المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الصياغة: و"الصائغ": من يحترف الصياغة، وذلك في اللهجة العربية الشمالية، ويشتغل - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٤

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع عشر

- ‌الفصل الثاني بعد المئة: القوافل

- ‌مدخل

- ‌قوافل الميرة:

- ‌الفصل الثالث بعد المئة: طرق الجاهليين

- ‌الفصل الرابع بعد المئة: الأسواق

- ‌مدخل

- ‌أسواق العرب الموسمية:

- ‌سوق عكاظ في الإسلام:

- ‌الفصل الخامس بعد المئة: البيع والشراء

- ‌أنواع البيع

- ‌الخلابة:

- ‌الحكرة:

- ‌شهود البيع:

- ‌فسخ البيع:

- ‌العربون:

- ‌الخيار في البيع:

- ‌صفات البيع:

- ‌الدَّيْن:

- ‌المنحة:

- ‌الفصل السادس بعد المئة: الشركة

- ‌مدخل

- ‌أنواع الشركات:

- ‌المشاركة:

- ‌السفتجة:

- ‌الوكالة:

- ‌السمسرة:

- ‌الفصل السابع بعد المئة: المال

- ‌مدخل

- ‌رأس المال:

- ‌استثمار الأموال:

- ‌الربا:

- ‌القراض:

- ‌التسليف:

- ‌الإفلاس:

- ‌الفصل الثامن بعد المئة: أصحاب المال

- ‌مدخل

- ‌عادات وأعراف:

- ‌سرقة أموال الآلهة:

- ‌دفن الذنوب:

- ‌الفصل التاسع بعد المئة: الطبقة المملوكة

- ‌مدخل

- ‌الاتجار بالرقيق:

- ‌الموالي:

- ‌بيع الولاء:

- ‌رزق المملوك:

- ‌العتق:

- ‌المكاتبة:

- ‌سوء حالة العبيد:

- ‌تعرب العبيد والموالي:

- ‌السخرة:

- ‌الفصل العاشر بعد المئة: الاتاوة والمكس والاعشار

- ‌مدخل

- ‌الطعمة:

- ‌ضرائب الزراعة:

- ‌الفصل الحادي عشر بعد المئة: النقود

- ‌الفصل الثاني عشر بعد المئة: الصناعة والمعادن والتعدين

- ‌مدخل

- ‌الإجارة:

- ‌الأحجار:

- ‌النسيج والحياكة:

- ‌الفصل الثالث عشر بعد المئة: حاصلات طبيعية

- ‌الصبغ

- ‌العصير:

- ‌الزيوت والدهون:

- ‌الصمغ:

- ‌الدباغة:

- ‌الخمور:

- ‌الفصل الرابع عشر بعد المئة: الحرف

- ‌مدخل

- ‌النجارة:

- ‌الحدادة:

- ‌الصياغة:

- ‌حرف الإعاشة:

- ‌حرف أخرى:

- ‌حرف الجلد:

- ‌الحياكة والنسيج والثياب:

- ‌الفصل الخامس عشر بعد المئة: قياس الابعاد والمساحات والكيل

- ‌فهرس الجزء الرابع عشر

الفصل: ‌ ‌الصياغة: و"الصائغ": من يحترف الصياغة، وذلك في اللهجة العربية الشمالية، ويشتغل

‌الصياغة:

و"الصائغ": من يحترف الصياغة، وذلك في اللهجة العربية الشمالية، ويشتغل في صياغة الذهب والفضة، وقد كان بين أصحاب الرسول من احترف هذه الحرفة. وقد ورد عن أبي رافع الصائغ، أن عمر بن الخطاب كان يمازحه بقوله:"أكذب الناس الصواغ، يقول اليوم وغدًا"1. وكلام عمر بن الخطاب هذا يدل على أن الصاغة لذلك العهد كانوا يخلفون أيضا في المواعيد، ولا يحافظون على الأوقات.

