المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام - النهر الفائق شرح كنز الدقائق - جـ ٣

[سراج الدين ابن نجيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العتق

- ‌باب العبد يعتق بعضه

- ‌باب الحلف بالدخول

- ‌باب العتق على جعل

- ‌باب التدبير

- ‌كتاب الإيمان

- ‌باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

- ‌باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

- ‌باب اليمين في الطلاق والعتاق

- ‌باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها

- ‌باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه

- ‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

- ‌باب حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌كتاب السرقة

- ‌باب قطع الطريق

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنائم وقسمتها

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌باب المستأمن

- ‌باب العشر والخراج والجزية

- ‌فصل في الجزية

- ‌باب المرتدين

- ‌باب البغاة

- ‌كتاب اللقيط

- ‌كتاب اللقطة

- ‌كتاب الآبق

- ‌كتاب المفقود

- ‌كتاب الشركة

- ‌فصل في الشركة الفاسدة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب خيار الشرط

- ‌باب خيار الرؤية

- ‌باب خيار العيب

- ‌باب البيع الفاسد

- ‌باب الإقالة

- ‌باب التولية

- ‌باب الربا

- ‌باب الحقوق

- ‌باب السلم

- ‌باب المتفرقات

- ‌كتاب الصرف

- ‌كتاب الكفالة

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره

الفصل: ‌باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

‌باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

ــ

دابة عبده فإن نواه ولم يكن عليه دين حنث، وإن لم ينو لا يحنث لأن الملك وإن كان للمولى إلا انه يضاف إلى غير المولى عرفا وشرعا قال عليه الصلاة والسلام (من باع عبدا وله مال) الحديث فتختل الإضافة إلى المولى فلا بد من النية فإن نواه ولم يكن له دين العبد مستغرقا حنث لأنه شدد على نفسه وإن كان مستغرقا لا يحنث لأنه لا ملك له حينئذ في كسبه عند الإمام، قال الثاني: يحنث في الوجوه كلها إذا نوى، وقال محمد: يحنث مطلقا نوا أو لم ينو وفي (المحيط) لو ركب دابة مكاتبه لم يحنث لأن ملكه ليس بمضاف إلى المولى لا ذاتا ولا يدا، واعلم أن يمينه إنما تنعقد على ما يركب عرفا من فرس وحمار وبغل وبرذون حتى لو ركب فيله أو بعيره أو بقرة لم يحنث استحسانا إلا أن ينوي.

قال في (الفتح): وينبغي أن الحالف لو كان من البدو أن ينعقد على الجمل أيضا بلا نية لأن ركوبها معتاد لهم، وكذا إذا كان حضريا جمالا والمحلوف على دابته جمالا ولو نوى الحمار دون الفرس والبغل مثلا لم يصدق لأن نية الخصوص غير صحيحة في اللفظ ولو حلف لا يركب مركبا حنث بكل مركب سفينة أو محمل أو دابة والله الموفق للصواب.

باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

ذكر الأكل والشرب بعد الخروج لأنه إنما يراد به غالبا تحصيل ما به بقاء البنية من المأكول والمشروب ولا خلاف في احتياجه إلى اللبس والكلام فلا جرم أن يذكرهما بعده ثم الأكل إيصال ما فيه المضغ إلى الجوف وأن تبلعه بلا مضغ كالخبز ونحوه والشرب إيصال ما لا يأتي فيه كالماء ونحوه فلو حلف لا يأكل بيضة فابتلعها حنث ولو حلف لا يأكل عنبا فابتلع ماءه فقط لم يحنث لأن هذا ليس بأكل ولا شرب ولو عصره وأكل قشره حنث كذا في (البدائع)، والذوق إيصال الشيء إلى فيه لاستبانة طعمه.

