المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها - النهر الفائق شرح كنز الدقائق - جـ ٣

[سراج الدين ابن نجيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العتق

- ‌باب العبد يعتق بعضه

- ‌باب الحلف بالدخول

- ‌باب العتق على جعل

- ‌باب التدبير

- ‌كتاب الإيمان

- ‌باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

- ‌باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

- ‌باب اليمين في الطلاق والعتاق

- ‌باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها

- ‌باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه

- ‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

- ‌باب حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌كتاب السرقة

- ‌باب قطع الطريق

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنائم وقسمتها

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌باب المستأمن

- ‌باب العشر والخراج والجزية

- ‌فصل في الجزية

- ‌باب المرتدين

- ‌باب البغاة

- ‌كتاب اللقيط

- ‌كتاب اللقطة

- ‌كتاب الآبق

- ‌كتاب المفقود

- ‌كتاب الشركة

- ‌فصل في الشركة الفاسدة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب خيار الشرط

- ‌باب خيار الرؤية

- ‌باب خيار العيب

- ‌باب البيع الفاسد

- ‌باب الإقالة

- ‌باب التولية

- ‌باب الربا

- ‌باب الحقوق

- ‌باب السلم

- ‌باب المتفرقات

- ‌كتاب الصرف

- ‌كتاب الكفالة

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره

الفصل: ‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

يؤخذ بالقصاص وبالأموال لا بالحد.

‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

شهدوا بحد متقادم سوى حد القذف لم يحد.

ــ

الذي لا والي فوقه (يؤخذ بالقصاص والأموال) لأن الحق استيفائها لمن له الحق فيكون الإمام فيه كغيره وعرف بهذا جواز استيفاء القصاص بدون قضاء القاضي، والقضاء إنما هو لتمكينه من استيفائه (لا) أنه شرط لا يؤاخذ (بالحد) لأنه حق الله تعالى وهو المكلف بإقامته وتعذر إقامته على نفسه لأن إقامته بطريق الجزاء والنكاح ولا يفعل ذلك أحد بنفسه ولا ولاية لأحد عليه ليستوفيه، قيل: ما المانع من أن يولي غيره الحكم فيه؟ لما يثبت عنده فإذا وجب عليه حق استوفاه ولا يخلص إلا بادعاء أن آية الزنا نفهم أن المخاطب فيه بالجلد الإمام أن يجلد غيره، قال في (الفتح): وقد يقال أين دليل إيجاد الاستنابة والله الموفق للصواب.

باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

قدم أن الزنا يثبت إما بالبينة أو الإقرار ثم ذكر في هذا الباب أسبابا ترد بها الشهادة كالتقادم، والاختلاف في الزمان والمكان، والجهل بالمزني بها ونحو ذلك، وكذا الرجوع عنها وكل هذه عوارض على خلاف الأصل فناسب تأخيرها وهذا أولى مما في (العناية) و (الدراية) و (فتح القدير) كما يظهر ذلك لمن راجعها (شهدوا بحد متقادم) فيه تساهل فإنهم إنما يشهدون بسبب الحد والتقادم صفة له في الحقيقة كذا وهو شهر في الأصح (سوى حد القذف لم يحد) لعدم الشهادة للتهمة وذلك / أن الشاهد مخير في الابتداء بين الستر والأداء فتأخيره إن كان ميلا إلى الستر [303/ب] فالإقدام على الأداء بعد ذلك لعداوة حركته، وإن لم يكن كان بالتأخير فاسقا بخلاف حد القذف لأن الدعوى فيه شرطا لما فيه من حقوق العبد فحمل التأخير على انعدام الدعوى، وأورد أنها شرط في السرقة أيضا ومع هذا لا تقبل الشهادة فيها بالتقادم.

وأجاب فاضي خان بأنها إنما لا تقبل لا للتهمة في الشهود بل للخلل في الدعوى، وذلك أن صاحب المال مخير في الابتداء فإذا أخر فقد اختار الستر فلم يبق له حق دعوى السرقة والحد بل حق دعوى المال فقط، إلا أن هذا يقتضي أن الشهود لو علموا بالسرقة فلم يعلموه حتى مضى شهر، فادعى تسمع الدعوى ولا تقبل الشهادة، واعلم أن جزمهم بفسقه ينافي ما جزموا فيه من أن أداها في الحدود قد انتسخ ويمكن أن يجاب بأنه بعد اختيار الأداء يصير واجبا كما في النوافل تجب بالشروع، كذا في (الحواشي السعدية).

