المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الحقوق العلو لا يدخل بشراء بيت بكل حق وبشراء منزل - النهر الفائق شرح كنز الدقائق - جـ ٣

[سراج الدين ابن نجيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العتق

- ‌باب العبد يعتق بعضه

- ‌باب الحلف بالدخول

- ‌باب العتق على جعل

- ‌باب التدبير

- ‌كتاب الإيمان

- ‌باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

- ‌باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

- ‌باب اليمين في الطلاق والعتاق

- ‌باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها

- ‌باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه

- ‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

- ‌باب حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌كتاب السرقة

- ‌باب قطع الطريق

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنائم وقسمتها

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌باب المستأمن

- ‌باب العشر والخراج والجزية

- ‌فصل في الجزية

- ‌باب المرتدين

- ‌باب البغاة

- ‌كتاب اللقيط

- ‌كتاب اللقطة

- ‌كتاب الآبق

- ‌كتاب المفقود

- ‌كتاب الشركة

- ‌فصل في الشركة الفاسدة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب خيار الشرط

- ‌باب خيار الرؤية

- ‌باب خيار العيب

- ‌باب البيع الفاسد

- ‌باب الإقالة

- ‌باب التولية

- ‌باب الربا

- ‌باب الحقوق

- ‌باب السلم

- ‌باب المتفرقات

- ‌كتاب الصرف

- ‌كتاب الكفالة

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره

الفصل: ‌ ‌باب الحقوق العلو لا يدخل بشراء بيت بكل حق وبشراء منزل

‌باب الحقوق

العلو لا يدخل بشراء بيت بكل حق وبشراء منزل إلا بكل حق هو له أو بمرافقه أو بكل قليل وكثير هو فيه أو منه ....

ــ

باب الحقوق

حق هذا الباب أن يذكر قبل الخيار إلا أن المص كصاحب (الهداية) اقتفى أثر محمد في (الجامع الصغير) في ذكره هنا لأنها توابع فيليق ذكرها بعد مسائل البيوع، وأراد بها حقوق المبيع العلو وهو خلاف السفل بضم العين وكسرها، كذا في (المصباح) وفي غيره مثلث العين وقيل بكسرها لا غير واللام ساكنة، واعلم أن الأسماء ثلاثة البيت والمنزل والدار، بدأ المص ببيان الأول فقال: لا يدخل بشراء بيت، أي (إذا اشترى بيتاً) فوقه بيت (لا يدخل العلو)، ولو قال:(بكل حق) هو له أو بكل قليل وكثير ما لم ينص عليه لأن البيت اسم لمسقف واحد جعل البيات فيه، فمنهم من يقتصر على هذا، ومنهم من يزيد له دهليزاً والعلو مثله في أنه مسقف يبات فيه والشيء لا يستتبع مثله بل هو أدنى منه.

(و) لا يدخل العلو أيضاً (بشراء منزل إلا) أن يقول المشتري (بكل حق هو له أو) كقوله (بمرافقه) جمع مرفق بكسر الميم وفتح الفاء لا غير كالمطبخ والكنيف ونحوه على التشبيه باسم الآلة، بخلاف المرفق في العضو فإن فيه فتح الميم وكسر الفاء وبالعكس، وكذا المرفق يعني ما ارتفقت به، كذا في (المصباح). (أو) يقول (بكل قليل وكثير هو فيه أو منه) لأن المنزل اسم لمكان يشتمل على بيتين أو ثلاثة ينزل فيها ليلاً أو نهاراً وله مطبخ وموضع لقضاء الحاجة فيسكن العيال مع ضرب قصور إذ ليس له إصطبل فلشبهه بالدار يدخل العلو تبعاً عند ذكر التوابع بلا تنصيص والشبهة بالبيت لا يدخل بلا ذكر زيادة.

اعلم أن الحق في العادة يذكر فيما هو تبع/ للمبيع ولا بد له منه ولا يقصد إلا لأجله كالطريق والشرب للأرض، والمرافق عبارة عما يرتفق به ويختص بما هو من التوابع كالشرب ومسيل الماء وقوله: كل قليل وكثير يذكر على وجه المبالغة في إسقاط حق البائع عن المبيع مما يتصل به، كذا في (الذخيرة). والمذكور في (جامع الفصولين) من الفصل السابع أن الحقوق عبارة عن مسيل وطريق وغيره وفاقاً، والمرافق عند أبي يوسف عبارة عن منافع الدار، وفي ظاهر الرواية المرافق هي الحقوق انتهى.

ص: 481

ودخل بشراء دار كالكنيف لا الظلة إلا بكل حق ولا يدخل الطريق والمسيل والشرب إلا بنحو كل حق

ــ

وإلى هذا يشير قوله أو يقول بمرافقه (ودخل) أي: العلو (بشراء دار) بلا ذكر زيادة على شرائها لأنه اسم لساحة أدير عليها الحدود تشتمل على بيوت وعلو، ولا فرق بين كون الأبنية بالتراب والماء أو بالخيام والقباب، كذا في (الفتح) وغيره، والعلو من توابع الأصل وأجزائه فيدخل بلا ذكر.

قالوا: هذا في عرف أهل الكوفة فيدخل العلو من غير ذكر الصور كلها سواء كان المبيع بيتاً فوقه علواً، أو منزلاً كذلك لأن كل مسكن يسمى خانة في العجم، ولو علواً سواء كان صغيراً كالبيت أو غيره إلى دار الملك انتهى. فتسمى سراي (كالكنيف) أي: كما يدخل الكنيف في شراء الدار بلا ذكر لأنه منها عادة، ولو كان خارجها على الظلة وهو المستراح وبعضهم يعبر عنه ببيت، وفي (المصباح) أي الكنيف الساتر ويسمى الترس كنيفاً لأن يستر صاحبه، وقيل للمرحاض كنيف لأنه يستر قاضي الحاجة، وكذا يدخل بئر الماء والأشجار التي في صحنها والبستان الداخل، وأما الخارج فإن كان أصغر منها فكذلك، وإلا بأن كان أكبر منها أو مثلها لا يدخل إلا بالشرط (لا) تدخل (الظلة) بالضم كهيئة الصفة وبالكسر البيت الكبير من الشعر، كذا في (الصحاح).

