الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن باب الحيض
وهو (1) لغةً: السيلان مأخوذ من قولهم: حاض الوادي إذا سال، وحاضت الشجرة إذا سال منها شبه الدم وهو الصمغ الأحمر.
وشرعًا: دم طبيعة ترخيه (2) الرحم يعتاد أنثى إذا بلغت في أوقات معلومة.
والاستحاضة: سيلان الدم في غير أوقاته من مرض وفساد (3) من عرق فمه في (4) أدنى الرحم يسمى العاذل (5).
والنفاس: الدم الخارج بسبب الولادة.
أكثر سن الحيض خمسون سنة
…
فحنبل عن شيخه قد عنعنه
أي: روى حنبل عن الإمام أحمد أن أكثر سن الحيض خمسون سنة وهو قول إسحاق ويكون حكمها فيما تراه بعد الخمسين سنة حكم المستحاضة، واستدل الإمام بقول عائشة: (إذا بلغت المرأة خمسين سنة
(1) في النجديات وط هي.
(2)
في ط يرفضه.
(3)
في ط ونفساء ومن عرق.
(4)
في د أو.
(5)
في ط المعاذل.
خرجت (1) من حد الحيض (2)، وقالت أيضًا: لن (3) ترى في بطنها ولدًا بعد الخمسين) رواه أبو إسحاق الشالنجي (4)، ولا فرق بين نساء العرب وغيرهن على الصحيح لاستوائهن في جميع الأحكام (5).
وحنبل هو أبو علي بن إسحاق الشيباني ابن عم الإمام أحمد سمع أبا نعيم الفضل بن ذكين (6) وأبا غسان مالك بن إسماعيل وعفان بن مسلم والإمام أحمد وغيرهم، وحدّث عنه ابنه عبيد الله- وقيل: عبد الله- وعبد الله البغوي وأبو بكر الخلال وغيرهم.
وروينا بالإسناد إلى حنبل بن إسحاق (7) قال: جمعنا عمي أنا (8) وصالح وعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه -يعني: تامًا- غيرنا، وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من تسعمائة وخمسين ألفًا فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة، توفي بواسط (9) في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين ومائتين -رحمه الله تعالى- قاله في المطلع (10):
(1) سقطت كلمة سنة من د، س وكلمة خرجت من هـ.
(2)
هذا الأثر والذي بعده بحثت عنهما ولم أجدهما في شيء من كتب الحديث والآثار، وقد ذكر الألباني في إرواء الغليل 1/ 220 أنه بحث عن هذا الأثر فلم يجده.
(3)
في ط لمن.
(4)
في ب، جـ، ط الشالبخي وفي د، س السالنجي.
(5)
وعن أحمد لا حدّ لأكثره وصححها في الكافي وصوبها في الإنصاف وهي اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهي مذهب الأئمة الثلاثة، ولا تسمى آيسة حتى ينقطع دمها لكبر أو مرض وتيأس من رجوعه قال تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4]. انظر الإنصاف 1/ 356 والكافي 1/ 75 وحاشية ابن قاسم على الروض 1/ 372.
(6)
في ط، دكين.
(7)
في هـ، رويدًا بالأسناو إلى حنبل بن أسحاة.
(8)
في النجديات: لي.
(9)
مدينة بالعراق بناها الحجاج بن يوسف الثقفي سنة خمس وسبعين وسماها واسطًا لتوسطها بين الكوفة والبصرة. انظر تاريخ واسط 1/ 43 ط: مطبعة المعارف 1387هـ.
(10)
المطلع 434 - 435.
والطهر بين الحيض فاعرف خبره
…
أقله ثلاثة مع عشره
يعني: أن أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يومًا بلياليها.
وقال أبو حنيفة والثوري ومالك والشافعيُّ: أقله خمسة عشر (1)، وعن أحمد نحو ذلك لقوله عليه السلام:"تمكث إحداكن شطر دينها لا تصلي"(2).
ولنا ما روى أحمد عن علي أن امرأة جاءته (3) قد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كل قرء وصلّت، فقال لشريح: قل فيها، فقال شريح: إن جاءت ببينة (4) من بطانة أهلها ممّن يرضى دينه وأمانته فشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة (5) فقال علي: قالون، أي: جيد بالرومية (6)، ولا يقول (7) مثل هذا إلَّا توقيفًا وهو قول صحابي انتشر ولم يعلم خلافه ولا يتصور إلا على قولنا أقله ثلاثة عشر وأقل الحيض يوم (وليلة)(8) وهذا في الطهر بين الحيضتين [وأما (9) الطهر بين
(1) انظر حاشية ابن عابدين 2/ 285 والخرشي على مختصر خليل 1/ 204 والمجموع 2/ 288.
(2)
هذا الحديث: قال فيه الحافظ بن حجر في التلخيص 1/ 162: (لا أصل له بهذا اللفظ، قال الحافظ أبو عبد الله ابن منده فيما حكاه ابن دقيق العيد في الإمام عنه ذكر بعضهم هذا الحديث ولا يثبت بوجه من الوجوه وقال البيهقي في المعرفة: هذا الحديث يذكره بعض فقهائنا وقد طلبته كثيرًا فلم أجده في شيء من كتب الحديث ولم أجد له إسنادًا وقد ساق عن ابن الجوزي في التحقيق وأبي إسحاق في المهذب والنووي نحوًا من ذلك.
(3)
في جـ، ط جاءت.
(4)
في د بينه.
(5)
في ب كاتبه.
(6)
البخاري 1/ 360 تعليقًا ووصله الدارمي1/ 212 - 213 وقال ابن حجر في فتح الباري: رجاله ثقات.
(7)
في د، ولا يقال.
(8)
ما بين القوسين سقط من جـ، د، هـ، س، ط.
(9)
في أ، ب، جـ، ط وأقل.
الحيضة] (1) فأقله خلوص النقاء بأن لا تتغير معه قطنة احتشتها، ولا يكره وطؤها زمنه بعد الغسل ولو نقص عن يوم.
يجوز بالحائض الاستمتاع
…
بدون فرج ليس ذا جماع
أي: يجوز أن يستمتع من الحائض بدون الفرج حتى ما بين السرة والركبة لأنه ليس بجماع، والمحرم الجماع، وهو الوطء في الفرج خاصةً، وهو قول عكرمة وعطاء والشعبي والثوري وإسحاق (2).
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعيُّ: لا يباح الاستمتاع منها (3) بما بين السرة والركبة لقول عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض) رواه البخاري ومسلمٌ بمعناه (4)، وعن عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال:"ما دون الإزار" رواه البيقهي (5)(6).
ولنا قوله تعالى (7): {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (8) وهو اسم لمكان الحيض كالمقيل والمبيت فتخصيصه (9) موضع الدم بالمنع يدل على إباحة ما
(1) ما بين القوسين سقط من د.
(2)
وبه قال الشافعي: في القديم واختاره أبو إسحاق المروزي والروياني ورجحه النووي في المجموع 2/ 377 وإليه ذهب ابن حزم في المحلى 2/ 176 ونسبه ابن كثير في تفسيره 1/ 258 إلى أكثر العلماء.
(3)
في ط فيها.
(4)
البخاري 1/ 344 ومسلمٌ برقم 293.
(5)
البيهقي1/ 312 وضعف ابن حزم في المحلى 2/ 180 - 181 هذا الحديث بأنه يرويه حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد وحرام ضعيف ثم قد رواه عنه مروان بن محمَّد الأسدي وهو ضعيف. وقد رد ذلك ابن حجر كله كما نقله الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المحلى تعليقًا على كلام ابن حزم.
(6)
حاشية ابن عابدين 1/ 292 والخرشي 1/ 208.
(7)
سقط من ط.
(8)
البقرة من آية 222.
(9)
في ب فتخصيص وفي د فتخصيصه.
عداه ويوضحه أن سبب نزول الآية أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجتمعوا معها في البيت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء غير الجماع" رواه مسلم (1)، وهذا تفسير (2) للآية. وعن عكرمة عن بعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد من الحائض شيئًا ألقى على فرجها خرقة. رواه أبو داود (3) وحديث عائشة ليس فيه دليل على تحريم (4) ما تحت الإزار لأنه عليه السلام قد يترك المباح تقذرًا (5) كتركه (6) أكل الضب (7). والحديث الآخر يدل بالمفهوم والمنطوق راجح (8) عليه.
* * *
فإن يطأ الفرج فقل (9) كفارة
…
......................
يعني: إن وطئ من يجامع مثله امرأة حال جريان دم الحيض في قبلها فعليه كفارة دينار، أي: مثقال من الذهب أو نصفه على التخيير (10)
(1) مسلم برقم 302 وأبو داود برقم 2165 والترمذيُّ برقم 2981 والنسائيُّ 1/ 152 وقد سقط من نسخة هـ مسلم.
