الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تستخدم الحمير والبغال، أما عربات القتال فتجرها الخيل. وقد كانت دواليب العربات من الخشب، إلا أنها صنعت من الحديد أيضًا. والغالب أن يكون للعربة دولابان، ولكن العربات ذات الأربعة الدواليب كانت معروفة أيضا ومستعملة، ولا سيما في أمور النقل. وقد كان الأكاسرة يستعملونها لنقل عوائلهم، ولها ستائر وسقف1.
وذكر علماء العربية أن العجلة: الدولاب2، وأن "المركب" واحد مراكب البر والبحر3. والظاهر أن العجلات والمركبات كانت نادرة الوجود في أكثر مواضع جزيرة العرب، إذ لا نجد لها ذكرًا في أخبار الإخباريين عن الجاهليين ولا في كتب اللغة.
1 Smit، Dict، vol. I، P. 295، Hastings، Dict، vol. I، P. 357 Ency. Bibli، Vol. I، P. 724.
2 اللسان "11/ 428".
3 اللسان "1/ 431".
الحدادة:
وقد دفعت حاجة الإنسان إلى المعادن لاستخدامها في أمور حربية وزراعية وفي البيت على انصرافه إلى الاشتغال بها لتحويلها إلى أشياء نافعة. فظهرت الحدادة والصياغة وأمثالها، واشتغل بعض الناس بالبحث عن الحديد وعن المعادن الأخرى واستخلاصها من المواد الغريبة المختلطة بها، كما اشتغلوا في خلط المعادن لإيجاد أنواع جديدة منها. وقد وقع ذلك بين أهل الحضر في الغالب، أما أهل الوبر، الأعراب، فلبساطة حياتهم لم يشعروا بحاجة لهم إلى هذه الصناعات، وإذا شعروا بوجود حاجة لهم فيها اشتروها من أهل المدن، واحتقروا الصناعات وأهل الصناعة والمحترفين بالحرف.
ويعرف الحدَّاد بـ"القين" كذلك عند الجاهليين1، وهو الذي يعد للزرَّاع الأدوات التي تستعمل في حرث الأرض، مثل: المسحاة والمحراث والمنجل والأدوات
1 "والحداد ككتان معالجه، أي: الحديد، أي: يعالج ما يصنعه من الحرف. ومن المجاز: الحداد السجان؛ لأنه يمنع من الخروج، أو لأنه يعالج الحديد من القيود"، شرح القاموس "2/ 331"، تاج العروس "2/ 331"، "حدد".
الأخرى، يصنعها من الحديد، كما أنه يعد للحرف الأخرى ولأهل البيوت كثيرًا من الآلات، يصنعها من الحديد. وكان فضلًا عن ذلك، الخبير الاختصاصي بصنع السلاح على اختلاف أنواعه وتجهيز الحكومات والأفراد بالسلاح الذي يستعمل في الدفاع وفي الهجوم؛ لذلك كانت حرفته مهمة خطيرة، ولا يزال الحداد يعد للناس في جزيرة العرب السلاح؛ كالسيوف والخناجر والدروع والسكاكين والنصال المعدنية وغير ذلك من أدوات كانت تستعمل في الحروب لذلك العهد، وسأفرد لها بحثًا خاصًّا.
وذكر بعض علماء اللغة أن القين هو العامل بالحديد، وقال بعض آخر: إن القين الذي يعمل بالحديد ويعمل بالكير، ولا يقال للصائغ قين. وذكر بعض آخر أن القين الحداد، ثم صار كل صائغ عند العرب قينًا، وذكر بعض آخر أن القين هو الذي يصلح الأسنة، إلى غير ذلك من آراء. وكان من بين أصحاب الرسول من كان قينًا، مثل "خباب بن الأرت"1، ذكر أنه كان يشتغل للعاص بن وائل. وكان العاص هذا من الزنادقة، ومثله: عقبة بن أبي معيط، والوليد بن المغيرة، وأُبيّ بن خلف2. وكان خبَّاب يضرب السيوف الجياد ويدقها، حتى ضرب به المثل، ونسبت إليه السيوف3، كما اشتهر بها رجل آخر عرف بـ"ريش المقعد"، أي: النبل، والمقعد اسم رجل كان يريش السهام4، والنبل: السهام، والنبَّال: صاحب النبال وصانعها، وحرفته النبالة5. وتحبس في الجعبة، يحملها صاحبها معه، فإذا أراد الرمي، فتحها ليستخرج منها ما يشاء.
ومن الحدادين الأعاجم الذين ذكرهم أهل الأخبار، الأزرق بن عقبة أبو عقبة
1 تاج العروس "9/ 316"، "قين"، البلاذري "1/ 175 وما بعدها".
