الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعريف بالإضافة:
قالوا: إن التعريف المسند إليه بالإضافة يكون لأنه ليس للمتكلم إلى إحضاره في ذهن السامع طريق أخصر منها، وذلك إذا كان المقام يقتضي الإيجاز والاختصار، لفرط السآمة وضيق الصدر لحزن أو ألم.
وشاهدهم على ذلك قول جعفر بن علبة الحارثي، وهو سجين بمكة، وكان قد قتل واحداً من بني عقيل فسجن، وجاءه ركب من اليمن - وفيهم محبوبته - فعزم الراكب على الرحيل فقال:
هواي مع الراكب اليمانين مصعد
…
جنيب وجثماني بمكة موثق
عجبت لمسراها وأنى تخلصت
…
إلى وباب السجن دوني مغلق
ألمت فحيت، ثم قامت فودعت
…
فلما تولت كادت النفس تزهق
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم
…
لشيء ولا أني من الموت أفرق
ولا أن نفسي يزدهيها وعهدهم
…
ولا أنني بالمشي في القيد أخرق
ولكن عرتني من هواك ضمانة
…
كما كنت ألقى منك إذ أنا مطلق
الركب: ركبان الإبل خاصة، اليمانيون: المنسوبون إلى اليمن، المصعد: المبعد. جنيب: مجنوب مستتبع. الجثمان: البدن. الموثق: المقيد مسراها: مسرى خيالها، ليصح التعجب منه. ألمت: من الإلمام وهو الزيارة. تخشعت: تكلفت الخشوع. أفرق: أخاف. زهوق النفس: ذهابها. يزدهيها: يستخفها. الأخرق: القليل الرفق بالشيء. الضمانة: الزمانة.
يقول الشاعر - تحسراً على ما هو فيه من السجن وابتعاد حبيبته -: إن من أهواها مع الركب المسافر إلى اليمن مبتعدة عني وأنا سجين مقيد بمكة، ليس في استطاعتي أن أودعها ولا أن أتزود منها بنظرة واحدة،
وقد زارني خيالها في السجن ليلاً، فعجبت له، كيف استطاع أن يخترق أسوار هذا السجن وبابه مغلق دوني؟ ! لقد زارني خيالها فحياني وودعني، فلما ذهب عني كادت نفسي تذهب بذهابه!
ثم التفت إلى محبوبته قائلاً: فلا تحسبي أنني خضعت بعدكم لشيء، ولا أنني أخاف الموت، ولا أن نفسي يستخفها تهديد القوم الذين حبست من أجلهم، ولا أنني ضجرت بالمشي في القيد، فأنا كالعهد بي: شجاع أبي صبور.
ولكن عراني من حبك ضعف مزمن شبيه بالذي كنت ألقاه منك وأنا طليق متمتع بنسيم الحرية.
والشاهد في الأبيات قوله: (هوي) حيث عرف المسند إليه بالإضافة لأنها أخصر طريق إلى إحضاره في ذهن السامع لفرط السآمة وضيق صدر الشاعر.
وقد أطلق الشاعر الهوى على المهوى مجازاً، أي الذي أهواه.
ولعل في التعبير بقوله: (هواي مع الركب) ما يفيد قوة تعلقه بذلك الركب الذي سار وفيه جزء من الشاعر لا ينفك عنه! وكلما سار الركب كلما شد هذا الجثمان المقيد بمكة فزاد من وجده.
وفي التعبير "بالجثمان" ما يوحي بأن روحه هي الأخرى قد سارت مع الركب متعلقة بمحبوبته فظل هو بمكة جثماناً بلا روح!
وقد يكون الغرض من تعريف المسند إليه بالإضافة، إغناؤها عن تفصيل متعذر، وذلك كما في قول مروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة (1):
(1) العمدة، ج 2، ص 142.
(17 - النظم البلاغي)
بنو مطر يوم اللقاء كأنهم
…
أسود لها في غيل خفان أشبل
هم يمنعون الجار حتى كأنما
…
لجارهم بين السماكين منزل
بهاليل في الإسلام سادوا ولم يكن
…
كأولهم - في الجاهلية - أول
هم القوم: إن قالوا أصابوا وإن دعوا
…
أجابوا، وأن أعطوا أطابوا وأجزلوا
ولا يستطيع الفاعلون فعالهم
…
وإن أحسنوا - في الغائبات - وأجملوا
(بنو مطر) هم قوم معن بن زائدة. والغيل: الشجر الكثير الملتف. وخفان: مأسدة قرب الكوفة. الأشبل: أولاد الأسود. بها ليل: كرام. السماكان: نجمان نيران في السماء.