وقد تحدث بعض الكَتَبَة اليونان عن أثاث وحليّ مصنوعة من الذهب والفضة، ذكروا أن السبئيين كانوا يستعملونها في بيوتهم، ولكننا لم نقف على شيء مهم من ذلك، إلا قطعًا متآكلة من المعدن وصلت إلينا، لتتحدث عن عمل الصاغة والحدادين في العربية الجنوبية، وأكثرها من المصنوعات المعمولة من البرنز. فلدينا مصباح من البرنز مصاب ببعض العطب، عثر عليه في "شبوة"، على طرفه جسم "أيل" جميل، صنع وكأنه متهيئ للوثوب. وهناك قطع أخرى تمثل إحداها جملا، وأخرى حصانا، كما عثر على عصي مصنوعة من البرنز، وعلى ألواح من هذا المعدن أيضا، عليها كتابات، وهي محفوظة في المتاحف الأوروبية. وهذا الذي عثر عليه هو شيء قليل بالطبع بالنسبة إلى ما سيعثر عليه، متى سمح للآثاريين بالبحث عن الآثار والكشف عن المطمور في جزيرة العرب، ولا سيما في العربية الجنوبية، حيث تشاهد تلول من الأتربة منتشرة تضم تحتها كنوزًا ثمينة من الآثار.

ويقال للذهب: الأنضر، وقد ذكر بعض علماء اللغة أن لفظة الأنضر اسم للذهب والفضة، وكذلك النضار. أما النضرة فإنها السبيكة من الذهب، ونُضار الجوهر الخالص من التبر2.

وقد عرف التبر بأنه الذهب كله، وقيل: هو من الذهب والفضة وجميع جواهر الأرض من النحاس والصفر والشبه والزجاج وغير ذلك مما استخرج من المعدن قبل أن يصاغ ويستعمل. وقيل: التبر هو الذهب المكسور، وقيل: الفتات

1 تاج العروس "6/ 23".

2 تاج العروس "3/ 571".

ص: 249

من الذهب والفضة قبل أن يصاغا، فإذا صِيغا فهما ذهب وفضة، وورد التبر ما كان من الذهب غير مضروب فإذا ضرب دنانير فهو عين. وقد يطلق التبر على غير الذهب والفضة من المعدنيات؛ كالنحاس والحديد والرصاص، وأكثر اختصاصه بالذهب، وورد في الحديث:"الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها1". وأما "الجذاذ"، فإنه حجارة فيها ذهب، أي: الحجر الذي يقلع من مناجم الذهب، ثم يسحن بالمساحن لاستخلاص الذهب من المواد الأخرى، والمسحنة: حجر يدق به حجارة الذهب2.

والحلي، ويراد بها ما يزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة3، هي من أهم أعمال الصائغ عند الجاهليين، يقوم بصنعها من الذهب أو الفضة، ويزينها ببعض الحجارة في بعض الأحيان، وقد اشتهر "بنو قينقاع" في منطقة "يثرب" بإجادتهم حرفة الصياغة وإتقانهم لها. ومن هذه الحلي ما يعلق على الصدر، ومنها ما يوضع في الأيدي أو في الأصابع، ومنها ما يوضع حول الساق، وما يعلق في مواضع أخرى من الجسد مثل الأذنين أو الأنف أو على الجبين، كما أن بعضه مما يحلى به الحيوان أو الأشياء النفيسة في البيت.

ومن الحلي المشهورة عند الجاهليين القلادة، وتصنع من الذهب أو الفضة في الغالب، وقد تكون من ربط حجارة أو عظام أو خرز بعضها إلى بعض، وتربط حول العنق، وتتدلى على الصدر، على أن القلادة في اللغة لفظة عامة تطلق على أمور كثيرة. وقد كان الجاهليون يضعون قلادة في عنق البدن، مثل عروة مزادة، أو خلق نعل، أو غير ذلك؛ ليعلم أنها هدي. كما كانوا يقلدون الإبل بلحاء شجر الحرم، ويعتصمون بذلك من أعدائهم4.

والأسورة من أدوات الزينة كذلك، وقد استعملها أهل الجاهلية، تضعها المرأة في يديها. ويذكر علماء اللغة أن "السوار" الفظة معربة، عربت من الفارسية وأصلها في الفارسية "ستوار"، فأخذها العرب وعربوها، واشتقوا منها "سوَّرت

1 اللسان "4/ 88".

2 المعاني الكبير "2/ 848".

3 تاج العروس "6/ 23".

