الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: الإعجاز بما يتركه في النفس من مشاعر:
ذهب بعض العلماء إلى أن الإعجاز شيء لا يمكن التعبير عنه فهو يدرك ولا يمكن وصفه، كالملاحة واستقامة الوزن، تدرك ولا يمكن وصفها، وتدرك بالفطرة السليمة وبإتقان علوم المعاني والبيان وهذا الاتجاه يعتبر الإعجاز أمرا يدرك بالذوق السليم والعلم الصحيح، وتدركه الفطرة، ويشعر فيه الإنسان بالفرحة والسرور.
قال أبو حيان التوحيدي في البصائر:
لم أسمع كلاما ألصق بالقلب وأعلق بالنفس من فصل تكلم به بندار بن الحسين الفارسي، وكان بحرا في العلم، وقد سئل عن موضع الإعجاز من القرآن فقال: هذه مسألة فيها حيف على المفتي وذلك أنه شبيه بقولك: ما موضع الإنسان من الإنسان، فليس للإنسان موضع من الإنسان، بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ودللت على ذاته، كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه ومعجزة لمحاوله وهدى لقائله، وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده (1).
خامسا: الإعجاز بالإخبار عن الغيب:
ذهب البعض إلى أن الإعجاز يتمثل في إخبار القرآن عن الغيب كقوله تعالى في أهل بدر: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ، وردّ العلماء على هذا القول بأن الآيات التي لا خبر فيها لا إعجاز فيها وهذا رأي باطل
…
سادسا: الإعجاز بكل ذلك:
وهذا القول يعتبر الإعجاز القرآني لا ينحصر في أسلوب أو نظم أو إخبار بغيب أو بما يتركه في النفس من أثر، فالإعجاز شامل وكامل، وهو معجز بكل
(1) نفس المصدر، ج 2، ص 100.
خصوصيات القرآن، الأسلوبية والتعبيرية والتصويرية والتشريعية والرؤية الشمولية، واعتبر الزركشي أن هذا القول هو قول أهل التحقيق .. فمن الخصوصيات القرآنية الروعة التي يتركها في قلوب السامعين، والخشية التي يشعر بها قارئ القرآن، ومنها جمعه بين صفة الجزالة والعذوبة، ولا تجتمعان غالبا في كلام البشر، لأن جزالة الألفاظ لا توجد إلا بما يشوبها من القوة، والعذوبة تحتاج إلى السلاسة والسهولة، وقد جمع القرآن بين الصفتين، وذلك من أعظم وجوه البلاغة والإعجاز
…
وفي موطن الإعجاز لا نملك إلا أن نعتبر الإعجاز القرآني إعجاز تميز وتفوق وسمو وعلو في كل جانب من الجوانب، ولا نهاية لهذا الإعجاز، ولا يحده زمان ولا مكان، ولا يحيط به عقل بشري ولا يمكن إدراك أبعاده ومعرفة خصوصياته.
قال القاضي عياض اليحصبي المتوفى سنة 544 هـ في كتابه «الشفا» : اعلم أن القرآن منطو على وجوه من الإعجاز كثيرة وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه:
أولها: حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب الذين هم فرسان الكلام.
الثاني: صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب، ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته، وانتهت إليه فواصل كلماته.
الثالث: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيّبات.
الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السابقة.
ثم قال: ومن وجوه إعجازه كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله بحفظه، ومنها أن قارئه لا يمله وسامعه لا يمجه ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب» (1).
(1) انظر الإتقان، ج 4، ص 17.