وفي (المغرب) قول الفقهاء ظلة يريدون السدة التي فوق الباب وادعى في (إيضاح الاصطلاح) أن هذا وهم بل هي السابات الذي أحد طرفيه على الدار والآخر على دار أخرى وعلى الأسطوانات التي في السكة، وعليه جرى في (فتح القدير) وغيره وإنما لم تدخل لأنها مبنية على الطريق فأخذت حكمه وقالا إن كان مفتحها من الدار دخلت (إلا) أن يقول (بكل حق) أو نحوه مما مر.

(ولا يدخل الطريق والمسيل) وهو موضع جريان الماء من المطر ونحوه، (والشرب) وهو النصيب من الماء في بيع المسكين أو الأرض (إلا بنحو بكل حق) كالمرافق وكل قليل وكثير لأن هذه الأشياء تابعة من وجه من حيث أنها تقصد بالانتفاع بالمبيع دون عينها أصل من وجه من حيث أنها يتصور وجودها بدون المبيع فلا تدخل إلا بذكر الحقوق أو المرافق. قال في (المحيط): المراد الطريق الخاص في ملك إنسان، فأما طريقها إلى سكة غير نافذة وإلى الطريق العام فيدخل، وعلله فخر الإسلام بأنه ليس من هذه الدار فلا يدخل إلا بذكر الحقوق وهذا يقتضي أن الطريق الذي في هذه الدار يدخل وهو غير ما في (الكتاب) فالحق أن كلاً منهما لا يدخل، لأنه وإن كان في هذه الدار فلم يشتر جميع هذه الدار وإنما اشترى شيئاً معيناً منها

ص: 482

بخلاف الإجارة.

فصل

البينة حجة متعدية لا الإقرار

ــ

فلا يدخل ملك البائع أو الأجنبي إلا بذكره كذا في (الفتح) فإن ذكر الحقوق وقال البائع: ليس للدار المبيعة طريق في دار أخرى فالمشتري لا يستحق الطريق بغير حجة ولكن له أن يردها بالعيب (بخلاف الإجارة) حيث يدخل الطريق والمسيل والشرب في إجارة الدار والأرض بلا ذكر الحقوق لأن المقصود منها إنما هو الانتفاع بغير هذه الأشياء والبيع ليس كذلك، فإن المقصود منه في الأرض ملك الرقبة لا خصوص الانتفاع بل إما هو أو ليتجر فيها أو يأخذ نقضها فلم تتعين فائدة البيع، ولذا جاز بيع الجحش كما ولد، والأرض السبخة دون إجارتهما ولو اشترى علواً أو استثنى الطريق جاز بخلاف الإجارة.

تتمة: الإقرار بدار والصلح عليها والوصية بها كالبيع لا يدخل الطريق فيها إلا بذكر الحقوق أو المرافق كما في (الخانية)، وفي (الخلاصة) يدخل الطريق في الرهن والصدقة الموقوفة كالإجارة وفي القسمة ولو لم يذكر طريقاً، فإن أمكنه فتح باب صحت وإلا فسدت، وفي (الفتح) ولا يدخل الطريق والمسيل فيها إلا برضى صريح ولا يكفي فيه ذكر الحقوق والمرافق وينبغي أن تكون الهبة والنكاح والخلع والعتق على دار كالبيع لا يدخل الطريق فيها إلا بذكر الحقوق والمرافق والوجه فيها لا يخفى، وفي (الحواشي اليعقوبية) ينبغي أن يكون الرهن كالبيع إذ لا يقصد به الانتفاع وهو جيد إلا أنك قد علمت أن المنقول خلافه.

فصل الاستحقاق

وهو طلب الحق ذكره بعد الحقوق للمناسبة بينهما لفظاً ومعنى، ولولا هذا لكان ذكره عقب الصرف أولى يقال استحق فلان الأمر/ استوجبه فالأمر مستحق بالفتح اسم مفعول، ومنه خروج المبيع مستحقاً (البينة حجة متعدية) على الغير لا تصير حجة إلا بالقضاء وللقاضي ولاية عامة فينفذ قضاؤه في حق الكافة (لا الإقرار) لأنه يتوقف على القضاء، وللمقر ولاية على نفسه دون غيره فيقتصر عليه، كذا في (الشرح).

قال في (البحر): وهو ظاهر في أن معنى التعدي كونه قضاء على الكافة في كل

ص: 483

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما قضى فيه بالبينة وليس كذلك، وإنما يكون على الكافة في الحرية والنكاح والنسب والولاء خاصة، واختلف المشايخ في الوقف، كما في (الخلاصة)، وصحح العمادي أنه ليس على الكافة، وأما القضاء بالملك فقضاء على المدعى عليه وعلى من تلقى الملك عنه، كذا في (الخلاصة) أيضاً.

وفي (فتح القدير) القضاء باستحقاق المبيع من يد المشتري قضاء على الكل ولا تسمع دعوى أحد منهم أنه ملكه وعلى الوارث قضاء المورث بشرطه، وذكر ملا خسروا أن الحكم بالحرية الأصلية حكم على الكافة لا تسمع دعوى الملك من أحد، وكذا العتق وفروعه وفي الملك المؤرخ على الكافة من التاريخ لا قبله يعني، إذا قال زيد لبكر: إنك عبدي ملكتك منذ خمسة أعوام فقال بكر: إني كنت عبد بشر ملكي منذ ستة أعوام فأعتقني وبرهن عليه اندفع دعوى زيد، ثم إذا قال عمرو لبكر: إنك عبدي ملكتك منذ سبعة أعوام وأنت ملكي الآن فبرهن عليه يقبل ويفسخ الحكم بحريته ويجعل ملكاً لعمرو، ويدخل عليه أن قاضي خان قال في أول البيوع من شرح (الزيادات) فصارت مسائل الباب على قسمين: العقد عتق في ملك مطلق وهو بمنزلة حرية الأصل والقضاء به قضاء على كافة الناس، والثاني القضاء بالعتق في الملك المؤرخ وهو قضاء على كافة الناس من وقت التاريخ ولا يكون الكافة قبله فليكن هذا على ذكر منك فإن الكتب المشهورة خالية عن هذه الفائدة انتهى.