4 تاج العروس "2/ 475"، "جامع الأصول "5/ 409".

ص: 250

الجارية" و"جارية مسوّرة"1. على أن بعض المحاربين كانوا يستعملون الأسورة، ويتباهون بها في الحروب.

وأما "العصمة"، فقيل: إنها القلادة، وقيل: إنها شبه السوار، توضع حول اليد. وأما المعصم، فإنه موضع السوار من اليد أو الساعد2. وأما القرط، فمن حلي الأذن يعلق بشحمة الأذن3، سواء أكان درّة أم ثومة من فضة أم معلاقًا من ذهب4.

والخلخال من أدوات الزينة التي تستعملها النساء، يوضع على الساق، يصاغ من الذهب أو الفضة5. وقد يحشى بالقار، كما تحشى الأسورة أيضا في بعض الأحيان لتبدو غليظة، ويستعمل القير والقار في طلي السفن؛ لمنع الماء من الدخول فيها. والعرب تسمى الخضخاض قارا، وهو قطران وأخلاط تهنأ بها الإبل. وقد ذكر أنه صعد يذاب، فيستخرج منه القار6. ولا يزال أهل البادية والقرى يتحلون بالخلخال، وللأجراس الصغيرة التي تعلق به رنين خاص ونغمات. وهو من أدوات الزينة المستعملة بين شعوب الشرق الأوسط منذ القديم، وقد أشير إليه في التوراة7.

وقد نهى الإسلام عن تبختر النساء بالخلاخل، وإثارتهن نغماتها؛ لما في ذلك من إثارة للرجال وتأثير عليهم8.

والخاتم من عمل وصنع الصائغ، وهو من حلي الإصبع، ويحلى بالحجارة الكريمة في الغالب، مثل الياقوت والماس والشذر وغير ذلك. ويستعمل الخاتم للختم كذلك، أي: للطبع بدلًا من التوقيع، وذلك بحفر رمز أو كلمة أو عبارة أو اسم صاحب الخاتم على الخاتم، فإذا أريد كتابة كتاب أو تصديق قرار أو وثيقة ختم به على

1 تاج العروس "3/ 283"، المفردات "ص274"، جامع الأصول "5/ 408".

2 تاج العروس "8/ 400".

3 جامع الأصول "7/ 526"، المغرب "2/ 117".

4 تاج العروس "5/ 202".

5 قال امرؤ القيس:

كأني لم أركب جوادًا للذة

ولم أتبطن كاعبًا ذات خلخال

تاج العروس "7/ 309".

6 المعرب "ص266".

7 Hastings، Dict. Of the Bible، I، p. 99

8 السورة 24، الآية 31.

ص: 251

الشيء المراد ختمه، فيقوم إذ ذاك مقام التوقيع والاعتراف بصحة المذكور. ويقال لما يوضع على الطينة وما يختم على اللبنة الخاتم كذلك1؛ ولذلك عد الخاتم عند الشعوب القديمة رمزًا للتفويض والتصديق والملك. وختم الملك يدل على إرادة الملك ورضائه وأمره؛ ولذلك قيل: خاتم الملك2.

وقد يصنع الخاتم من الشبه أو الصفر أو الحديد، ويعمل على صور وأشكال متعددة متنوعة. وقد كان خاتم رسول الله من حديد ملوي، عليه فضة3.

وفي المتاحف وعند الناس عدد كبير من الأختام، عثر عليها في مواضع متعددة من جزيرة العرب. وهي تكون عند علماء الآثار دراسة خاصة؛ لما كان لها من أهمية عند الشعوب القديمة، ولما في بعضها من دقة في الصنعة ومن تفنن وإبداع. وبعض هذه الأختام مستورد من الخارج وبعضه متأثر بالأختام الأجنبية، مثل: الأختام العراقية أو الأختام اليونانية أو الفارسية.

ويقوم الصائغ بعمل الزينة للرأس، ومنها التيجان، وقد كان ملوك الحيرة يضعون التيجان على رءوسهم. وقد ورد في شعر لمالك بن نويرة أن تاج النعمان بن المنذر كان من الزبرجد والياقوت والذهب4.

