الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشعر بسلامة المذنب عن العقوبة ولا كذلك في الصبور، وما من أسم من الأسماء التي في هذا الحديث إلا وقد ورد به الكتاب أو السنة الصحيحة على صيغته في هذا الحديث غير الصبور، فإنه وجد في الحديث الصحيح على ما يدل على معناه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(لا أحد غير أصبر على أذى يسمعه من الله)، فأما لفظ الصبور فلم نجده إلا في حديث أبي هريرة هذا وهو حديث غريب وهو غير
موجب للعلم، لكونه من جملة الآحاد، إلا أن العلماء قد عولوا فيها على ما وجدوه في كتاب الله تعالى أو في السنن الصحاح، فإن قيل: إنا نجد في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله أسماء في هذا الحديث، ومما دل عليه الكتاب: الرب، المولى، البصير، المحيط، الفاطر، الكافي، العلام، المليك، ذو الطول، ذو المعارج، ومما وردت به السنة: الحنان، المنان، الدائم، الجميل، فهي [....] غير منحصرة في تسعة وتسعين.
فما وجه قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً)؟ قلنا: قد علمنا بما ذكرتم من الأسماء، وبما ورد على منوالها في كتاب أو سنة وبما ثبت من المأثور الدال على أن في أسماء الله ما استأثر هو بعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بقوله:(إن لله (190 /أ) تسعة وتسعين اسماً) الحصر ونفي ما يزيد عليها، بل أراد تخصيصها بالذكر لكونها أشهر لفظاً، وأظهر معنى.
وقد جمع من أصحاب المعاني: إن هذا الحديث قضية واحدة، فقوله:(من أحصاها دخل الجنة) ليس بمنفصل عن قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً) بل هو واقع موقع الوصف [حتى] الأسماء المعدودة، فلا يتم الكلام في الفصل الأول إلا مرتبطاً بالفصل الآخر، ونظير ذلك قول القائل: إن لفلان ألف شاة أعدها للأضياف فلا يدل على أنه لا يملك غيرها.
ومن
باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل
(من الصحاح)
[1578]
حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الكلام أربع .... الحديث)، فإن قيل: قوله: (أفضل الكلام) هل هو متناول لكلام الله أم لا؟ قلنا: يحتمل الوجهين،
أما تناوله لكلام الله، لأنه موجود في كتاب الله، أما الأولى والثانية والثالثة فالفظاً، وأما الرابعة فمعنى، إن لم يوجد اللفظ على هذه الصيغة وإذا كانت الكلمات الثلاث موجودة في كتاب الله على هذه الصيغة وكل كلمة منها مستقلة بنفسها غير مفتقرة في تمام المعنى إلى صاحبتها، صح أن يقال: إنها أفضل الكلام على الإطلاق، لأنها هي الجامعة لمعاني التنزيه والتوحيد، وأقسام الحمد والثناء، وكل كلمة منها معدودة من كلام الله، وفي معناه حديث أبي ذر رضي الله عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكلام، فقال:(ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده) وأما إفراد ذلك من جملته، لأنه في النظم مخالف لنظم الكتاب، وإن كانت بإفراد كلماتها
داخلة في جملة الوحي إذ العبرة في ذلك للنظم، فلما فارقت الكتاب في النظم لم يكن حكمها في الفضل والكرم كحكم الكتاب، ويدل على صحة هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم:(أربع هن من القرآن وليس بقرآن سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، أي هي موجودة في القرآن، وليس بقرآن من جهة النظم، وقال صلى الله عليه وسلم:(أفضل الذكر بعد كتاب الله سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر).
