الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[2159]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه: (يذهب وحر الصدر) الوحر في الصدر: مثل الغل يقال وحر صدره على، أي: وغر، وفي صدره على وحر- بالتسكين- مثل وغر، وهو اسم، والمصدر بالتحريك. ولفظ الحديث يروى بالتحريك على المصدر.
وفيه: (ولو بشق فرسن) الفرسن: عظم قليل اللحم، وهو للشاة البعير بمنزلة الحافر للدابة، وفي نسخ المصابيح (ولو بشق فرسن) بزيادة حرف الجر، ونحن نرويه بغير حرف الجر، وهو أقوم، فإن كانت الراية وردت أيضاً بحرف الجر، فالتقدير: ولو أن تبعث إليها، أو تتفقدها، أو مثل ذلك من الألفاظ.
ومن
باب اللقطة
(من الصحاح)
[2162]
حديث زيد بن خالد الجهني- رضي الله عنه: (جاء رجل إلى رسول صلى الله عليه وسلم فسأل عن اللقطة، فقال: اعرف عفاصها .. الحديث) لقط الشيء والتقطه: أخذه من الأرض.
وقد اختلف قول أهل اللغة في اسم المال الملقوط، فقال قوم: إنه اللقطة- بفتح القاف- وهو الذي يستعمله الأكثرون ويتعارفه المتفقهون قديماً وحديثاً. وأبي ذلك الخليل، فقال:(إنما اللقطة- بفتح القاف- اسم الملتقط، قياساً على نظائرها من أسماء الفاعلين، كهمزة، ولمزة وضحكة. فأما اسم المال الملقوط، فبسكون القاف.، (وعفاصها): المراد منه الوعاء الذي يكون فيه النفقة، والأصل فيها صمام القارورة، وهو الجلد الذي يلبس رأسها، فيكون لها كالوعاء، وليس عرفان العفاص، والوكاء، وهو: الخيط الذي يشد به لرد اللقطة إلى من ينشدها من غير بينه، بل ليميزها بذلك عن ماله ومال غيره، فلا يختلط به، ألا ترى أنه أمره بعد ذلك بالتعريف سنة.
وفيه: (وإلا فشأنك بها) أي: اعمل بها ما شئت من التصدق والاستنفاق، على اختلاف فيه بين العلماء في الفقر والغنى. وقوله:(فشأنك) منصوب على المصدر، يقال: شأنت شأنه، أي: قصدت قصده، واشأن شأنك، أي: اعمل ما تحسنه.
وفيه: فقال: فضالة الغنم، فقال:(هي لك أو لأخيك [61 ب] أو للذئب) المعنى: إن لم تأخذها أنت أخذها غيرك، أو أكلها الذئب، ويحتمل أن يكون المعنى بأخيك صاحب اللقطة.
وفيه: فقال: فضالة الإبل؟ قال: (مالك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها) أبان بذلك وجه الرخصة في التقاط الغنم، وهو خشية التلف؛ لضعفها وعجزها عن الرعية بغير راع، وأما الإبل وما في معناها من الدواب، فإنها تترك بحالها، ما لم يخش عليها منا لتلف، فإن ذلك أرجى لمواقعة صاحبها بها عند المراعي التي تألفها، والموارد التي تعتادها. ومعنى قوله:(معها سقاؤها وحذاؤها) أي: يؤمن عليها أن تنقطع من الحفاء والظمأ؛ لأنها تقوى على السير الدائم، والظمأ المجهد:(والحذاء) ما وطئ عليه البعير من خفه، والفرس من حافره. (والسقاء) ما يكون للبن ويكون للماء، وأريد به هاهنا: ما تحويه في كرشها من
الماء، فيقع موقع السقاء في الري، وأريد به: صبرها على الظمأ، فإنها أصبر الدواب على ذلك، وقد استبان لنا من إطلاقاتهم في الإظماء أنها ربما ترد الماء في يوم العشرين من وردها، فيكون ظمؤها عشران، وذلك ثمانية عشر يوماً، وربما زادت على ذلك، فيقال لها: الجازئة.