ومن حلي النساء الفتخ والخُرص والسخاب والحلق، وقد حلي بها الأولاد كذلك5، وكذلك المسكة من ذهب والسلسلة والأطواق والأجراس والجلاجل. ويراد بالفتخ الخواتيم الضخام، يكون في اليد والرجل، بفص وبغير فص. وقيل: الخاتم أيًّا كان، أو حلقة من فضة6. وأما المسكة، فسوار من ذبل أو عاج، فإذا كانت من غيرهما أضيفت إلى ما هي منه7، وتوضع السلسلة في العنق، وأما الأجراس فتوضع في الأرجل8.

1 تاج العروس "8/ 266"، اللسان "12/ 163"، "صادر".

2 Smith، Vol. III، p. 1044

3 جامع الأصول "5/ 402".

4

لن يذهب اللؤم تاج قد حييت به

من الزبرجد والياقوت والذهب

المعرب "ص356"، تاج العروس "2/ 12".

5 جامع الأصول "5/ 404 وما بعدها".

6 جامع الأصول "5/ 408"، تاج العروس "2/ 270".

7 جامع الأصول "5/ 493".

8 جامع الأصول "5/ 410".

ص: 252

ومن الحلي: "الحُبلة": ضرب من الحلي يصاغ على شكل ثمرة "الحبلة"، يوضع في القلائد في الجاهلية1.

ويقال للنقوش والزينة المزوقة والتصاوير المموهة بالذهب "الزخرف". وذكر علماء اللغة أن "الزخرف" الذهب، وهو الأصل، ثم قيل لكل زينة زخرف، وكذلك كل شيء مُوّه به. وقد ورد في كتب الحديث والأخبار أن الكعبة كانت قد زينت بالزخرف، أي: بنقوش وتصاوير، وكانت بالذهب. فلما كان يوم الفتح، لم يدخل الرسول الكعبة، حتى أمر بالزخرف فنحي، وبالأصنام فكسرت، فدخل بعد ذلك الكعبة2.

وقد ألف أهل مكة وغيرهم استعمال الآنية المصنوعة من الذهب والفضة، فاستعملوا الأكواب والأباريق والكئوس والقوارير والأواني، وبعضها عليه صور مرسومة أو محفورة. وقد أشير في القرآن الكريم إلى هذه الأواني، وذكرت في كتب الفقه، وقد ورد النهي عن الشرب بأواني الذهب في الحديث3، وفي ذلك دليل على وجودها واستعمالها عند العرب قبل الإسلام.

وقد ذكر علماء اللغة أن من الأواني المستعملة من الفضة الجام4، وعرفوا الكوب بأنه كوز لا عروة له، أو هو المستدير الرأس الذي لا خرطوم له. وقد ذكر في شعر عدي بن زيد العبادي5، وفي شعر نفر آخر من الشعراء الجاهليين ممن ألفوا الحضارة. وورود "أكواب" جمع "كوب" في القرآن الكريم، دليل على استعمال أهل مكة للأكواب.

واللفظة من الألفاظ المعربة عن اليونانية، وتقابل لفظة Cup في الإنجليزية. وقد أخذت من هذا الأصل اليوناني.

والكوب، هو في معنى "كوس" عند العبرانيين، أي: كأس في عربيتنا. وتصنع الكئوس من المعدن، كما تعمل من الطين، وعُمِلَتْ كئوس الملوك وكبار

1 اللسان "11/ 140".

2 تاج العروس "6/ 126".

3 شمس العلوم "1/ 103".

4 تاج العروس "8/ 234".

5

متكئًا تصفق أبوابه

يسعى عليه العبد بالكوب

تاج العروس "1/ 464".

ص: 253

الأغنياء من الذهب والفضة. ولبعضها يد أو علَّاقة ليحمل الكأس بها1، وقد ذكرت لفظة "كأس" في القرآن الكريم.

واستعمل أهل مكة الأباريق المصنوعة من الذهب والفضة كذلك. وقد ذهب علماء اللغة إلى أن لفظة "إبريق" لفظة معربة، أصلها فارسي هو:"آب رى". وقد وردت لفظة "الأباريق" في القرآن، كما وردت لفظة "إبريق" في شعر منسوب إلى عدي بن زيد العبادي2.

