الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من هنا بدأ الإعجاز:
إعجاز لفظ معبر مختار وإعجاز معنى عظيم، ويبرز الإعجاز في تلاؤم عجيب بين ذلك النظم والمعنى، بحيث تمتد الأبصار شاخصة مترقبة يقظة، تتابع النظم الدقيق المعجز.
لو رأى العرب كلمة نابية لأمسكوا بها، ولما سمحوا لها بأن تفلت من أيديهم، واحتجوا بها على ما يريدون من الإساءة للقرآن، ولكنهم لم يجدوا في القرآن إلا كل ما يدعوهم للإعجاب به من حيث اللفظ والمعنى، ومن حيث التوافق والتلاؤم.
وقال الجرجاني معبرا عن حسن الملاءمة بين اللفظ والمعنى: «وهل تجد أحدا يقول هذه اللفظة فصيحة إلا وهو يعتبر مكانها في النظم وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها وفضل مؤانستها لأخواتها، وهل قالوا لفظة متمكنة ومقبولة وفي خلافه قلقة ونابية ومستكرهة إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم» (1).
كتابات أخرى في الإعجاز:
وبالإضافة إلى هؤلاء الأعلام ممن أفردوا للإعجاز مصنفات مستقلة، وتميزوا بما كتبوه عن الإعجاز بمناهج ثابتة، هناك مجموعة أخرى من العلماء كتبوا في الإعجاز، وأبانوا عن وجوه الإعجاز القرآني، وآراؤهم لا تخرج عن آراء أولئك الأولين من رواد مدارس الإعجاز القرآني.
ولا نهاية للإعجاز، ولذلك تصدى المفسرون لبيان أوجه الإعجاز، وعرف الزمخشري بأنه صاحب مدرسة في الإعجاز، وقد أبرز جوانب الإعجاز ومظاهره من خلال تفسيره للقرآن، ويعتبر كتابه «الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل» من أشهر المؤلفات في علم التفسير، وحرص على أن يبرز جوانب الإعجاز من خلال رصده الذكي لكل وجوه الإعجاز، متعقبا كل آية يجد فيها ذلك الإعجاز،
(1) انظر دلائل الإعجاز ص 39 - 40.
شارحا ذلك مبرزا عظمة النص القرآني، مؤكدا من خلال تفسيره أن القرآن محكم الآيات سديد العبارة جيد التصوير البياني عظيم في أسلوبه البياني رائع في صوره البلاغية لا يضاهى ولا يقارن بما اعتاده العرب من أساليب البيان، فهو أفصح من كل أسلوب وأعلى من كل بيان.
وألف «السيوطي» في إعجاز القرآن، وكتب كتابا سماه «معترك الأقران في إعجاز القرآن» (1)، تحدث فيه عن وجوه الإعجاز، وأوصلها إلى خمسة وثلاثين وجها، وخصص الوجه الأخير للحديث عن مشترك القرآن وجمع في هذا الباب ألفاظا من القرآن وفسرها وبيّن معانيها، واعتمد في ذلك كله على كتب التفسير والحديث واللغة، وقال في بداية كلامه في معرض حديثه عن وجوه الإعجاز أنه لا نهاية لوجوه الإعجاز، ونقل كلامه السكاكي في المفتاح أن إعجاز القرآن يدرك ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن.
ونقل الزركشي عن أبي حيان التوحيدي في البصائر قوله:
لم أسمع كلاما ألصق بالقلب وأعلق بالنفس من فصل تكلم به بندار بن الحسين الفارسي وقد سئل عن موضع الإعجاز من القرآن فقال:
هذه مسألة فيها حيف على المفتي وذلك أنه شبيه بقولك: ما موضع الإنسان من الإنسان؟ فليس للإنسان موضع من الإنسان بل ومتى أشرت إلى جملته فقد حققته، ودللت على ذاته، وكذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه، ومعجزة لمحاوله، وهدي لقائله، وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه، فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده» (2).
وأكد «الزركشي» أن مما يبعث على معرفة الإعجاز اختلاف المقامات وذكر كل شيء في موضعه الملائم، ووضع الألفاظ اللائقة والمناسبة، بحيث لو أبدلت لفظة بأخرى ذهبت تلك الطلاوة وفاتت تلك الحلاوة.
(1) الكتاب مؤلف من ثلاثة أجزاء، قام بتحقيقه الأستاذ علي محمد البجاوي وطبعته دار الفكر العربي بالقاهرة.
(2)
انظر البرهان، ج 2، ص 100.