ص: 143

ويضمن المال ولو أثبتوا زناه بغائبة حد بخلاف السرقة وإن أقر بالزنا بمجهولة حد وإن شهدوا عليه بذلك لا كاختلافهم في طوعها.

ــ

وقد يقال المنسوخ إنما هو تعين الأداء ولذا قال في (الفتح): إنه مأمور بأحد أمرين الستر أو الأداء احتسابا فأحد الأمرين واجب مخير كخصال الكفارة انتهى. قيد بالشهادة لأنه لو أقر بحد متقادم حد لانتفاء العلة إلا في حد الشرب عندهما خلافا لمحمد على ما سيأتي، ولا بد أن يكون التقادم لغير عذر فإن كان له كمرض أو بعد مسافة أو خوف طريق قبلت وحد (وضمن المال) المسروق، لأن التقادم لا يمنع دعوى المال ولأن تأخير الشهادة لتأخير الدعوى لا يوجب فسقا، وينبغي أنهم لو أخروا الشهادة لا لتأخير الدعوى أن لا تقبل في حق المال أيضا، كما في (فتح القدير).

قال في (البحر): وقولهم بضمان المال مع تصريحهم بوجود التهمة في شهادتهم مع التقادم مشكل لأنه لا شهادة للمتهم ولو بالمال إلا أن يقال: إنها غير محققة وإنما الموجود الشبهة، وبما قدمناه عن قاضي خان لا يحتاج إلى هذا في دفع هذا الإشكال (ولو أثبتوا زناه بغائبة حد) بإجماع الأربعة، وكذا لو أقر بالزنا بغائبة (بخلاف السرقة)، والفرق أن بالغائبة تنعدم الدعوى وهي شرط في السرقة للعمل في البينة وليست بشرط لثبوت الزنا عند القاضي، وبالحضور يتوهم دعوى الشبهة ولا معتبر بالموهوم لأنه شبهة الشبهة (وإن أقر) المكلف (بالزنا بمجهولة حد وإن شهدوا عليه بذلك) أي: بأنه زنا بامرأة لا يعرفها، أي: لا يحد لجواز أن تكون زوجته أو أمته بل هو الظاهر بخلاف الإقرار لأنه لا يخفى عليه من هي واحتمال أن تكون أمته بل هو الظاهر بخلاف الإقرار لأنه لا يخفى عليه من هي واحتمال أن تكون أمته بالميراث ولا يعرفها لا اعتبار به لأنه ثابت في المعروفة أيضا فإن قلت مقتضى التعليل الأول أن المشهود عليه لو قال: ليست بزوجتي ولا أمتي أن يحد مع أنه لا يحد أيضا، قلت: إنما لا يحد لجواز أن تكون أمة ابنه أو منكوحته نكاحا فاسدا إلا أن مقتضى هذا أنه لو قال: هي أجنبية عني بكل وجه أن يحد.

وفي (الخانية) لو قال الشهود بعد قولهم: لا نعرفها: هي فلانة (لا) يحد واحد منهما (كاختلافهم) أي: كما لا يحد في اختلاف الشهود (في طوعها) بأن شهد اثنان أنه أكرهها وآخران أنها طاوعته وهذا عند الإمام، قالا: يجب الحد على الرجل لاتفاقهم على أنه زنى غاية الأمر أن اثنين تفردا بزيادة جناية هي إكراهه، وله أن الزنا فعل واحد يقوم بهما وقد اختلف في جانبها فيكون مختلفا في جانبه ضرورة وهذا لأن شاهدي الزنا بطائقة ينفيان زناه بمكرهة، والآخران ينفيان زناه بطائفة فلم يتحقق على خصوص الزنا في الخارج بشهادة أربعة، وما قيل من أن شاهدي الطوعية لما

ص: 144

أو في البلد ولو على كل زنا أربعة ولو اختلفوا في بيت واحد حد الرجل والمرأة ولو شهدوا على زنا امرأة وهي بكر أو الشهود فسقة أو شهدوا على شهادة أربعة وإن شهد الأصول لم يحد أحد ولو كانوا عميانا أو محدودين أو ثلاثة حد الشهود.