وأخذ تجار مكة من الفارسية بعض الألفاظ الحضارية التي لها علاقة بالصياغة، بحكم اتصالهم بالعراق، مثل لفظة "زركش"، وهي من أصل فارسي معناه: الراسم والناقش على الذهب3.

وصاغ الصياغ خرزًا من الفضة، جعلوه على أمثال اللؤلؤ، وعرف عندهم باسم "الجمان"، وقد وردت لفظة "جمانة" في شعر منسوب للبيد. وذكر الجواليقي أن اللفظة معربة من أصل فارسي، وأنها تكلمت بها العرب قديمًا4.

ويصنع الصائغ إطارات للمرائي، جمع المرآة، وهي ما تراءيت فيه، وما ترى فيه صور الأشياء5. وقد يصنع الصائغ المرآة على هيئة سبيكة مصقولة من الفضة، إذا نظر إليها بان وجه الإنسان. وقد ذكر العلماء نوعًا من المرائي دعوه "السجنجل"، وقد وردت هذه اللفظة في معلقة امرئ القيس، وذكر العلماء أن اللفظة معربة من أصل رومي6.

وقام الصائغ بعمل كل ما طلب منه، فعمل قبيعة السيف من الذهب والفضة وزين السيوف بالذهب والفضة. بل صنع بعضهم أنوفًا من ذهب لمن أُصيبت

1 Smith، Vol. I، p. 372

2

ودعا بالصبوح يومًا فقامت

قينة في يمينها إبريق

تاج العروس "6/ 286"، وورد "فجاءت"، المعرب "ص23"، شمس العلوم "1/ 145".

3 مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق "ص381، تموز 1960".

4 المعرب "115"، تاج العروس "9/ 163".

5 تاج العروس "10/ 139".

6 المعرب "ص179".

مهفهفة بيضاء غير مفاضة

ترائبها مصقولة كالسجنجل

تاج العروس "7/ 371".

ص: 254

أنوفهم. فذكر أن صائغًا صنع أنفًا من ذهب لعرفجة بن سعد، وكان قد أصيب أنفه يوم الطلاب في الجاهلية1.

وزينت الدروع والدرق بالذهب كذلك، ووجد الصائغ عملًا مهمًّا له في المعابد، إذ أمدها بزخارف مموهة بالذهب وضعت على أبوابها، وعلى الأماكن المقدسة فيها. كما أمدها بالتماثيل المصنوعة من الإبريز وبالقناديل والمصابيح المصنوعة من الذهب والفضة.

ومن أدوات الصاغة المهمة التي يستعملونها في صناعتهم "الحماليج"، وهي المنافيخ، وتستخدم في إيقاد النار وفي زيادة لهبها؛ كي تتمكن من صهر المعدن أو جعله لينًا، ليحوله الصائغ على الشكل الذي يريده2.

ومن الأدوات المصنوعة من الحديد ومن النحاس والبرنز أيضًا "التور"3 و"الطست"4 و"الطاجن"5، وهي أوانٍ يوضع فيها الماء في الغالب. وذكر بعض علماء اللغة أنها كلها ألفاظ معربة من الفارسية6.

وقد عرف التور بأنه إناء من الأواني، وقيل: إنه إناء من صفر أو حجارة كالإجانة، وقد يتوضأ منه7.

ومن الأدوات التي يصنعها النحاسون "القمقم"، ذكر بعض علماء اللغة أنه الجرة أو ما يستقى به من نحاس8. واللفظة ما تزال حية معروفة في العراق،

1 جامع الأصول "5/ 410 وما بعدها"، اللسان "8/ 259".

2 المعاني الكبير "2/ 763".

3 المعرب "ص86"، تاج العروس "3/ 70".

4 المعرب "ص86"، تاج العروس "1/ 563"، المغرب "2/ 14"، فرائد اللغة "ص238".

5 "الطجن: القلو، دخيل في العربية

والمطجن، كمعظم: المقلو في الطاجن"، تاج العروس "9/ 268".

6 المعرب "ص86".

7 اللسان "4/ 96".