وقال الزندويستي: الأكل عمل الشفاه والحلف والذوق عمل الشفاه دون الحلق، والابتلاع عمل فقط والمص عمل اللهاة فعلى هذا ينبغي أن لا يحنث بالابتلاع فيما إذا حلف لا يأكل، وفي (فتاوى أبي الليث) ما يدل على أنه يحنث وقد مر عن (البدائع) وهو الصواب إذ لا شك في أنه لا يحل إذا كان مما يمضغ على التفسير الأول وكذا على الثاني إنه من عمل الشفاه لأنه حركتها ولا بد في الابتلاع من

ص: 74

لا يأكل من هذه النحلة حنث بثمرها،

ــ

حركتهما، ثم قيل: كل أكل ذوق ولا عكس فبينهما من النسب العموم المطلق وهذا ظاهر على الثاني، أما على الأول فبينهما عموم وخصوص من وجه لأن عمل الفم ليس معتبرا في مفهومه فيجتمعان في إيصال ما هشم وينفرد الذوق فيما لم يوصل والأكل فيما ابتلع بلا مضغ كذا في (الفتح) وفيه نظر، إذ بتقديره يلزم الترادف بين الأكل والابتلاع لأن التغاير كما هو ظاهر كلام الزندويستي.

وفي (الشرح) حلف لا يأكل هذا اللبن فشربه لا يحنث ولو حلف لا يشربه فثرد فيه فأكله لا يحنث لأن هذا ليس بشرب ولا الأول بأكل ولو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا فمصه وابتلع ماءه لم يحنث لأن المص نوع ثالث ليس بأكل ولا شرب وفي (تهذيب القلانسي) لو حلف لا يأكل سكرا فمصه وابتلع ماءه لا يحنث وفي عرفنا يحنث والمذكور في (الخانية) عدم الحنث ويوافقه ما في (الخلاصة) لا يأكل رمانة فمصها لم يحنث، وفيها لو عنى بالذوق الأكل لم يدين في القضاء إلا / إذا [284/أ] تقدم ما يدل عليه كتغدى معي فحلف أنه لا يذوق معه طعاما ولا شرابا فهذا على الأكل والشرب انتهى.

حلف (لا يأكل من هذه النخلة حنث بثمرها) بالمثلثة وهو ما يخرج منها حيث لم يتغير بصفة كالرطب والتمر والبسر والرامخ والجمار والطلع بخلاف النبيذ والخل والناطف والدبس المطبوخ، وأما ما يسيل بنفسه من الرطب فإنه يحنث وهذا لأنه لما أضاف يمينه إلى ما لا يؤكل صرفناه إلى ما يخرج منه من إطلاق اسم السبب على المسبب تصحيحا لكلامه، ولو لم يكن لها ثمر كانت على ثمنها فإذا اشترى به مأكولا حنث بأكله، قالوا: ومثله لو حلف لا يأكل من هذا الكرم فهو على عنبه وحصرمه وزبيبه ولو أكل من عين النخلة لا يحنث هو الصحيح.

قال في (الولوالجية): ولو نواها لأن الحقيقة مهجورة بدلالة محل الكلام، وفي (المحيط) لو نوى أكل عينها لم يحنث بأكل ما يخرج منها لأنه نوى حقيقة كلامه ومقتضى الأول أنه يحنث فإن قلت: ورق الكرم مما يؤكل عرفا فينبغي أن لا تنصرف اليمين إلى عينه، قلت: أهل العرف إنما يأكلونه مطبوخا قيد بما لا تؤكل لأنه لو حلف على ما تؤكل عينه كهذه الشاة أو هذا العنب انصرفت اليمين إلى اللحم والعنب دون اللبن والزبد والزبيب والعصير.

ص: 75

ولو عين البسر، والرطب، واللبن لا يحنث برطبه، وتمره، وشيرازه بخلاف هذا الصبي، وهذا الشاب وهذا الحمل.

ــ

فرع

حلف هذا لا يأكل من هذه الشجرة فقطع غصنا منها ووصله بأخرى فأكل من ثمر هذا الغصن لا يحنث، وقيل: يحنث (ولو عين البسر أو الرطب أو اللبن) بأن حلف لا يأكل هذا البسر أو الرطب أو اللبن فصار البسر رطبا والرطب ثمرا واللبن شيرازا (لم يحنث برطبه وثمره) بالمثناة وهو ما يبسر منه (وشيرازه) أي: اللبن وهو ما خثر منه أي ثخن بعدما استخرج ماؤه يقال خثر اللبن وغيره من حد قتل ثخن واشتد فهو خاثر وخثر خثرا كتعب ويعدى بالهمز والتضعيف كذا في (المصباح)، وإنما لم يحنث لأن الأصل أن المحلوف عليه إذا كان بصفة داعية إلى اليمين تقيد به في المعرف والمنكر فإن زالت زال اليمين عنه وما لا تصلح داعية اعتبر في المنكر دون المعرف، ولا خفاء أن صفة البسورة والرطوبة واللبنية مما قد تدعو إلى اليمين بحسب الأمزجة فإذا زالت زال ما عقدت عليه اليمين فأكله أكل ما لم تنعقد عليه (بخلاف) ما إذا حلف لا يكلم (هذا الصبي وهذا الشاب وهذا الحمل) فكلمه بعدما شاخ حنث لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي فلم يعتبر ما يحال داعيا إلى اليمين من جهله وسوء أدبه.