ــ

اندرأ الحد عنهما صار اقاذفين لها بالزنا فصارا خصمين لها ولا شهادة للخصم لكن سقط الحد بشهادة الآخرين بالإكراه إنما يحتاج إليه على قولهما، أما على قول الإمام فلا يجب حد القذف على الشهود، نص عليه شمس الأئمة في (جامعة)(أو) كاختلافهم (في البلد) بابن شهد اثنان أنه زنى بها بالكوفة، وآخران أنه زنى بها بالبصرة والوجه فيه ظاهر ولا حد على الشهود أيضا خلافا لزفر، (ولو) كان (على كل زنا أربعة) كما إذا شهد أربعة أنه زنا بالبصرة وقت طلوع الشمس في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية، وأربعة أنه زنى بها بالكوفة في الوقت المذكور بعينه فلا حد عليهما لأنا تيقنا بكذب أحدهما.

قال في (الفتح): ولو تقارب المكان جازت شهادتهم / لأنه يصح كون الأمرين [304/أ] فيهما في ذلك الوقت لأن طلوع الشمس يقال لوقت ممتد امتدادا عرفيا إلا أنه يخص أوان ظهورها من الأفق، (ولو اختلوا) أي: الشهود (في بيت واحد) بأن شهد اثنان أنه زنا بها في زاوية منه وآخران أنه زنى بها في زاوية أخرى (حد الرجل والمرأة) استحسانا لإمكان التوفيق بأن يكون ابتداء الفعل في زاوية وانتهاؤه بأخرى إذ المراد به الصغير، أما بالبيت الكبير فكالدار قيد بالبيت لأنه لا حد في الاختلاف في دارين والاختلاف في طولها وقصرها وسمنها وهزالها وثيابها غير مانع للقبول، (ولو شهدوا على زنا امرأة وهي) أي: والحال أنها (بكر) أو رتقاء أو قرناء (أو) كان (الشهود فسقة أو شهدوا على شهادة أربعة وإن شهد الأصول) بعد ذلك (لم يحد أحد)، أما في الأولى فلظهور كذب الشهود وهذا لأن شهادة النساء بها حجة في إسقاط الحد وإن لم تكن حجة في إيجابه والواحدة تكفي، كما في (كافي) الحاكم، وفي كلامه إيماء إلى أنهم شهدوا عليه بالزنا فوجد مجبوبا فلا حد أيضا، وأما في الثانية فلا انتفاء الزنا لانتفاء العدالة، وأما في الثلاثة فلامتناع الشهادة على الشهادة في الحدود لما فيها من زيادة الشبهة وشهادة الأصول قد ردت من وجه برد شهادة الفروع، قال الشارح: هذا في الحدود، وأما الأموال فتقبل ولو ردت شهادة الأصول لم تقبل شهادة الفروع ولا الأصول بعده في كل شيء إن ردت لتهمة مع الأهلية، وإن ردت لعدمها تقبل بعد ثبوتها كالعتق والإسلام والله الموفق.

(ولو كانوا) أي: الشهود (عميانا أو محدودين) في قذف أو كان بعضهم كذلك (أو) كانوا (ثلاثة حد الشهود) لأنهم قذفة يعني إذا طلب المشهود عليه ذلك

ص: 145

لا المشهود عليهما ولو حد فوجد أحدهم عبدا أو محدودا حدوا وأرش ضربه هدر وإن رجم فديته على بيت المال فلو رجع أحد الأربعة بعد الرجم حد وغرم ربع الدية وقبله حدوا ولا رجم ولو رجع أحد الخمسة لا شيء عليه فإن رجع آخر حدا وغرما ربع الدية.

