المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الإيمان ــ   كتاب الأيمان اشترك كل من اليمين والطلاق والعتاق والنكاح في - النهر الفائق شرح كنز الدقائق - جـ ٣

[سراج الدين ابن نجيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العتق

- ‌باب العبد يعتق بعضه

- ‌باب الحلف بالدخول

- ‌باب العتق على جعل

- ‌باب التدبير

- ‌كتاب الإيمان

- ‌باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

- ‌باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

- ‌باب اليمين في الطلاق والعتاق

- ‌باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها

- ‌باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه

- ‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

- ‌باب حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌كتاب السرقة

- ‌باب قطع الطريق

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنائم وقسمتها

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌باب المستأمن

- ‌باب العشر والخراج والجزية

- ‌فصل في الجزية

- ‌باب المرتدين

- ‌باب البغاة

- ‌كتاب اللقيط

- ‌كتاب اللقطة

- ‌كتاب الآبق

- ‌كتاب المفقود

- ‌كتاب الشركة

- ‌فصل في الشركة الفاسدة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب خيار الشرط

- ‌باب خيار الرؤية

- ‌باب خيار العيب

- ‌باب البيع الفاسد

- ‌باب الإقالة

- ‌باب التولية

- ‌باب الربا

- ‌باب الحقوق

- ‌باب السلم

- ‌باب المتفرقات

- ‌كتاب الصرف

- ‌كتاب الكفالة

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره

الفصل: ‌ ‌كتاب الإيمان ــ   كتاب الأيمان اشترك كل من اليمين والطلاق والعتاق والنكاح في

‌كتاب الإيمان

ــ

كتاب الأيمان

اشترك كل من اليمين والطلاق والعتاق والنكاح في أن الإكراه والهزل لا يؤثر فيه، غير أنه قدم النكاح لقربه من العبادة كما مر، وأولاه الطلاق لأنه رفعه بعد تحققه ثم ذكر العتاق بعد لمشاركته للطلاق في تمام معناه الذي هو الإسقاط وفي لازمه الشرعي الذي هو السراية، واليمين لغة لفظ مشترك بين الجارحة والقوة القسم إلا أن قولهم كما في (المغرب) وغيره سمي الحلف يمينا لأن الحالف يتقوى بالقسم، أو أنهم كانوا يتماسكون بأيمانهم عند القسم يفيد كما في (الفتح) أن لفظ اليمين منقول ومفهومه لغة جملة أولى إنشائية صريحة الحزأين يؤكد بها جملة بعدها خبرية، وترك لفظ أولى يصيره غير مانع لدخول نحو زيد قائم زيد قائم وهو على عكسه فإن الأولى هو المؤكدة بالثانية من التأكيد اللفظي كذا في (الفتح) وتبعه في (البحر).

وأقول: فيه بحث أما أولا فلأن هذا إنما بتم على أن الجملة الثانية المؤكدة إنشائية وهو ممنوع، وأما ثانيا بتقدير التسليم فقد خرج بقوله بعدها فتدبره، والجملة تشمل الفعلية كحلفت بالله وأحلف، والاسمية كعلي عهد الله ولعمرك لأفعلن كذا، وخرج بالإنشائية تعليق الطلاق والعتاق فإن الأولى ليست إنشاء والشرعي ما أفاده بقوله كما هو في كثير من النسخ اليمين تقوية أحد طرفي الخبر من الصدق والكذب أو النفي والإثبات كما قال ابن الفصيح في نظمه نظرا إلى قول [276/أ] المحققين أن له طرفا واحدا هو الصدق، وأن الكذب احتمال عقلي في نفس / السامع ظاهرا فدخل يمين الغموس بالمقسم به سواء كان اسما من أسمائه تعالى أو صفة أو التزام مكروه كفر أو زوال ملك فدخل التعاليق، كإن فعل كذا فهو يهودي وإن دخلت الدار فأنت كذا بضم التاء لمنع نفسه وبكسرها لمنعها وإن بشرتني فأنت حر وركنها اللفظ المستعمل فيها، وشرطها كون الحالف مسلما.

وفسر في (الحواشي السعدية) التكليف بالإسلام والعقل والبلوغ وعزاه إلى (البدائع) وما قلناه أولى زاد في (الدراية) الحرية وتبعه الشمني وهو سهو لقولهم: إن العبد إذا حنث كفر بالصوم هذا باعتبار الحالف، وأما باعتبار اليمين فقال في (المحيط): شرطها كون الخبر المضاف إليه اليمين محتملا للصدق والكذب متمثلا بين البر والهتك فيتحقق حكمه وهو وجوب البر وسببها البقائي تارة إيقاع

ص: 48

حلفه على ماض كذبا عمدا غموس وظنا.

ــ

صدقه في نفس السامع، وأخرى حمل نفسه أو غيره على الفعل أو الترك، وحكمها وجوب البر فيما إذا حلف على طاعة أو ترك معصية، والحنث فيما إذ احلف على ضدهما وندبه فيما إذا كان عدم المحلوف عليه جائزا ثم قيل: يكره الحلف بغير اسم الله تعالى كالطلاق وقيل: إن أضيف إلى الماضي يكره وإن أضيف إلى المستقبل لا يكره وهو الأحسن كما في (المحيط) وعامتهم على عدم الكراهة.

قال العيني: وبه أفتوا، لا سيما في زماننا (حلفه على ماض) شروع في أقسام اليمين بالله تعالى لأن كلا من الغموس واللغو لا يتصور في اليمين بغيره لأن تعليق الطلاق والعتاق والنذر بأمر كائن في الماضي لا يتحقق فيه اللغو والغموس لأن الطلاق يقع به وكذا العتاق والنذر، سواء كان وقت اليمين عالما أو لم يكن كذا في (الشرح) فإن قلت: هذا منقوض بما لو قال: هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا لشيء قد فعله فإنه غموس مع أنه ليس يمينا بالله تعالى، قلت: هو كناية عن اليمين بالله تعالى وإن لم يعقل وجه الكناية كما صرح به في (البدائع).