2 عمدة القاري "11/ 208 وما بعدها"، "وخباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة الخزاعي، وقيل: التيمي، وهو أصح، أبو عبد الله، من السابقين في الإسلام، وشهد بدرًا، ثم نزل الكوفة، ومات بها سنة سبع وثلاثين"، شرح القاموس "1/ 228".
3 تاج العروس "1/ 228".
4 تاج العروس "1/ 228".
5 تاج العروس "8/ 125".
الثقفي، غلام الحارث بن كلدة الثقفي، ذكر أنه كان روميًّا حدادًا1.
ويرجع في رواية تنسب إلى "ابن الكلبي" مبدأ الحدادة عند العرب إلى "الهالك بن عمرو بن أسد بن خزيمة"، فهو في هذه الرواية أول من عمل الحديد من العرب، وكان حدادًا، فنسب إليه الحداد، فقيل لكل حداد: هالكي. ولذلك قيل لبني أسد: القيون، وقال لبيد:
جنوح الهالكيّ على يديه
…
مُكِبًّا يجتلي نقب النصالِ2
وعرف القين الذي يقوم بطبع السيوف وصقلها بـ"الطباع" و"الصقل"3. وقد عرفت اليمن بإجادتها صنع السيوف وطبعها وصقلها، حتى اشتهرت بذلك في جميع أنحاء جزيرة العرب، واشتهرت السيوف المصنوعة من حديد بيحان بالجودة؛ لجودة حديدها وقوته4. ومن الأدوات التي يستعملها "الصيقل" في صقل السيوف "المصقلة"، وهي خرزة يصقل بها5.
ويقال: طبع الطبَّاع السيف، أي: صاغه، وكذلك طبع الطباع الدرهم. والطبع عند علماء اللغة هو الختم، والتأثير في شيء ما، وتصوير الشيء بصورة مثل طبع السكة وطبع الدرهم، وهو عندهم أعم من الختم وأخص من النقش6.
ويعتني الحداد باختيار الحديد عند صنعه السيوف الجيدة الثمينة، ويخرج منه خبثه، وينفق جهده في صقل السيف وفي إتقان عمل الحديد الملتهب قبل تبريده، وإلا صار خشنًا قليل الفائدة لا يُشترَى بثمن جيد، ويقال لهذا النوع من السيوف الخشنة: الخشيب. وتستعمل اللفظة في الضد أيضا، فتطلق على السيف الصيقل، وتطلق على السيف الحديث الصنعة كذلك7.
ومن أنواع الحديد الجيد الذي يستخدمه الحداد في صنع المصنوعات الثمينة، "الفالوذ" أي:"الفولاذ"، ويقال له "بلدو" Poldo في السريانية و"فلدة"
1 البلاذري "1/ 157"، "الإصابة "1/ 29".
2 اللسان "10/ 507"، "الهالك بن مراد بن أسد بن خزيمة"، العمدة "2/ 232".
3 بلوغ الأرب "3/ 401 وما بعدها"، تاج العروس "7/ 404".
4 بلوغ الأرب "1/ 204".
5 تاج العروس "7/ 403".
6 تاج العروس "5/ 438".
7 تاج العروس "1/ 233".
"فلداة" في العبرانية، وتصنع منه الأسلحة بصورة خاصة1. وهو معروف في العربية، وعرف بقولهم: "وهو مصاص الحديد، المنقى من خبثه"2.
ويستعين الحداد بأدوات في طرق الحديد وفي تغيير شكله على النحو المطلوب. ومن أهم هذه الأدوات "الكير"، وهو المنفاخ، وهو زقّ ينفخ فيه الحداد، أو جلد غليظ ذو حافات، يستعمل لإثارة النار وإيقادها؛ كي ترتفع درجات حرارتها فتؤثر في الحديد وتجعله لينًا يسهل طرقه وإعطاؤه الشكل المطلوب3. والكور وهو مجمرة الحداد، وهي مبنية بالطين وبالحجارة، وتوقد فيها النار، ويسلط عليها الكير، ويوضع الحديد على النار ليحمى ويلين4. ومن أصل "كوّر""كور" و"كير"، ويراد بها الموضع الذي تحرق فيه القرابين من بخور وذبائح، تهيأ للحرق تقربًا إلى الآلهة5. ويعرف الكور بـ"كور" عند العبرانيين، وقد وردت اللفظة في التوراة6.
ويطرق القين الحديد المحمى على "السندان"؛ ليحوله إلى الشكل الذي يريده، ويعرف بـ"العلاة" أيضا7.
وقد استغل اليهود أنفة أهل المدينة والعرب الصرحاء من الاشتغال بالحدادة، فاحتكروها لأنفسهم، وربحوا منها ربحا طيبا، وذلك بإنتاجهم الأدوات والآلات الزراعية وبصنعهم الأسلحة اللازمة لكل إنسان لحماية نفسه، مثل صنع السيوف والخناجر والدروع. وقد سلحوا أنفسهم بها، كما باعوا منتوجهم لغيرهم. وتصنع الدروع من الحديد الثقيل، كي تقاوم قراع السيوف8. وقد تزرد الدروع؛ لتقاوم في الدفاع، ويقال عندئذ: "درع مزرود"9.
والسرد عند علماء اللغة نسج الدرع، وهو تداخل الحلق بعضها في بعض.
1 Smith، Dict. Of the Bible، Vol. III، p. 1377
2 اللسان "3/ 503".
3 عمدة القاري "11/ 220"، تاج العروس "3/ 532"، مجمع الأمثال "1/ 6".
4 تاج العروس "3/ 530، 532".
5 Rhodokanakis، Stud.، II، S. 33، 170
6 Smith، Dict. Of the Bible، Vol. I، p. 637
7 شرح ديوان لبيد "ص96".
8 تاج العروس "5/ 325".
9 تاج العروس "2/ 363".
والسرد اسم جامع للدروع وسائر الحلق، وسمي سردًا؛ لأنه يسرد فيثقب طرفا كل حلقة بالمسمار، فذلك الحلق المسرد، والمسرد هو المثقب، وهو السرَّاد1. ويراد بالحلقة السلاح عامًّة، قيل: الدرع خاصة، وإنما ذلك لمكان الدروع ولشدة غنائه. وقد سمى "النعمان" دروعه حلقة2.
وتصنع النصال من الحديد أيضًا، والنصل حديدة السهم والرمح، ويقال: نصل السيف ونصل السكين. وقد ذكر أيضًا أن نصل السيف حديدة السيف ما لم يكن له مقبض، فإذا كان لها مقبض، فهو سيف. وقيل: إنه النصل السهم العريض الطويل، والمشقص على النصف من النصل3.
ومن المجاز: الحداد السجان؛ لأنه يمنع من الخروج، أو لأنه يعالج الحديد من القيود. وفي هذا المعنى ورد:
يقول لي الحداد وهو يقودني
…
إلى السجن: لا تفزع فما بك من باس
والحداد البواب؛ لأنه يمنع من الخروج4.
والعتلة: حديدة كأنها رأس فأس عريضة، في أسفلها خشبة تحفر بها الأرض والحيطان، وليست بمعقفة كالفأس، ولكنها مستقيمة مع الخشبة، أو هي العصا الضخمة من حديد، لها رأس مفلطح، يهدم بها الحائط. وقيل: هي بيرم النجار5.
ومن مصنوعات الحداد "الإبزيم"، وهو حلقة لها لسان يدخل في الخرق في أسفل المحمل، ثم تعض عليها حلقتها، والحلقة جميعها "إبزيم"، وقد أدخلها الجواليقي في باب المعربات6 من الفارسية. ومن مصنوعات الحداد "المقدحة"، الأداة التي استعان بها الإنسان في إيجاد النار، وهي حديدة يقدح بها حجر يوضع عليه مادة قابلة للالتهاب ولأخذ النار، مثل الصوف، فيورى منها النار7.
1 تاج العروس "2/ 375".
2 تاج العروس "6/ 319".
3 تاج العروس "8/ 136".
4 تاج العروس "2/ 331"، "حَدَّ".
5 تاج العروس "8/ 3".
6 المعرب "ص24"، تاج العروس "8/ 202".
7 تاج العروس "2/ 202".
ويهيئ الحداد أقفال الأبواب، وقد يصنعها النجار أيضا. ويُوضَع خلف الباب وتد من حديد لتسميره، فلا يمكن فتحه1، كما يهيئ البيت بما يحتاج إليه من أدوات تستعمل في الطبخ وفي الغسيل وفي الزينة. ويجهز الرجل والمرأة بالأدوات المساعدة للتجميل كـ"المدرى"، وهو شيء يسرح به شعر الرأس محدد الطرف من حديد، وقد يصنع من غيره مثل الخشب، وهو كسنّ من أسنان المشط، أو أغلظ قليلًا، إلا أنه أطول2.
وقد ذكر أصحاب اللغة بعض أسماء الآلات والأدوات التي كان يستعملها الحدادون في حرفتهم، نذكر بعضًا منها، مثل:"القرزم"، و"العلاة"، والقرزم: لوح الإسكاف المدور، و"المِطرقة"، و"الفطيس" وهي أكبر من المطرقة، وهي "الميفعة" أيضا، و"المِبرد" الذي يبرد به الحديد، و"البرادة" ما سقط منه3. وأما "فسالة الحديد" فما تناثر من الحديد عند الضرب إذا طبع، و" المشحذ" مبرد للحديد، أعظمها وأخشنها. وقال بعض اللغويين: المشحذ المسنُّ، و"المفراص" وهو للحديد كالمقراض للثوب، والمنفاخ "المنفاخة" وهو ما ينفخ به الكير، والكير الذي ينفخ فيه4. وأما المبني من الطين، فهو الكور، و"المشرجع": مطرق لا حروف لنواحيه، ومطرقة مشرجعة: مطولة ولا حروف لنواحيها. أما إذا كان الشيء مربعًا، وقد نحتت حروفه، قيل له:"شرجعة". و"العسقلان"، أصغر مطرقات الصائغ، و"الغُداف": الحديدة التي يدخل في أحد طرفيها الخاتم ويركزها على الجبأة، والخشبة التي بين يديه. أما "الحِملاج"، فمنفاخ الصائغ، وهو حديدة مجوفة ينفخ فيها الصائغ، إذا أراد النفخ في كيره، وله الكلبتان والمثقب5.
وقد وردت في التوراة لفظة "أج ن""أجن"6، وهي "إجانة" و"إجان" في العربية، وهي إناء يعجن فيه العجين، أو يوضع فيه سائل أو أية مادة أخرى.
1 المعرب "ص264".
2 جامع الأصول "7/ 571".
3 شمس العلوم "1/ 145".
4 المغرب "2/ 220".
5 أخذت ذلك من بلوغ الأرب "3/ 403 وما بعدها".
6 Hastings، Dict. Of the Bibl.، Vol. I، p. 533
ولا تزال الكلمة حية معروفة، وتصنع من المعدن في الغالب، ولكنها قد تصنع من خشب في بعض الأحيان.
ويستخدم الحداد المطرقة في طرق الحديد المحمى؛ لتحويله إلى الشكل المطلوب، ويقال للمطرقة الكبيرة:"الفطيس"، وتقابلها لفظة "بطيش" Pattish عند العبرانيين1، وقد أشار علماء اللغة إلى "الفطيس"2. ويستخدم الـ"قدوم"، وهي مطرقة كذلك، تسمى بـ"قردم" "قردوم" عند العبرانيين3، وذكر علماء العربية أن "القدوم" التي ينحت بها4.
ومن أنواع المطارق مطرقة دُعيت بـ"جرزن" عند العبرانيين، وتستخدم في القطع: في قطع الأشجار والأخشاب التي تستعمل في البناء. ويرى بعض العلماء أنها أخف من "القردم"5، وبين "جرزن" و"الجرز" اللفظة العربية تقارب وارتباط. وقد ذكر علماء اللغة أن "الجرز" من السلاح، والعمود من الحديد، وأن الجراز بمعنى: قاطع؛ ولذلك قالوا: سيف جراز ومدقة جراز6. وهي الفاس في العبرانية، ولعلها بهذا المعنى في العربية أيضا، وتستعمل لقطع الأحجار والأخشاب ولتكسيرها7.
والمطارق الحديثة المستعملة في الشرق الأوسط وفي بلاد العرب، لا تزال محافظة على شكلها وهيئتها التي كانت عليها عند الجاهليين وعند غيرهم قبل الإسلام، كما يظهر ذلك من النماذج التي عثر عليها ومن صور المطارق المصورة على بعض الآثار. وبعض هذه المطارق ذات رأسين، وبعضها ذات حافتين، ويختلف شكلها باختلاف المهمة التي تستخدم فيها. واستخدمت المطارق في الحروب كذلك، حملها المحاربون معهم في قتال الأعداء وفي فتح الثغرات في الجدر والأسوار وتحطيم الدبابات والآلات الأخرى المستخدمة في حروب تلك الأيام.
1 Hastings Dict. Of the Bible، Vol. I، p. 291
2 شمس العلوم "1/ 145"، المغرب "2/ 220".
3 Smith، Dict.، Vol. I، p. 142
4 اللسان "12/ 417".
5 Hastings Dict، Vol. I، p. 205، Smith، Dict.، Vol. I، 141 f.، Ency. Bibll.، Vol. I، p. 392.
6 اللسان "5/ 317".
7 The Bible، Dictionary، I، p. III