ــ

لأنه حقه (لا) يحد (المشهود عليه) لعدم ثبوت الزنا في حقه بشهادتهم، وقيد بالأعمى والمحدود دلال على أنه لا يحد لو كانوا عبيدا أو صبيانا أو مجانين أو كفارا بالأولى لأنهم ليسوا أهلا للتحمل ولا للأداء، أما الأعمى والمحدود فأهل للتحمل دون الأداء، (ولو حد) المشهود عليه (فوجد أحدهم عبدا أو محدودا) في قذف أو أعمى أو كافرا حدوا حد القذف لأن المشهود حينئذ أقل من أربعة (وأرش ضربه) ونفسه لو مات (هدر) عند الإمام، وقالا: إن جرحه الضرب أو مات فأرش جراحته ودية نفسه في بيت المال وعلى هذا الخلاف لو رجعوا فعنده لا يضمنون شيئا وعندهما يضمنون لهما أن الواجب مطلق الضرب إذ الاحتراز عن الجرح خارج عن الوسع فينتظم الخارج وغيره فيضاف إلى شهادتهم فيضمنون بالرجوع، وعند عدمه يرجع إلى بيت المال لأنه ينتقل فعل الجلاد إلى القاضي فهو عامل للمسلمين وله أن الواجب هو الحد، وهو ضرب مؤلم غير جارح ولا مهلك ولا يقع إلا لقلة هداية الضارب فاقتصر عليهن إلا أنه لا يجب الضمان عليه في الأصح لئلا يمتنع الناس عن الإقامة، (وإن رجم) فظهر أحدهم كما ذكر (فديته في بيت المال) اتفاقا.

(ولو رجع أحد الأربعة بعد الرجم حد) لانقلاب شهادته بالرجوع قذفا (وغرم ربع الدية) لأن الذي تلف بشهادته إنما هو ربع الحق ول1الو رجع الكل حدوا وغرموا الدية، ولو ثبت عليه الزنا مرتين كل واحدة بأربعة فرجم، ثم رجع الفريقان ضمنوا الدية إجماعا ويحدون للقذف عندهما خلافا لمحمد (و) إن رجع (قبله) أي: الرجم سواء كان قبل القضاء أو بعده (حدوا)، أما إذا كان قبل القضاء فهو قول علمائنا الثلاثة لأنهم صاروا قذفة، وأما إذا كانوا بعده فهو قولهما وقال محمد: يحد الراجع فقط لأن الشهادة تأكدت بالقضاء فلا تنفسخ إلا في حق الراجع ولهما أن الإمضاء من القضاء ولذا يسقط الحد عن المشهود عليه والله الموفق.

(ولو رجع أحد الخمسة لا شيء عليه) سواء كان قبل القضاء أو بعده لأن ثمة من يبقي شهادته كل الحق والله أعلم، (فإن رجع آخر حدا) لأن شهادتهما حينئذ تنفسخ قذفا لعدم تمام بقاء الحجة لأن الرجوع الثاني هو الموجب للحد، (وغرما ربع الدية) لأنه بقي من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق إذ المعتبر في قدر لزوم الغرامة بقي من بقاء لا رجوع من رجع، وفي قوله: غرما إيماء إلى أن الرجوع بعد الرجم.

قال في (الحاوي القدسي): ولو رجع الثالث كان عليه ربع الدية وكذا الثاني

ص: 146

وضمن المزكون دية المرجوم إن ظهرا عبيدا كما لو قتل من أمر برجمه فظهرا كذلك وإن رجم فوجدوا عبيدا فديته في بيت المال وإن قال شهود الزنا: تعمدنا النظر قبلت شهادتهم.

ــ

والأول ولو رجع الخمسة ضمنوا الدية أخماسا (وضمن المزكون) برجوعهم وطواه اكتفاء بدلالة ضمن (دية / المرجوم إن ظهروا) أي: الشهود (عبيدا) أي: غير أهل [304/ب] للشهادة عند الإمام بأن قالوا بعد قولهم هم أحرار مسلمون تعمدنا الكذب لعلمنا بأنهم ليسوا كما قلنا: وأوجبناها على بيت المال لأنهم إنما أثبتوا على الشهود خبرا فصار كما إذا أثبتوا على المشهود عليه خيرا بأن شهدوا بالإحصان فظهر بعد رجمه أنه غير محصن فإنهم لا يضمنون، فكذا المزكون وله أن الشهادة إنما تصير حدة بالتزكية فكانت في معنى علة العلة فيضاف الحكم إليها بخلاف شهود الإحصان لأنه محض الشرط قيد بالرجوع، لأنه لو ثبتوا على التزكية، وقالوا: أخطأنا: كانت الدية في بيت المال اتفاقا وبالتزكية لأنهم لو أخبروا بأنهم عدول وظهروا عبيدا لم يضمنوا اتفاقا إذ ليس هذه بتزكية والخطأ مضاف إلى القاضي لاكتفائه بهذا القدر، (كما لو قتل من أمر برجمه) رجل (فظهروا كذلك) أي: عبيدا فإن القاتل يضمن الدية استحسانا في ثلاث سنين لأن القضاء وقت القتل كان صحيحا ظاهرا فأورث شبهة قيد بأمره لأنه لو قتل قبله كان على القاتل القصاص في العمد والدية على عاقلته في الخطأ، وظاهر أن المراد بالأمر هو الكامل وهو أن يكون بعد استيفاء ما لا بد منه، أما لو كان ناقصا بأن كان قبل تعديل الشهود خطأ منه وجب القصاص في العمد، والدية في الخطأ وقيد بالمأمور برجمه لأن المأمور بقتله قصاصا لو قتل وجب القصاص بقتله ظهر الشهود عبيدا أو لا نص عليه الشارح في الدية.