[1585]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جويرية رضي الله عنها: (لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن) أي: لو قوبلت بما قلت لساوتهن من قولهم: هذا يزن درهماً، أي يعادله ويساويه، قال الشاعر:
مثل العصافير أحلاماً ومقدرة .... لو يوزنون بزفّ الريش ما وزنوا (190/ب)
ويحتمل أن يكون بمعنى الرجحان أي ربت عليهن في الوزن كما تقول: (حاججته فحججته)، أي [ظفرت] عليه بالحجة ولو أعاد الضمير إلى [ما لا] يقتضيه اللفظ لقال: لوزنته، ولكنه ذهب إلى ما يقتضيه المعنى تنبيهاً على أنها كانت [كلمات] كثيرة. واليوم في قوله:(منذ اليوم) مجرور، وهو الاختيار، وقوله:(سبحان الله) نصب على المصدر، كأن القاتل يقول: سبحت الله تسبيحاً ثم يجعل في موضع التسبيح سبحان كما يجعل الكفران في موضع التكفير، فقول القائل: كفرت عن يميني كفراناً.
(وعدد خلقه) أيضاً نصب على المصدر، وكذلك البواقي، والمعنى سبحته تسبيحاً يبلغ عدد خلقه، (وزنة عرشه)، أي: ما يوازنه في القدر والوزانة، يقال: هو زنة الجبل، أي حذاؤه في الثقل والرزانة.
وفيه: (ورضي نفسه) أي ما يقع منه سبحانه موقع الرضا أو ما يرضاه لنفسه وفيه: (ومداد كلماته) المداد مصدر (كالمدد) تقول: مددت الشيء أمده مدا ومداداً، وقيل: يحتمل أن يكون جمع مد فإنه يجمع على مداد، وعلى هذا يكون المراد من المداد المكيال والمعيار، وقد ورد في الحديث، (عدد كلماته) أي أسبح الله عدد كلماته، وكلمات الله تعالى يقال: إنها علمه، ويقال: كلامه، ويرد أيضاً معناها إلى القرآن، وذكر العدد فيها على الوجوه مجاز ومعناه المبالغة في الكثرة، لأنها لا تنفد فتنحصر، ويحتمل أن يراد بها عدد الأذكار أو عدد الأجور عليها.
[1586]
ومنه: حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حول ولا قوة إلا بالله كنز
من كنوز الجنة)، الأصل في الحول: تغير الشيء وانفصاله عن غيره، ويفسر بالحيلة، وهي ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية، وقيل: الحيلة: هي الحول، قلبت واوه ياء لانكسار ما قبله، ومنه: رجل حول والمعنى: لا توصل إلى تدبير أمر وتغيير حال إلا بمشيئتك ومعونتك، وأما قولهم: بحول الله وقوته، فقد يفسر بالقوة، وليس بسديد، لأن القوة معطوف عليه، والوجه فيه أن يقال: بقدرته التي يحول بها بين المرء وقلبه، ونحو ذلك من المعاني.
والحول: الحركة، يقال: حال الشخص إذا تحرك. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (بك أحول وبك أصول) على العدو والمعنى في حديث أبي موسى: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله تعالى (191/أ).
وحول: منصوب بلا النفي، ويسميه بعضهم التبرئة ويكون الجار والمجرور خبراً له، ويجوز فيها الرفع، وفيها غير ذلك والأقوم والأكثر نصب الكلمتين، وفيه (كنز من كنوز الجنة) أي يعد لقائله ويدخر له من الثواب ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا، لأن من شأن الكانزين أن يستعدوا به ويستظهروا بوجدان ذلك عند الحاجة إليه.