وفي (الحواشي اليعقوبية): هذا مشكل على قول الإمام لأن الجزئية بعتاق عارض حق العبد عنده إلا أن يقال إن عموم حكم الحرية وفروعها على قولهما وهو بعيد انتهى، ثم ذكر ما قاله ملا خسروا وعزاه إلى (الزيادات) وغيرها من الكتب وإذا عرف هذا فالأولى أن يفسر تعديها بعدم اقتصارها على المدعى عليه أعم من كونه القضاء بها على الكافة أو لا بخلاف الإقرار، واعلم أنه عند اجتماع الإقرار والبينة ما الذي يقضى به ففي (فتاوى رشيد الدين) لو أقر عند الاستقاق بالاستحقاق، ومع ذلك أقام المستحق البينة وأثبت عليه الاستحقاق بالبينة كان له أن يرجع على بائعه لأن القضاء وقع بالبينة لا بالإقرار، وذكره في آخر كتاب (الدعوى) ادعى عينا في يد رجل وأنكر المدعى عليه فأقام بينة على ما ادعاه فقبل أن يقضي القاضي للمدعي ببينة أقر المدعى عليه بالعين للمدعي يقضي بالبينة أو بالإقرار؟ اختلف المشايخ فيه قال بعضهم: بالإقرار، وقال بعضهم: بالبينة، والأول أظهر وأقرب إلى الصواب.

قال في (الفتح): وهذا يناقض ما ذكره أولا إلا أن نخص تلك بعارض الحاجة إلى الرجوع وتحصل من هذا أن عند ثبوت الحق بهما يقضي بالإقرار على الأظهر إلا

ص: 484

والتناقض يمنع دعوى الملك لا الحرية

ــ

عند الحاجة فبالبينة (والتناقض)، وهو كما في (المصباح) التدافع يقال: تناقض الكلامان تدافعا كأن كل واحد نقض الآخر وفي كلامه تناقض كأن بعضه يقتضي إبطال بعض (يمنع دعوى الملك) أي: ملك العين أو المنفعة لما في (الصغرى) طلب نكاح الأمة مانع من دعوى تملكها، وطلب نكاح الحرة مانع من دعوى نكاحها، وكما يمنعها لنفسه يمنعها لغيره وعلى ذلك تفرع ما في (البزازية) ادعى أنه فلان موكله بالخصومة ثم ادعى أنه لفلان آخر وكله بالخصومة لا يقبل إلا إذا وفق وقال لفلان الأول وقد وكلني بالخصومة ثم باعه من الثاني ووكلني أيضاً، والتدارك ممكن بأن غاب عن المجلس وجاء بعد فوت مدة، وبرهن على ذلك على ما نص عليه الحصري في (الجامع) دل أن الإمكان لا يكفي انتهى.

وقيل: إن إمكان التوفيق كاف حكاه في (الخلاصة)، واختار الخجندي أنه إن كان من المدعي فلابد من التوفيق بالفعل، وإن كان من المدعى عليه فالإمكان كاف لأن الظاهر عند الإمكان وقوعه وهو حجة في الدفع لا في الاستحقاق والمدعى عليه دافع والظاهر يكفي في المدفع لا في الاستحقاق والمدعى عليه، ويقال: إن تعددت الوجوه لا يلغى الإمكان، وإن اتحدت يكفي، كذا في (البزازية).

ومن فروع التناقض ادعى عيناً في يد إنسان أنها لزيد وقد وكلني بالخصومة ثم ادعاه لنفسه وبرهن لا يقبل، ولو لنفسه ثم لفلان وبرهن قبل ومنها ادعى نفقة بالأخوة فأنكر أنه أخ له ثم مات فطلب إرثه مدعياً أنه أخ له لا يقبل، وفي الأبوة والبنوة والمسألة بحالها يقبل ويقضى له بالميراث، ومنها ادعى عليه ديناً معلوماً فأنكر، ثم إنه ادعى شركة لا يقبل وفي عكسه يقبل لأن مال الشركة/ يجوز أن يكون ديناً والدين لا يصير مال الشركة الكل في (الظهيرية)، وفروع التناقض كثيرة وسيأتي في الدعوى شيء منها أيضاً إن شاء الله تعالى. (لا) يمنع التناقض دعوى (الحرية) حتى لو ادعى المكاتب بدل الكتابة ثم برهن على إعتاق المولى قبلها قبلت ورجع بما أدى، وكذلك العبد لو انقاد للبيع ثم ادعى العتق بعده أو أنه حر الأصل وبرهن على ذلك قبل برهانه استحساناً، كذا في (المبسوط) وغيره.

قال في (جامع الفصولين): وتفسير الانقياد أن ينقاد لتسليم المشتري يعني إذا أسلم للمشتري لا يأبى وسكت، أما السكوت عند البيع فليس انقياد انتهى، وكما لا يمنع التناقض دعوى الحرية وفروعها من العبد لا يمنعها من المشتري حتى لو برهن المشتري على أنها حرة الأصل وهي تدعي ذلك، أو أنها ملك لفلان وقد أعتقها أو دبرها أو استولدها قبل شرائها تقبل ويرجع بالثمن على البائع لأن التناقض في

ص: 485

والنسب والطلاق

ــ

الحرية وفروعها لا يمنع صحة الدعوى، كذا في فروع (فتح القدير). وظاهر أن قوله وهي تدعي ذلك اتفاقي (والطلاق) حتى لو برهنت على الثلاث بعدما اختلعت قبل برهانها واستردت قبل الخلع لاستقلال الزوج بذلك بدون علمها، وكذلك لو قاسمت المرأة ورثت زوجها وقد أقروا بالزوجية كباراً ثم برهنوا أن زوجها كان طلقها في صحته ثلاثاً فإنهم يرجعون عليها بما أخذت، ومن هذا النوع استأجر داراً، ثم ادعى أن والده كان اشتراها له في صغره وبرهن قبلت، كذا في (العمادية) وغيرها. وفي (البزازية) ادعى شراء من أبيه فقل أن يزكي شهوده برهن على أن ورثها منه يقبل، وعلى العكس لا ولو ادعى عليه عيناً له وعليه قيمته ثم ادعى أن العين قائم في يده وعليه إحضاره يقبل، وكذلك على القلب لأنه مكان الخفاء فيعفى فيه التناقض.

