الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان طعام أهل الجاهلية العلهز1. أو إلى "القرف"، لحاء الشجر، فأكلوه2، وأكلوا "الوزين"، وهو الحنظل يؤكل باللبن أيام الحاجة3.
وقد كان الناس يصابون بالشدة والعسر، ويعبر عن ذلك بـ"الحشر"، والحشر: إجحاف السنة الشديدة بالمال. وإذا أصابت الناس سنة شديدة فأجحفت بالمال وأهلكت ذوات الأربع قيل: حشرتهم السنة، بمعنى: أصابهم الضرر والجهد4.
وفي العربية ألفاظ عديدة تعبر عن الشدة والضيق والفقر وضنك الحياة وسوء الحال، من ذلك "القشف" والضعف والشظف وغير ذلك5. وفي كثرة هذه الألفاظ تعبير عن سوء الأحوال وعن تبرم الناس من الحياة ومن شدتها عليهم في ذلك الوقت، حيث كانت حياتهم في عسر وضيق.
1 تاج العروس "4/ 61"، "العلهز".
2
وإن قرى قحطان قرف وعلهز
…
فأقبح بهذا ويح نفسك من فعل
تاج العروس "4/ 16"، "العلهز".
3 تاج العروس "9/ 361"، "وزن".
4 تاج العروس "3/ 142"، "حشر".
5 تاج العروس "6/ 221"، "قشف".
سرقة أموال الآلهة:
وقد ورد في نص من نصوص المسند، وعيد بأن ينزل الإله رب السماء "ذسموي" غضبه ولعناته وكل سوء، وأن يلحق البؤس "يباس" بكل "نفس" إنسان لا يبالي بأوامر ذلك الإله، فيسرق "ذ يسرقن" محرمه، ويسرق من أموال محرمه "بقرم" بقرًا أو غير ذلك، كما أشير إلى العقوبات التي ستنزل بذلك الإنسان المتطاول المخالف لأوامر الآلهة1؛ عقوبات العذاب "عذبن" تنزلها الآلهة على أولئك الأشخاص2.
ولهذا النص أهمية كبيرة بالنسبة إلينا؛ لأنه شاهد ناطق على أن الإنسان عند الحاجة وعند تصوره وجود منفعة وفائدة له لا يعبأ بسرقة آلهته وبالسطو على ما في معابدها من أموال وحلال، وأنه لا يتردد من السطو على أوقاف تلك الآلهة
1 REP. EPIGR. 820
2 الفقرة السادسة من النص: REP. EPIGR. 820. Rhodokanakis، Stud. Lexi. II، S. 162.
وأخذ ما فيها، لا فرق في ذلك بين إنسان قديم، كان للدين عليه وعلى مجتمعه نفوذ وسلطان، وبين مجتمع حديث تهذب فيه الإنسان وارتفعت فيه مداركه ومزاياه، فها نحن أمام جماعة سرقت معبد "محرم" إلهها "ذو سموي" رب السماء، ولم تكتفِ بسرقة ذلك المعبد، بل سرقت البقر في الأرض المحبوسة على ذلك الإله. ولهذا أمر رجال ذلك المعبد الناطقين باسم ذلك الإله بكتابة ذلك النص ليقرأه الناس وليروا ما فيه من لعنات ستنزل على من يتجاسر على مخالفة أوامر ذلك الإله، فيسرق معبده ويسرق بقره.
ويلاحظ أن التشريع قد اعتبر القبيلة والجماعة وحدة اجتماعية مسئولة أمام الإله عن كل ما اقترفه أفرادها من سرقات وآثام. فإذا سرق أحدهم من معبده أو ألحق أضرارًا بأملاكه، صارت القبيلة مسئولة قانونًا وكلها أمامه، وعليها إنزال عقابها بالفاعل، بالإضافة إلى العقاب الذي يفرضه المعبد عليه. وبإيقاع المسئولية على القبيلة كلها، يكون المعبد قد أمن بذلك من غدر الأفراد المجهولين، ومن تطاول السراق المتسترين على أموال المعابد والآلهة، ومتى وجدت القبيلة أنها مسئولة عن ذلك بالتضامن، فإنها تكن حذرة وعينًا على السراق والمفسدين، لا سيما إذا ما علمت أن الآلهة تغضب عليها فتصيبها بالكوارث، فتقل بذلك حوادث السرقات بالنسبة إلى أموال المعابد والأوقاف.
ويجب أن نتذكر هنا القصة التي يرويها أهل الأخبار عن سرقة "كنز الكعبة" وذلك قبل بنيانها بقليل، ووضع السراق ما سرقوه عند "دويك" مولى لبني "مليح بن عمرو" من خزاعة، وقطع أهل مكة يده لذلك. وما ذكروه أيضًا من أن سارقًا سرق من مالها زمن جرهم، فانتزع المال منه1.
كذلك يجب أن نتذكر أن سارقًا سرق من بيت "عائشة" شيئًا، فدعت عليه، فقال لها النبي:"لا تسبخي عنه بدعائك عليه"، أي: لا تخففي عنه إثمه الذي استحقه بالسرقة بدعائك عليه2. سرق بيت رسول الله مع أنه مسلم مؤمن بالله وبرسوله، لم يردعه عن السرقة دينه، وقد تكون الحاجة قد دفعته إلى تلك السرقة.
ووصلت إلينا نصوص أخرى يفهم منها أن أشخاصًا استدانوا من أموال المعبد فلم يؤدوها له، وأن قومًا أكلوا حقوق الآلهة المفروضة عليهم من أعشار ونذور،
1 ابن هشام "1/ 130"، "حاشية على الروض"، الروض الأنف "1/ 130".
2 تاج العروس "2/ 260"، "سبخ".