قال في (الحواشي السعدية): ولم يقل كغيره: هي ثلاثة لعدم انحصارها فيها إذ اليمين الصادقة على الماضي كقوله: والله إني لقائم الآن في حال قيامه ليست منها مع أنها يمين، وأجاب صدر الشريعة بأن المراد بها اليمين التي اعتبرها الشرع ورتب عليها الأحكام ورده في (البحر) بأن عدم الإثم فيها حكم وفيه نظر، (كذبا عمدا) حالان من الضمير أي: كاذبا متعمدا (غموس) لأنها تغمس صاحبها في الذنب ثم في النار فعول بمعنى فاعل والماضي يشمل الفعل والترك فإن قلت: لو قال: والله إن هذا حجر كيف يصح أن يقال: إنه حلف على الفعل؟ قلت: يقدر كان أو يكون إن أريد الماضي والمستقبل فإن قلت: الحلف كما يكون على الماضي يكون على الحال فلم لم يذكر أيضا وهو من أقسام الحلف؟ قلت: لم يذكره لمعنى دقيق هو أن الكلام يحصل أولا في النفس فيعبر عنه باللسان فإذا أتم التعبير به انعقد اليمين فزمان الحلف صار ماضيا بالنسبة إلى زمان انعقاد اليمين فإذا قال: كتبت فلا بد من الكتابة قبل ابتداء التكلم، وأما إذا قال: سوف أكتب فلا بد من الكتابة بعد الفراغ من التكلم في ابتداء الزمان الذي من ابتداء التكلم إلى آخره فهو زمان الحال بحسب العرف وهو ماض بالنسبة إلى أن الفراغ وهو آن انعقاد اليمين فيكون الحلف عليه الحلف على الماضي كذا في (شرح الوقاية)، وهذا التكليف لم يعتبره شراح (الهداية) بل قالوا: التقييد بالماضي بناء على الثلاث إذ الحلف على الحال أيضا كذلك كوالله ما لهذا علي دين وهو يعلم خلافه (و) حلفه على ماض (ظنا) أن الأمر كما قال من فعل أو

ص: 49

لغوا وأثم في الأولى دون الثانية وعلى آت منعقدة، وفيها كفارة فقط،

ــ

ترك أو صفة وهو بخلافه (لغوا). قال في (المغرب): اللغو الباطل من الكلام ومنه اللغو في الأيمان لما لا يعقد عليه القلب وقد لغى في الكلام يلغو ويلغي ومنه فقد لغوت والماضي ليس بقيد أيضا، كما في (البدائع) وما مر من التكلف باق هنا (وأثم) الحالف أي: استحق العقوبة (في الأولى) أي: في الغموس لرواية البخاري (الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس) ومن ثم قال السرخسي: إن إطلاق اليمين عليها مجاز لأنها عقد مشروع وهذه كبيرة محضة، وجاء في كثير من الروايات تقييد الوعيد فيها بأن يقطع بها حق امرئ مسلم ومن ثم [276/ب] قال في (البحر): ينبغي / أن تكون كبيرة إذا اقتطع بها ما مسلم أو أذاه، وصغيرة إذا لم يترتب عليها مفسدة، وأنت خبير بأن هذه ينافي إطلاق ما روينا وما قدمناه عن شمس الأئمة صريح فيه ومعلوم أن إثم الكبائر متفاوت (دون الثانية) وهو اللغو لقوله تعالى:{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} (البقرة: 225) وقول محمد فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها على ما علمت من النص مشكل، وأجيب إنما علق نفي المؤاخذة بالرجاء للاختلاف في تفسير اللغو فإن تفسير الشافعي له بكل يمين صدر من غير قصد في الماضي والمستقبل لبيان ما مر من أن تفسيره إذ الظن لا يكون إلا عند قصد، وقال ابن جبير: هو أن يحرم على نفسه ما أحل الله من قول أو عمل فلما اختلف في معناه علقه بالرجاء.

قال في (الفتح): والأصح أن اللغو بما ذكر من التفاسير متفق على عدم المؤاخذة به في الآخرة وكذا في الدنيا بالكفارة فلم يتم العذر عن التعليق بالرجاء فالأوجه ما قيل: إنه لم يرد به التعليق بل التبرك باسمه تعالى والتأدب انتهى.

وأقول: اختلف المتأخرون في المؤاخذة المنفية فقيل: المعاقبة قي الآخرة وقيل: هي المؤاخذة بالكفارة كما في (الكشاف) وغيره، والثاني أظهر بدليل ما بعده ولا شك أن تفسير اللغو على أمرنا ليس أمرا مقطوعا به إذ الشافعي قائل بأن هذا من المنعقدة فلا جرم علقه بالرجاء وهذا معنى دقيق ولم أر من عرج عليه (و) حلفه (على آت منعقدة) أي: على أمر يفعله أو لا يفعله ويجب أن يراد بالفعل فعل الحالف ليخرج نحو والله لا أموت ولا تطلع الشمس فإنه في هذين غموس.

قال في (الحواشي اليعقوبية): لقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان} (المائدة: 89)(وفيها الكفارة) لقوله تعالى: {واحفظوا أيمانكم) (المائدة: 89) ولا يتأتى الحفظ والهتك إلا في المستقبل، وقوله (فقط)، قال الشارح: لا معنى له لأن في المنعقدة إثما أيضا ولفظ الكفارة ينبئ عنه إذ هي الساترة للإثم.

ص: 50

ولو مكرها أو ناسيا أو حنث كذلك، واليمين بالله تعالى،

ــ

وأجاب العيني بأنه أشار بذلك إلى أنها لا تجب إلا فيه ولا تجب في الغموس، قال في (البحر): ولا نسلم أن الإثم لازم للمنعقدة بل يكون الحنث واجبا ويكون مستحبا والعجب أنه بعد يسير ناقض نفسه إذ قال: لو فعله الحالف وهو مغمى عليه أو مجنون حنث لتحقق الشرط حقيقة، ولو كانت الحكمة رفع الذنب فالحكم يدور على دليله وهو الحنث لا على حقيقة الذنب.

وأقول: في الثاني نظر إذ المدعى أن في المنعقدة إثما وتخلفه فيما ذكر لعارض فلا يرد (ولو) كان الحالف (مكرها أو ناسيا) أراد به المخطئ كما إذا أراد أن يقول: اسقني الماء فقال: والله لا أشرب الماء، وفي (الكافي) وعليه اقتصر في (العناية)(والفتح) هو من يلفظ باليمين ذاهلا عنه والملجئ إلى ذلك أن حقيقة النسيان في اليمين لا تتصور قاله الشارح، وقال العيني وتبعه الشمني بل يتصور بأن حلف أن لا يحلف ثم نسي الحلف السابق فحلف ورده في (البحر) بأنه فعل المحلوف عليه ناسيا لا أن حلفه كان ناسيا انتهى.

وفيه نظر إذ فعل المحلوف عليه ناسيا لا ينافي كونه يمينا بدليل أنه يكفر مرتين مرة باعتبار أنه فعل المحلوف عليه وأخرى باعتبار حنثه في اليمين وأورد أن حقيقة اليمين أعني تقوية أحد طرفي الخبر لا يتأتى في الناسي إذ لا اختيار له وأجيب بأن هذا هو القياس لكنه ترك بالنص وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق واليمين) ورده في (الفتح) بأن حديث اليمين لا دلالة فيه على المدعى بتقدير ثبوته لأن المذكور فيه جعل الهزل باليمين جد والهازل قاصد لليمين غير راض فلا يعتبر عدم رضاه به شرعا بعد مباشرة السبب مختارا والناسي بمعنى الذاهل لم يعتقد شيئا وكذا المخطئ لم يقصد التلفظ به بل شيئا آخر فلا يكون الوارد في الهازل، وأراد في الناسي (أو حنث كذلك) أي: مكرها أو ناسيا لأن الفعل حقيقة لا ينعدم بالإكراه والنسيان وهو الشرط كذا قالوا وهذا يفيد أن معنى الإكراه عليه أنه أكره أن يفعل المحلوف فلو لم يفعله كما لو حلف أن لا يشرب فصب الماء في حلقه مكرها فلا حنث عليه، (واليمين) مستقرة (بالله) أي: بهذا الاسم ولو بغير هاء كما هو عادة الأتراك / كذا في (المجتبى) وفيه إيماء إلى أنه [277/أ] لا بد أن يكون خاصا وعلى هذا تفرع ما في (الخلاصة) باسم الله ليس يمين إلا بالنية وبالواو يمين وفي (الفتح) تبعا لما في (المحيط) المختار أن اسم الله (تعالى) ليس

ص: 51

والرحمن والرحيم وعزته وجلاله وكبريائه وأقسم، وأحلف وأشهد.

ــ

بيمين لعد التعارف وعلى هذا بالواو لأن نصارى ديارنا تعارفوه (والرحمن الرحيم) ومنه والذي لا اله إلا هو رب السموات والأرض رب العالمين ومالك يوم القيامة والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء والطالب والغالب يمين لتعارف أهل بغداد الحلف به ويلزم عليهما اعتبار العرف فيما لم يسمع من الأسماء من الكتاب والسنة لأنه لم يسمع إلا الغالب، وأما كونه على القول المفصل في الأسماء كذا في (فتح القدير).

وأفاد إطلاقه أنه لا فرق بين أن يتعارفوا الحلف به أو لا وهو الصحيح، وقيل: كل اسم لا يسمى به غيره تعالى كالله والرحمن فهو يمين، وما يسمى به غيره كالحكيم والعليم فإن أراد به اليمين كان يمنيا وإلا لا، ورجحه بعضهم بأنه حيث كان مستعملا لغيره تعالى أيضا لم يتعين إرادة أحدهما إلا بالنية، ورده الشارح بأن دلالة القسم معينة لإرادة اليمين إذ القسم بغيره تعالى لا يجوز، نعم إذا نوى غيره صدق لأنه نوى محتمل كلامه، وأنت خبير بأن هذا مناف لما قدمه من أن العامة يجوزون الحلف بغيره تعالى (وعزته وجلاله وكبريائه) بيان للحلف بالصفة، والمراد بها اسم المعنى الذي لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها فهو كالعزة والكبرياء والعظمة بخلاف نحو العظيم، قال في (البحر): ولم يقيد الحلف بالصفات بالعرف ولا بد منه.

وأقول: ممنوع فقد أشار إلى ذلك بقوله لا بعلمه إلى آخره وعن هذا تم حكم محمد في قوله وأمانة الله تعالى أنه يمين ثم سئل عن معناه فقال: لا أدري لأنه رآهم يحلفون به لكن وجهه أن الحالف به أراد معنى والله الأمين فالمراد الأمانة التي تضمنتها لفظة الأمين وأفاد إطلاقه أنه لا فرق بين كونها صفة ذات أو فعل وهو الصحيح ولا خفاء أن ما جاز أن يوصف الله تعالى به وبضده كالغضب والرضا فهو من صفات الفعل، وما لا يجوز أن يوصف بضده كالجلال فهو من صفات الذات، والمراد بصفات الأفعال صفات تدل على تأثير لها اسما غير اسم القدرة يجمعها اسم التكوين فإن كان ذلك الأثر مخلوقا فالاسم الخالق والصفة الخلق أو رزقا فالاسم الرازق والصفة الترزيق أو حياة فهو المحيي أو موتا فهو المميت، فمتأخرو الحنفية أنها صفات قديمة زائدة على صفة الذات والأشاعرة يقولون: ليست صفة التكوين سوى صفة القدرة باعتبار تعلقها بإيصال الأرزاق (و) قوله: (أقسم) وأعزم (وأحلف وأشهد) بفتح الهمزة والهاء وضمها وكسر الهاء خطأ وكان حالفا بهذه الألفاظ لأنها حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال، ولهذا لا ينصرف إليه إلا بقرينة السين ونحوه،

ص: 52

وإن لم يقل بالله، ولعمر الله، وأيم الله،

ــ

وما قيل من أنه في العرف كذلك كأشهد أن لا إله إلا الله وكذا قول الشاهد أشهد ففيه نظر، لأن ذلك بدلالة الحال إلا أنه في نفسه كذلك عرفا قيد بالمضارع لأنه محل الخلاف بينا وبين الشافعي، أم الماضي نحو حلفت أو أقسمت أو شهدت بالله لأفعلن فيمين بلا خلاف كذا في (الفتح) إلا أنه في شرح (المجمع) حكى الاتفاق على أن أشهد بالله يمين.

واعلم أنه وقع في (النهاية) وتبعه في (الدراية) أن مجرد قول القائل اقسم أو أحلف يوجب الكفارة من غير ذكر محلوف عليه ولا حنث تمسكا بما في (الذخيرة) أن قوله: علي يمين موجب للكفارة وأقسم ملحق به وهذا وهم بين إذ اليمين بذكر المقسم عليه وما في (الذخيرة) معناه إذ أوجد ذكر المقسم عليه وانقضت اليمين وترك ذلك للعلم به يفصح عن ذلك قول محمد في (الأصل) واليمين في الله تعالى أو أحلف أو أقسم إلى أن قال: وإذا حلف بشيء منها ليفعلن كذا فحنث وجبت عليه الكفارة، (وإن لم يقل بالله) لقوله تعالى:{إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين} (القلم: 17) وقوله تعالى: {يحلفون لكم لترضوا عنهم} (التوبة: 96) وفي الآية الأخرى {اتخذوا أيمانهم جنة} (المجادلة: 16) وادعى في (فتح القدير) أن أقسموا مجرد عن وجود قسم منهم وهو لا يستلزم ذلك القسم كأن قولهم نقسم ليصرمنها / ومثله في يحلفون لكم لترضوا عنهم لا يلزم كون [277/ب] حلفهم بلفظ الحلف أصلا فضلا عن لفظ الحلف يصدق بالمدعى، فإن أقسموا إخبار عن قسم واقع منهم وهو صادق بقوله كل واحد أقسم لأصرمنها مصبحا وكذا في يحلفون لكم أحلف لك ما فعلت كذا وهذا القدر كاف في الاستدلال به على المدعي (و) بقوله أيضا (لعمر الله) بفتح العين أي: بقاؤه وهو من صفات الذات فكأنه قال: وبقاء الله والضم وإن كان بمعنى البقاء أيضا إلا أنه لا يستعمل في القسم، قال الرضي: لأن القسم موضع التخفيف لكثرة استعماله وظاهر أنه مع اللام مرفوع على الابتداء والخبر محذوف وجوبا، أي: قسمي وحذف لسد جواب القسم مسده ومع حذفها منصوب نصب المصادر وحرف القسم محذوف تقول: عمر الله ما فعلت.