(وإن رجم) بالبناء للمفعول ليناسب قتل أي من أراد قتله، أي: المأمور بقتله وإنما رجم (فظهروا عبيدا فديته في بيت المال) لأنه امتثل أمر الإمام فنقل فعله إليه، كذا في (الهداية) وهذا يقتضي بناء رجم للفاعل يعني في كلام المصنف، كذا في (البحر) وفيه نظر إنما ضبطه الأساتذة في كلام صاحب (الهداية) بالبناء للفاعل ليرجع ضميره إلى الرجل في قوله: فضرب رجل عتقه.

قال في (غاية البيان): ويجوز ن يبنى للمفعول أيضا، وفيه دلالة ظاهرة على مطابقة التعليل لهما إنما الكلام على الأنسب، وأنت قد علمت أن نسبة هذا الثاني لما في (المختصر) والأول لما في (الهداية) (وإن قال شهود الزنا: تعمدنا النظر) إلى الفرج (قبلت شهادتهم) لأنه يباح لهم للحاجة لتحمل الشهادة فأشبه الطبيب والقابلة والختان ونحوهم.

ص: 147

ولو أنكر الإحصان فشهد عليه رجل وامرأتان أو ولدت زوجته منه رجم.

باب حد الشرب

من شرب خمرا فأخذ وريحها موجود.

ــ

(ولو أنكر) الزاني (الإحصان) أي: اجتماع شرائطه المتقدمة فيه كأن أنكر النكاح والدخول فيه والحرية (فشهد عليه رجل وامرأتان) وكيفية الشهادة بالدخول أن يقول: تزوج امرأة وجامعها أو باضعها، وكذا لو قالوا: دخل بها عندهما خلافا لمحمد لأنه مشترك بين الوطء والزنا والخلوة والزيادة، وأفهم كلامه أنه تقبل فيه الشهادة على الشهادة، وعن الثاني أنه لو شهد على إقراره به شاهدان لا يحد، وفي (المحيط) تزوجها بلا ولي ودخل بها، قال الثاني: لا يكون محصنا لأن هذا النكاح غير صحيح قطعا لاختلاف العلماء والأخبار فيه.

(أو ولدت زوجته منه) ولدا قبل الزنا وقد أنكر الدخول بها واعترف بباقي الشرائط (رجم) لأن الإحصان عبارة عن الخصال الحميدة وهي مانعة من الزنا فلا تكون في معنى العلة لأن أدنى درجاتها أن تكون مفضية إلى المعلول، والحكم بإثبات النسب حكم بالدخول واستشكل كونه ليس في معنى العلة للحد بأنه لو أقر بالإحصان ثم رجع عنه صح رجوعه وتقبل البينة عليه حسبة، وأجيب بأنه إنما يصح رجوعه لأنه مكذب له بخلاف الدين وصحت الحسبة به لأنه من إظهار حق الله تعالى، والمانع من شهادة النساء ليس هو هذا، والله الموفق للصواب.

باب حد الشرب

قدم حد الزنا لأن حرمته أشد لما أنه بمنزلة القتل ولذا قرن به في قوله سبحانه: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} (الفرقان: 68) الآية، ثم ذكر حد الشرب وأخر عنه حد القذف للتقيد بسببه بخلاف القذف لأنه قد يصدق فيه وأخر حد السرقة وإن كان أشد لأن شرعيته لصيانة الأموال وصيانة الأنساب والعقول والأعراض مقدمة (من شرب الخمر) وهي التي من ماء العنب إذا غلا اشتد وقذف الزبد فإن لم يقذف فليس [305/أ] بخمر عند الإمام خلافا لهما وبقولهما أخذ أبو حفص / الكبيرن كذا في (الخانية) وفيما لو خلطه بالماء فإن كان مغلوبا حد، وإن الماء غالبا لا يحد إلا إذا سكر.