وكذا لو حلف لا يأكل من هذا الحمل فأكله بعدما صار كبشا حنث لأن صفة الصغر في هذا ليست داعية إلى اليمين فانعقدت على ذاته، قيل: فيه نظر إذ لا نسلم أن الشارع منع الهجران مطلقا بل قد يجوز أو يجب إذا كان لله بأن كان يتكلم بما هو معصية أو يخشى فتنة أو إفساد عرضه بكلامه ولأن صفة الحمل غير داعية، كيف وهو غير محمود لكثرة زيادة رطوباته بخلاف الكبش فإن لحمه أكثر قوة وتقوية للبدن لقلة رطوباته؟

وأجاب في (الفتح) بأن هذا ذهول عن وضع المسائل وأنها إنما بنيت على العرف فينصرف اللفظ إلى المعتاد في العمل والعرف في القول وأن المتكلم لو أراد معنى تصح إرادته من اللفظ لا يمنع منه ففي الحمل العموم يفضلونه وهو عندهم في غاية الصلاح وما يدركه إلا الأفراد من الأطباء فوجب بحكم العرف صرف اليمين إلى ذاته، وكذا الصبا لما كان موضع الشفقة والرحمة عند العموم وفي الشرع لو يجعل داعية إلى اليمين فينصرف إلى ذاته وهذا لا ينافي كون حالف أراد تقييد يمينه بالحملية والصبا، إذ الكلام فيما إذا لم ينو ذلك قيد بالإشارة إليه لأنه لو حلف لا

ص: 76

لا يأكل بسرا فأكل رطبا لا يحنث، وفي لا يأكل بسرا، أو رطبا، أو لا يأكل رطبا، ولا بسرا حنث بالمذنب،

ــ

يكلم صبيا تقيد بزمن صباه فلو كلمه بعدما بلغ لم يحنث كما في (الكشف الكبير) لأنه بعد البلوغ يدعى شابا وفتى إلى ثلاثين أو إلى ثلاث وثلاثين.

قال في (منية المفتي): ما لم يغلب عليه الشمط فإذا جاوزها فكهل إلى خمسين وبعدها فهو شيخ، والأرملة التي بلغت ومات زوجها أو فارقها دخل بها أو لا، والأيم التي لا زوج وقد جومعت بنكاح صحيح أو فاسد أو فجور، والثيب كل امرأة جومعت بحلال أو حرام لها زوج أو لا، والبكر التي لم تجامع بنكاح ولا غيره وإن ذهبت العذرة بحيض وغيره / وحليف القوم من يقول: أنا منكم ويحلف على [284/ب] ذلك ويحلفون له على الموالاة انتهى ما في (المنية). وينبغي في الصبية والشابة والعجوز أن يلاحظ فيهما السن المتقدم في الصبي والشاب والشيخ، وكذا الكهلة وظني أنه لم يسمع وعلى كل حال فإذا حلف لا يكلم كهلة وجب أن يراعي فيها سن الكهل المتقدم والله الموفق.

