الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن
باب المساقاة والمزارعة
(من الصحاح)
[2107]
حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دفع إلى يهود خيبر وأرضها، على أن يعتملوها من أموالهم
…
الحديث) كانت خيبر مما فتح عنوة ولما ظهر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد إخراج اليهود منها، فسألوه أن يقرهم على أن يعملوا على نصف ما يخرج منها من زرع أو ثمر، فقال:(نقركم بها على ذلك ما شئنا) فكانوا على ذلك زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما حتى أجلاهم إلى تيماء، وأريحا .. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم خيبر، فأعطى ذوى السهمان سهمانهم، وكان الشطر الذي يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جملة ما وقع من الخمس ومن مال الفئ، فإن بعض قرى خيبر سلمها أهلها على أن يأخذوا [53/ ب] منهم شطرها، ويقروهم عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(نقركم ما شئنا، وتعتملوها) أي: تسعوا فيها بما فيه عمارة أرضها وصلاح نخلها وتربية ثمرها، وينفقوا عليها من أموالهم، و (اعتمل) أي: اضطراب في العمل، قال الراجز:
إن الكريم وأبيك يعتمل
وقد قال بظاهر هذا الحديث جمهور العلماء، فأثبتوا المساقاة، ولم ير أبو حنيفة- رحمة الله عليه عقد المساقاة صحيحاً، وذكر في هذا الحديث أن لم يذكر فيه مدة معلومة، بل (نقركم ما شئنا) وفي رواية (نقركم ما أقركم الله) وذلك مما لا يجوز في المعاملة، وإنما استعمل اليهود في ذلك بدل الجزية، يدل عليه أنه لم يكن يؤخذ عنهم الجزية يعني: يهود خيبر، والشطر الذي كان يدفع إليهم إنما كان من طريق المعونة ليتقووا به على ما كلفوا من العمل، وللإمام أن يفعل ذلك إذا رأى فيه المصلحة.
وقصدنا إيراد تأويل الحديث عنده، وتركنا ما سوى ذلك من الدلائل، فلها كتب مفردة.
[2109]
ومنه: حديث رافع بن خديج- رضي الله عنه (بما ينبت على الأربعاء) الربيع: النهر الصغير
الذي يسقي المزارع، وجمعه أربعاء، وأربعة، مثل: نصيب وأنصباء، وأنصبة، وقيل: يجمع ربيع الكلأ أربعة، وربيع الجداول أربعاء. وفيه:(وكان الذي نهى من ذلك) إلى تمام الحديث، هذه زيادة على حديث رافع بن خديج، أردت في حديثه، على هذا السياق رواه البخاري ولم يتبين لي أنها من قول بعض الرواة، أم من قول البخاري.؟ وقوله: ما لو نظر فيه ذوو الفهم: ذوو بواوين، أريد به الجمع، ومعنى قوه:(لما فيه من المخاطرة أي: من التورط فيما لا يحل لكون حصة كل واحد من الشريكين مجهولة، والمخاطرة من الخطر، الذي هو الإشراف على الهلاك، وفي حديثه أيضاً: (فربما أخرجت ذه، ولم تخرج ذه) ذه: إشارة إلى القطعة من الأرض، وهي من الأسماء المبهمة التي يشار بها إلى المؤنث، يقال: ذي وذه، والهاء ساكنة؛ لأنها للوقف.
[2111]
ومنه قول طاوس: إن أعملهم أخبرني. يعني: ابن عباس .. الحديث. الضمير عائد إلى من أدركهم طاوس من الصحابة، أو من كان حياً منهم بمكة أيام يفتى بها ابن عباس، ولا يصح أن يراد به العموم؛ لأن ابن عباس هو القائل: معظم علمي عن عمر- رضي الله عنه وهو أحد الصحابة، وقد روى أنهم كانوا يرون أن عمر ذهب بتسعة أعشار العلم، ولا يصح أن يقال: الضمير عائد إلى بني هاشم لأن منهم علياً رضي الله عنه وابن عباس هو القائل. فإذا علمي بالقرآن في علم علي كالقرارة في المثعنجر وأحاديث المزارعة (54 أ) التي أوردها المؤلف [وما] ثبت منها في كتب الحديث في ظواهرها تباين واختلاف، وجملة القول في الوجه الجامع بينها أن يقال: إن رافع بن خديج سمع أحاديث في النهي، وعللها متنوعة، فنظم سائرها في سلك واحد، ولهذا يقول مرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة يقول: حدثني عمومتى. وأخرى يقول: أخبرني عماى. والعلة في بعض تلك الأحاديث أنهم كانوا يشترطون فيها شروطاً فاسدة، ويتعاملون على أجرة غير معلومة، فنهوا عنها، وفي البعض أنهم كانوا يتنازعون في
كرى الأرض، حتى أفضى بهم إلى التقاتل، فقال النبي- عليه السلام: إن كان هذا شأنكم، فلا تكروا المزارع، وقد بين ذلك زيد بن ثابت في حديثه، وفي البعض أنه كره أن يأخذ المسلم خرجاً معلوماً من أخيه على الأرض ثم تمسك السماء قطرها، أو تخلف الأرض ريعها، فيذهب ماله بغير شيء، فيتولد منه التنافر والبغضاء، وقد تبين ذلك من حديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه، ولكن قال
…
الحديث).
والضمير في قوله: (عنه) عائد إلى الزرع في أرض غيره.
[2112]
ومن حديث جابر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت له أرض فليزرعها .. الحديث) وذلك من طريق المروءة والمواساة، وفي البعض أنه كره لهم الافتتان بالحراثة والحرص عليها، والتفرغ لها، فيقعهد بهم عن الجهاد في سبيل الله، وتفوتهم الحظ عنه الغنيمة والفئ، ويدل عليه حديث أبي أمامة ورأى سكة وشيئاً من آلة الحرث، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل هذا بيت قوم إلا دخله الذل).
السكة: الحديدة التي يحرث بها الأرض.
قلت: إنما جعل آلة الحرث مظنة للذل، لان أصحابها يختارون ذلك، إما لجبن في النفس، أو قصور في الهمة، ثم إن أكثرهم ملزمون بالحقوق السلطانية في أرض الخراج، ولو آثروا الجهاد لدرت عليهم الأرزاق، واتسعت عليهم المذاهب، وجبى لهم الأموال، مكان ما يجبى عنهم، فهذه جملة القول في تلك الاحاديث. وقد أطلق القول ببطلان المزارعة الاكثرون من أصحاب المذاهب، ونحن نرى التسليم لهم فيما هم بصدده، وإنما تكلمنا في التوفيق بين تلك الأحاديث إلى ما انتهى إليه فهمنا، ومن الله المعونة في الإصابة.
(ومن الحسان)
[2114]
حديث: رافع بن خديج- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من زرع في أرض قوم بغير