الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
الغضب والعارية
(من الصحاح)
[2079]
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر- رضي الله عنه: (أيحب أحدكم أن يأتي مشربته) المشربة- بفتح الراء- الغرفة، وكذلك بضمها، وقد وجدت في كتاب الحافظ أبي موسى، الموسوم بالمجموع المغيث، في باب السين مع الراء: المسربة، بضم الراء وفتحها: مثل الصفة بين يدي الغرفة، وقد جاء في بعض الأخبار (دخل مسربته) وقد تصحفت بالمشربة، إلى هنا لفظ كتابه.
وهذا شيء لم نجد له فيما اطلعنا عليه من كتب اللغة- أصلا، وإنما المسربة- بالسين المهملة وضم الراء- الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة، وبفتح الراء: واحدة المسارب، وهى: المراعى. وأرى أن قصده كان أن يبين أن المشربة- بالشين المعجمة- قد تصفحت بالسين المهملة، فجرى فيه غلط من سمع ناقل، أو قلم ناسخ، وإن يك غير ذلك، فهو سهو. ولم أستجز إيراد ذلك إلا بعد أن اطلعت على ادعاء بعض الناس أن الصواب فيه السين المهملة، حتى أثبته على حاشية المصابيح، اعتمادا علة نقله، فلم أر أن أعبر عن موضع الحاجة بغير بيان، هذا مع اعترافي بأنه- رحمه الله هو الطود الأشم، والمعلم الراسخ في هذا العلم، ونحن نروى عن حليته، ونروى عن بقيته.
[2080]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس- رضي الله عنه: (غارت أمكم).
غارت من الغيرة، أراد أن الغيرة حملت أمكم على صنيعها ذلك، وإنما قال:(أمكم) لأنه خاطب به المؤمنين، وقد تبين لنا من غير هذا الطريق أن التي ضربت يد الخادم هي عائشة- رضي الله عنها-
وهذا الحديث [50 ب] لا تعلق له بالغضب ولا بالعارية، وإنما كان من حقه أن يورد في باب ضمان المتلفات.
وقد روى هذا الحديث عن انس، من غير هذا الوجه، ولفظه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار قصعة، فضاعت فضمنها لهم) وهو حديث غير محفوظ.
[2082]
ومنه قول جابر- رضي الله عنه في حديثه: (وقد آضت الشمس) أي: عادت لحالها الأولى. ومنه قولهم في الكلام: أيضا: أي: رجع وعاد إليه كرة أخرى. وفيه: (حتى رأيت صاحب المحجن يجر قصبه في النار) المحجن: كالصولجان، وقد ذكروا القصب بضم القاف وسكون الصاد- المعى. وفيه:(ولم يدعها تأكل من خشاش الأرض) الخشاش- بكسر الخاء- الحشرات، وقد يفتح.
[2083]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس: (وغن وجدناه لبحرا)(إن) هى المخففة من الثقيلة، والضمير من (وجدناه) راجع إلى الفرس المستعار، واسمه المندوب. أي: المطلوب، ويقال للفرس: إنه لبحر، أي: واسع الجري، تشبيها له في سعة الجري بالبحر الذي هو في غاية السعة.
(ومن الحسان)
[2048]
حديث سعيد بن زيد بن نفيل العدوى- رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضا ميتة فهي له
…
الحديث) الأرض الميتة: هي الخراب التي لا توجد للقوة النامية بها أثر، ويقال لها: الموات. والمراد منها الأرض التي لا مالك لها من الآدميين، ولا ينتفع بها أحد. وإحياؤها إنما يكون بإجراء الماء عليها وبحفرها وتحجيرها ونحو ذلك مما تعود به إلى حال العمارة.
وقد ذهب أكثر العلماء إلى من أحياها: ملكها بالإحياء، ولم يشترطوا فيه إذن السلطان، شرط ذلك أبو حنيفة- رحمه الله لقوله صلى الله عليه وسلم:(عادي الأرض- ولرسوله، ثم هي لكم مني).
وفيه: (وليس لعرق ظالم حق) وجدت بعض الحفاظ يرويه على الإضافة. والحديث على ما فسره علماء الغريب على الصفة، بالتنوين فيهما، والعرق الظالم هو المشهور عند أهل اللغة، [وهي] مثل قولهم: ليل نائم. أي: ينام فيه النائمون وقد قال في تفسيره الجمهور: هو أن يجييء الرجل إلى أرض قد أحياها غيره، فيغرس فيها أو يرزع؛ ليستوجب بها الأرض.
وقال الخطابي قد تفسيره: هو أن يغرس الرجل في غير أرضه، بغير إذن صاحبها. وهذا وإن كان قريبا- فالأول أصح وأوجه؛ لما نقلناه من أصحاب الغريب ومن أهل اللغة، ثم للمناسبة التي بين الفصلين [51/أ].
والذي قاله الخطابي من المعلوم الذي لم يكونوا مفتقرين إلى معرفته. وفي كتاب المصابيح بعد هذا الحديث: مرسل.
وهذا من العجب العجاب أن يسند الحديث إلى الصحابي، ثم يقال: مرسل، وسعيد بن زيد بن نفيل هو الراوي لهذا الحديث، وهو أحد العشرة المبشرة. ومنه روى هذا الحديث في كتابي أبي داود وأبي عيسى، فلعل أحد الأمرين من المؤلف: إما الإسناد وإما الإرسال، والآخر من غيره، فإن هذا الحديث قد روى عن عروة مرسلا ومتصلا عنه عن سعيد، وقد ذكر الترمذي الإرسال أيضا. والجمع بين الأمرين في كتب الحديث المؤلفة لبيان السند والرواية هو المطلوب، وأما في مثل هذا الموضع على هذه الصيغة، فلا.