8 المعرب "ص260": والقمقم كهدهد: الجرة عن كراع، وأيضًا آنية من نحاس وغيره، يسخن فيه الماء، ويكون ضيق الرأس. قال الأصمعي: هو رومي معرب "كمكم" بكافين عجميتين. وقال عنترة:

وكان ربا أو كحيلا معقدا

حش القيان به جوانب قمقم

ومنه استعير لإناء صغير من نحاس أو فضة أو صيني يجعل فيه ماء الورد، تاج العروس "9/ 33".

ص: 255

تطلق على وعاء يوضع فيه ماء الورد، يسكب منه في المآتم خاصةً.

وقد اشتهرت بعض مواضع اليمن بالمعادن، وتُعرَف الأرضون المحتوية على خاماتها بـ"مَعْدِن" عند أهل الأخبار. ويذكر بعد هذه اللفظة اسم المكان الذي يوجد فيه المعدن ثم نوعه، فقد ورد مثلًا "معدن عشم" و"معدن ضنكان"، وقد اشتهرا بالذهب، وذكر أن ذهبهما من النوع الجيد الجليل. أما "معدن القفاعة" ففيه ذهب كذلك، لكنه دون ذهب المعدنين المذكورين، وهو خير من ذهب "معدن بني محيد"1.

وقد استغل الناس مناجم الذهب والفضة والحديد، وعثر عند بعضها على أدوات استخدمت في إذابة المعدن؛ لاستخلاصه من المواد الغريبة العالقة به. وقد ذكر "فؤاد حمزة" في كلامه على جبل "تَهْلَل" بجوار السودة في عسير، وبه معدن الحديد2، أنه عثر فيها على آثار عشرات النقر لإذابة المعادن. وقد كانوا يضعون خام الحديد المستخرج من منجمه في هذه النقر ومعه الخشب والأغصان التي توقد لإيجاد النار الكافية لإذابة المعدن، واستخلاصه من المواد الغريبة المختلطة في خامه. فإذا ذاب المعدن وخلص من المواد الغريبة التي كانت ممتزجة به، عُولِج معالجةً خاصةً لتنقيته ولاستخراج فحمه والمواد الأخرى التي تجعله هشًّا قابلًا للكسر والثلم بسهولة. وقد يعالج جملة مرات إن أريد استعماله في أمور تستدعي استعمال حديد نقي صافٍ، في مثل السيوف الجيدة التي بجب صنعها من هذا الحديد.

واستعمل الأتون أيضا في إذابة المعادن لتنقيتها وإذابتها ولإحالتها إلى الشكل المطلوب. وتوقد النيران في أسفل الأتون؛ لتذيب المعدن وتحيله إلى سائل يسيل من فتحة تقع في جانبه ليحوله المعدن إلى الشكل الذي يريده. ويخرج الدخان من فتحة تكون في نهاية موقد النار، وتقوم هذه المدخنة بتهوية الموقد في الوقت نفسه. وطريقة إذابة المعادن وتنقيتها هذه، معروفة عند الرومان واليونان والفرس والعبرانيين، ويطلق العبرانيون على الأتون، لفظة "أتون" كذلك3.

وأشير إلى معادن أخرى في اليمن، منها: الفضة، وقد وجد في "معدن

1 بلوغ الأرب "1/ 204".

2 في بلاد عسير: "ص113 وما بعدها".

3 Smith، Dict. Of the Bible، Vol.، I، p. 637

ص: 256

الرصاص"، موضع بين "فهم" من همدان، بين خولان العالية ومراد، ومعها الرصاص، وعليه كان اعتماد أهل اليمن. وكان في الموضع قرية تسمى "قرية الرصاص"، وأهلها من العرنيين، وقد ارتدوا، فقتلهم رسول الله1. وعرف الرصاص الخالص بالآنك2، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنها من أصل آرمي هو "أنكو" Anko3.

ومن المعادن: الجزع، واليفران، والعقيق، وهو في مواضع عديدة من اليمن، بعضه بعدن أبيض، وبعضه بأرض وادعة بين صعدة والحجاز، وفي نجران وبيحان4.

والنحاس، هو "نحشت" في العبرانية، ويعرف بـ"صبرو" Siparu في البابلية. ومن هذه اللفظة "الصفر"، المستعملة في العراق بمعنى نحاس5. وذكر علماء اللغة أن النحاس ضرب من الصفر والآنية شديدة الحمرة6، وذكروا أن الصفر: النحاس الجيد، وقيل: ضرب من النحاس، والصفار: صانع الصفر7.