[2164]
ومنه: حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن لقطة الحاج) ورد في الحديث ما يدل على التفريق بين لقطة الحرم ولقطة غيره منا لبلاد، وقد ذكرناه. وهذا الحديث يحتمل لذلك المعنى، ويحتمل لغيره، وهو أن يقال: نهى عن أخذه ليتركه بمكانها، ويتعرف بالنداء عليها، فيكون أقرب لنشدانها، وأهدى إلى وجدانها، فإن الحاج لا يلبثون بمكة إلا أياماً قلائل، ثم يصدرن مصادر شتى، لا يتلقى بهم طريق، ولا تجمع بينهم بلدة، فيعدم فائدة التعريف بعد تفرقهم. وعبد الرحمن بن [عثمان] هذا، هو: ابن أخي طلحة بين عبيد الله وعبد الرحمن بن عبيد الله بن عثمان عمه أخو طلحة. ويقال لعبد الرحمن بن عثمان راوي هذا الحديث: شارب الذهب.
(ومن الحسان)
[2165]
حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه سئل عن الثمر المعلق .. الحديث) وقد ذكرنا- فيما تقدم- حكم هذا الحديث وأن [62 أ] قوله: (فعلية غرامة مثليه) حكم كان في أو الإسلام ثم نسخ، ورأى بعض أهل العلم جواز العقوبات بالأموال، ونقل أن عمر- رضي الله عنه كان يرى ذلك.
وفيه: (حتى يؤويه الجرين) أي: يضمه اجرين، ويصير له مأوى. وفي بعض طرق هذا الحديث:(حتى يأويه الجرين) وآويته- بالمد- وأويته- بالقصر- فعلت وأفعلت بمعنى. إذا أنزلته بك. والجرين: موضع التمر الذي يجفف، وثمن المجن سنبينه- إن شاء الله- في باب الحدود.
وفيه: (وسئل عن اللقطة، فقال: ما كان منها في الطريق الميتاء) الميتاء: طريق [العام] ومجتمع الطريق أيضاً ميتاء. ووصف الطريق ها هنا بالميتاء، والمراد منه: المحجة الواضحة، والذي يكثر المارة به، وهو مفعال، من الإتيان. أي: يأتيه الناس كثيراً، ونظيره: دار محلال. وفي نسخ المصابيح: (طريق الميتاء) على الإضافة، فإن كانت الرواية واردة به، فإنه أضيف لاختلاف اللفظين، أو على تقدير إضمار، كما في قولهم: مسجد الجامع، وحق اليقين، وقد يظن بعض الناس أن قوله:(وسئل عن اللقطة) حديث منفرد، لا تعلق له بما تقدمه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وليس الأمر على ما يقدره، فإن الكل حديث واحد، رواه أبو داود في كتابه كذلك.
[2168]
ومنه: حديث الجارود بن المعلى العبدري- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ضالة المسلم حرق النار) منع بعض أهل العلم عن أخذ الضالة، بناء على هذا الحديث. وإنما المراد منه: تحذير الذي لا يراعي فيها الأحكام التي شرعت فيها، من التعريف وغير ذلك عن أخذها. و (حرق النار) بالتحريك- قيل: لهبها، والحرق- بالتحريك-: النار. ويقال: في حرق الله، أي: في ناره، شبهها بالنار ولهبها؛ لأنها تؤدي إليها، إذا لم يحفظ فيها حدود الله، أو لما فيها من الضرر بدينه، إذا استأثر بها وبماله إذا اختلط بها.
[2169]
ومنه حديث عياض بن حمار المجاشعي- رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وجد لقطة فليشهد ذا عدل .. الحديث) إنما أمره بالإشهاد استبراء لدينه عن تهمة الاستبداد بها؛ ليأمن من تسويلات النفس فيها؛ ولئلا يلحقه تبعة بسببها بعد الموت، إذا عدها الورثة أو [62 أ] غيرهم من ماله