(2)
في ط التفسير.
(3)
أبو داود برقم 272.
(4)
سقطت من النجديات، هـ، ط، وفي د على تحريم الأزار.
(5)
في أ، ب، هـ تعذرًا.
(6)
في طا: كتو ثم بياض بعدها وسقطت كلمة أكل من النجدية، هـ، ط.
(7)
فإنه صلى الله عليه وسلم ترك أكله حين أهدي إليه وقال: "إنه ليس بأرض قومي فأجدني أعافة" وقد أكله خالد بن الوليد على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري 9/ 466 ومسلمٌ برقم 1145، 1946، 1948 وأبو داود 3793، 3794.
(8)
في م راجع وسقطت من د.
(9)
في ب، ط (فإن يطأ بالفرج قل كفاره) وفي هـ، وإن.
(10)
وهو قديم قول الشافعي إلا أنه يرى أنه (إن كان الجماع في أول الحيضة كانت الكفارة دينارًا وإن كان في آخرها كانت نصف دينار. المجموع 2/ 374. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن عليه الكفارة دينار ويعتبر أن يكون مضروبًا الاختيارات 27.
لحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينار أو بنصف دينار" رواه أحمد وأبو داود والترمذيُّ والنسائيُّ (1) لكن مداره على عبد الحميد بن زيد بن الخطاب وقد قيل للإمام (2) أحمد: في نفسك منه شيء؟ قال: نعم.
وعنه لا كفارة عليه وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعيُّ في المشهور عنه (3) ولا فرق بين المكره والناسي والجاهل وغيرهم لعموم الخبر.
* * *
......................
…
وهكذا في المرأة المختارة
يعني: أن الحائض إن طاوعت على الوطء وجبت عليها الكفارة نص عليه، لأنه وطء يوجب الكفارة على الرجل فأوجبها على المرأة كالوطء في الإحرام فإن أكرهت فلا كفارة. قلت (4): وقياسها الجاهلة والناسية ولم أره في كلامهم. ونفاس (5) كحيض فيما سبق.
وعندنا يحرم وطء المرأة
…
إن تستحض إلا لخوف العنت
أي: يحرم وطء المستحاضة في الفرج إلا مع خوف وقوع في المحظور منه أو منها وهو مذهب ابن سيرين والشعبي لقول عائشة: المستحاضة لا يغشاها زوجها (6)، ولأن بها أذى أشبهت الحائض لكن لا
(1) أحمد في الفتح الرباني 2/ 156 وأبو داود 264 والنسائيُّ 1/ 153 الترمذيُّ برقم 137.
(2)
سقطت من النجديات، هـ، ط.
(3)
انظر حاشية ابن عابدين 1/ 298 وعارضة الأحوذي 1/ 218 والمجموع 2/ 374. ويرى علماء الحنفية أن الكفارة مستحبة قال في الدر المختار 1/ 298: (ويندب تصدقه بدينار أو نصفه) ومثله في فتح القدير 1/ 115.
(4)
في ب، جـ، ط (وقلت).
(5)
في ط النفاس.
(6)
الدارمي 1/ 208 وأعله البيهقي وغيره بأنه مدرج من كلام الشعبي لا يصح عنها. انظر المجموع 2/ 384.
كفارة فيه (1).
وعنه يباح وطؤها مطلقًا وهو قول أكثر العلماء لما روى أبو داود عن عكرمة، عن حمنة بنت جحش: أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها (2). وقال: إن أم حبيبة كانت تستحاض (3)، وكان (4) زوجها يغشاها (5). وقد كانت حمنة تحت طلحة وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف وقد سألتا النبي- صلى الله عليه وسلم عن أحكام المستحاضة فلو كان حرامًا لبينه (6) لهما، فأما مع خوف العنت فيباح على الروايتين لأن حكمه أخف من حكم الحيض ومدته تطول فإن انقطع دمها أبيح وطؤها قبل الغسل لأنه غير واجب عليها.
وعدم الطول فها هنا سقط (7)
…
وابن عقيل قال أيضًا يشترط
يعني: إذا خاف العنت أبيح وطء المستحاضة سواء وجد طولًا، أي: مالًا حاضرًا لنكاح غيرها أو لا، وقال ابن عقيل: لا يباح وطؤها إلا مع خوف العنت وعدم الطول قياسًا على نكاح الأمة وقدمه في الرعاية الكبرى، وقال: الشبق (8) الشديد كخوف العنت.