وفي (المنية) لو قال لهم: إعلم بتحريمها حد (فأخذ) إلى الحاكم، (وريحها) أي: والحال أن ريحها أي: الخمر (موجود)، وفي (الهداية) موجودة وهو الحق لأن الريح من الأسماء المؤنثة سماعا كما في (غاية البيان) كذا في (البحر) انتهى.

ص: 148

أو كان سكران ولو بنبيذ وشهد رجلان أو أقر مرة حد.

ــ

وأقول: يجوز أن يكون ذكر الخبر على معنى الشم أي وشم ريحها موجود كما قيل في قوله عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمن كمثل الأرجة طعمها طيب وريحها طيب) إلا أن في الحديث استعارة لا تخفى (أو كان) أي وجد المأخوذ حال كونه (سكران ولو) كان سكره (من نبيذ) محرم من الأنبذة الأربعة، كذا في (الشرح) وهذا قولهما وقال محمد: ما أسكر كثيره فقليله حرام وهو نجس أيضا.

قالوا: وبقول محمد نأخذ، وفي طلاق (البزازية) لو سكر من الأشربة المتخذة من الحبوب والعسل المختار في زماننا لزوم الحد انتهى. ولو حمل قول المصنف ولو من نبيذ على كل لكان أولى ولم يقل أخذ وريحها موجود اكتفاء بالسكر لاستلزامه ذلك (وشهد) عليه (رجلان) بالشرب بعد أن ثبت عند القاضي أن الريح قائمة حال الشهادة بأن شهدا به أيضا أو بالشرب فقط فيأمر القاضي باستنكاهه ليخبر بوجود الرائحة، فإن زالت لبعد المسافة فلا بد من شهادتهما بالشرب أن يقولا: إخذناه وريح الخمر موجودة، وفي غير الخمر لا بد أن يشهدا بأنه سكر من غيرها مع وجود رائحة ذلك المسكر.

قال في (الخانية): ثم يسألهم عن الخمر ما هي؟ وكيف شرب؟ ومتى شرب؟ وأين شرب لجواز أن يكون مكرها أو شهدا مع التقادم أو أنه شرب في دار الحرب فإذا بينوا ذلك حبسه حتى يسأن عن عدالتهم انتهى. واستغنى المؤلف عن السؤال عن الخمر وعن الزمان والمكان بقوله: أخذ وريحها موجود وصرح بكونه طائعا نعم يحتاج عن السؤال عن الزمان على قول محمد كما سيأتي، ولو اختلفا في الزمان أو شهد أحدهما أنه سكر من الخمر، والآخر أنه سكر من السكر لم يحد، كذا في (الظهيرية).

(أو أقر) بأنه شرب الخمر أو سكر (مرة) رد لقول الثاني من أنه لا بد من إقراره مرتين اعتبارا بالشهادة وفيه إيماء إلى أنه لو شهد أحدهما أنه شربه والآخر على إقراره بذلك لم يحد (حد) لقول ابن مسعود فيمن شرب الخمر: (ترتروه ومزمزوه ثم استنكهوه فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه). والتلتلة التحريك الشديد، والمزمزة التحريك بعنف، والاستنكاه طلب النكهة، كذا في (المستصفى) وقال عليه الصلاة والسلام في السكران:(إن سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدو ثم إن سكر فاضربوا عنقه بالسيف) رواه أحمد قال الترمذي: وقد كان القتل في أول الأمر ثم نسخ، وقالت الظاهرية: إنه يقتل في الرابعة.

ص: 149

إن علم شربه طوعا وصحا فإن أقر أو شهدا بعد مضي ريحها لا لبعد المسافة أو وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها أو رجع عما أقر أو أقر سكران بأن زال عقله.

ــ

قال العيني: وما أحسن هذا في هذا الزمان، لو يفتى به (إن علم شربه طوعا) بأن شهدا بذلك، ولو لم يشهد بذلك لم يقبل وخرج به ما لو كان مكرها أو مضطرا، ومن الشرائط أن يكون مسلما حتى لو ارتد فشرب خمرا أو سكر من غيره فاسلم لا يحد، لأن حد السكر والخمر لا يقام على أحد من الكفار بخلاف حد الزنا والسرقة، كذا في (الظهيرية).

