الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الحسان
[1970]
: حديث رفاعة بن رافع الأنصاري، عن النبي
…
صلى الله عليه وسلم، قال: التجار يحشرون فجارا ....) الحديث. الأصل في الفجور: المسيل عن القصد؛ ومنه يقال للكاذب: فاجر؛ وعلى هذا المعني سماهم: فجارا؛ وذلك أن التاجر قلما يسلم فاه عن الكذب والحلف؛ فيقول: اشتريته بكذا ولا أبيعه بأقل من كذا، وأعطيب به كذا، ويعد فيخلف، وربما يحلف على الأمر غير محتاط فيه ويبالغ في البيع والشرى؛ بالرفع والحط، حتى يفضي به إلى الكذب؛ فلذلك يحشرون في زمرة من كثر منه الكذب، إلا من اتقي الكذب وبر في يمنه وصدق [82] في حديثه
ومن
باب الخيار
من الصحاح
[1971]
: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار).
اختلف العلماء في معني قوله: ما لم يتفرقا:
فذهب جمع إلى أن معناه التفرق بالأبدان؛ فأثبتوا لهما خيار المجلس، وقالوا: سمماها المتبايعين، وهما المتعاقدان؛ لأن البيع من الأسماء المشنقة من أفعال الفاعلين، وهي لا تقع في الحقيقة إلا بعد حصول الفعل منهم، وليس بعد العقد تفرق إلا التميز بالأبدان.
وذكروا عن بعض أهل اللغة: أن التفرق: ما كان بالأبدان، والافتراق ما كان بالكلام،
وذهب آخرون: إلى أنهما إذا تعاقدا، صح السع، ولا خيار لهما إلا أن يشترطا، وقالوا: الراد من التفرق: هو التفرق بالأقوال، ونظير ذلك من كتاب الله سبحانه وتعالى:{وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} ومن المعلوم أن الزوج إذا طلق امرأته على مال، فقبلت ذلك، حصل التفرق بينهما بذلك، وإن لم يتفرقا بأبدانهما.
ثم إن التفرق بالأبدان ليس له حد محدود يعلم.
وأما تسميتهما بالمتبايعين: فيصح أن يكون بمعني المتساومين، وهو باب تسمية الشيء بما يئول إليه، أو يقرب منه
، وفي الحديث:(لا يبع أحدكم على بيع أخيه) على صحة مذهبه، فقال: حقيقة (المتبايعان) التشاغلان بالبيع وذلك يكون قبل تمام البيع كقولك: المتقاتلان والمتضاربان وبعد انقضاء البيع، يقال لهما: المتبايعان، على المجاز والعبرةبها إذا اجتمعت مع المجاز؛ والمعبرة بها إذا اجتمعت مع المجاز؛ واستدلوا بقول صلى الله عليه وسلم:(ولا يخل له ان يفارق صاحبه خشية؟ أن يستقبله)؛ رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه والحديث بتمامه أورده المؤلف في (الحسان) من هذا الباب.
واستدل على أهل هذه المقالة من خالفهم بما رؤى عن نافع في بعض طرق هذا الحديث: (فكان ابن عمر إذا بايع رجلا، فأراد ألا يقيله، قام فمشي هنيهة، ثم رجع إليه) فقالوا: نرى أن ابن عمر اشتب عليه حكم التفرق: أهو بالأبدان أم بالأقوال؟ فصنع صنيعه ذلك؛ احتياطا.
قلت: ومما يصح أن يكون سنادا لقولهم، ومؤيدا له أن هذا الحديث رواه جماعة عن نافع، منهم مالك ابن أنس، وهو أفقههم وأعلمهم بالحديث، لاسيما بحديث نافع عن ابن عمر، ولم ير مالك الخيار بعد تمام العقد، ولم يكن ليتهم نفسه، ولا ليتهم نافعا، وحاشاه أن يتهم أحدا من الصحابة فيما يرويه، فلو لم ير تأويل (83) الحديث على مصداق قوله، لم يذهب إلى ما ذهب، ولم يكن ليخالف حديثا صح عنده.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إلا بيع الخيار):
المراد منه عند من لا يرى خيار المجلس: خيار الشرط، وقد أنكر الخطابي على هذا التأويل (والجرح) القول بفساده، وقال:(الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، والأول إثبات الخيار؛ فلا يجوز أن يكون ما استثني عنه إثباتا بمثله)؛ وكأن هذا القول صدر عنه من غير روية؛ لأن في قوله: (ما لم يتفرقا).
[دليل ظاهرًا] على نفى الخيار بعد وجوب البيع؛ فوقع الاستثناء عن المعني المنفي، والاتصال بين الكلامين حاصل من الوجه الذي ذكرنا.
وأما تأويله عند من يقول بخيار المجلس: أن بخيره قبل التفرق عن المجلس؛ فيقول له: (أختر) فبعد الاختيار، لا يبقي له خيار، وإن لم يتفرقا بأبدانهما وفي بعض طرق هذا الحديث، من كتاب البخاري (أو يكون البيع خيارا) وإنما شرعنا في تقرير ما سبقنا بتقريره حسين أردنا تفسير قوله:(إلا بيع الخيار) ولم نر أن نعطى فيه البيان حقه، إلا بتقديم ما يمهد قاعدة البيان، ولقد بقيت علينا بقية من بيان ما يوجبه اختلاف الروايات في هذا الحديث، لاسيما في كتاب البخاري من اختلاف المعاني، رأينا الإضراب عنها؛ حذرا عن الإسهاب.
ونحن تصدينا لشرح أحاديث كتاب (المصابيح)؛ فلا نرى أن نتعداها إلى غيره، إلا عن ضرورة، مع أن هذا الحديث على السياق الذي أورده المؤلف أحق الروايات بالتقديم؛ لأنها أكثر وأقوم.
[1973]
ومنه: حديثه الآخر قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني أخدع في البيوع؟ فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابة).
ذهب بعض العلماء: إلى أنه خاص في أمر ذلك الرجل، وهو حسبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني- رضي الله عنه.
وذهب بعضهم إلى أنه عام في كل صفقة بين فيها الغبن.
وأكثر العلماء: على أن البيع إذا صدر عن المتابعين عن رضى، وكانا ممن يصح تصرفاتهم، فإنه صحيح لا مرجع فيه بعلة الغبن.
وتأويل الحديث على ذلك أن نقول: لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول ليتلفظ به عند البيع؛ فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيها؛ فيمتنع بذلك عن مظان الغبن، ويرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك الزمان أحقاء بأن يعينوا أخاهم المسلم، وينظروا له أكثر ما ينظرون لأنفسهم [84].
والخلابة: مصدر قولك: خلبت الرجل: إذا خدعته.