إذا (9) تعدى الدم بالمبتدأه (10)
…
وجاوز الأقل فاسمع نبأه
(1) سقطت من ط.
(2)
أبو داود برقم 310 لكن قال المنذري: في سماع عكرمة من حمنة وأم حبيبة نظر وليس فيها ما يدل على سماعه منهما.
(3)
في د، هـ مستحاضة.
(4)
في ط فكان.
(5)
أبو داود برقم 309 وقد رواه عكرمة عن أم حبيبة وفي سماعه منها الكلام السابق قال الحافظ في الفتح 1/ 363: وهو حديث: صحيح إن كان عكرمة سمعه منها.
(6)
في الأزهريات بينه.
(7)
في أ، ب، جـ يسقط.
(8)
شدة الرغبة في النكاح من شبق الشين وكسر الباء إذا اشتدت غلمته، قاله في القاموس المحيط 3/ 248.
(9)
في د إن وفي س إن يتعدى.
(10)
في ط في المبتدأة.
لا تلتفت إليه بل تصلي
…
وتفعل (1) الصيام بعد الغسل
وعند قطع دمها تغتسل
…
ثلاث مرات لهذا تفعل
إن يتفق فتنتقل إليه
…
وتقضي (2) ما صامته فرضًا فيه
وجملة (3) ذلك أن المبتدأة أول ما ترى دمًا أو صفرةً أو كدرةً ولم تكن حاضت قبله إذا كانت في وقت يمكن (4) حيضها وهي بنت تسع سنين فأكثر وتعدى، أي: جاوز دمها أقل الحيض وهو يوم وليلة فإنها تجلس بمجرد ما ترى الدم فتدع الصلاة والصيام ونحوهما يومًا وليلة لأن دم الحيض جبلة (5) وعادة ودم الاستحاضة لعارض الأصل عدمه ثم تغتسل وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي وتصوم وتفعل ما تفعله (6) الطاهرات؛ إلا أنها لا توطأ فإذا انقطع دمها لأكثر الحيض فما دون اغتسلت غسلًا ثانيًا عند انقطاعه ثم تفعل ذلك في الشهر الثاني والثالث؛ فإذا (7) كان في الأشهر الثلاثة متساويًا صار ذلك عادة وعلمنا أنها كانت (8) حيضًا فيجب عليها قضاء ما صامته ونحوه من الفرض فيه لأنّا تبيّنا أنها (9) صامته في زمن الحيض لأن العبادة واجبة في ذمتها بيقين فلا تسقط بأمر مشكوك فيه كالمعتدة (10) لا يحكم ببراءة رحمها قبل الثالثة.
(1) في ط وتفصل.
(2)
في ط ونقل.
(3)
في م حكمه.
(4)
في أ، جـ، طا تميز.
(5)
في بج هله.
(6)
في الأزهريات يفعله.
(7)
في النجديات، ط فإذا.
(8)
في د، س أنها أي الد ما كانت.
(9)
في ب، ط أن ما صامته وفي أ، جـ: أنه صامته.
(10)
رد ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بأن الله قد بين للمسلمين أحكام الحيض والاستحاضة وأنه لا يوجد في الشريعة شك ولا شبهة وليس فيها إيجاب الصلاة مرتين ولا الصيام مرتين إلا بتفريط من العبد وأيضًا فإن الصواب ما عليه جمهور المسلمين أن من فعل العبادة كما أمر بحسب وسعه فلا إعادة عليه لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} لكن من فرط فيما أمر به فإنه يؤمر بالإعادة كما أمر صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته بالإعادة ولم =
وعنه تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعيُّ، واختاره الموفق وصاحب الفائق، لأن دم الحيض دم جبلة، والاستحاضة دم عارض لفساد، والأصل فيها السلامة (1). وعلم مما تقدم أنه لو انقطع دون يوم وليلة أنه دم فساد وأن العادة لا تثبت بدون ثلاث (2).
وهكذا في الحكم من تقدمت
…
عادتها أو زادت أو تأخرت
لا تلتفت إلا إذا تكررا
…
فنص هذا عندنا تقررا
أي: إذا كان (3) للمرأة عادة مستقرة في الحيض رأت الدم في غير عادتها لم تلتفت إليه حتى يتكرر ثلاثًا فتنتقل إليه ويصير عادة لها وتترك العادة الأولى لكن تغتسل عند انقطاعه، وإذا رأته زائدًا على عادتها اغتسلت عند مضي عادتها وصامت وصلّت، فإذا (4) انقطع لأكثره فما دون اغتسلت ثانيًا لجواز أن يكون حيضًا كما قلنا في المبتدأة.
= يأمر صلى الله عليه وسلم عمر ولا عمارا بالإعادة لما كانا جنبين فعمار تمرغ وصلى وعمر لم يصل وكذلك من أكل حتى تبين له الحبل الأسود من الحبل الأبيض لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالإعادة. الفتاوي 21/ 633 - 634.
(1)
انظر فتح القدير 1/ 161والكافي لابن عبد البر 1/ 187ومغني المحتاج 1/ 113 والشرح الكبير 1/ 323.
(2)
لأن العادة مأخوذة من المعاودة ولا تحصل بمرة واحدة وهذا وجه شاذ في مذهب الشافعية.
فأما مشهور المذهب عندهم وعند المالكية أنها تثبت بمرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد المرأة التي استفتت لها أم سلمة إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة، ولأنه أقرب إليها فوجب ردها إليه. ويرى الحنابلة أن حديث: المرأة التي استفتت لها أم سلمة حجة لهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "تنتظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها" وكان يخبر بها عن دوام الفعل وتكراره، ولا يقال لمن فعل شيئًا مرة كان يفعل.
انظر الشرح الكبير 1/ 324 والمجموع 2/ 426 - 427 ومواهب الجليل 1/ 368 وانظر في تخريج الحديث الموطأ 1/ 122 - 123 وأبا داود برقم 374، 275 والنسائيُّ 1/ 182.
(3)
في النجديات، ط كانت.
(4)
في النجديات، ط وإذا.
وإذا صار عادةً لها (1) تقضي صوم فرض ونحوه كانت فعلته فيه لأنّا تبيّنا أنها صامت في حيض [ولم تقض الصلاة](2) لأن الحائض لا تقضي الصلاة ولا توطأ مع رؤية الدم قبل أن تنتقل لاحتمال أن يكون حيضًا إذ هو الأصل وإنما أمرت بالعبادة احتياطًا.
وقال أبو حنيفة: إن رأته قبل العادة فليس بحيض حتى يتكرر مرتين وإن رأته بعدها فهو حيض (3).
واختار الموفق وجمع أنها تصير إليه من غير تكرار (4)، وبه قال الشافعي (5)، وعمل النساء عليه (6).
ووافق النعمان في بعض الصور
…
في النقض عن عادتها لا ما عبر (7)
يعني: إذا انقطع دم الحائض (8) ثم عاد في عادتها ولم يجاوزها فهو
(1) في النجديات، ط عادتها.
(2)
ما بين القوسين سقط من د.
(3)
فتح القدير 1/ 119.
(4)
المغني 1/ 364.
(5)
مغني المحتاج 1/ 113.
(6)
في النجديات، ط فيه وفي هـ عليه فيه ومعناه أن هذا هو الذي عليه عمل النساء فهو عرف جار بينهن أن المرأة متى رأت الدم الذي يصلح للحيض فهو حيض من غير التفات إلى العادة، ولو كان في عرفهن اعتبارها على الوجه المذكور لنقل ولم يجز التواطؤ على كتمانه مع دعاء الحاجة إليه ولذلك لما كان بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه في الخميلة فجاءها الدم فانسلت من الخميلة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"ما لك أنفست؟ " قالت: نعم، فأمرها أن تأتزر ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم هل وافق العادة أو جاء قبلها ولا هي ذكرت ذلك ولا سألت عنه وإنما استدلت على الحيضة بخروج الدم فأقرها عليه النبي صلى الله عليه وسلم. انظر المغني1/ 364 وانظر في تخريج الحديث البخاري1/ 343 ومسلمٌ برقم 296 والنسائيُّ 1/ 149 - 150 وليس فيه الأمر بالإتزار بل هو في حديث عائشة وهو في الموطأ 1/ 116.
(7)
في جـ إلا ما عير وفي د، لا ما غير.
(8)
في د، س الحيض.
