورة النساء: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، أو التأكيد بالحال كقوله تعالى في سورة البقرة: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، وقوله في سورة مريم وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا، وقوله في سورة البقرة: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ.
وأحيانا يستعمل القرآن «التكرار» (2)، لتحقيق معان وغايات أهمها تقرير الكلام وتثبيته وتأكيده، وهذا هو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن في حالة تكرار الكلام، وقد جاءت الأحكام والأخبار مكررة في القرآن، لتأكيدها وبيان أهميتها والتذكير بها، وأحيانا يراد بالتكرار التعظيم والتهويل كما في قوله تعالى:
الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ، وقوله: الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ.
ولا يمكن حصر أشكال التكرار ولا أهدافه وغاياته، فذلك أمر يتعلق بطبيعة الخطاب القرآني وأسلوبه، من حيث سلامة النظم واستقامته ومن حيث التركيز على بعض ما
يجب التنبيه إليه من عبر ومواعظ في مجال القصص القرآني، وتأكيد المبادئ الأساسية للعقيدة الإسلامية، والاستشهاد بكل ما يؤدي إلى إقناع المخاطب.
(1) انظر البرهان للزركشي، ج 2، ص 385.
(2)
انظر الإتقان، ج 3، ص 200 - 224. سورة الزخرف، الآية: 51.