الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعريف بمؤلف الكتاب
عصره:
أطل القرن الحادي عشر الهجري والعالم الإِسلامي تحكمه الدولة العثمانية وكانت في إبّان فتوتها وأَوْجِ عظمتها، إلا أن المحافظات البعيدة عن عاصمة الخلافة لا تنعم بما تنعم به العاصمة من الأمن والاستقرار.
وقد شهدت مصر في النصف الأوّل من هذا القرن فوضى سياسية في إدارتها، وحفظ لنا التاريخ ألوانًا من ظلم الباشوات وتعسفهم، سببت انتفاضات متعاقبة تنتهي بالإطاحة بالباشا المستبد واستبداله بآخر، وكان ذلك بمعزل عن الدولة العثمانية الأم.
ففي عام 999 هـ استقال والي مصر عويس باشا بعد أن ثار الجنود عليه ونهبوا بيته، وقاموا بثورة في جميع أنحاء القطر، وخلفه على ولاية مصر حافظ أحمد باشا ولم تطل مدته، وخلفه الكردي باشا ثم السيد محمَّد باشا. وفي أيامه قامت ثورة عسكرية أطاحت به وانتهت باستبداله بخضر باشا سنة 1006هـ ثم أطيح به وولي علي باشا السلحدار، وكان مكرمًا للجند سفاكًا للدماء؛ فلم يكن يخرج من موكبه إلى ضواحي المدينة حتى يقتل عشرة أشخاص على الأقل تحت حوافر جياده. وفي أيامه حدثت مجاعة وعم الخراب، فترك القاهرة فرارًا من العاقبة، واستخلف على القاهرة: بري
بك وبوفاته انتخب السناجق الأمير (عثمان بك) ليقوم مقامه حتى عين الباب العالي إبراهيم باشا، فثار عليه الجند فقتلوه وحملوا رأسه مع أحد أعوانه وطافوا بهما في شوارع المدينة. ثم أرسلت الأستانة محمَّد باشا الكوجي واليًا على مصر.
وفي سنة 1024 هـ ولي على مصر أحمد باشا الدفتردار، وتبعه سلسلة من الولاة من بينهم الوزير فرغلي مصطفى، ثم جعفر باشا، ثم مصطفى باشا، ولم تدم ولايتهم أكثر من بضعة أشهر، ثم بيرم باشا، فموسى باشا، والوالي حسين الدالي، وأيوب باشا وغيرهم، ولم يكن لهم أي نفوذ. وأخيرًا آلت القوة إلى المماليك البكوات الذين يعدون أنفسهم من أبناء مصر، وليسوا كالبشوات الأتراك الذين إذا أتوا مصر كان همهم جمع المال قبل أن يعزلوا (1). وقد أثرت هذه الفوضى السياسية على سير الحركة العلمية في مصر، حتى وصلت في نهاية العهد العثماني إلى أبعد درجات الانحطاط العلمي، فَقَلَّ نبوغ العلماء والمفكرين. وأكثر ما كتب في هذا العصر إنما هو من قبيل الشروح والحواشي والمختصرات من المطولات. ولقد انحط فيه أسلوب الإنشاء حتى أوشك أن يكون عامِّيًا، وضعفت اللغة العربية في المؤلفات، وظهر ذلك في ركاكة الأسلوب وعدم انتظام العبارات ووجود اللحن.
ولا غرو في ذلك فإن كثيرًا من المدارس التي افتتحها المماليك في مصر قد اندثرت ولم يبق إلا الأزهر وبعض المساجد والكتاتيب التي تعلم الناس القرآن.
كما اندثرت دور الكتب التي كانت موجودة في عصر المماليك في المساجد والمدارس ولم يبق إلا مكتبة الجامع الأزهر.
ومع هذا كله فقد نبغ في هذا القرن علماء ومفكرون، ولكنهم قلة
(1) تاريخ مصر الحديث 77 - 78 - 84، وأوضح الإشارات فيمن ولي مصر القاهرة من الوزراء والباشات 156 - 178، وكتاب القاهرة 204.