(و) لا يمنع أيضاً دعوى (النسب) كما لو باع عبداً ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعى البائع الأول أنه ابنه تسمع دعواه ويبطل الشراء الأول والثاني لأن النسب ينبني على العلوق فيخفى عليه فيعذر في التناقض قاله العيني، وقدمنا أن التناقض كما يعفى في الفروع يعفى في الأصول أيضاً.

وأما من عداهم فإنهم لا يعفى فيه كالأخوة وقد صح عد ذلك البزازي في الدعوى حيث قال: ادعى على آخر أنه أخوه لأبويه، إن ادعى إرثاً أو نفقة وبرهن عليه يقبل ويكون قضاء على الغائب أيضاً حتى لو حضر الأب وأنكر لا يقبل ولا يحتاج إلى إعادة البينة لأنه يتوصل إليه إلا بإثبات الحق على الغائب، وإن لم يدع مالاً بل ادعى الأخوة المجردة لا يقبل لأن هذا في الحقيقة إثبات البنوة على أبي المدعى عليه والخصم فيه هو الأب لا الأخ، وكذا لو ادعى أنه ابن ابنه وأب ابنه والابن غائب أو ميت لا يصح ما لم يدع مالاً، فإن ادعى مالاً فالحكم على الحاضر والغائب جميعاً كما مر، بخلاف ما لو ادعى عليه أنه أبوه أو ابنه أو على امرأة أنها زوجته، أو ادعت عليه أنه زوجها أو ادعى العبد على عربي أنه مولى عتاقه أو ادعى عربي على آخر أنه معتقه، أو ادعت على رجل أنها أمته، أو كانت الدعوى بولاء الموالاة وأنكر المدعى عليه فبرهن المدعي على ما قال يقبل ادعى به حقاً أو لا، ألا ترى أنه لو أقر بأنه أبوه أو ابنه أو زوجته صح، أو بأنه أخوه لا لكونه حمل النسب على الغير انتهى، وإذا عرف هذا فدعوى نحو الأخوة من قبيل دعوى الملك لكونها لا تصح إلا في ضمن مال، وفيها معزياً إلى (الذخيرة) ادعاه مطلقاً فدفعه المدعى عليه بأنك كنت ادعيته قبل هذا مقيداً: وبرهن عليه فقال المدعي: ادعيته الآن بذلك السبب وتركت المطلق يقبل ويبطل الدفع انتهى، وبه عرف أن المتناقض لو قال: أبطلت أحد الكلامين يقبل

ص: 486

مبيعة ولدت فاستحقت ببينة تبعها ولدها وإن أقر بها لرحل لا

ــ

منه ولا يحتاج إلى التوفيق ولا إلى النظر في إمكانه، كذا في (البحر) وفي الاستخراج تأمل فتدبره. وفي (الصغرى) ادعى بحدوث إرث ثم ادعاه ملكاً مطلقاً لا تسمع إذا كانت الدعوى الأولى عند قاضي، أما إذا لم تكن فهذا والأول سواء هذا على الرواية التي ذكروا بأن التناقض إنما يتحقق إذا كان كلا الدعوتين عند القاضي، فأما من اشترط أن يكون الثاني عند القاضي يكتفى في تحقق التناقض بكون الثانية عند الحاكم. وفي (البزازية): ذكر مسألة ثم قال: المسألة أنه لا يشترط في التناقض كون المبتدأ تعين في مجلس الحكم بل يكتفى بكون الثاني في مجلس الحكم انتهى. والأوجه عندي اشتراطهما عند الحاكم إذ من شرائط الدعوى كونها لديه كما سيأتي والله الموفق.

(مبيعة ولدت) لاستيلاد منه قيد به في (العناية)(والكافي) ولابد منه (ببينة تبعها ولدها) وأرشها، (وإن أقر بها لرجل لا) أي: لا يتبعها، والفرق ما مهده من الأصل وهو أن البينة حجة متعدية لا الإقرار إلا أن هذا مقيد/ بما إذا لم يدعه المقر له، فإن ادعاه كان له أيضاً وظاهر قوله تبعها ولدها أنه لا يحتاج إلى القضاء به، والأصح أنه لا بد من القضاء به أيضاً لأنه أصل القضاء لانفصاله واستقلاله، وإلى هذا أشار محمد بقوله: إذا قضى القاضي بالأصل ولم يعلم بالزوائد لا تدخل الزوائد تحت الحكم، وكذا إذا كانت في يد غائب حيث لم يدخل القضاء على الغائب في ضمن القضاء على الحاضر وهو أمر جائز، عرف أنه يشترط القضاء بالولد بخصومة.

وفي (البزازية) شهدا على رجل في يده جارية أنها لهذا المدعي ثم غابا أو ماتا ولها ولد في يد المدعى عليه يدعي عليه أنه له وبرهن على ذلك لا يلتفت الحاكم إلى برهانه ويقضي بالولد للمدعي، فإن حضر الشهود وقالوا: الولد للمدعى عليه، ضمن الشهود قيمة الولد لأنهم رجعوا، فإن كانوا حضوراً وسألهم عن الولد فإن قالوا: إنه للمدعى عليه ولا ندري لمن الولد يقضي بالأم للمدعي دون الولد انتهى، وهذا يفيد أن القضاء بالولد محله ما إذا بينا أنه للمدعى عليه، وقالوا: لا ندري لا يقضي به، واعلم أن القضاء باستحقاق المبيع لا يوجب انفساخ العقد لكن يوجب توقفه على إجازة المستحق، كما في (النهاية) وتبعه الجماعة واعترضه شارح بأن غايته أن يكون بيع فضولي وفيه إذا وجد عدم الرضى ينفسخ العقد وإثبات الاستحقاق دليل عدم الرضى.

