الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - الالتفات
هو من قولهم، التفت وجهه عنه صرفه، والتفت التفاتاً، والتفت أكثر منه، قال الحماسي (1):
تلفت نحو الحي حتى وجدتني
…
وجعت من الإصغاء ليتا وأخدها
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني
…
على كبدي من خشية أن تصدعا
الليث: صفحة العنق، والأخدع: عرق فيها.
لما حان فراق الشاعر صار يكثر من الالتفات جهة الحي الذي يضم بين جنباته حبه وهواه، حتى وجد نفسه موجوع الليث والأخدع، لدوام التفاته تحسرا على ما فاته من أحبة وديار، ولكنه عندما يتذكر أوقاته بالحي وما كان بينه وبين أحبته من أسباب الوصال، ينثني على كبده فيقبض عليها خشية تشققها من موضعها شوقاً إلى أحبابها.
فقد تلفت الشاعر تلفتاً، أو التفت التفاتاً كثيراً، ولكنه - كما نرى - التفات لغوي، وليس التفاتاً بلاغياً، لأنه لا يعدو أن يكون انصراف وجهه من جهة إلى أخرى، ولهذا وجعت صفحة عنقه.
وأم الالتفات البلاغي فلا تظن أن أحداً قد سبق الأصمعي المتوفي سنة 216 هـ في إطلاق هذه التسمية عليه، فقد قال ابن رشيق:(2) وحكى
(1) ديوان الحماسة لأبي تمام 2/ 56.
(2)
العمدة 2/ 44 والصناعتين 381.
عن إسحق الموصلي أنه قال: قال الأصمعي: أتعرف التفاتات جرير؟ قلت: وما هي؟ فأنشدني:
أتنسى إذ تودعنا سليمي يعود بشامة؟ سقى البشام!
ثم قال: أما تراه مقبلاً على شعره، إذ التفت إلى البشام فدعاله؟
وأدرك أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى 208 هـ الالتفات، ولكنه لم يسمه إذ قال في مقدمة كتابه "مجاز القرآن": ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد ثم تركت وحولت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} أي بكم، ومن مجاز ما جاء خبراً عن غائب ثم خوطب الشاهد، قول الله تعالى:{ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} .
وتبعه المبرد المتوفي 285 هـ إذ يقول تعليقاً على قول الأعشى:
وامتعني على العشا بوليدة فأبت بخير منك باهوذ حامداً
فإنه كان يتحدث عنه ثم أقبل عليه يخاطبه، وترك تلك المخاطبة والعرب تترك مخاطبة الغائب إلى مخاطبة الشاهد، ومخاطبة الشاهد إلى مخاطبة الغائب وساق لذلك أمثلة من القرآن ومن الشعر، ثم قال: وهذا كثير جداً.
ولكن أول من عرف الالتفات تعريفاً يكاد يقرب من تعريف المتأخرين هو: عبد الله بن المعتز المتوفي 274 هـ فقد قال في تعريفه: "هو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، وعن الإخبار إلى المخاطبة، وما يشبه ذلك، ومن الالتفات: الانصراف عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر".
ولكنه قد وسع دائرة الالتفات - كما ترى - فجعله شاملاً لشيئين:
الأول: ما عرف بالالتفات عن المتأخرين. والثاني: نوع من الاعراض كالذي سماه الأصمعي: التفاتات جرير - وقد أسلفناه لك.
(21 - النظم البلاغي)
وجاء ضياء الدين بن الأثير المتوفي 637 جعله شاملاً لأنواع ثلاثة:
الأول: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة.
والثاني: الالتفات من المستقبل إلى فعل الأمر ومن الماضي إلى الأمر.
والثالث: الالتفات من الماضي إلى المستقبل، ومن المستقبل إلى الماضي.
ولكن أبا يعقوب السكاكي المتوفي 626 هـ قصره على الانتقال بين التكلم والخطاب والغيبة، فقال:"التكلم والخطاب والغيبة - مطلقاً - بنقل كل واحد منها إلى الآخر" ثم قال: "ويسمى هذا التفاتاً عند علماء المعاني".
فلما كان الخطيب القزويني المتوفي 729 هـ ذكر أن المشهور عند البلاغين - في تعريف الالتفات -: "التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة - التكلم والخطاب والغيبة - بعد التعبير عنه بطريق آخر منها" وأن هذا التفسير أخص من تفسير السكاكي، لأنه أراد بالفعل، "أن يعبر عنه بطريق من هذه الطرق عما عبر عنه بغيره، أو كان مقضي الظاهر أن يعبر عنه بغيره منها".
وسوف نسير في تطبيقنا النصوص الأدبية على ما هو مشهور عند جمهور البلاغين، لأن ما اعتبره السكاكي التفاتاً، إنما هو في حقيقته تجريد، لأن الشاعر - مثلاً في قوله "طحا بك قلب) قد جرد من نفسه حقيقة مثلها وخاطبها، فالضمير واقع في محله (1).
(1) شروح التلخيص 1/ 472.