وقد عرف المشتغلون بالمعادن طريقة خلط المعادن، فاستعملوها في أغراض شتى. فخلطوا بين الفضة والرصاص أو النحاس في صنع النمي، وهي الفلوس، وكانت في الحيرة على عهد النعمان بن المنذر8. وخلطوا الحديد بمعادن أخرى؛ ليتناسب مع طبيعة الأشياء التي يراد صنعها منه، ويكون خلط المعادن بنسب مقدرة معلومة؛ كي تؤدي الغاية المرجوة منه. ومن هذه المعادن: الشبه، وقد ذكر علماء اللغة أنه ضرب من النحاس، يلقى عليه دواء فيصفر9.

وفي العبرية لفظة "فولاذ"، وتعني معنى Steel في الإنجليزية، أي: نوعًا خاصًّا من أنواع الحديد، وتقابل لفظة "فلدو""بلدو" في السريانية و"فلداة"

1 بلوغ الأرب "1/ 204".

2 شمس العلوم "1/ 102".

3 غرائب اللغة "ص172".

4 بلوغ الأرب "1/ 204".

5 Ency. Bibli. Vol، I، p. 893

6 اللسان "6/ 227".

7 اللسان "4/ 461".

8 تاج العروس "9/ 85".

9 اللسان "13/ 505".

ص: 257

في العبرانية. ويظهر أن الفولاذ كان معروفًا عند الشعوب القديمة قبل الميلاد1.

ولم يختلف أهل اليمن القدماء عن أهل اليمن المحدثين في طرقهم البدائية في استخراج المعادن واستخلاصها من خاماتها، ولا يزال أهل اليمن يضرمون النار في الحجارة المحتوية على المعدن، فيسيل المعدن بتأثير الحرارة، فإذا سال سكب عليه الماء، فيبرد، وتتكون قطع منه، يستعان بها في صنع ما يحتاجون إليه من آلات وأدوات.

ولا يزال كثير من سكان جزيرة العرب يمارسون الصناعات على الطريقة القديمة، يعتمدون فيها على الأيدي وعلى الآلات البدائية التي ورثوها من الماضي، فيدبغون الأدم على طريقتهم الموروثة، ويصنعون سرج الخيل وهوادج الإبل، والأحذية، وينسجون الأنسجة من صوف الأغنام أو الماعز أو الوبر، للملابس، ولبيوتهم التي تنتقل بتنقلهم.

والعِطارة من الحرف القديمة المعروفة، وقد ذكرت في التوراة2. والعطَّار وإن كان اسمه قد جاء من العطر بسبب تعاطيه بيع الطيب والعطور، يبيع أيضا مختلف الأعشاب والعقاقير والأدوية. فهو صيدلي في الواقع، وإليه تأتي وصفة الطبيب تعيّن الأعشاب والعقاقير التي يحتاجها المريض. وقد كان العطارون يبيعون في مكة ويثرب وأماكن أخرى أنواع العطور والطيوب، وفي جملتها المسك. وقد ضرب الرسول المثل "بصاحب المسك" أي: العطار، إذ جعله مثال الجليس الصالح3 للرجل.

ويبيع العطارون عدة أشياء تستعمل في الطب وفي الطعام، مثل الزعفران والكركم وهو أصغر، وذكر أنه "الهُرد"، وهو عروق يصبغ بها4. ومثل "المصطكا"، وهو علك رومي، ويدخل في الأدوية أيضًا5.

وقد يحمل العطارون آلتهم معهم، يضعونها في خريطة من أدم، يطلقون عليها "القفدانة" و"القفدان". وهي لفظة فارسية معربة، وتطلق على المكحلة كذلك، كما يقول بعض علماء اللغة6.

1 Smith، A dicti. Of the Bible، Vol، III، p. 1377

2 قاموس الكتاب المقدس "2/ 22".

3 عمدة القاري "11/ 220".

4 المعرب "ص291".

5 المعرب "ص320".

6 المعرب "ص263"، تاج العروس "2/ 474".

ص: 258