الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
الفصاحة والبلاغة
متى يكون النص الأدبي فصيحاً، ومتى يكون بليغاً؟
وللإجابة على هذين السؤالين، فإنه يجب معرفة كل من الفصاحة والبلاغة، وبيان المعيار السليم الذي به يكون النص الأدبي فصيحاً، والمعيار الذي به يكون النص الأدبي بليغاً، حتى يتسنى لنا تقويم هذا النص أو ذاك في ضوء ما يسفر عنه بحثنا لهذين المعيارين.
الفصاحة والبلاغة
ظلت طائفة من البلاغيين حتى عصر عبد القاهر الجرجاني، لا تفرق بين الفصاحة والبلاغة؛ لالتقائهما في الإبانة عن المعنى وإظهاره - وإن فرق بينها المعنى اللغوي.
ومن هؤلاء عبد القاهر الجرجاني نفسه؛ فإنه لم يكن يفرق بين المعنيين؛ فقد فسر الفصاحة - في "دلائل الإعجاز" - بأنها "خصوصية في نظم الكلم، وضم بعضها إلى بعض على طريق مخصوصة (1) ".
ولكن طائفة أخرى من البلاغيين كانت تصر على التفريق بين المعنيين؛ وفاءً بحق المعنى اللغوي لكل منها.
(1)
…
دلائل الإعجاز صـ 26.
ومن هؤلاء: أبو هلال العسكري المتوفى سنة 395 هـ؛ فقد فرق بينهما بأن الفصاحة مقصورة على اللفظ والبلاغة مقصورة على المعنى (1).
إلى أن حسم هذا الأمر معاصر عبد القاهر، ابن سنان الخفاجي المتوفى سنة 466 هـ، في كتابه "سر الفصاحة" فقد فرق بينهما بأن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ، ولكن البلاغة لا تكون إلا وصفاً للألفاظ مع المعاني؛ فلا يقال في كلمة واحدة لا تدل على معنى يفضل عن مثلها: بليغة؛ وإن قيل فيها: فصيحة؛ فكل كلام بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغاً (2).
ولهذا كان ابن سنان أول بلاغي يحدد الفرق بين الفصاحة والبلاغة؛ وظل هذا التحديد شائعاً بين المتأخرين من البلاغيين (3).
والفصاحة في اللغة هي الظهور والبيان، ومنها: أفصح اللبن إذا انجلت رغوته، وفصح فهو فصيح، قال الشاعر:
وتحت الرغوة اللبن الفصيح
ويقال: أفصح الصبح إذا بدا ضوؤه، وأفصح كل شيء إذا وضح، وفي الكتاب العزيز:{وأَخِي هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش (4) ".
(1)
…
الصناعتين صـ 8.
(2)
…
سر الفصاحة لابن سنان صـ 49.
(3)
…
بغية الإيضاح صـ 21.
(4)
…
سر الفصاحة صـ 49.