‌إن أسرار بلاغة المجاز العقلي - كما تصورها الإمام عبد القاهر - تتمثل فيما يلي: - النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق

وسوف نحاول أن نفصل لك شيئًا من هذا الذي أجمله عبد القاهر فنقول:

‌

‌إن أسرار بلاغة المجاز العقلي - كما تصورها الإمام عبد القاهر - تتمثل فيما يلي:

‌

‌1 - سعة الخيال:

وذلك لأن كل صورة من صور المجاز العقلي تثير في النفس خيالًا طريفًا متمثلًا في صدور الأفعال من غير فاعليها؛ ومثال ذلك: أن تتخيل التجارة نفسها تربح وتخسر؛ كما في قوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} ؛ وكأن تتخيل الضرب نفسه يحمي النساء؛ كما في قول الفرزدق، (يحمي إذا أخترط السيوف - أساءنا ضرب) وكأن تخيل النهار يصوم والليل يقوم في قولهم:"نهاره صائم وليلة قائم"، وكأن تتخيل الإبل إقبالًا وإدبارًا: في قول الخنساء:

ترتع مارنعت حتى إذا أدكرت

…

فإنما هي إقبال وإدبار

وهكذا.

‌

‌2 - المبالغة:

وذلك لأنك إذا قلت: (رضيت عيشته) فإنك تكون قد بالغت في وصف الرجل بالرضا، حتى إن هذا الرضا قد زاد حتى عم العيشة نفسها، فاتصفت به وإذا قلت:(صام نهاره، وقام ليله) كنت قد بالغت في وصف الرجل بالصيام حتى إن هذا الصيام قد عم النهار نفسه، فاتصف به وكنت - أيضًا - قد بالغت في وصف الرجل بالقيام حتى إن هذا القيام قد عم الليل نفسه فاتصف به.

وإن قلت (يجرى النهر) كنت قد بالغت في وصف الماء بالجريان حتى عم الجريان النهر بضفافه ومائه وكل ما يحتويه، وليس الماء وحده، أي أنك قد بالغت، فجعلت النهر بحملته ماء يجري.