قال في (الفتح): وأما قولهم: عمرك الله ما فعلت فمعناه بإقرارك له بالبقاء وينبغي أن لا ينعقد يمينا لأنه حلف بفعل المخاطب وهو إقراره واعتقاده انتهى.

وفي (البزازية) وسلطان الله يمين في الأصح إن أراد به قدرة الله تعالى (و) بقوله (أيم الله) جمع يمين عند الفراء سقطت نونه وهمزته في الوصل تحقيقا ثم

ص: 53

وعهد الله وميثاقه وعلي نذر، ونذر الله وإن فعل كذا فهو كافر لا.

ــ

خففت أيضا فقيل أمر الله وهو قول الأكثر، وعند سيبويه كلمة اشتقت من اليمين ساكنة الأول اجتلبت لها الهمزة للنطق وكان يمينا لقوله عليه الصلاة والسلام:(تطعنون في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل وأيم الله أن كان لخليقا بالإمارة) أخرجه البخاري، وهو في الحديث بكسر الميم لواو القسم وإنما يضم إذا لم يكن في أول حرف القسم نبه عليه بعضهم وهو ظاهر (و) بقوله (عهد الله) لأفعلن كذا (و) بقوله أيضا (ميثاقه) أي: ميثاق الله بمعنى عهده ولنا الذمة وكذا سمي الذمي معاهدا والأمانة قال الله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} (النحل: 91)، وقد غلب استعمالها بمعنى اليمين ثم إذا نوى غيره بأن نوى العبادات لم يكن يمينا.

(و) بقوله (علي نذر و) علي (نذر الله) لأفعلن كذان وهذا القيد أعني ذكر المحلوف عليه لا بد منه في كونه يمينا وإن لم يذكره لا يكون يمينا لأن اليمين إنما يتحقق بمحلوف عليه إلا أنه يلزمه الكفارة لأن هذا التزام لها ابتداء بهذه العبادة، هذا إذا لم ينو بالقدر المطلق شيئا من القرب المقصودة التي يصح النذر بها كالحج ونحوه فإن نواه لزمه ما نوى، وإن ذكر صيغ النذر بأن قال: لله علي صلاة ركعتين أو صوم يوم مطلقا عن الشرط أو معلقا به أو ذكر لفظ النذر مسمى معه المنذور مثل لله علي نذر صوم يومين مطلقا أو منجزا فسيأتي في الكفارة فظهر الفرق بين صيغة النذر ولفظ النذر، كذا في (الفتح) يريد أن لفظ النذر يكون يمينا ونذرا إذا نوى به قربة وأما صيغة النذر فلا يكون يمينا البتة.

(و) بقوله: (إن فعل كذا فهو كافر) أو يهودي أو نصراني، أو قال: فاشهدوا علي بالنصراينة كما في (الولوالجية) إلحاقا له بتحريم الحلال لأنه لما جعل الشرط علما على الكفر وقد اعتقده واجب الامتناع وأمكن القول بوجوبه لغيره جعلناه يمينا، وكذا لو قال: فأنا أعبدك من دون الله أو أعبد الصليب كم في (المجتبى) قيد بكون اليمين على فعل مستقبل لأنه لو كان على ماض كإن كنت فعلت كذا فهذا كافر وهو عالم أنه فعله كان غموسا، واختلف في كفره، والأصح أنه يمين لا يكفر بالماضي وإن كان جاهلا أو عنده أن الكفر بالغموس أو بمباشرة الشرط في المستقبل يكفر فيهما لأنه رضي بالكفر، واختلف أيضا في قوله: يعلم الله أنه فعل كذا ولم يفعله وهو يعلم خلافه وعامتهم على أنه يكفر وقيل: لا يكفر وهو رواية عن أبي يوسف لأنه قصد ترجيح الكذب دون الكفر، كذا في (المجتبى)(لا) يكون

ص: 54

بعمله، وغضبه، وسخطه، ورحمته. والنبي، والقرآن والكعبة، وحق الله.

ــ

اليمين بقوله (بعلمه) أي: بعلم الله تعالى (وغضبه وسخطه ورحمته) لأفعلن كذا لعدم تعارف الحلف بها ولأن العلم قد يراد به المعلوم والغضب والسخط يراد بهما العقوبة ويراد بالرحمة أثرها وهو الجنة، ومن ثم قلنا: لو قال: وعذاب الله وثوابه ورضاه ولعنته أنه لا يكون يمينا.

وفي (البدائع) لو قال: لا إله إلا الله أو سبحان الله والله أكبر لأفعلن كذا لا يكون يمينا لعدم

، وملكوت الله وجبروته يمين لأنه من صفاته التي لا تستعمل إلى في الصفة وفي (الخانية) لو قال: بصفة الله لا أفعل / كذا لا يكون يمينا [278/أ] لأن صفاته ما يكون في غيره ولا بقوله (والنبي والقرآن والكعبة) لأفعلن كذا، أم النبي والكعبة فلخبر (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) متفق عليه، وأما القرآن فلأنه غير متعارف.

قال في (الفتح): ولا يخفى أن الحلف به متعارف فيكون يمينا كما هو قول الأئمة الثلاثة، قال العيني: وعندي أنه لو حلف بالمصحف أو وضع يده عليه وقال: (وحق) هذا فهو يمين ولا سيما في زماننا الذي كثرت فيه الأيمان الفاجرة ولا خلاف أنه لو قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من النبي أو من كلام (الله) القائم به انعقد يمينا، وكذا لو قال: فأنا بريء من الإسلام أو من القبلة أو من المؤمنين أو من الصلاة والصوم أو من صوم رمضان أو من المصحف كما في (المجتبى).

ولو قال: من شهر رمضان فإن أراد به البراءة عن فرضه كان يمينا فإن أراد عن أجره لا يكون يمينا ولو قال: فأنا بريء من كل آية من المصحف فيمين واحدة، وكذا لو قال: من الكتب الأربعة أو من الله ورسوله، ولو كرر لفظ بريء كان عليه كفارتان، ولو زاد الله ورسوله بريئان منه كان عليه أربع كفارات ولو قال: إن فعلت كذا فأنا بريء من الله ألف مرة كان عليه كفارة واحدة، وفي (الخانية) لو قال: دين الله وطاعته أو حدوده أو شريعته أو المصحف لا يكون يمينا والله الموفق.