(ومن الحسان)
[1592]
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (لو أن السموات السبع وعامرهن
غيري)، يقال لزائر المكان: عامر وللمقيم به: عامر من قولهم: عمرت المكان وعمرت بالمكان إذا أقمت به، ومنه عمار البيت، وهم سكانها من الجن، واصل ذلك من العمارة التي هي نقيض الخراب، واستعمل في الزيادة لما فيها من عمارة الود، ومنها استق العمرة، واستعمل في الإقامة، لأن بها عمارة المكان، وقيل في قوله سبحانه:} واستعمركم فيها {جعلكم من عمارها أي: سكانها، وقيل: جعلها لكم مدة عمركم، وقيل: فوض إليكم عمارتها، ويقال: أعمر الله بك منزلك وعمر بك منزلك، أي جعله معموراً بك فعامر السموات على الحقيقة هو الله سبحانه، لأنه هو الذي أقامها ثم جعلها عامرة بسكانها الذين {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون (19) يسبحون الليل والنهار لا يفترون} فلم يكن الاستثناء للاشتراك في المعنى إذ هو سبحانه بائن عن خلقه بجميع صفاته، لا يحيط به شيء وهو بكل شيء محيط، بل كان الاستثناء لتناول اللفظ كلا المعنيين، وجواز استعماله في الصيغتين فالله تعالى عامرها لما خلق فيها من الملائكة الذين هم سكانها فعمرها بهم، ولما قيض من إبقائها وحراستها عن التفاوت والتهافت على ما قال عز من قائل:{إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} والملائكة عمارها للمعنى الذي ذكرناه.
[1596]
ومنه: حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملؤه .....)، التسبيح أخذ من السبح، وهو المر فاستعمل التسبيح في المر السريع في عبادة الله وجعل ذلك في الخير قولاً كان أو فعلاً أو نية وأريد به في هذا الحديث ذكر الله تعالى على نعت التنزيه، ولما كانت الطاعات مقصورة على هذه الأقسام الثلاثة (191/ب).
(أعني) القول والفعل والنية وكانت النية مقترنة بالإثنين أعني القول والفعل لا يصح أحدهما مع خلوه عن النية التي هي قصد القلب -رجع الأمر فيها إلى قسمين قول وفعل.
ولما كان التسبيح من أفضل ما يقال وأتمه أقيم سائره في الثواب وذلك النصف من كفة الحسنات؛
لأن الوزن لها يتعدى عن هذين القسمين مع اقترانهما بالنية، فقوله:(نصف الميزان)، أي نصف ما يوزن فبملأ منه كفة الحسنات.
وأما قوله: (الحمد لله يملأ الميزان)، فترى فيه وجهين: أحدهما: أن الحمد يقوم مقام النصف الآخر فيملأ الميزان، وإليه يشير قوله صلى الله عليه وسلم:(كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده).
والآخر: أن الحمد يبلغ في الثواب مبلغ الكمال فيملأ كفة الحسنات، لأنه يحتوي على أمرين عظيمتين (هما الأصلان) في أحكام العبودية التسبيح لله والتسليم لأمره ولهذا المعنى وجد الحمد من أعلى المقامات، وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(بيدي لواء الحمد يوم القيامة) وهذا الذي ذكرناه معنى من طريق الاحتمال، والحديث محتمل لغيره، والله أعلم ورسوله بحقيقة ذلك.
[1598]
ومنه: حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي، فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة وعذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله أكبر).
القاع: المستوى من الأرض، والقيعة مثله، وجمعه أقوع وأقوع، وقيعان صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها.
والغراس: جمع غرس، وهو ما يغرس، والغراس أيضاً وقت الغرس مثل الحصاد، والجِداد والقطاف، والغرس إنما يصلح في التربة الطيبة وينمو في الماء العذب وأحسن ما يتأتى في القيعان. أعلمهم أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة وتفيده مخاوفها، وأن الساعي في إكسابها هو الذي لا يضيع سعيه لأنها المغْرِس الذي لا يتلف ما اسُتودع ولا يخلف ما نُبت فيه
[1599]
ومنه: حديث يسيرة رضي الله عنه قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكن بالتسبيح والتهليل
…
الحديث) هيلل الرجل وهلل، إذا قال: لا إله إلا الله، وقد أخذنا في التهليل والهيللة (192/أ) ومثله حيعل إذا قال حي على الفلاح، والعرب إذا كثر استعمالهم الكلمتين، ضمنوا بعض حروف احديهما إلى بعض حروف الأخرى، ومنه البرقيلة، وهو: قصد كلام لا فعل معه، يقولون: أخذنا في البرقلة، وهو مأخوذ من البرق الذي لا يتبعه مطر، ومنه الحوقلة والحولقة والبسلمة: