الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن
باب الإحصار وفوت الحج:
(من الصحاح)
[1906]
حديث عائشة- رضي الله عنها: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقال: لعلك أردت الحج
…
الحديث) ضباغة هذه هاشمية وأبوها الزبير هو ابن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكبر ولد عبد المطلب، لو يدرك افسلام، وضباعة كانت تحت المقداد بن الأسود.
وفيه: (والله ما أجدنى إلا وجعة فقال لها: (حجى وأشرطى
…
الحديث): الإشراط في الحج مختلف فيه بين العلماء، وقد صح [45/أ] عن ابن عمر: أنه كان ينكر الاشتراط في الحج، ويقول: أليس حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
استدل الذاهبون إلى أن الإحصار لا يكون إلا بالعدو بحديث ضباعة، وقالوا: لو كان المرض يبيح التحلل لم يحتج إلى الاشتراط.
ومن ذهب إلى أن الإحصار يكون بالمرض والعدو وغير ذلك من الموانع المحصرة: فإنه يرى لفظ التنزيل منبثا عن ذلك؛ قال الله تعالى {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى} يقال: أحضر فلان: إذا منعه أمر من خوف أو عجز أو مرض، قال الله تعالى:{للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} قال ابن ميادة [من الطويل]:
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت
…
عليك ولا أن أحصرتك شغول
ثم إنهم وجدوا حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري مبينًا للآية، في هذا الباب في الحسان.
ويرون أن الاشتراط المذكور في حديث ضباعة إنما كان ليفيد تعجيل التحلل؛ لأنها لو لم تشترط، لتأخر تحللها إلى حين بلوغ الهدى محله؛ ذكر ذلك أبو نصر الأقطع.
قلت: وهذا على أصل مذهب أبي حنيفة رحمه الله ومن نحا نحوه، فإنه يرى أن المحصر ليس له أن يحل حتى ينحر هديه بالحرم، إلا أن يشرط، فإذا أشرط فله أن يحل قبل نحر الهدى.
وهذا تأويل مرضى موفق بين هذا الحديث، وبين حديث حجاج.
(ومن الحسان)
[1908]
حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري المازني رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كسر أو عرج [أو مرض]
…
الحديث):
قلت: (هذا الحديث أورده المعتبرون من أصحاب كتب الأحكام؛ كأس محمد الدارمي، وأبي داود السجستاني، وأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الرحمن النسائي، ولم نجد في شيء منهت: (أو مرض) فلعل المؤلف نقله مما سواها من الكتب، ولا أراه رمي الحديث بالضعف، إلا من قبيل هذه الزيادة، وإن لم يكن كلا القولين من [تزيد] بعض النساخ، وإلا فحديث حجاج - على ما نبينه - ليس بمستضعف، وقد ذكر الترمذي: أنه حديث حسن.
قلت: ولهذا الحديث تتمة من قول عكرمة، وهو أحد الرواة، عن الحجاج بن عمرو، وذلك قوله:(فذكرت ذلك لأبي هريرة وابن عباس، فقالا: صدق) وقد ذكر الشيخ أبو سليمان الخطابي عن بعضهم، ولم يسمه: أنه علل هذا الحديث بما ثبت عن ابن عباس أنه قال: (لا حصر إلا حصر العدو)، فكيف يصدق الحجاج، فيما رواه أن الكسر حصر، وقد استغربت عن الخطابي - مع تقدمه في العلم والفهم، وتمسكه ببرده الاستقصاء أني استحسن استيداع ذلك بطون القراطيس، وهو قول غير سديد، ثم تعجبت من إيراده على سبيل الإجمال؛ فلم يحل عنه عقدة الإشكال، وذلك من قوله: (فكيف يصدق الحجاج [فتوهم] بعض الناس أن المراد منه الحجاج بن عمرو، ومعاذ الإله أن [45/ ب] أن يرمي متدين بدين الإسلام أحدا من الصحابة بمثل هذا القول، فإنهم صدق إبرار وعدول مقانع، لاسيما فيما نقلوه من أمر الدين، ولو وهم أحدهم أو سها أو غلط، أو سمع ظاهر القول ولم يفهم باطنه فالأدب أن يحكي ذلك منه: ملتبسا بالتوفير والتبجيل حفظا لحرمة الصحبة.
وإنما المراد الحجاج الصواف، وهو أحد رواة هذا الحديث ذكره الترمذي فأثني عليه؛ فقال: وحجاج ثقة حافظ عند أهل الحديث.
ومما يدلنا على أن المعنى بما في كتاب الخطابي هذا الذي ذكرناه: أن الذي نقل قوله: أنكر تصديق ابن عباس الحجاج في حديثه؛ لما في حديث ابن عباس: (لا حصر إلا حصر العدو)، وهذا الذي أنكره ليس من حديث حجاج الأنصاري، وإنما هو من كلام الراوي عنه، وهو عكرمة، وفي بعض الروايات: عبد الله ابن رافع، وهو أصح الروايتين.
ولما كان هذا الحديث في أكثر كتب الأحكام مرويا عن حجاج الصواف، عن يحيي بن أبي كثيرة، عن عكرمة: ظن هذا القائل أنه تفرد به، وليس الأمر على ما توجه، فقد رواه عن يحيي بن أبي كثير - أيضا - معمر ومعاوية بن سلام، وروايتها عن يحيي عن عكرمة عن عبد الله بن رافع، عن حجاج المازني، مازن الأنصار: نحوه.
وقال البخاري: روايتها أصح.
قلت: وفي روايتها عن عبد الله بن رافع: (فذكرت ذلك لأبي هريرة وابن عباس، فقالا: صدق).
وأما في ما نقله عن ابن عباس: (لا حصر إلا حصر العدو): فقد نقل عنه في معنى [
…
] برواية الثقاة: ما يؤيد حديث الحجاج، روى الفريابي - عن سفيان الثوري عن الأعمش، عن إبراهيم، عن (ابن عباس) (فإن أحصرتم) قال: من حبس أو مرض، قال إبراهيم: فحدثت به سعيد بن جبير قال: هكذا
قال ابن عباس. ولو ثبت عنه -أيضا-: (لا حصر إلا حصر العدو): فالسبيل أن يأول، لئلا يخالف حديث خجاج عن النبي صلى الله عليه وسلم[وليوافق رواية] سعيد بن جبير، عنه.
ورأيت التأويل الجامع بين ما ذكره أن نقول: (لا حصر إلا حصر العدو) بمثابة قول من قال: (لا هم إلا الدين؛ وذلك لأن الحصر بالعدو من أطم أسباب الحصر؛ لأنه متعلق بالعموم، وغيره متعلق بالخصوص والأفراد، كما كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، حين صد عن البيت، وأحصر بالعدو: أحصر هو وسائر من معه، [....] واحد من القوم، لم يكن كذلك، فهذا معني قوله: (لا حصر إلا حصر العدو).
فإن قيل: فما وجه قوله: (فقد حل) المتمسك [] بهذا الحديث يرى أن المحصر ليس له أن يحل حتى يبلغ الهدى محله، وعنده أن محله، مكانه الذي يجب أن ينحر به، وهو الحرم، فكيف بقوله:(فقد حل) ولم يبلغ الهدى محله؟
قلنا: [65] قد قيل: عن وجهه: وقد حل له أن يعل من غير أن يصل إلى البيت، ومثله قولك للمرآة إذا انقضت عدتها:(قد حلت للرجل) يعني: أن يخطبها وبعقد عليها.
ويجوز أن يكون بمعني المقاربة، أي: قرب ذلك وجاز، كقولك: من بلغ ذات عرق، فقد حج.
[1909]
ومنه: حديث عبد الرحمن بن يعمر الدئلي - رضى الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحج عرفة ..... الحديث):
أي: معظم الحج وملاكه الوقوف بعرفه، وذلك مثل قولهم: المال الإبل، وإنما كان ذلك ملاكه وأصله؛ لأنه يفوت بفواته، ويفوت الوقوف لا إلى بدل.
وفي بعض طرق هذا الحديث: (الحج عرفات)، وكلاهما اسم للموضع الذي يقف به الحاج، وكل ذلك خارج عن الحرم، وقد قال أهل اللغة: إن (عرفات) اسم على لفظ الجمع، ولا يجمع، وقال الفراء: لا واحد له بصحة، وقول الناس: نزلنا بعرفة شبيه بمولد، وليس بعربي محض، وهي معرفة، وإن كان جمعا؛ لأن الأماكن لا تزول [......] وكالشيء الواحد.
قلت: ولا يلزمنا تقليده في قوله: (إنه شبيه بمولد) وقد ورد بلفظ الواحد في السنن ورودا لا مدفع له
لصحته، وكثرة استعماله، والمتكلم به إما النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفصح العرب، وإما المهاجرون من قريش، أو من نزل مكة منهم، وهم أصح العرب لغة، وأعرفهم ببقاع مكة، وأساميها، وأما غيرهم من الصحابة واللغة يومئذ صحيحة لم تشبها لغة مولد، ولو استقصينا في إيراد ما روى على لفظ (عرفة) وتعداده من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لأفضى ذلك بنا إلى الإسهاب، وقد استغنينا عنه، لكثرته واشتهاره، فعملنا أن هذه التسمية أشبهت (عانات) فيما يقال لها تارة: عانة، وتارة عانات.
ويحتمل أنهم أطلقوا عليها عرفات؛ لأنها أماكن مختلفة من سهل وجبل وبطون وأودية، ليشمل الكل.
وقوله سبحانه: (فإذا أفضتم من عرفات) ليعلم أن حكم الإفاضة يتعلق بسائر من حضر تلك الأماكن؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وعرفه كلها موقف)
وفيه: (ومن أدرك عرفة ليلة جمع ....):
كذا أورده المؤلف، والحديث على ما نجده في كتب الحفاظ المتقدمين زمانا ومنزلة: (ومن أدرك جمعا
…
): ومعناه - إن صح-: من أدرك جمعا قبل صلاة الصبح، فقد أدرك البيتوتة، بجمع، وهذا الحديث لم يروه غير عبد الرحمن بن يعمر، ول يرو هو عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، ولم يروه عن عبد الرحمن غير بكر بن عطاء، وهو حديث معتبر، جم الفائدة عزيز عند أهل النقل، وكان وكيع إذا تحدث به، قال: هذا الحديث أم المناسك.
وفيه: (فمن تعجل [46/ب] في يومين فلا إثم عليه
…
الحديث):
تعجل، أي: عجل في النقر، وتعجل يجئ لازما، ويجئ متعديا، فلو قدر متعديا، فمعناه: عجل النفر وإجراؤه على اللازم أمثل وأقوم؛ لمطابقة (ومن تأخر).
فإن قيل: فما وجه التخيير بين الأمرين وأحدهما أفضل من الآخر، وما وجه التسوية بين المتعجل والمتأخر في نفي الحرج والمتأخر أخذ بالأسد والأفضل؟
قلنا: قد ذكر أهل التفسير أن أهل الجاهلية كانوا فئتين: فإحداهما ترى المتعجل آثما، والأخرى ترى المتأخر آثما، فورد التنزيل بنفي الحرج عنهما، وهذا قول مطابق لسياق الآية لو كان له في أسباب النزول آصل ثابت.
والظاهر: أن الإعلام الذي جاءهم من قبل الله تعالى إنما جاء ليعلموا أن الأمر موسع عليهم، فلهم أن يأخذوا من الأمرين بأيهما شاءوا، ونظيره التخيير بين الصوم والإفطار، وإن كان الصوم أفضل، وأما وجه التسوية بين المتعجل والمتأخر في نفي الحرج، فهو أن من الرخص ما يقع من العامل موقع العزيمة، ويكون الفضل في إتيانه دون إتيان ما يخالفه، وذلك مثل قصر الصلاة للمسافر.