قال في (الفتح): وما ذكره صاحب (النهاية) هو المتصور وقول إثبات الاستحقاق دليل عدم الرضى بالبيع فليس بلازم لا يجوز أن يكون دليل عدم الرضى

ص: 487

وإن قال عبد لمشتر اشترني فأنا عبد فاشتراه فإذا هو حر فإن كان البائع حاضراً أو غائباً غيبة معروفة فلا شيء على العبد وإلا رجع المشتري على العبد والعبد

ــ

بأن يذهب من يده مجاناً وذلك لأنه لو لم يدع الاستحقاق ويثبته استمر في يد المشتري من غير أن يحصل له عينه ولا بد له فإثباته ليحصل العقد إما بالعين أو البدل بأن يجير ذلك البيع هذا واختلف في البيع متى ينفسخ؟ والصحيح أنه لا ينفسخ ما لم يرجع على بائعه بالثمن حتى لو أجاز المستحق بعدما قضي له أو بعدما قبضه قبل أن يرجع المشتري على بائعه يصح.

وقال الحلواني: الصحيح من مذهب أصحابنا أن القضاء للمستحق لا يكون فسخاً للبياعات ما لم يرجع كل على بائعه بالقضاء، وعن الإمام لا ينتقض ما لم يأخذ العين بحكم القاضي، وفي ظاهر الرواية لا ينفسخ ما لم ينفسخ وهو الأصح، (وإن قال عبد): أي إنسان (لمشتر اشترني فأنا عبد) لزيد (فاشتراه) معتمداً مقاله (فإذا هو حر) أي: ثبتت حريته بدعواه مع البرهان عقب شراءه على وزان خرجت فإذا الأسد بالباب قيل: المسألة منه للتناقض.

وأجيب بأنها موضوعة في حرية (الأصل) وفيها لا تشترط الدعوى لتضمنه تحريم فرج أمة على السيد وأخواتها وبناتها وحرمة الفرج حقه تعالى، وجعله في (العناية) قول عامة المشايخ، والمذكور في (الشرح) أن عامتهم على أن دعوى العبد شرط عنده في الأصلية والعارضية وهو الصحيح، لكن التناقض لا يمنع صحة الدعوى بها، أما في حرية الأصل فلحقا العلوق، وأما في الإعتاق فلأن المولى ينفرد به والتناقض في دعوى ما فيه خفاء يعذر فيه.

وفي (البزازية) أجمعوا على أن اشتراط الدعوى للتحليف في الحرية الأصلية، ولو ادعاها ثم ادعى العارضية يعفى التناقض، (فإن كان البائع حاضراً أو غائباً غيبة معروفة) بأن علم مكانه وظاهر إطلاقهم ولو بعد بحيث لا يوصل إليه عادة كأقصى الهند (فلا شيء على العبد) للتمكن من الرجوع على القابض (وإلا) بأن لم تكن معروفة (رجع المشتري على العبد) بالثمن، وعن أبي يوسف أنه لا يرجع وجه الظاهر أن المشتري شرع في الشراء معتمداً على أمره وإقراره فكان مغروراً من جهته، والتقرير في المعاوضات يجعل سبباً للضمان فكان بتقريره ضامناً لدرك الثمن له عند تعذر رجوعه على البائع قيد بالأمر والإقرار، لأنه لو أمره بالشراء ولم يقر أو أقر ولم يأمره لا يرجع على المشتري اتفاقاً، كذا في (الحواشي اليعقوبية) تبعاً (للعناية) وغيرها ويرجع العبد على العبد لأنه أدى عنه دينه وهو مضطر إلى أدائه.

(و) في شرح (الجامع الصغير) لقاضي خان هذه المسألة دليل على أن (العبد)

ص: 488

على البائع بخلاف الرهن ومن ادعى حقاً في دار فصولح على مائة فاستحق بعضها لا يرجع بشيء ولو ادعى كلها رجع عليه بقسطه

ــ

إذا كفل بثمن نفسه (على البائع) صحت الكفالة انتهى، فإن أريد بالعبد الذي ظهر أنه حر فلا إشكال في صحة الكفالة حتى لو قال: اشترني فأنا عبد وقد ضمنت لك الثمن وظهر أنه حر كان للمشتري الرجوع عليه بالثمن، ولو كان البائع حاضراً وإن أريد به الذي لم تظهر حريته وقد استحق من يد المشتري فسيأتي أنه يطالب بالكفالة بعد العتق ولا كلام في الصحة.

وفي (الخانية) المغرور يرجع بأحد أمرين، إما بعقد المعاوضة، أو بقبض بكون الدافع كالوديعة والإجارة إذا هلكت العين فيهما ثم جاء مستحق واستحق العين أو ضمن المودع والمستأجر فإنهما يرجعان على الدافع/ بما ضمن (بخلاف الرهن)، أي: بخلاف ما لو قال: ارتهني فأنا عبد فارتهنه فإذا هو حر حيث لا يرجع على العبد بحال لأنه ليس بعقد معاوضة بل عبد وثيقة لاستيفاء عين حقه حتى جاز الرهن بيد الصرف والمسلم فيه، فلو هلك يقه استيفاء للدين، ولو كان معاوضة لا يجعل الأمر به ضماناً إذ ليس تعزيزاً في عقد معاوضة.

(ومن ادعى حقاً) أي مجهولاً (في دار فصولح على مائة فاستحق بعضها) أي بعض الدار (لم يرجع) المدعى عليه (بشيء) على المدعى لأن دعواه يجوز أن تكون فيما بقي، وإن قل قيد باستحقاق بعضها لأنه لو استحق الكل رجع بما أدى لأنا تيقنا بأنه أخذ عوض ما لا يملك ونكر الحق لأنه لو قدره بجزء معلوم كربع ونحوه لا يرجع عليه ما دام في يده ذلك المقدار، وإن بقي أقل منه رجع بحساب ما استحق منه.

قالوا: دلت المسألة على أمرين أحدهما أن الصلح عن مجهول على معلوم جائز لأن الإبراء عن مجهول جائز عندنا لأن الجهالة فيما يسقط لا تفضي إلى المنازعة، والثاني أن صحة الدعوى ليست شرطاً في صحة الصلح لأن دعوى الحق غير صحيحة لجهالة المدعي به، ولذا لو أقام بينة لا تقبل نعم لو ادعى إقراره بالحق قبلت لأن الإقرار بالمجهول صحيح يعني ويجبر على البيان.

تكميل: اشترى شيئاً ثم قال: هو ملك فلان وصدقه هو أو أنكر فحلف فنكل ليس له في شيء من ذلك الرجوع على البائع، بخلاف الوكيل في البيع إذا رد عليه بعيب فحلف فنكل يلزم الموكل لأن النكول من المضطر كالبينة وهو مضطر في النكول إذا لم يعلم عيبه ولا سلامته، (ولو) أقام المشتري بينة على أنه ملك فلان يقبل لعدمه، كذا في (الفتح).

وفي (البزازية) ذكر القاضي (ادعى عليه) أنها له، ثم ادعى أنها وقف عليه

ص: 489

ومن باع ملك غيره فللمالك أن يفسخه ويجيزه إن بقي العاقدان والمعقود عليه

ــ

تسمع لصحة الإضافة بالأخصية انتفاعاً كما لو ادعى لنفسه ثم ادعى لغيره ذلك أو ادعاه بالوكالة عن غيره، ولو ادعى أولاً الوقف ثم ادعاه لنفسه لا تسمع كما لو ادعاها لغيره ثم لنفسه.

فصل في بيع الفضولي

ذكره بعد الاستحقاق لأن بيعه صورة من صوره لأنه يتضمن، إما دعواه إن بايعك باع ملكي بغير أمري الغصب، أو فضولي بضم الفاء لا غير جمع فضل غلب على هذا الجمع في الاشتغال بما لا يعنيه ولا ولاية له فيه، قال في (الفتح): فقول بعض الجهلة لمن يأمر بالمعروف أنت فضولي يخشى عليه الكفر، ولما كان علماً بالغلبة على هذا المعنى لم يرد في النسبة إلى الواحد، وإن كان هو القياس كالأنصاري كما في (البناية) وفي (المغرب) هو في اصطلاح الفقهاء من ليس بوكيل وفتح الخطأ انتهى. والأولى ما قيل: هو من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي إذ الولي المجبر ليس بوكيل (ومن باع ملك غيره) يعني لغيره.

أما إذا باع لنفسه لم ينعقد، كذا في (البدائع) وأراد بغير أمره لقوله (فللمالك أن يفسخه أو يجيزه)، وأفاد أنه صحيح لكنه موقوف على الإجازة لخبر الترمذي عن حكيم بن حزام دفع له صلى الله عليه وسلم ديناراً ليشتري به أضحية فاشترى شاة ثم باعها بدينارين واشترى واحدة بدينار وجاء بالشاة والدينار إليه وأخبره بذلك فقال:(بارك الله في صفقتك، فأما الشاة فضح بها، وأما الدينار فتصدق به) ولأن هذا التصرف عار عن الضرر بل فيه نفع العاقد بصون كلامه عن الإلغاء بل وحصول الثواب إذا نوى الإعانة على حصول الرفق لأخيه المسلم والمالك باكتفائه مونة طلب المشتري ونفاق سلعته والمشتري بوصوله إلى المبيع قيد بالمالك لأن الفضولي ليس له غير الفسخ دفعاً للحقوق عن نفسه، ثم إجازة المالك شروط نبه عليها بقوله:(إن بقي العاقدان والمعقود عليه) لأنها تصرف في العقد فلا بد من قيامه وذلك بقيام من ذكر، ولو لم يعلم حال المعقود عليه وقت الإجازة جاز في قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد، وفي قوله الآخر لا يجوز ما لم يعلم قيامه وقتها لأن الشك وقع في شرط الإجازة فلا يثبت مع الشك. قال في (البحر): ولا يشترط قيام المبيع وفي مسألة في لقطة (الخلاصة) الملتقط إذا باع اللقطة فهلكت العين فأجاز المالك بعد الهلاك صح.

ص: 490

وله وبه ولو عرضاً،

ــ

وأقول: لم أجدها في (الخلاصة) وإنما التي فيها ما لفظه: الملتقط إذا باع اللقطة بغير أمر القاضي ثم جاء صاحبها بعدما هلكت العين إن شاء ضمن البائع، وعند ذلك ينفد البيع من جهة البائع في ظاهر الرواية، وبه أخذ عامة المشايخ، وذكر السرسخي أن المودع إذا باع الوديعة وهلكت وضمنه المالك فهو كاللقطة انتهى.

وهكذا في (البزازية) وليس هذا من إجازة البيع الفضولي في شيء بل إنما نفد بيعه لثبوت الملك للبائع بأداء الضمان ضرورة فلا استثناء حينئذ فتدبره.

وفي (فروق الكرابيسي) لو شرط الفضولي الخيار للمالك بطل العقد لأنه لو بدون الشرط فيكون الشرط له مبطلاً انتهى، وكان ينبغي أن يكون الشرط لغواً فقط فتدبره والمعقود له لتوقفه على إجازته حتى لم ينفد بإجازة غيره كالوارث بخلاف القسمة الموقوفة على إجازة الغائب الكبير فإنها/ تجوز بإجازة ورثته بعد موته عندهما استحساناً لأنه لا فائدة في نقض القسمة ثم الإعادة، وقال محمد: لا تجوز بإجازة ورثته وهو القياس قال في بيع مقايضة واشترط قيامه أيضاً لأن له شبهاً بالمبيع وبالإجازة يكون الفضولي مشترياً للعرض من وجه الشراء حيث وجد نفاذاً لا يتوقف فيصير العرض مملوكاً له، والإجازة إجازة نقد على معنى أنه أجاز الفضولي أن ينقد ثمن ما اشتراه من ذلك العرض كأنه قال: اشتر هذا العرض لنفسك وانقد ثمنه من مالي هذا قرضاً عليك، فإن كان مثلياً فعليه مثله، وإن كان قيمياً كجارية فيصير مستقرضاً للجارية والقرض، وإن لم يجز في القيميات لكن إذا كان قصداً وهو هنا ضمناً مقتضى كصحة الشراء فيراعى فيه شرائط صحة المقتضى وهو الشراء لا غير، قيد بالعرض لأن غيره لا يشترط قيامه وقت الإجازة وبها يصير الثمن في يد الفضولي أمانة، واختلف المشايخ فيما لو هلك قبلها هل يرجع المشتري عليه بمثله، والأصح أنه إن علم أنه فضولي لا يرجع وإلا رجع، كذا في (القنية) وجزم الشارح بأنه أمانة مطلقاً قيد بقوله باع، لأنه لو اشترى لغير نقد عليه إلا إذا كان المشتري صبياً أو محجوراً عليه فيتوقف هذا إذا لم يضفه الفضولي إلى غيره، فإن أضافه بأن قال بع هذا العبد لفلان فقال البائع: بعته لفلان توقف، والصحيح أنه يكفي في التوقف بأن يضاف في أحد الكلامين إلى فلان، كما في (البزازية).

وفي (فروق الكرابيسي) لو اشتريت لفلان بكذا والبائع يقول: بعت منك بطل العقد في أصح الروايتين انتهى، وعلى هذا فالاكتفاء بالإضافة في أحد الكلامين مقيد بأن لا يضاف إلى الآخر، واعلم أن الإجازة تكون بالفعل كتسليم المبيع وأخذ الثمن وبالقول كطلب الثمن، ولو قال: أصبت أو أحسنت أو وفقت فليس بالإجازة.

ص: 491

وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه لا بيعه،

ــ

وفي (المنتقى) لو قال: بئس ما صنعت كان إجازة كما لو وهب الثمن للمالك أو تصدق به على المشتري كان المبيع قائماً، وفي (فروق الكرابيسي) أسأت إجازة.

تتمة: فضوليان باع أمة كل من رجل فأجيز انتصفت بينهما ولكل منهما خيار الأخذ أو الترك، ولو باعها فضولي وأجرها آخر وزوجها أو وهبها وأجيزا معاً ثبت الأقوى وهو البيع ويبطل ما عداه، ولذا ثبت الهبة إذا وهبه فضولي وأجره آخر وكل من العتق والكتابة والتدبير أحق من غيرها أنها لأزمنة بخلاف غيرها، والإجازة أقوى من البرهان من الرهن، والبيع أقوى من الهبة، كذا في (فتح القدير) آخر الباب.

(وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه) عندهما استحساناً، والقياس أن لا يجوز وهو قول محمد، والخلاف مبني على أن بيع الفضولي لا ينعقد عند محمد في حق الحكم وهو الملك لانعدام الولاية فكان الإعتاق لا في الملك فيبطل، وعندهما يوجبه موقوفاً لأن الأصل إيصال الحكم بالسبب والتأخير لدفع الضرر عن المالك والضرر في نفاد الملك لا في توقفه ولا نسلم أن الإعتاق يحتاج إلى الملك وقت ثبوته بل وقت نفاده، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم (لا عتق لابن آدم فيما لا يملك العتق) وهو ثابت هنا فإنا لم نوقفه قبل الملك قيد بعتق المشتري لأن عتق الغاصب لا ينفذ بأداء الضمان لأن الغصب ليس سبباً موضوعاً لإفادة الملك، وإنما ثبت الملك ضرورة أداء الضمان فيقتصر على ذلك وليس الإجازة قيد لأنه يصح أيضاً بأداء الضمان من الغاصب في الأصح، كما في (الهداية) وكذا من المشتري في الصحيح كما في الشرح، فلو قال: أداء الضمان لكان أولى لأنه لا يشترط أن يكون غاصباً لأنه لو لم يسلم المبيع فالحكم كذلك ولعله إنما ذكره لأجل البيع لأن بيع العبد قبل قبضه فاسد، كذا في (البحر).

(لا) يصح (بيعه) لبطلان عقده بالإجازة، فإن بها ثبت الملك للمشتري باتاً، والبات إذا ورد على موقف لغيره أبطله لعدم تصور اجتماعهما على محل واحد على وجه يطرأ فيه البات وهذا القيد لا بد منه وإلا فقد كان فيه ملك بات وعرض معه الملك الموقوف، وأورد ما مر من أن الغاصب لو باع ثم أدى الضمان ينفد بيعه مع أنه طرأ ملك بات على موقوف لغيره.

وأجيب بأن ملك الغاصب ضروري فلم يظهر في إبطال ملكه المشتري، وهذا التقرير صريح في أن بيع المشترى من الغاصب موقوف والمصرح به في (المعراج)

ص: 492

ولو قطع يده عند المشتري فأجيز فأرشه لمشتريه وتصدق بما زاد على نصف الثمن ولو باع عبد غيره بغير أمره

ــ

أنه غير موقوف لأن فائدته النفاذ ولا تحقق له وهذا معنى ما في (البدائع) من أن الفضولي إنما ينعقد بيعه موقوفاً إذا باعه لمالكه، أما إذا باعه لنفسه لا ينعقد وعلى هذا فقولهم في توجيه المسألة إذا طرأ ملك بات على موقوف لغيره مشكل إلا أن يقال على ما من شأنه أن يكون موقوفاً لعدم إذن المالك، وإن لم يكن موقوفاً هنا وفيه بعد ظاهر (ولو قطعت يده)، أي: يد العبد المومأ إليه يعتق، والقطع مثال إذ الحكم كذلك فيما لو أصابه جراحة توجب أرشاً (عند المشتري فأجيز)، أي: البيع (فأرشه) أي: القطع ولا يجوز أن يعود الضمير على اليد كما هو ظاهر ما في العيني/ للزوم التأنيث حينئذ لأنها مؤنثه سماعاً (لمشتريه) لأن قطع اليد لا يمنع صحة الإجازة إذا لم يفت المقصود عليه بذلك، فإذا أجيز ظهر أنه قطع في ملكه فيستحق أرش اليد وعن هذا.