فالشاعر يصف قوم معن بأنهم شجعان، كأنهم أسود نجبت أشبالاً، وأن جارهم عزيز المكانة، حتى كأنهم يسكنونه السماء، وأنهم كرام، سادوا في الجاهلية، وأنهم القوم حقاً، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، لأنهم إن قالوا أصابوا كبد الحقيقة، وإن دعوا أجابوا دعوة الداعي، وإن أعطوا أحسنوا العطاء وأجزلوه، وأنهم فاقوا كرام الناس في فعالهم، فلا يستطيع أحد مجاراتهم.
والشاهد في الأبيات قوله: (بنو مطر) حيث عرف المسند إليه بالإضافة لأنها أغنت الشاعر عن تعداد قوم معن واحداً واحداً حتى يصفهم بما ذكره من الصفات، لأن ذلك أمر يتعذر عليه.
وقد لاحظت أن الشاعر قد أكد على أنهم (القوم)، أي الجديرون بإطلاق لفظ القوم عليهم، وكأن غيرهم من الأقوام ليسوا أهلاً لذلك، لأن الصفات التي ذكرها لهم قد ميزتهم عن غيرهم من الناس وجعلت منهم مثلاً عالياً في الفضائل والمفاخر.
ولهذا كان من المناسب إضافتهم إلى أبيهم، أصل هذه الفضائل والمفاخر كلها!
ومثله قول حسان بن ثابت يمدح الغساسنة قبل الإسلام:
لله در عصابة نادمتهم
…
يوما يحلق في الزمان الأول
يمشون في الحلق المضاعف نسجه
…
مشى الجمال إلى الجمال البزل
يسقون من ورد البريص عليهم
…
بردى يصفق بالرحيق السلسل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم
…
شم الأنوف من الطراز الأول
أولاد جفنة حول قبر أبيهم
…
قبر ابن مارية الكريم المفضل
جلق: دمشق، وبزل ناب البعير: شق، البريص: غوطة دمشق كثيرة الماء والشجر. بردى: نهر بسوريا. آل جفنة: ملوك من أهل اليمن كانوا قد استوطنوا الشام، وأراد بقوله:"حول قبر أبيهم" أنهم في مساكن آبائهم ورباعهم التي كانوا قد وروثوها عنهم.
فالشاعر يمدح الغساسنة الذين نادمهم قديماً، بأنهم شجعان بواسل، يسقون القادم إليهم من رحيق بردى العذب السلسبيل، وأنهم بها ليل كرام الأحساب، فيهم شمم وإباء. ثم قال:(أولاد جفنه).
فكأن الشاعر بعد أن وصفهم بما وصف من شجاعة، وكرم، وإباء، وطيب أصل، أراد أن يبين معدن هذه الصفات ومنبتها، وأنها جاءت من أصلهم الكريم، لأنهم أولاد جفنة.
ومن هنا تدرك سر تعريفهم بالإضافة، فقد اكتسبوا التعظيم من إضافتهم إلى (جفنة) وهذا السر يأتي بعد أن تكون قد عرفت أن الشاعر قد تعذر عليه تعدادهم لوصفهم بتلك الصفات.
ومن تعريف المسند إليه بالإضافة لإغنائها عن تفصيل متعذر قول عبد الله بن جذل في يوم برزه (1):
قتلنا مالكا فبكوا عليه
…
وهل يغني من الجزع البكاء؟ !
وكرزا قد تركناه صريعاً
…
تسيل على ترائبه الدماء
فإن تخرج لذاك بنو سليم
…
فقد - وأبيهم - غلب العزاء
فقد عرف الشاعر المسند إليه هو (بنو سليم) بالإضافة، لأنها أغنته عن تفصيل متعذر.