فرع

فال في (الفتح): بحياتك أو حياة رأس السلطان إن اعتقد أن البر فيه واجد كفر وفي تتمة (الفتاوى) قال علي الرازي: أخاف على من قال بحياتي وحياتك أن يكفر، ولولا أن العامة يقولونه ولا يعلمونه لقلت: إنه شرك، ولا بقوله: حق الله عندهما، وإحدى الروايتين عن الثاني عن حق الله يراد به طاعته أداء الطاعات حقوقه وصار ذلك متبادرا شرعا حتى كأنه حقيقة حيث لا يتبادر سواه واستدل الشارح وغيره

ص: 55

وإن فعلته فعلي غضب الله وسخطه أو أنا زان، أو سارق أو شارب خمر، أو آكل ربا وحروفه الباء،

ــ

على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل ما حق الله على العباد؟ فقال: (أن لا يشركوا به شيئا) حينئذ وليس بشيء لأن صلته بلفظ على العبادتين المراد بأنه غير وجوده وحقيقته، والكلام في غير المقرون مما يدل على أحد المعنيين، وعن أبي يوسف أنه يمين.

قال في (الاختيار): والله المختار للتعارف ورده في (فتح القدير) بأن التعارف إنما يعتبر بعد كون الصفة مشتركة في الاستعمال بين صفة الله وصفة غيره ولفظ حق لا يتبادر منه ما هو صفة الله بل هو من حقوقه، قيد بالمضاف لأن المعرف بين إجماعا واعترض بأنه الحق المعروف يطلق على غيره تعالى ومنه {فماذا بعد الحق إلا الضلال} (يونس: 32)، {فلما جاءهم الحق من عندنا} (غافر: 45) فكيف يكون يمينا بلا خلاف؟ وأجيب بأنه إن نوى اليمين باسم الله تعالى يكون يمينا وإلا فلا، وأنت خبير بأنه على المختار إذا ثبت كونه اسما لله تعالى لا تعبير فيه النية وإن أطلق على غيره ولو نكره لا يكون يمينا، لأنه يراد به تحقيق الوعد فصار كأنه أفعل كذا حقيقة لا محالة، قال قاضي خان: والصحيح أنه إن أراد به اسم الله يكون يمينا وفي (المجتبى) بحرمة الله كحق الله وفي (فتاوى النسفي) بحرمة شهد الله أو لا إله إلا الله ليس بيمين والله الموفق، (و) لا بقوله:(إن فعلته فعلي غضب الله أو سخطه) لأنه دعا على نفسه ولم يتعارف الحلف به (أو) إن فعلته (فأنا زان أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا) لأن حرمة هذه الأشياء تحتم النسخ والتبديل فلم تكن في معنى حرمة الله تعالى، ولأنه ليس بمتعارف كذا في (الهداية) ومعنى احتمال النسخ فيها أن حرمتها تحتمل السقوط أما الخمر فظاهر، وأما السرقة فعند الاضطرار، وكذا إذا أكرهت المرأة بالسيف على الزنا وأما الزنا ففي دار الحرب وعلى هذا تفرع ما لو قال: هو الميتة أو يستحل الخمر والخنزير إن فعل كذا لأنه علقه بما يسقط حرمته بحال ما كما في (المجتبى) بخلاف حرمة اسم الله تعالى فإنها لا تحتمل السقوط.

قال في (الفتح): وهذا فيه نظر لأن كون الحرمة تحتمل الارتفاع أو لا تحتمل لا أثر له فإنه إن كان يرجع إلى تحريم المباح فهو يمين وإلا لا، وظاهر كلامهم أنه لو تعورف الحلف به كان يمينا فظاهر ما في (الفتح) يفيد أنه لو تعورف الحلف به لا يكون يمينا حيث قال: إن مضي اليمين أن يعلق ما يوجب امتناعه عن الفعل [278/ب] بسبب لزوم وجوده عند الفعل وليس بمجرد الفعل يصير زانيا أو سارقا لأنه لا يكون / كذلك إلا بفعل مستأنف يدخل في الوجود بخلاف الكفر فإنه بالرضى به يكفر من غير توقف على عمل آخر (وحروفه) أي: القسم (الباء) قدمها لأنها الأصل إذ هي

ص: 56

والواو، والتاء وقد تضمر

ــ

صلة الحلف، والأصل أقسم أو أحلف حذف الفعل كثرة الاستعمال مع فهم المقصود ومعناها الإلصاق لأنها تلصق فعل القسم بالمحلوف به ولأصالتها دخلت على المظهر والمضمر (والواو) أعقبها بها لأنها بدل منها لمناسبة معنوية وهي في الإلصاق من الجمع التي هي معنى الواو للبدلية انحطت عنها فدخلت على المظهر فقط (والتاء) ثلث بها لأنها بدل عن الواو وإذ هي من حروف الزيادة أبدلت كثيرا منها كتراث فانحطت عنها درجتين فلم تدخل على المظهر إلا على اسم الله وترب الكعبة.

قال الشارح: وبقي لام القسم وحرف التشبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل والميم المكسورة والمضمومة في القسم ومن كقوله: وهاء الله ومراد الله ومن الله (وقد تضمر) حرف القسم فيكون حالفا بقوله: الله لا أفعل لأن حذف الحرف من عادة العرب إيجازا، ثم قيل: ينتصب لنزع حرف خافض وقيل: ينخفض ليكون الكسر دلالة على المحذوفة كذا في (الهداية) وفيه بحثان: الأول أن التعليل بالحذف لا يطابق فكأنه أراد به الإضمار تسامحا والفرق أن الإضمار يبقى أثره بخلاف الحذف، كذا في (الدراية)، قال في (الفتح): وعلى هذا فينبغي أن يكون في حالة النصب محذوفا وفي الجر مضمرا.

وأقول: الظاهر أن المراد بالإضمار عدم الذر فيصدق بالحذف وحينئذ فالتعليل مطابق، وهذا لأنه كما يكون حالفا مع بقاء الأثر يكون أيضا حالفا مع النصب بل هو الكثير في الاستعمال وذاك شاذ والتزام ذلك الاصطلاح للفقهاء غير لازم وإذا تحققت هذا ظهر أن ما في (البحر) لم يقل يحذف للفرق بينهما، وذكر ما مر بمعزل عن التحقيق لما قد علمت من أنه يكون حالفا مع الحذف أيضا، الثاني، أن قوله: ثم قيل حينئذ ظاهر في نقل الخلاف تبعا للسرخسي فيه نظر، إذ هما وجهات سائغان للعرب ليس أحد ينكر أحدهما ليتأتى الخلاف وكون النصب بنزع الخافض ممنوع بل هو عند النحاة بفعل القسم لما حذف أفضل الفعل به وحكى الرفع فقيل على أنه خبر لمحذوف والأولى أن يكون المضمر هو الخبر لما عرف من أن الإجماع على أن أعرف المعارف هو الاسم الكريم قيد بحرف القسم لأن إضمار حرف التأكيد، أعني النون واللام في المقسم عليه لا يجوز.

قال في (المحيط): والحلف بالعربية أن يقول في الإثبات: والله لأفعلن كذا مقرونا بجملة التأكيد وفي المنفي يقول: والله لا أفعلن كذا والله ما فعلت كذا حتى لو قال: والله أفعل كذا اليوم كان بمعنى قوله لأفعل فتكون لا مضمرة لأن الحلف في

ص: 57

وكفارته تحرير رقبة، أو إطعام عشرة مساكين كهما في الظهار، أو كسوتهم بما يستر عامة البدن فإن عجز عن أحدهما صام ثلاثة أيام متتابعة،

ــ

الإثبات عند العرب لا يكون إلا بحرف التأكيد وهو اللام والنون، وإضمار الكلمة تستعمل بخلاف إضمار بعضها في البعض فإن غير مستعمل (وكفارته) أي: اليمين بمعنى الحلف أو القسم فلا يرد أنها مؤنثة سماعا وهذا من إضافة الشيء إلى شرطه، إذا السبب كما سيأتي إنما هو الحنث (تحرير رقبة) أم إعتاقها، ولم يقل: عتق رقبة لأنه لو ورث من يعتق عليه فنواه عن الكفارة لم يجز، (أو إطعام عشرة مساكين كهما) أي: كالتحرير والإطعام (في) كفارة (الظهار) المتقدم من كونها غير فائت جنس المنفعة منها ولا مستحقة للحرية بجهة، وفي الإطعام، أما التمليك والإباحة فيعشيهم ويغديهم ولو أطعم خمسة وكسى خمسة أجزأه ذلك عن الإطعام إن كان أرخص من الكسوة وعلى العكس لا يجوز هذا في إطعام الإباحة، أما إذا ملكه فيجوز ويقام مقام الكسوة ولو أعطى عشرة كل واحد ألف مد من الحنطة عن كفارات اليمين لا يجوز إلا عن واحدة عند الإمام والثاني وكذا في كفارة الظهار وكذا في (الخلاصة).

وفي (الخانية) لو أعطى عشرة كل واحد مدا مدا فاستغنوا ثم افتقروا، وأعاد عليهم مدا مدا عن أبي يوسف لا يجوز لأنهم لما استغنوا بطل ما أدى فصار كما لو أدى إلى مكاتب مثلا فرد في الرق ثم كوتب ثانيا فأعطاه مدا لا يجوز (أو كسوتهم) [279/أ] لقوله تعالى:{فكفارته إطعام عشرة مساكين} (المائدة: 89) الآية والتخيير / لا يمنع صحة التكليف كما ظنه من أوجب الكل مع السقوط بالبعض لأن صحته بإمكان الأمثال وهو ثابت بفعل أحدهما وقد قالوا: لو فعل الكل وقع عن الكفارة ما كان أعلى قيمة فإن قلت: إذا فعل واحدا بعد واحد وقع الأول عن الكفارة فكيف يتعين الأعلى؟ قلت بأن فعل الكل جملة ناوية أن يكون الكل عن الكفارة أو مرتبا ولم ينو أن يكون الكل عن الكفارة إلا بعدما تمت، وهذا لأن النية في التكفير لا بد من وجودها كما في (الفتح) وبترك الكل يعاقب على الأدنى ونبه بقوله (بما يستر عامة البدن) أن المراد بالكسوة ما يثبت به اسم المكتسي وينبغي عند اسم العريان فلا يجزئ إلا نحو القميص والجبة والإزار السائل الذي يتوشح به، وفي المرأة لا بد من الخمار مع الثوب أما العمامة والسراويل فلا إلا أنه يجزئ عن الإطعام باعتبار القيمة ثم قيل: يعتبر في الثوب حال القابض.

قال السرخسي: والأشبه بالصواب أنه يكفي أن يصلح للأوسط (فإن عجز) الحانث (عن أحدهما) أي: الإعتاق والإطعام والكسوة (صام ثلاثة أيام) لقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} (المائدة: 89)(متتابعة) لقراءة ابن مسعود

ص: 58

ولا يكفر قبل الحنث، ومن حلف على معصية ينبغي أن يحنث، ويكفر ولا كفارة على كافر، وإن حنث مسلما،

ــ

متتابعات والمراد بالعجز أن لا يفضل عن حاجته قدر ما يكفر به فإن فضل لا يجزئه الصوم في ظاهر المذهب ولو كفر بالصوم ناسيا لرقبة أو طعام أو كسوة في ملكه، فالصحيح أنه لا يجزئه كذا في (المجتبى).

وقياس ما مر أنه لو صام لعجزه فظهر أن له مالا وعليه دين فإن قضى دينه بذلك المال كفر بالصوم وإن صام قبل قضاء الدين قيل: يجوز وقيل: لا ولا كلام أنه لو كان ماله غائبا أو دينه مؤجلا فصام أنه يجوز هذا إذا لم يكن الغائب عبدا، فإن كان عبدا يجوز في الكفارة ولا يجوز له الصوم ويعتبر العجز وقت الأداء لا وقت الحنث حتى لو وهب ماله وسلمه ثم صم ثم رجع عن الهبة أجزأه الصوم وقيد بالتتابع لأن التفريق غير جائز ولو لعذر الحيض كما في (الخلاصة) ولا بد من بقاء العجز إلى إتمام الصوم حتى لو أيسر أو أعتق العبد قبل أن يفرغ من الصوم ولو ساعة فأصاب مالا استأنف التكفير بالمال، (ولا يكفر) الحالف بالمال ولا بالصوم (قبل الحنث) حتى لو كفر لم يعق ما أداه كفارة وإن وقع تطوعا حتى منع من استرداده من الفقير لأنها تستر الجناية، ولا جناية قبل الحنث، كذا قالوا وفيه نظر إذ كون الحنث جناية مطلقا ممنوع لأنه قد يكون فرضا على ما سيأتي.

وأجاب بعضهم بأن هذا كلام خرج مخرج الظاهر المتبادر من إخلال المحلوف عليه (ومن حلف على) فعل (معصية) نفيا كلا يصلي الظهر أو لا يكلم أباه أو إثباتا نحو ليشربن الخمر اليوم (ينبغي) أي: يجب (أن يحنث ويكفر) لأنه أهون الأمرين، وارتكابه واجب إذا لم يكن بد من ارتكاب أحدهما، وظاهر أن وجوب الحنث لا يتأتى إلا في اليمين المؤقتة لأنه في المطلقة لم يحنث إلا في آخر جزء من أجزاء حياته فيوصي بالكفارة إذا هلك الحالف، ويكفر إذا هلك المحلوف عليه قيد بكونه معصية لأنه لو لم يكن فتارة يكون الحنث أولى، كالحلف على ترك وطء زوجته شهرا أو ضرب عبده أو شكاية مديونه إن لم يوف به وتارة يكون البر أولى كما إذا حلف أن لا يأكل هذا الخبز أو لا يلبس هذا الثوب، ولو قيل: إنه واجب بقوله تعالى: {واحفظوا أيمانكم} (المائدة: 89) على ما هو المختار في تأويلها أنه البر فيها أمكن كذا في (الفتح).

وبقي قسم رابع وهو أن يكون المحلوف عليه واجبا قبل الحلف نحو لأصلين الظهر اليوم فإن البر فيه فرض، وكذا إذا كان المحلوف عليه ترك معصية فيثبت وجوبان لأمرين الفعل والبر كذا في (البحر)(ولا كفارة) تجب (على كافر، وإن حنث مسلما)

ص: 59

ومن حرم ملكه لم يحرم، وإن استباحه كفر

ــ

لعدم أهليته لليمين لقوله تعالى: {إنهم لا أيمان لهم} (التوبة: 12) وعن هذا قلنا: إنه لو ارتد بعدما حلف مسلما ثم أسلم فحنث لا يلزمه الكفارة وكذا لو نذر ما هو قربة من صدقة أو صوم لا يلزمه شيء وقوله تعالى: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم} (التوبة: 12) فالمراد بها صور الإيمان التي أظهروها وأما تحليف القاضي وقوله صلى الله عليه وسلم: (تبرئكم اليهود بخمسين يمينا) فالمراد كما قلنا صور الأيمان إذ المقصود منها رجاء النكول والكافر وإن ثبت اليمين في حقه شرعا لكنه يعتقد حرمة اليمين بالله تعالى فيمتنع عنه فشرع إلزامها بصورة لهذه الفائدة (ومن حرم ملكه)[279/ب] على نفسه بأن قال / مالي أو ثوبي أو جاريتي أو ركوب دابتي علي حرام (لم يحرم) لأن فيه تغيير المشروع، والقادر على ذلك إنما هو رب العالمين (وإن استباحه) أي: طلب أن يكون مباحا كما كان (كفر) فيه إيماء إلى أنه يمين وكان كذلك لقوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} (التحريم: 2) بعد قوله: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} (التحريم: 1) قال أنس: (كانت له أمة يطؤها فلم تزل عائشة وحفصة به حتى حرمها على نفسه) رواه النسائي قيل: فيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم حلف صريحا فنزلت بأن قال: (والله لا أقربها)، كما في (الكشاف).

وأجاب في (الفتح): بأن الحلف لم يذكر في الآية ولا في الحديث فلا يجوز أن يحكم به وتقد به حكم النص، وقيل: إنما حرم الفعل والتقيين بالملك اتفاقي فإن نحو كلام زيد علي حرام، يمين وعبارة القدوري ومن حرم على نفسه شيئا مما يملكه لم يحرم، قال في (الفتح): لو أريد بلفظ شيئا ما هو أعم من الفعل دخل نحو كلام زيد انتهى.

وهو ظاهر في أن القول داخل في مسمى الملك أيضا، وهذا لأنه القدرة على المتصرف والتصرف في كل شيء مما يليق به ويدل عليه قولهم بصحة الإجارة على الأقوال، كالأذان وهي تمليك المنافع، فالأقوال منافع مملوكة وعليه فهو أيضا اتفاقي لأن قوله: هذا الطعام علي حرام لطعام لا يملك أيضا لأن حرمته لا تمنع كونه حالفا، ألا ترى أنه لو قال الخمر علي حرام فالمختار للفتوى أنه إن أراد الإنشاء كفر، أو الإخبار

ص: 60

كل حل علي فهو حرام على الطعام، والشراب،

ــ

لم يكفر وعند عدم النية لا تلزمه الكفارة كذا في (الذخيرة) وفيها من فصل الأكل الصحيح أنه إذا قال: الخمر والخنزير علي حرام كان يمينا.

وفي (الفتح) لو قال: الخنزير علي حرام فليس يمين إلا أن يقولك إن أكلته وقيل: هو قياس الخمر وهو الوجه، واعلم أن الظاهر من تحريم الأعيان تحريم الفعل المقصود منها فلو قال: هذا الثوب علي حرام حنث بلبسه إلا أن ينوي غيره، ولو قال: كل طعام آكله في منزلك فهو علي حرام، ففي القياس لا يحنث بأكله وبالاستحسان يحنث لأن الناس يريدون بهذا أن أكله حرام كذا في (الخلاصة) وعلى هذا فيجب أن يحنث في قوله: إن أكلت طعاما يأكله ولو قال: مالي علي حرام فأنفق منه شيئا حنث، وكذا مال فلان علي حرام فأكل منه وأنفق حنث ولو تصدق أو وهب لم يحنث بحكم العرف كذا في (المحيط)، ولو قال لقوم: كلامكم علي حرام حنث وفي مجموع (النوازل) وكذا كلام فلان وفلان علي حرام يحنث بكلام أحدهما وكذا فلان وفلانا وفلانا، الصحيح أنه لا يحنث في المسألتين ما لم يكلمهما إلا أن ينوي كلام واحد منهما فيحنث بكلام أحدهما لأنه شدد على نفسه، ولو حلف لا يكلمهما ونوى واحد لا يحنث بكلام أحدهما انتهى.

وفي (الخانية) قال مشايخنا: الصحيح أنه لو قال أكل هذا الرغيف علي حرام لا يحنث بأكل اللقمة منه لأن هذا بمنزلة قوله: والله لا آكل هذا الرغيف ولو قال هكذا لا يحنث بأكل البعض وجزم في (الخلاصة) في أكل الرغيف علي حرام بأنه يحنث وبه جزم في (المحيط) أيضا بخلاف والله لا آكل هذا الرغيف إذا كان كله يؤكل في مجلس، يعني حيث لا يحنث بأكل لقمة، ولم يبين الفرق ولعل وجهه أن تحريمه الرغيف على نفسه تحريك أجزائه أيضا وفي الثاني إنما منع نفسه من أكل الرغيف كله فلا يحنث بالبعض، وبهذا يضعف ما في (الخانية) وعبر بمن ليشمل ما لو قالت لزوجها: أنت علي حرام أو حرمتك على نفسي فإنه يمين حتى لو طاوعته أو أكرهها على الجماع لزمها الكفارة انتهى. وأنت خبير بأن في شمول كلامه لذلك نظرا بينا (كل حل) أو حلال الله أو حلال المسلمين (علي حرام واقع على الطعام والشراب) إلا أن ينوي غيره، حتى لو نوى الكذب كان كذبا نص عليه في (كافي) الحاكم وهذا استحسان والقياس أنه يحنث كما فرغ لأنه باشر من هذا العام فعلا حلالا هو التنفس وفتح العينين ونحو ذلك وجه الاستحسان أن المقصود وهو البر لا يحصل مع اعتبار العموم فقط، وانصرف إلى الطعام والشراب للعرف، ولا تدخل الزوجة إلا بالنية فإذا

ص: 61

والفتوى على أنه تبين امرأته من غير نية ومن نذر نذرا مطلقا، أو معلقا بشرط، ووجد وفى

ــ

نواها كان موليا ولا تصرف اليمين عن الطعام والشراب (والفتوى) في زماننا (على أنه [280/أ] تبين زوجته بلا نية) لأنه صار طلاقا عرفا ولذا لا يحلف به إلا الرجال ولو قال لم أنو به / الطلاق لم يصدق قضاء.

قال في (الظهيرية): فإن كان له ثلاث نسوة أو أربع وقع على كل واحدة بائنة لكن في (الدراية) لو كان له امرأتان وقع الطلاق على واحدة وإليه البيان في الأظهر كقوله: امرأتي كذا وله امرأتان وأكثر ولو لم يكن له زوجة ذكر في (النوازل) أنه تلزمه كفارة يمين وقيده في (الظهيرية) بما إذا كانت يمينه على مستقبل فإن كانت على ماض كذبا عمدا فلا كفارة عليه لأنه غموس، ومقتضاه أنه لو كان ظنا أن يكون لغوا، ولو كانت له وقت اليمين امرأة فأبانها ثم فعل المحلوف عليه بعد العدة لا كفارة عليه لانصرافها إلى الطلاق، ولو نكح امرأة بعد اليمين ثم باشر الشرط اختلفوا، والفتوى أن زوجته لا تبين، وبه أخذ أبو الليث لأنه جعل يمينا وقته فلا تنصرف إلى الطلاق ولعلم أن مثل هذا اللفظ لم يتعارف في ديارنا بل المتعارف فيه حرام علي كلامك ونحوه كأكل هذا ولبسه دون الصيغة العامة وتعارفوا أيضا الحرام يلزمني، ولا شك أنهم يريدون الطلاق معلقا فإنهم يريدون بعده لا أفعل كذا أو لأفعلنه وهو مثل تعارفهم الطلاق يلزمني لا أفعل كذا فإنه يراد إن فعلت كذا فلهي طالق ويجب إمضاؤه عليهم، والحاصل أن المعتبر في انصراف هذه الألفاظ عربية أو فارسية إلى معنى بلا نية المتعارف فيه فإن لم يتعارف فيه سئل عن نيته كذا في (فتح القدير).

(ومن نذر نذرا مطلقا، أو معلقا بشرط) يراد كونه أو لا (ووجد) الشرط (وفي) المنذور هذا ظاهر الرواية لقوله عليه الصلاة والسلام: (من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى) وعن الإمام أنه قبل موته بسبعة أيام رجع عن لزوم عين المنذور إذا كان معلقا بشرط لا يراد كونه وقال: إنه يحير بين فعله وكفارة يمين كقوله: إن فعلت كذا فعلي صوم.

قال في (الهداية): وهذا التفصيل هو الصحيح، ووجهه رواية مسلم:(كفارة النذر كفارة اليمين) فإنه يقتضي السقوط بالكفارة مطلقا وهو معارض لإطلاق الحديث الأول فحملنا مقتضى الإيفاء بعينه على المنجز أو المعلق بشرط يراد كونه وفي (الخلاصة): لو جعل على نفسه حجا أو صلاة أو صدقة مما هو طاعة إن فعل

ص: 62

به ولو وصل بحلفه إن شاء الله بر في حلفه

ــ

كذا ففعله لزمه ذلك الشيء الذي جعله على نفسه ولم تجز كفارة اليمين في ظاهر الرواية، والشيخ القاضي الإمام علي المروزي كان يقول: إن شاء صام أو صلى أو حج وإن شاء كفر، كذا في مجموع (النوازل) وعن أبي حنيفة أنه رجع عن هذا قبل موته بسبعة أيام، وقال: تجب فيه الكفارة قال السرخسي: وهو اختياري لكثرة البلوى (به) وهكذا اختار الشيهد وبه يفتى انتهى. قال في (البحر): فتحصل أن الفتوى على التخيير مطلقا انتهى.

وأقول: وضع المسألة في (الخلاصة) في التعليق بالشرط الذي لا يراد كونه فالإطلاق ممنوع أعني سواء أريد كونه أو لا - والله الموفق - هذا كله إذا سمى شيئا فإن لم يسم شيئا كان عليه كفارة يمين في المطلق وفي المعلق عند وجود الشرط.

وفي (الولوالجية) وإذا حلف بالنذر وهو ينوي صياما ولم ينو عددا معلوما كان عليه صيام ثلاثة أيام وإذا نوى صدقة ولم ينو عددا فعليه إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، واعلم أنه لو التزم بالنذر أكثر ما يملكه لا يلزمه إلا ما يملكه في المختار حتى لو قال: إن فعلته فألف درهم من مالي صدقة ففعله وهو لا يملك إلا مائة لا يلزمه غيرها لأنه فيما لم يملك لم يوجد في الملك ولا مضافا إلى سببه فلا يصح كقوله: ما لي في المساكين صدقة ولا مال له لا يصح فكذا هذا كذا في (الولوالجية).

وفي (البزازية) لله علي أن أهدي هذه الشاة وهي ملك الغير لا يصح النذر ولو قال: لأهدين هذه الشاة والمسألة بحالها يلزمه وإن نوى يمينا كان يمينا انتهى.

والفرق بين التأكيد وعدمه مما لا أثر له يظهر في صحة النذر وعدمه ثم على الصحة هل تلزمه قيمتها؟ أو يتوقف الحال إلى ملكها محل تردد.

وفي (الخلاصة) لو قال: لله علي إطعام المساكين فهو على عشرة عند الإمام وفي إطعام مسكين يلزمه نصف صاح من حنطة استحسانا ولو قال: إن فعلت كذا فألف / درهم من مالي صدقة، لكل مسكين درهم فحنث وتصدق بالكل على واحد [280/ب] أجزأه، ولو قال: لله أن أعتق هذه الرقبة وهو يملكها فعليه أن يفي بذلك ولو لم يف أثم لكن لا يجبره القاضي، (ولو وصل) الحالف (بحلفه إن شاء الله بر في حلفه) أي: لغا يمينه كما عبر به في (الوافي) وعبر به هنا إيماء إلى أن عدم الانعقاد هنا كالبر إلا أن فيه إيهام الميل إلى قول الثاني من أن الاستثناء للشرط وقالا: إنه مبطل للكلام الأول وما استدل به المشايخ من قوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف على يمين

ص: 63