وفي (منية المفتي) سكر الذمي من الحرام حد في الأصح ولعل هذا هو العذر للمصنف في حذفه قيد الإسلام إلا أنه في فتاوى قارئ (الهداية) أجاب حين سئل عن الذمي إذا سكر هل يحد؟ قال: إذا شرب الخمر وسكر منه المذهب أنه لا يحد، وأفتى الحسن بأنه يحد واستحسنه بعض المشايخ لأن السكر في جميع الأديان حرام، وفيها لو سرق الذمي أو زنا فأسلم إن ثبت عليه ذلك بإقرار أو بشهادة المسلمين حد وإلا بأن ثبت بشهادة أهل الذمة لا يحد انتهى. ومنها أن يكون ناطقا فلا حد على الأخرس سواء ثبت شربه بالبينة أو أشار بإشارة معهودة للشبهة، كما في (الخانية) وأما كونه مكلفا فلا يخص حد الشرب (وصحا) من سكره هذا شرط لوجود الحد ليفيد الضرب فائدته.

قال العيني: وهو ظاهر في أنه لو حد في حال سكره لا يكتفى به لعدم فائدته (وإن أقر) بالشرب أو السكر (أو شهدا) عيه بذلك يعني (بعد مضي ريحها) أي: ريح المسكر (لا لبعد المسافة) قيد بذلك لأن التأخير لو كان لعذر البعد وشهدا كما مر حد (أو وجد منه رائحة الخمر) ولم يثبت شربه كما مر (أو تقيأها) أي: الخمر (أو رجع) المقر بالسكر أو شرب الخمر (عما أقر) به (أو أقر) وهو (سكران) وفسره بقوله [305/ب](بأن زال / عقله) بحيث لا يميز الأنثى من الذكر ولا السماء من الأرض، وهذا عند الإمام وقالا: هو الذي يهذي ويخلط كلامه غالبا وبه أفتى المشايخ كما في (الخانية).

واتفق أئمة بلخ على أنه يستقرأ سورة من القرآن فإن قرأها فليس بسكران فيعتبر إقراره، حتى حكى أمير بلخ أتاه الشرطي بسكران فأمره بقراءة:{قل يا أيها الكافرون} فقال للأمير: اقرأ أنت الفاتحة أولا فلما قرأ {الحمد لله رب العالمين} قال: قف فقد أخطأت مرتين تركت التعوذ والتسمية وهي آية من الفاتحة عند بعض العلماء، فخجل وضرب الشرطي قائلا أمرتك أن تأتيني بالسكران فجئتني بمقرئ بلخ، كذا في (الظهيرية).

وأصل ما روى بشر عن أبي يوسف من اعتبار السكر بقراءة {قل يا أيها

ص: 150

لا.

ــ

الكافرون} قال بشر: فقلت له كيف أمرت بها من بين السور؟ فربما يخطئ فيها العاقل الصاحي قال: لأن الله سبحانه وتعالى بين أن الذي عجز عن قراءتها سكران يعني بذلك ما في الترمذي عن علي (صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما وسقانا خمرا فأخذت الخمرة بنا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون) فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} (النساء: 43) ولا شك أن المراد لمن يحفظ القرآن أو كان حفظها مما حفظ منه لا من لم يدر شيئا أصلا ولا ينبغي أن يعول على هذا بل ولا يعتبر فإنه طريق سماع تبديل كلام الله تعالى فإنه ليس كل سكران إذا أمر بقراءتها يقول: لا أحسنها بل يندفع قارئا فيبدل إلى الكفر ولا ينبغي أن يلزم أحد بطريق ذكر ما هو كفر وإن لم يؤاخذ به نعم لو تعين طريق الإقامة حكم الله تعالى لكن ليس كذلك فإن معرفة السكر له طريق معلوم هي ما ذكرنا في (الفتح) ملخصا (لا) أي: لا يحد في هذه الصور، أما إذا ثبت عليه بعد زوال الرائحة فللتقادم إذ هو مقدر بزوال الرائحة عندهما، وقدره محمد بشهر حيث ثبت بالبينة وإن أقر به صح عنده مطلقا اعتبارا بحد الزنا.

وانتصر في (فتح القدير) لمحمد قال: وهو الصحيح، وفي (غاية البيان) الصحيح عندي في الإقرار قول محمد: وأما إذا وجد منه رائحة الخمر أو تقايأها فلأن الرائحة محتملة فلا يثبت مع الاحتمال ما يندرئ بالشبهات، وكذا الشرب قد يكون عن إكراه فوجود عينها في القيء لا يدل على الطواعية فلو وجب الحد وجب بلا موجب، وأما إذا رجع الإقرار فلأنه خالص حق الله تعالى فيقبل حق الرجوع فيه كسائر الحدود، وأما إذا أقر وهو سكران فلأنه يحتمل الكذب فيحتال لدرئه ودل كلامه أن إقراره حال السكر بالحدود الخالصة غير صحيح، أما غير الخالصة كحد القذف فيصح، وعرف من هذا إن إقراره بحقوق العباد الخالصة كالقصاص والأموال والطلاق والعتاق صحيح بالأولى، ولهذا لو أقر بالسرقة أخذ منه المال ولم يقطع وقالوا: إن ارتداده غير صحيح لأنه من باب الاعتقاد فلا يتحقق مع السكر.

قال في (الفتح): هذا في حق الحكم أما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان في الواقع قصد أن يتكلم به ذاكرا لمعناه كفر وإلا فلا انتهى. وهذا يشكل على تفسير الإمام السكران بزائل العقل وجوابه ما صرح به بعد من أن هذا في السكران الذي لم

ص: 151

وجد السكر والخمر ولو شرب قطرة ثمانون سوطا.

ــ

يصل إلى إفضاء السكر إذا تكلم بما هو كفر فإن كان عن غير قصد فليس بكافر عند الله ولا في الحكم وإن كان مدركا لها قاصدا مستحضرا معناها فإنه كافر عند الله بطريق تكفير إذ الهازل وإن لم يحكم بكفره في القضاء لأن القاضي لا يدري من حاله إلا أنه سكران ولا يحكم بكفره ولو أسلم.

قال الشارح: ينبغي أن يصح كإسلام المكره وجزم في (فتح القدير) بأنه لا يصح هذا إذا سكر من محرم فإذا سكر من مباح كما إذا شرب من المحتد من الحبوب والعسل والدواء أو كان مضطرا أو مكرها فتصرفاته غير صحيحة، وفي (الخانية) لو زال عقله بالبنج فطلق لا يقع طلاقه هو الصحيح سواء علم حين تناوله أنه بنج أو لا.

قال في (البحر): وهذا يدل على أن البنج حلال انتهى. والتحقيق ما في (العناية) أن المسكر منه حرام نص عليه المحبوبي، (وحد السكر) بضم السين وسكون الكاف، كذا في السماع لا بفتحتين وهو: عصير الرطب إذا اشتد، وقيل [306/أ] كل شراب أسكر ولا بدع في ضبط ما في (الكتاب) بفتحتين بل هو / المناسب لقوله:(والخمر) كما لا يخفى.

ثم رأيت الحدادي قال في قول القدوري: وحد الخمر والسكر من النبيذ في الحر ثمانون سوطا يجوز في السكر ضم السين وفتحها مع تسكين الكاف وبفتح السين وتحريك الكاف فإذا قال: بفتحتين يكون فيه قصور، وإن قال بالسكون وضم السين يكون حد الخمر بمجرد الشرب وحد سائر الأشربة بعد حصول السكر انتهى. ووجه القصور أنه يقتضي وجوب الحد لمجرد الشرب كما الخمر، وجوابه أن هذا مدفوع بما قدمه في أول البال من أنه لا يحد من الأنبذة إلا بالسكر - والله الموفق - (ولو شرب قطرة ثمانون سوطا) بإجماع الصحابة وهذا لأنه عليه الصلاة والسلام لم يسن فيه عددا معينا بل القطع بأنه أمر بضربه ثم قدره الشيخان بأربعين ثم اتفقوا على ثمانين وجاز لهم ذلك مع أنه عليه الصلاة والسلام أتي له برجل قد شرب الخمر فضربه بجريدتين نحو الأربعين ولم يزد لعلمهم بأنه عليه الصلاة والسلام انتهى إلى هذه الغاية في ذلك الرجل لزيادة فساد فيه، ثم رأوا أهل الزمان تغيروا إلى نحوه أو أكثر فكان ما أجمعوا عليه هو ما كان حكمه عليه الصلاة والسلام في أمثالهم

ص: 152