ومثله قول ضرار بن الخطاب الفهري - في يوم عكاظ (2):
وجاءت سليم تهز القنا
…
على كل سلهبة ضامر
…
وجئنا إليهم على المضمرات
…
بأرعن ذي لجب زاخر
…
فلما التقينا أذقناهم
…
طعانا بسمر القنا العائر
…
فقرت سليم ولم يصبروا
…
وطارت شعاعاً بنو عامر
السلهبة: الفرس الجسيمة. الأرعن: الجيش. اللجب: الصياح. السهم العائر: الذي لا يدري من أين يأتي. شعاعاً: متفرقين.
(1) أيام العرب، ص 320.
(2)
أيام العرب ص 326.
يقول الشاعر: إن قبيلة سليم قد جاءت متأهبة لقتالنا، فجئناهم بجيش لجب عظيم، فلما التقينا، وأذقناهم طعاننا. فر منا بنو سليم ولم يصبروا على قتالنا، وطار بنو عامر في إثرهم متفرقين.
والشاهد في الأبيات قوله: (وطارت شعاعاً بنو عمر)، فقد عرف المسند إليه - وهو بنو عامر - بالإضافة لأنها أغنت الشاعر عن تفصيل متعذر لأفرد هذه القبيلة.
ومن تعريف المسند إليه بالإضافة لإغنائها عن تفصيل معتذر: قول قريط بن أنيف، لما أغار عليه الناس من بني العنبر، فاستنجد قومه فلم ينجدوه، فأتى بني مازن فأنجدوه (1):
لو كنت من مازن فلم تستبح إبلي
…
بنو اللقيط من ذهل بن شيبانا
إذا لقام بنصري معشر خش
…
عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
…
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
…
طاروا إليه زرافات ووحدانا
…
لا يسألون أخاهم حين يفديهم
…
في الغائبات على ما قال برهانا
لكن قومي - وإن كانوا ذوى عدد
…
ليسلوا من الشر شيء وإن هانا!
الخش: جمع أخش: الصعب الذي لا يلين. والحفيظة: الغضب في الشيء يجب عليك حفظه، واللوثة: الضعف مع اللين. إبداء الشر لناجذيه: مثل بضرب لشدته وصعوبته. والزرافات الجماعات. يندبهم: يدعوهم.
(1) ديوان الحماسة لأبي تمام، ج 1، ص 13.
يقول الشاعر: لو كنت من قبيلة مازن لما أغار بنو ذهل على إبلي واستأصلوها أخذاً ونهباً، ولو كان ذاك لقام بنصري قوم صعاب أشداء يدفعون عني ويأخذون بحقي ممن اعتدى علي وظلمني إذا لان ذو الضعف ولم يدفع ضيماً ولم يحم حقيقة، فهم قوم يقومون على المكاره، ويسرعون إلى الشدائد؛ فلا يتكل بعضهم على بعض؛ بل كل يرى أنه حقت عليه الإجابة؛ فيسرعون مجتمعين ومتفرقين؛ فإذا دعاهم داع لنصره على أعدائه أسرعوا إلى الحرب ولم يسألوا عن سببها؛ ولا يتعلون كما يتعلل الجبناء؛ لكن قومي لا يلجون باب الشر - وإن كان هيناً - فهم جبناء.
والشاهد في الأبيات قوله: (قومي) حيث عرف المسند إليهم وهم قوم الشاعر؛ بإضافتهم إليه؛ لأن هذه الإضافة قد أغنته عن تفصيل متعذر لقومه.
ولعلك تلحظ معي نبرة التحسر التي تنبع من إضافة قوم الشاعر إلى نفسه حيث خذله قومه، ونصره الغرباء!
وقد لا يكون التفصيل .. في المسند إليه متعذراً، ولكن يمنع منه خشية الملل والسآمة؛ فيؤتى بالمسند إليه معرفاً بالإضافة لهذا الغرض، وذلك كما في قول الشاعر:
قبائلنا سبع؛ وأنتم ثلاثة
…
والسبع خير من ثلاث وأكثر
فإن تعداد قبائله السبع؛ بأن يقول: قبيلة كذا، وقبيلة كذا، ليس متعذراً، ولكنه يوقع في السآمة والملل (1).
وقد ذكر الخطيب قول الحارث بن وعلة الجرمي:
قومي هم قتلوا - أميم - أخي
…
فإذا رميت يصيبني سهمي
(1) زهر الربيع، ص 32.
مثالاً للتعريف بالإضافة التي أغنت عن تفصيل مرجوح لجهة.