من حيضها ووافقنا النعمان أبو حنيفة على ذلك (1)، وهو مذهب الثوري أيضًا لأنه صادف زمن العادة فأشبه ما لو لم ينقطع.
وقوله: ما عبر، أي: ما رأته بعد العادة فإنه لا يكون حيضًا حتى يتكرر إن أمكن جعله حيضًا فيكون حكمه حكم الزائد عن أقل الحيض في المبتدأة وإن لم يصلح (2) أن يكون حيضًا فهو استحاضة.
وإن ترى معتادة للصفرة
…
في خارج العادة (3) أو للكدرة
ليس بحيض ذا ولو تكررا
…
وغسلها ليس إذا تقررا
أي: إذا رأت الحائض المعتادة صفرةً أو كدرة وهي شيء كالصديد يعلوه صفرة وكدرة فليس بحيض ولو تكرر، فلا تترك (4) الصلاة والصيام ونحوهما له (5)، ولا تغتسل عند إنقطاعه (6)، لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئًا. رواه أبو داود والبخاريُّ (7) ولم يذكر بعد الطهر.
وأما الصفرة والكدرة في زمن (8) العادة فحيض لدخولهما في عموم قوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى} (9)، ولقول عائشة:(وكان النساء يبعثن إليها بالدِّرجة (10) فيها الصفرة والكدرة: لا تعجلن (11) حتى ترين القصة
(1) الهداية مع فتح القدير 1/ 119.
(2)
في الأزهريات يصح.
(3)
في د المعتادة.
(4)
في د تتكرر.
(5)
سقطت من النجديات، ط.
(6)
هذا إذا كانت في غير عادتها وهو قول في مذهب المالكية لابن الماجشون وحكاه الباجي والمازري المذهب عندهم، مواهب الجليل 1/ 365.
(7)
أبو داود برقم 307، 308 والنسائيُّ 1/ 186 - 187 وهو في البخاري 1/ 361.
(8)
في د بعد سقطت من النجديات.
(9)
في ص، ك، قل هو أذى فاعتزلوا.
(10)
بكسر الدال المشددة وفتح الراء والجيم جمع درج وهو كالسقط الصغير تضع فيه المرأة خِفّ متاعها وطيبها. انظر النهاية 2/ 111.
(11)
في ط فتقول لا تعجلن.
البيضاء) (1) تريد بذلك الطهر من الحيض. وفي الكافي: (قال مالك وأحمدُ: هي ماء أبيض يتبع الحيضة)(2).
وبدخول الوقت طهر يبطل
…
لمن بها استحاضة قد نقلوا
لا بالخروج منه لو تطهرت (3)
…
للفجر لم يبطل بشمس ظهرت
يعني: أن المستحاضة ومن به سلس بول (4) ونحوه يتوضأ لوقت كل صلاة إلا أن لا (5) يخرج منه شيء وهو قول أصحاب الرأي لحديث علي بن (6) ثابت عن أبيه، عن جده في المستحاضة:"تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة" .. رواه أبو داود والترمذيُّ (7). وعن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم[فذكرت (8) خبرها ثم](9) قال: "توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت" رواه أحمد وأبو داود والترمذيُّ وقال: حسنٌ صحيحٌ (10)، فإذا توضأ أحد هؤلاء قبل الوقت، ثم بعد دخول الوقت (11) بطلت طهارته [لأن دخوله
(1) البخاري تعليقًا 1/ 356 في ترجمة باب والموطأ 1/ 117.
(2)
الكافي 1/ 98.
(3)
في أ، جـ لوقت تطهرت.
(4)
في النجديات، ط البول.
(5)
في ب، طا لا، أن وفي جـ إلا، إلا أن.
(6)
كذا في جميع النسخ والصحيح عدي كما في الكتب التي روت هذا الحديث وستأتي.
(7)
أبو داود برقم 297 والترمذيُّ برقم 126، 127 وقد ضعفه الترمذيُّ وابن حجر في التلخيص 1/ 170.
(8)
في س، هـ فذكر.
(9)
سقط ما بين القوسين من د.
(10)
أحمد في المسند مع الفتح 2/ 171 وأبو داود برقم 298 والترمذيُّ برقم 125 وقد اعترض بعض المحدثين بأن قوله: "وتوضئ لكل صلاة" إلخ .. مدرج وقد رد ذلك الحافظ، وجزم بعضهم بأنه موقوف على عروة ورده الحافظ أيضًا ورد أيضًا ما قيل من تفرد حماد بن سلمة عن هشام بهذه الرواية بأنه قد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمه والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام. انظر تحفة الأحوذي 1/ 390 - 391.