قلنا: لو قطعت يده والخيار للبائع فأجاز البيع يكون الأرش للمشتري أيضاً، وعلى هذا كل ما يحدث منه من كسب أو ولد أو قعر بخلاف ما لو قطعت يده عند الغاصب ثم ضمن قيمته حيث لا يكون الأرش له لأن الغصب لم يوضع سبباً للملك، وإنما يثبت له ضرورة على ما مر فلم يظهر في حق الزوائد، (وتصدق) المشتري (بما زاد على نصف الثمن) إن كان نصف القيمة أكثر من نصف الثمن لأن الزائد لم يدخل في ضمانه فكان ربح ما لم يضمن، وهذا لأن الداخل فيه ما كان في مقابلة الثمن واليد من الأدنى نصفه فما زاد على نصف الثمن لم يقابله شيء فلا يطيب له.

قال في (الهداية): وفيه شبهة عدم الملك، ووجهه أن الملك ثبت يوم القطع مستنداً إلى يوم البيع وهو ثابت من وجه دون وجه وهو شبهة عدم الملك والأول أولى، لأنه لو وجب التصدق بهذا الزائد لوجب في الكل، وجعل في (الكافي) الأول فيما إذا لم يكن العبد مقبوضاً، والثاني فيما إذا كان المقبوض وأنت خبير بأن الأول كان لإثبات المطلوب في الموضوعين فلا حاجة إلى الثاني.

(ولو باع عبد غيره بغير أمره) هذا القيد أعني عدم الأمر، وإن وقع في (الجامع الصغير) إلا أنه ليس في صورة المسألة في شيء فبرهن المشتري على إقرار البائع والبائع على إقرار المشتري، كما في (الخلاصة) وغيرها أو برهن المشتري على إقرار رب العبد أنه، أي: رب العبد لم يأمره بالبيع وأراد رد العبد لم يقبل بينة لعدم دعواه بالتناقض، إذ الإقدام على الشراء والبيع دليل على دعوى الصحة وأنه يملك البيع ودعوى الإقرار بعدم الأمر يناقضه، وقبول البينة ينبئ على صحة الدعوى، ولو لم يكن له بينة كان القول لمدعي الأمر إذ غيره متناقض فلا تصح دعواه، ولذا لم يكن

ص: 493

ولو أقر البائع بذلك عند القاضي بطل البيع إن طلب المشتري ذلك

ــ

لاستحلافه فرق بين هذا، وما في (الزيادات) من أن المشتري لو صدق المستحق على دعواه ثم برهن على إقرار البائع بأنه للمستحق يرجع بالثمن يقبل بأن المبيع هنا في يد المشتري، وفيما في (الزيادات) في يد المستحق، كذا في (الهداية). ونظر فيه بأن وضع المسألة فيها أن المبيع في يد المشتري أيضاً، ولئن سلم أنه في يد المستحق فلا يلزم قبول البينة لبقاء التناقض، والأولى ما في (الفوائد الظهيرية) عن بعض المشايخ أن ما هنا محمول على أن المشتري أقام البينة على إقرار البائع قبل البيع، أما إذا أقامها على إقراره بعد البيع فيقبل لعدم التناقض، ومسألة الزيادات يجب أن تحمل على هذا أيضاً فلا يحتاج إلى الفرق.

قال صاحب (النهاية): ولم يتضح لي فيه شيء سوى هذا بعد أن تأملت فيه برهة من الدهر، ونظر فيه في (غاية البيان) بأن التوفيق فيما هو ممكن لجواز أن يكون المشتري أقدم على الشراء ولم يعلم بإقرار البائع بعدم الأمر ثم ظهر له بأن قال عدول: سمعناه قبل البيع أقر بذلك، وأجاب في (البحر) بأن قولهم: إن إمكان التوفيق يمنع التناقض على أحد القولين مقيد بما إذا لم يكن ساعياً في نقد ما تم من جهته، فإنه في (الخلاصة) وغيرها بعدما ذكر الفرع قال: وأصله أن من سعى في نقد ما تم لا يقبل إلا في موضعين اشترى عبداً وقبضه ثم ادعى أن البائع باعه قبله من فلان الغائب بكذا وبرهن تقبل، الثاني: وهب جاريته واستولدها الموهوب له ثم ادعى الواهب أنه كان دبرها أو استولدها وبرهن يقبل ويستردها والعقر انتهى، ووجه الفرع الأول بأنه لما أقام البينة على البيع من الغائب قبل البيع منه فقد أقامها على إقرار البائع أنه ملك للغائب، لأن البيع إقرار من البائع بانتقال الملك إلى المشتري، والثاني: أن التناقض فيما مر من حقوق الحرية كالتدبير والاستيلاد لا يمنع صحة الدعوى.

قال في (الفتح): وعندي أن هذا غير صحيح لأن التناقض إنما قبل في دعوى الحرية لأنها مما قد يخفى على المتناقض بعد إقراره بالرق والفاعل بنفسه للتدبير والاستيلاد لا يخفى عليه فعل بنفسه فيجب أن لا يقبل تناقضه، وأجاب في (البحر) بأنه إنما فعل ذلك ثم ندم وتاب إلى الله تعالى فأقر باستيلادها، (وإن أقر البائع بذلك عند القاضي) شر إنما قيد به لأن البينة إنما تكون حجة عند القاضي اتفاقي إذ الإقرار عند غيره كذلك كما صرح به بعضهم ص (بطل البيع إن طلب المشتري ذلك) ش لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار لعدم التهمة فللمشتري أن يساعده ذلك فيتحقق الاتفاق بينهما فيبطل في حقها لا في حق رب العبد إن ادعى أنه كان، فيطالب البائع

ص: 494