ومعنى أن التفصيل هنا مرجوح لجهة: أنه ليس تفصيلاً متعذراً، ولكن الذي منع من التفصيل أمر آخر رجح الإجمالي على التفصيل.
وقد تولى تفسير هذا الأمر العلامة الدسوقي في حاشيته (1)، فقال:"وإغناء الإضافة عن تفصيل تركه أولى لجهة، ككون التفصيل يقتضي ذماً، أو إهانة، أو خوفاً وإن أمكن التفصيل، كقوله: "قومي هم قتلوا - أميم - أخي .. ".
والحق ما ذكره الدكتور محمد أبو موسى، من أن هذه الإضافة وراءها معنى أكبر من هذا، لأنها ترشد إلى بشاعة جريمتهم، وترمز إلى ما في قلبه من الأسى، وأن الإضافة هنا إضافة القوم القاتلين إلى النفس الموجوعة بهذا القتل (2).
ويؤيد هذا القول أن ما بعد هذا البيت من أبيات القصيدة يوحي بهذا المعنى، استمع إلى بقية الأبيات (3):
فلئن عفوت لأعفون جللا
…
ولئن سطوت لأوهنن عظمي
لا تأمنن قوماً ظلمتهم
…
وبدأتهم بالشتم والرغم
أن يأبروا نخلاً لغيرهم
…
والشيء تحقره وقد ينمى
…
وزعمتم أن لا حلوم لنا
…
إن العصا قرعت لذي الحلم
…
ووطئتنا وطاً على حنق
…
وطء المقيد نابت الهرم
(1) حاشية الدسوقي (شروح التلخيص)، ج 1، ص 247.
(2)
خصائص التراكيب، ص 162.
(3)
ديوان الجماسة لأبي تمام، ج 1، ص 72.
وتركتنا لحماً على وضم
…
لو كنت تستبقي من اللحم!
فالشعار لم يخف من إبغار صدور قومه عليه، ولكنه يصور لنا مأساته، أو محنته تصويراً صادقاً، بأن الذين قتلوا أخاه هم من قومه، فإذا ما انتقم منهم فكأنه ينتقم من نفسه - لأن الرجل بعشيرته - كما يقولون - وإذا ما ترك الانتقام فقد صفح عن أمر عظيم، ثم قال متوعداً، إياك أن تأمن لمن بدأته بالشتم والإذلال، فقد تحقر الشيء في بدء أمره، ثم لا يلبث أن يزداد قوة واتساعاً في غايته.
وقد زعمتم أننا لا حلوم لنا، فإن كان الأمر كما زعمتم، فنبهونا أنتم. وهذا تهكم من الشاعر. ثم وجه حديثه إلى قاتل أخيه بالبيتين الأخرين بأنه قد بالغ في فعلته حتى بأنه لم يبق له شيئاً!
وفي معنى البيت الأول يقول أعرابي قتل أخوه ابناً له:
أقول للنفس تأسا وتعزية
…
إحدى يدين أصابتني ولم ترد
كلاهما خلف من فقد صاحبه
…
هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
فليست الإضافة في قول الشاعر (قومي) لتعذر تفصيل من قتلوا أخاه، ولا لأنه يخاف من أن يوغر صدورهم عليه، ولكن لأن الإضافة قد أفادت معنى يهز أوتار قلب الشاعر. وهو أن القائل ليس غريباً عنه.
وقد تتضمن الإضافة تعظيماً لشأن المضاف إليه، كما في قوله تعالى:"إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ" فقد عرف المسند إليه بالإضافة في قوله "عبادي" تعظيماً لشأن المضاف وهو العباد، بأنهم عباد رب الأرباب.
ومنه قول الله تعالى: "وأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ"(1)، فالإضافة إلى الله تعالى لشريف ما بعده لشريف.
وقد تتضمن تعظيماً لشأن المضاف إليه: كما تقول: "سيارتي في انتظاري" ففي الإضافة تعظيم لك بأن لك سيارة.