(11)
ما بين القوسين سقط من د.
يخرج به الوقت] (1) الذي توضأ فيه والحدث مبطل للطهارة وإنما عفي عنه مع الحاجة إلى الطهارة، ولا حاجة قبل الوقت، وإن توضأ بعد الوقت صح وضوؤه ولم يؤثر فيه ما يتجدد من الحدث الذي لا يمكن التحرز منه، ولا تبطل الطهارة بخروج الوقت إذا لم يدخل وقت صلاة أخرى من الخمس فمن تطهرت لصلاة الصبح لم يبطل (2) وضوؤها بطلوع الشمس لأنه لم يدخل وقت صلاة أخرى قال المجد في شرح الهداية:(ظاهر كلام أحمد أن طهارة المستحاضة تبطل بدخول الوقت دون خروجه، وقال أبو يعلى: تبطل بكل واحد منهما، ثم قال: والأول أولى) أهـ. ومشى على الثاني في الإقناع (3).
والمشهور عند الحنفية أنه يبطل بخروج الوقت لا بدخوله فلو توضأت بعد طلوع الشمس لم يبطل حتى يخرج وقت الظهر (4).
وما رأت (5) ما الدما ذات الحبل
…
قبيل وضع بعداد يستقل (6)
فهو نفاس تترك العبادة
…
فيه ولا تعده في العادة
يعني: أن الحامل لا تحيض وفاقًا لأبي حنيفة فلا تترك الصلاة ولا الصوم إذا رأت دمًا إلا قرب ولادة بيومين أو ثلاثة بأمارة على قرب الوضع وهذا قول إسحاق لأنه دم خرج (7) بسبب الولادة فكان نفاسًا كالخارج بعده (8).
(1) ما بين القوسين سقط من س.
(2)
في ط تبطل.
(3)
الإقناع 1/ 16.
(4)
ويرى زفر من الحنفية أنها تنتقض بدخول الوقت لا بخروجه ويرى أبو يوسف أنها تنتقض بأحدهما لكن فخر الإسلام ذكر أن ذلك لم يصح عنهما وأن الكل متفقون على انتقاضها عند خروج الوقت. فتح القدير 1/ 127.
(5)
في أ، جـ زادت.
(6)
في أ، ب بعد أو يستقبل وفي جـ قبل وضع أو يستقبل.
(7)
في ط خروج وسقط من د لأنه دم.
(8)
ويرى الخطاب من المالكية أن الدم الذي قبل الولادة من أجلها يعتبر نفاسًا وعزاه أكثر المالكية وتعد أيامه من أيام النفاس. انظر الشرح الكبير للدسوقي 1/ 174.
فإن رأت الدم من غير علامة لم تترك له العبادة لأن الظاهر (1) أنه دم فساد فإن تبين كونه قريبًا من الوضع لوضعها بعده (2) بيوم أو يومين أعادت الصوم المفروض الذي صامته فيه وإن رأته عند العلامة تركت العبادة [وإن تبيّن بعده عنها أعادت ما تركته من العبادة](3) الواجبة لأنه تبيّن أنه ليس بحيض ولا نفاس، وقوله: ولا تعده في العادة (4)، أي: لا تحتسبه (5) من الأربعين التي هي مدة (6) النفاس.
والنفساء في الأربعين وطؤها
…
وإن تكن بلا دم قد كرها
أي: إذا انقطع النفاس في الأربعين واغتسلت كره وطؤها قال أحمد: ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين، فقال: لا تقربيني (7) ولأنه لا يأمن عود الدم في زمن الوطء فيكون واطئًا (8) في نفاس ولا يحرم وطؤها لأنها في حكم الطاهرات ولذلك تجب (9) عليها العبادة (10).
(1) في د، س لابن الظاهر.
(2)
في النجديات، ط بعد.
(3)
ما بين القوسين سقط من د.
(4)
في د العباده.
(5)
في ط تحسبه وفي د تحبسه.
(6)
في أ، ب، مقرة.
(7)
الأثر في كنز العمال 1/ 375 وقد أخرجه عبد الرزاق 1/ 313.
(8)
في د، ط وطئًا.
(9)
في ب، جـ، ط يجب.
(10)
في د، ص، ك العبادات.