[2086]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران بن حصين- رضي الله عنه: (ولا شغار في الإسلام) الشغار- بكسر الشين- نكاح كان في الجاهلية، وهو أن يقول الرجل لآخر: زوجني ابنتك أو أختك، على أن أزوجك أختي أو ابنتي، على أن صداق كل [واحدة] منهما بضع الأخرى، كأنهما رفعا المهر، وأخليا البضع منه. والأصل فيه شغر الكلب: إذا رفع إحدى رجليه ليبول. وشغر البلد: إذا خلا من الناس.
ومن العلماء من أبطل هذا النكاح، ومنهم من قال: هو جائز، ولكل واحد منهما مهر المثل، وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه، وإليه ذهب سفيان الثوري، ومعني النهي عندهم: النهى عن استحلال البضع بغير صداق.
[2087]
ومنه: حديث يزيد بن عبد الله الكندي أبي السائب- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعبا جادا .. الحديث) المعني: أنه يأخذه على سبيل المداعبة، وقصده في ذلك أن يذهب به جدا، فهو لاعب على ما يظهر، جاد [على ما] يسره، وإنما ضرب المثل بالعصا؛ لأنه من الأشياء التافهة التي لا يكون لها كثير خطر عند صاحبها، ليعلم أن ما كان فوقه فهو بهذا المعنى أحق وأجدر.
[2088]
ومنه حديث سمرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به
…
الحديث) المراد منه: ما غضب أو سرق، أو ضاع من الأموال.
[2091]
ومنه: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرجل جبار، والنار جبار) الجبار: الهدر. يقال: ذهب دمه جباراً، أي: هدراً. ومعنى قوله: (الرجل جبار) أن الدابة إذا أصابت برجلها، فذلك هدر، لا ضمان فيه، إذا كان صاحبها راكباً عليها، أو قائداً لها، وأراد بالنار: الحريق التي تقع في المواضع، فإن الذي أشعلها [51/ ب] أولاً لحاجته لا ضمان عليه.
[2093]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: (ولا يتخذ خبنة) خبنت الطعام: إذا عينته واستعددته للشدة، والخبنة: ما تحمله في حضنك. وقيل: خبنة الرجل: ذلاذل ثوبه [المرقوع] من قولهم: خبنت الثوب: إذا عطفته، وحمل بعضهم
معنى هذا الحديث وحديث سمرة الذي قبله: (إذا أتى أحدكم على ماشيته) وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الذي يتلو هذا الحديث أن للمحتاج أن يفعل ذلك، وحملها بعضهم على المضطر، والذي عليه أكثر العلماء، هو أنه- وإن فعل ذلك اضطراراً، فإنه ضامن، وهو السبيل في تأويل تلك الأحاديث، فإنها لا تقاوم النصوص التي وردت في تحريم مال المسلم.
[2096]
ومنه: حديث صفوان بن أمية- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعا يوم حنين
…
الحديث) اختلف العلماء في العارية: هل هي مضمونة أم غير مضمونة؟ وقد سبقهم الصحابة بالخلاف فيها، ممن لم ير فيها الضمان على وابن مسعود- رضي الله عنهما وقد قضى بذلك شريح ثمانين سنة بالكوفة.
وتأويل حديث صفوان عند من لا يرى الضمان فيها: أنه أراد بالمضمونة ضمان الرد لا ضمان العين، على أن هذا الحديث قد روى من غير طريق، ولم يذكر (مضمونة) في بعضها، وفي بعضها:(بل عارية مؤداة) وقد وردت في بعض الروايات: (بل عارية ومضمونة) وهذه الرواية تدل على أن الضمان وصف زائد على العارية. والوجه في ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تلفظ بها تسكيناً لما به وتألفاً له، فإنه كان يومئذ مشركاً، وقد أخذ بمجامع قبله الحمية الجاهلية، هذا ونحن قصدنا بيان تأويل الحديث عند من لا يرى الضمان فيها، فأما أدلة المختلفين فيها، فإن لهم كتباً قد أفردت لها- والعارية تشدد ياؤها، وذكر أهل اللغة أنها منسوبة إلى العار؛ لأنهم رأوا طلبها عاراً وعيباً. قال الشاعر:
إنما أنفسنا عارية .... والعوارى قصار أن ترد
والعارة: مثل العارية، وقد ذكر بعض أهل العلم في اشتقاقها، إنها من التعاور، وهو التداول ولم يبعد، وقد جاء في كلامهم المستعار بمعنى المتعاور، وقد ذكر فيها بعض الفقهاء أن العرية والعارية يتماثلان في الاشتقاق، ولم يصب فيه، فإن العرية من باب الناقص، والعارية من الأجوف.
[2097]
ومنه: حديث أبي أمامة رضي اله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العارية مؤداة .. الحديث) أي: تؤدى إلى أصحابها، ثم إن العلماء يفترقون في تأويله على حسب اختلافهم في الضمان [52/ أ] فالقائل بالضمان، يقول: تؤدى عيناً حال القيام، وقيمة عند التلف، وفائدة التأدية عند من [لا] يرى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها. وفيه:(والمنحة مردودة) المنحة: ما يمنحه الرجل صاحبه من ذات در ليشرب درها، أو شجرة ليأكل ثمرها، أو أرض ليزرعها، وقد سبق تفسيرها، وفي قوله:(مردودة) إعلام بأنها تتضمن تمليك المنفعة لا تمليك الرقبة، وفيه:(والزعيم غارم) أي: الكفيل ملزم نفسه ما ضمنه، والغرم: أداء الشيء يلزمه، وقد فسرناه فيما قبل.