ومن هذا القبيل قول أبي فراس الحمداني مفتخراً (2):
إن الغني هو الغني بنفسه
…
ولو أنه عاري المناكب جافي
…
ما كل ما فوق البسيطة كافياً
…
وإذا قنعت فبعض شيء كافي
وتعاف لي طمع الحريص فتوتي
…
ومروءتي، وقناعتي، وعفافي
…
ما كثرة الخيل العتاق بزائدي
…
شرفاً، ولا عدد العوام الضافي
خيل - وإن قلت - كثير نفعها
…
بين الصوارم والقنا الرعاف
ومكارمي عدد النجوم، ومنزلي
…
مأوى الكرام، ومنزل الأضياف
فالشاعر يفتخر بعزة نفسه وعلو همته، ولهذا فإنه لا يعير وفرة المال، ولا كثرة السوام اهتماماً، ولكن الذي يهمه، ويعمل من أجله، ويسعى إليه، هو كل ما يزيد من عزة نفسه؛ ويرفع من قدرها، وذلك بكثرة المكارم ووفرة الفضائل، من الفتوى، والمروءة، والقناعة، والعفاف
(1) الجن: 19.
(2)
بقيمة الدهر، الثعالبي، ج 1، ص 48 ..
ولهذا فإنك تراه قد عرف هذه الفضائل بالإضافة إليه تعظيماً لشأنه في قوله: "فتوتي، ومروءتي، وقناعتي، وعفافي، ومكارمي".
ولعلك قد لاحظت الفرق بين الإضافة في قوله "منزلي" والإضافة في قوله "منزلي الأضياف"؛ حيث تضمنت الإضافة تعظيماً لشأن المضاف إليه في الأول، ولكنها قد تضمنت تعظيماً لشأن المضاف في الثاني فقد أضاف الشاعر المنزل إلى نفسه تعظيماً لها، بينما أضافه إلى الأضياف تعظيماً للبيت نفسه.
وقد تتضمن الإضافة تحقيراً لشأن المضاف، كما في قولك:"أخوا اللص قادم" ففي الإضافة تحقير للمضاف بأن أخاه لص. ومنه قول الله تعالى: "أَلا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ"(1)، فقد عرف المسند إليه بالإضافة تحقيراً لشأن المضاف.
وقد تتضمن تحقيراً لشأن المضاف إليه، كما تقول:"ضاربك قادم" فقد تضمنت الإضافة تحقيراً لشأن المضاف إليه بأنه أهين بالضرب.
ومما جمع فيه بين تحقير المضاف إليه وتعظيمه: قول جميل عبد الله بن معمر العذري (2):
أبوك حباب، سارق الضيف برده
…
وجدي - يا حجاج - فارس شمرا
بنو الصالحين الصالحون، ومن يكن
…
لآباء صدق يلقهم حيث سيراً
(1) المجادلة: 19.
(2)
ديوان الحماسة لأبي تمام، ج 1، ص 121.
فإن تغضبوا من قسمة الله حظكم
…
فلله - إذ لم يرضكم - كان أبصرا
أراد الشاعر أن يحقر من شأن الحجاج، فأضاف إليه أباه حباباً الذي اشتهر بنقيصة سرقة ثياب الضيف وأن يعظم من شأن نفسه، فأضاف إليه جده الذي اشتهر بالشجاعة وإباء الضيم؛ لأن الأبناء يتبعون آباءهم في الرفعة والضمة، فإن غضب الحجاج وقومه بذلك فليضربوا رءوسهم في الصخر، فتلك حكمة الله، وهو أدرى بخلقه!
وقد تتضمن الإضافة اعتباراً لطيفاً، كهذا الذي تجده في قول الشاعر:
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحره
…
سهيل: أذاعت غزلها في القرائب
الخرقاء: الحمقاء، وسهيل: بدل من كوكب: نجم يطلع في الشتاء سحراً.
فالشاعر يقول: إن المرأة الحمقاء لا تجتهد في إعداد الغزل في وقت الصيف، حتى إذا ما فوجئت بطلوع سهيل في مستهل الشتاء سحراً، وزعت غزلها على قريباتها ليساعدنها فيه.
والشاهد في البيت قوله: (كوكب الخرقاء) حيث عرف المسند إليه بالإضافة لاعتبار لطيف، وهو أن الإهمال أصبح من عادة هذه المرأة التي لا تفيق إلا على رؤية هذا النجم حتى كأنه قد خلق من أجلها، ولهذا أضيف إليها، ويسمون هذه الإضافة لأدنى ملابسه.
وقد تتضمن الإضافة: الحث على فعل الشيء، وذلك كأن نقول "محبك على الباب" تريد أو ترفقه، لكي يأذن له بالدخول: