الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سعرًا. وقوله: (الله المسعر) أي: أن ذلك إلى الله، وقد فسر الكلام بما بعده، القول بالقابض الباسط الرازق، وفي ذلك أشد النهي عن التسعير؛ لأن ما تولاه الله بنفسه، ولم يكله إلى العباد، لم يكن لهم أن يتكلفوا فيه، ولو فعلوا لم يزدهم ذلك إلا ضيقا وشدة، عقوبة لهم على معارضة الله في قضاياه- سبحانه- وقوله: (وإني لأرجو أن ألقي ربي
…
) إلى تمام الحديث، دليل على أن الذي يسعى في الحطيط في أسعار المسلمين، من غير رضي منهم- سلك مسلك الظلم.
باب
الإفلاس والإنظار
(من الصحاح)
[2054]
حديث أبي رافع- رضي الله عنه: (استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا .. الحديث) البكر: الفتي من الإبل، والأنثى بكرة، ويجمع على بكار وبكارة.
وفيه: (إلا جملا رباعيا) الرباعية: مثل الثمانية، السن التي بين الثنية والناب، يقال للذي يلقي رباعيته: رباع، مثل ثمان، فإذا نصبت أتممت قلت: ركبت حمارا رباعيا، ويقال ذلك لذوات الخف في السنة السابعة، ولم ير جمع من العلماء العمل بهذا الحديث؛ لحديث عبد الله بن عمر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، ثم لعدم وجود المثل فيه، ورأوا الوجه في حديث أبي رافع- رضي الله عنه أن ذلك كان قبل تحريم الربا، على ما سبق القول فيه، وعلى هذا يستتم الجمع بين الحديثين.
[2056]
ومنه حديث أبى هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) أتبع بفلان، أي: أحيل عليه، ومنه التبيع، وهو الذي لك عليه مال. وقوله:(إذا أتبع أحدكم ..) الحديث بمثابة قولك: إذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل، أي: ليقبل الحوالة، وملؤ الرجل: صار ملئا، بالهمز، أي ثقة، فهو غنى ملييء بين الملاءة والملاء، ممدوان.
[2057]
ومنه حديث كعب بن مالك، أنه تقاضي ابن أبى حدود
…
الحديث) تقاضى، أي: تقاضاه دينه، يقال: اقتضى دينه وتقاضاه بمعنى. وابن أبي حدرد هو: عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، وأبوه: أبو حدرد- أيضا- من الصحابة، وسامه: سلامة، وقيل: عبد، وقيل: عبيد.
[2058]
ومنه حديث سلمة بن الأكوع، قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجنازة، فقالوا: صل عليها
…
الحديث) امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المديون الذي لم يترك وفاء محتمل لوجهين.
أحدهما: التحذير عن الدين. والآخر: أنه كره أن يكون دعاؤه للميت موقوفا غير متلقي بالإجابة، وذلك أنه إذا سأل له المغفرة والتجاوز عن الذنوب، حال دونه حقوق الناس، وهذا أشبه، لأنه كان يفعل ذلك في أول الأمر، فلما فتح الله عليه الفتوح، كان يتولى الأداء عنه من مال الله الذي آتاه، ويصلي عليه، وكان يقول:(أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ..) الحديث أورده المؤلف في هذا الباب من رواية أبي هريرة.
[2066]
ومنه: ما روى أن معاذا كان يدان
…
الحديث) يدان- بتشديد الدال، فهو (افتعل) من: دان فلان يدين دينا: إذا استقرض وصار عليه دين، وهو دائن.
قال الشاعر:
ندين ويقضي الله عنا، وقد نرى .... مصارع قوم لا يدينون ضيعا
وهذا الحديث على ما فيه من الإرسال غير مستقيم المعني؛ لما فيه من ذكر بيع النبي صلى الله عليه وسلم مال معاذ من غير أن [حبسه] أو كلفه ذلك، أو طالبه بالأداء فامتنع، والذي يعرف من مذاهب زعماء النحل فيمن أحاطت به الديون، وطولب بها، وكان له مال، أنه يحبس بها حتى يبيع ماله فيها، وليس للحاكم أن يبيع شيئا من ماله بغير إذنه، أو يأمره الحاكم ببيع ماله [49 ب] فإن امتنع باعه الحاكم فيها، واستثنى بعضهم مما يباع من ماله داره التي لا غني به عنها في السكني وخادمه. والحديث لا يدل على شيء من هذه الأقسام، بل يدافعها، ولم يكن معاذ مع فضله وعلمه أن يمتنع من أمر يحكم به عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم ولا يحق أن يظن به ذلك، ولا بأحد ممن نال شرف الصحبة، قال الله تعالي:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} .
[2067]
ومنه حديث الشريد بن سويد الثقفي- رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) اللي: المطل، من قولك: لويت حقه: إذا دفعته به. والواجد: الغنى، من قولهم: وجد في المال وجدا ووجدا ووجدا، وجدة، أي: استغني، ويصح أن تكون من: وجد مطلوبه يجده وجودا، والمراد منه: الذي يجد ما يقضي به دينه، والأول أوثق لمطابقة الحديث الآخر:(مطل الغني ظلم) والمراد بتحليل العرض: ما يستوجبه من الملام، ويتوجه عليه من النسبة إلى الظلم، والتعيير بأكل أموال الناس بالباطل، وبتحليل العقوبة: حبسه دون الإلظاظ والامتناع.
[2068]
ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه لعلي- رضي الله عنه: (فك الله رهانك من النار، كما فككت رهان أخيك المسلم) فك الرهن: تخليصه، وفك الرقبة: عتقها. وفك الرقبة: عتقها. وفك الإنسان نفسه: أن يسعى فيما يعتقها من عذاب الله، والرهان: جمع رهن، والمراد من قوله هذا: هو أن
نفس المديون مرهونة بعد الموت بدينه، كما هي في الدنيا محبوسة به ومنه الحديث:(صاحب الدين مأسور بدينه) والمأسور هو الذي يشد بالإسار وهو القد، وكانوا يشدونه به، فسمي كل أخيذ أسيرا وإن لم يشد بالقد، يقال: أسرت الرجل أسرا وإسارا، فهو أسير ومأسور، والإنسان مرهون بعمله، قال الله تعالي:{كل نفس بما كسبت رهينة} وقال: {كل امريء بما كسب رهين} ، أي: مقيم في جزاء ما قدم من عمله، فلما سعى في تخليص أخيه المسلم عما كان مأسورا به من الدين؛ دعا له بتخليص الله نفسه عما تكون مرهونة به من الأعمال. ولعله ذكر الرهان بلفظ الجمع تنبيها على أن كل جزء من الإنسان رهين بما [كسب] أو لأنه اجترح الآثام شيئا بعد شيء، فرهن بها نفسه رهناً بعد رهن.