واعلم أنه قد يتراءى أنه لو حلف لا يكلم هذا المجنون فكلمه بعدما أفاق أن يحنث لأنه محل للرحمة والشفقة أيضا كالصبي بل أولى لكن المنقول في (المجتبى) أنه لا يحنث، وكأنه لأن هذه الصفة داعية مخافة أن يبطش به ولو حلف (لا يأكل بسرا فأكل رطبا لم يحنث) لأنه لم يأكل المحلوف عليه وهذا لأن يمينه إنما انعقدت على خصوص صفة البسرية لما مر من أنه داعية إليها قيد بالبسر لأنه لو حلف لا يأكل لوزا أو جوزا أو فستقا حنث برطبه أيضا، لأن الاسم يتناولهما كذا في (البدائع). (وفي) حلفه (لا يأكل رطبا أو بسرا أو) حلف (لا يأكل رطبا ولا بسرا حنث بالمذنب) بكسر النون منهما وهو من الرطب ما كان رطبه أكثر ومن البسر ما بدأ الإرطاب من ذنبه وهو ما سفل من جانب القمع والعلاقة وهذا عند الإمام، وقالا: لا يحنث كذا في عامة نسخ (الهداية) وفي بعضها ذكر قول محمد مع الإمام وهو الموافق لما في أكثر كتب الفقه المعتبرة حيث. قال في (النهاية): الله أعلم بصحة الأول، إلا أنه في (غاية البيان) جعل سلفه في ذلك الصدر الشهيد حسام الدين وحائل أن يكون عنه روايتان ولا خلاف أنه يحنث في حلفه لا يأكل رطبا أو لا يأكل بسرا فأكل الرطب المذنب وكذا البسر لأبي يوسف أنه لم يفعل المحلوف عليه لأن البسر المذنب لا يسمى رطبا ولا الرطب الذي فيه شيء من البسرية لا يسمى بسرا، ويشهد لذلك ما اتفقوا عليه من أنه لا يحنث بشرائهما في حلفه لا يشتري بسرا ورطبا ولهما إن أكل ذلك الموضع أكل رطبا وبسرا فيحنث به لا يأكل هذا لأن أكل

ص: 77

ولا يحنث بشراء كباسة بسر فيها رطب في لا يشتري رطبا، وبسمك في لا يأكل لحما، ولحم الخنزير، والإنسان، والكبد والكرش لحم .......

ــ

كل جزء مقصود لأنه يمضع ويبلع بمضغ وابتلاع يخصه فلا يتبع القليل منه الكثير بخلاف الشراء فإنه يتعلق بجملة المشتري فيكون القليل تابعا.

قال في (الفتح): وقد يقال أولا: التعليل المذكور يقتصر على ما فصله فأكله وحده، أما لو أكل ذلك المحل مخلوطا ببعض البسر تحققت التبعية في الأكل، وثانيا هو بناء على انعقاد اليمين على الحقيقة لا العرف وإلا فالرطب الذي يعقبه بسر لا يقال لآكله أكل بسر في العرف، فكان قول أبي يوسف أقعد بالمعنى (ولا يحنث) أيضا (بشراء كباسة بسر فيها رطب) بكسر الكاف أي: عرجون ويقال العنقود أيضا (في لا يشتري رطبا) لأن القليل تابع كما مر (و) لا يحنث (بسمك) أي: بأكله (في) حلفه (لا يأكل لحما) استحسانا، والقياس أن يحنث وهو قول أبي يوسف كما قال في (المجمع): لأنه سمي في القرآن لحما وجه الاستحسان أن التسمية مجازية لأن اللحم منشؤه من الدم ولا دم فيه لسكونه في الماء كذا في (الهداية)، ونقض بالإلية فإنها تنعقد من الدم ولا يحنث بأكلها فالأولى أن يعلل بأنه لا يسمى به عرفا، وقد علمت بناء الأيمان عليه وهذا المعنى لا يخالف فيه الثاني وعن هذا جزم في (الفتح) بأن الرواية عنه شاذة هذا إذا لم ينو شيئا، أما إذا نواه فإنه يحنث بالطري والمالح.

واعلم أنه كما لا يحنث بأكل السمك لا يحنث بأكل مرق اللحم أيضا إلا إذا نواه (ولحم الخنزير والإنسان والكبد والكرش لحم) فيحنث بأكلها في حلفه لا يأكل لحما لأنها لحم حقيقة وإن حرم تناول لحم الخنزير والإنسان لأن اليمين قد تعقد على الحرام، ألا ترى أنه لو حلف لا يزني أو لا يكذب انعقدت يمينه واستشكل بأن الكفارة فيها معنى العبادة فكيف تناول بالمحظور؟ وأجيب بأن الحل والحرمة إنما يراعيان في السبب لا في الشرط والسبب في الحقيقة هو اليمين لأنه ينقلب سببا عند الحنث والحنث شرط والشرط لا يضاف إليه الحكم. قال في (الفتح): وهذا انصراف عن المذهب المجمع على نقله من أن السبب إنما هو الحنث وفيه أيضا بطلان ما اتفقوا عليه من أن الإضافة في كفارة اليمين إلى الشرط لا إلى السبب وكل هذه بسبب التزام أن الكفارة تستر الجناية الثابتة بالحنث ونحن جعلناها جبرا لحرمة [285/أ] اسم الله الثابتة بالحنث معصية كان / الحنث أو طاعة واجبة أو مندوبة انتهى.

ملخصا ثم أنت خبير بأن هذا أعني حنثه بأكل ما ذكر ينافي بناء الأيمان على العرف إذ لا تذهب الأوهام في أكل اللحم إلى أكل لحم الآدمي والخنزير.

ص: 78

وبشحم الظهر في شحما.

ــ

ومن ثم قال العتابي: قيل: الحالف إذا كان مسلما ينبغي أن لا يحنث لأن أكله ليس بمتعارف ومبنى الإيمان على العرف وهو الصحيح، وفي (الكافي) وعليه الفتوى، ورده الشارح بأن هذا عرف عملي وهو لا يقيد اللفظ بخلاف اللفظي، ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة لا يحنث بالركوب على الإنسان للعرف اللفظي لأن اللفظ عرفا لا يتناول إلا الكراع وإن تناوله لغة ولو حلف لا يركب حيوانا يحنث بالركوب على الإنسان لأن اللفظ يتناوله والعرف العملي وهو أنه لا يركب عادة لا يصلح مقيدا.

قال في (الفتح): وهذا لقولهم في الأصول تترك الحقيقة بدلالة العادة وليست العادة إلا عرفا عمليا، وفي بحث التخصيص من التحرير مسألة العادة العرف العملي مخصص عند الحنفية خلافا للشافعية كحرمة الطعام وعادتهم أكل البر انصرف إليه وهو الوجه، أما بالعرف العقلي باتفاق كالدابة للحمار والدراهم على النقد الغالب وفي (الحواشي السعدية) أن العرف العملي يصلح مقيدا عند بعض المشايخ بلخ لما ذكر في كتب الأصول في مسألة إذا كانت الحقيقة مستعملة والمجاز متعارفا انتهى.

وهذه النقول تؤذن بأنه لا يحنث بركوب الآدمي في لا يركب حيوانا فإيراد الفرع على ما في (الفتح) كما في (البحر) غير وارد لأن العادة حيث كانت مخصصة انصرفت يمينه إلى ما يركب عادة فتدبره، وأما الكبد والكرش وكذا الرئة والقلب والطحال فلأن نموها من الدم وتستعمل استعمال اللحم قيل: هذا في عرف أهل الكوفة، وفي عرفنا لا يحنث ذكره في (الخلاصة) وغيرها.

ولا خلاف أنه يحنث بأكل لحم الإبل والغنم والبقر والطير في لا يأكل مطبوخا كان أو مشويا أو قديدا واختلف في أكل النيء، والأظهر انه لا يحنث وفي (الذخيرة) لا يأكل لحم شاة لا يحنث بلحم العنز مصريا كان أو قرويا، قال الشهيد: وعليه الفتوى ولو حلف لا يأكل لحم بقرة فأكل لحم الجاموس يحنث لا في عكسه لأنه نوع لا يتناول الأعم، وفي (الخانية) ينبغي أن لا يحنث في الفصلين لأن الناس يفرقون بينهما ويؤيده ما في (التتارخانية) لا يأكل لحم بقر فأكل لحم جاموس لا يحنث ذكره في (الجامع) (و) لا يحنث أيضا (بشحم الظهر) وهو اللحم السمين أي: يأكله (في) حلفه لا يأكل (شحما) وإنما يحنث بشحم البطن خاصة عند الإمام، وقالا: يحنث به أيضا وعلى هذا الخلاف لو حلف لا يشتريه أو لا يبيعه لهما أن خاصية الشحم وهي الذوب بالنار موجودة فيه فوجب كونه من نفس مسماه وله انه لحم حقيقة لأنه ينشأ من الدم ويستعمل استعمال اللحم في اتخاذ ألوان الطعام

ص: 79

وبإلية في لحما وشحما، وبالخبز في هذا البر.

ــ

وبائعه في العرف لا يسمى إلا بائع اللحم، وعن هذا صحح غير واحد قول الإمام وحكى الطحاوي قول محمد معه وقال ابن الساعاتي في (شرح مجمعه): الحق انه إذا أريد به شحم اللحم فقوله أظهر وإن أريد شحم الكلية فقولهما أظهر وبقي من الشحوم شحم مختلط بالعظم وشحم على ظاهر الأمعاء، وقد علمت أنه يحنث بشحم البطن اتفاقا.

قال في (الكافي): والثلاثة على الخلاف ولا يخلو عن نظر بل لا ينبغي خلاف في الحنث بما على الأمعاء لأنه لا يختلف في تسميته شحما كذا في (الفتح)، والحاصل انه لا خلاف في الحنث في شحم البطن وما على الأمعاء كما لا خلاف في عدمه بما في العظم ولذا وضع المسألة في شحم الظهر لأنه محل الخلاف والله الموفق.

(و) لا يحنث أيضا (بإلية) أي: بأكلها (في) حلفه لا يأكل (لحما وشحما)، وكذا في لا يشتري لأنه نوع ثالث حتى لا تستعمل استعمال اللحوم والشحوم كذا في (الهداية) وعليه جرى الشارح وغيره، والأول مسلم والثاني ممنوع إلا أن يراد جميع استعمالاته (و) لا يحنث أيضا (بالخبز) أي: بأكله (في) حلفه لا يأكل من (هذا البر) بل لا بد من حنثه من أ، يقضمها بكسر الضاد أي: يأكل بأطراف أسنانه غير نية عند الإمام.

وقالا: إن يأكل من خبزه حنث لأنه مفهوم منه عرفا وله أن أكل عينه متعارف لأنه يأكل مغليا ويسمى بالبليلة ومقليا بأن يوضع جافا في القدر ثم يؤكل فصار مطبوخا هريسة، والحقيقة المستعملة عنده أولى من المجاز المتعارف وعندهما بالعكس، ورجح بعضهم قولهما وفي (الذخيرة) الصحيح قول الإمام ولا خلاف أنه [285/ب] إذا نوى شيئا / اعتبر نيته وأنه لو قضمها حنث عندهما أيضا هي الأصح، وقيل: الأصح أنه لا يحنث عندهما ولو أكلها نية لا يحنث وفي (الأصول) يحنث كذا في (الدراية). ولو وزعه وأكل ما خرج منه لم يحنث اتفاقا، ودل كلامه أنه لا يحنث بأكل دقيقها وسويقها عند الإمام ووافقه أبو يوسف وجزم محمد بأنه يحنث والفرق لأبي يوسف أن الحنطة إذا ذكرت مقرونة بالأكل يراد به الخبز دون السويق، قال ابن الساعاتي:

أقول: كلام أبي يوسف على الرواية الناطقة أنه لا يحنث بقضمها أشد التئاما، وأما على الرواية الأخرى التي اعتبر فيها عموم المجاز فقول محمد وضع المسألة في المعينة لأنه لو حلف لا يأكل حنطة قال شيخ الإسلام: على أن يكون جوابه كجوابهما ورده في (الفتح) بأنه تحكم والدليل المذكور المتفق على إيراده في جميع الكتب

ص: 80

وفي هذا الدقيق حنث بخبزه لا بسفه، والخبز ما اعتاده بلده، والشواء، والطبيخ على اللحم.

ــ

وهو أن عينها مأكول يعمها، لكن في (الكشف الكبير) أشار شيخ الإسلام خواهر زاده في أيمان (الأصل) أن قول الإمام كقولهما في أن الحقيقة تترك بالمتعارف لكنه خالفهما في هذه المسألة لأنه قال: التعارف في حنطة غير معينة لا في حنطة بعينها وإذا لم يوجد التعارف في المعينة لا يترك العمل بالحقيقة لأنه تترك بالنية أو بالعرف، ولم يوجد واحد منهما وعلى قياس قوله يجب أن يكون الجواب كما قال انتهى.

إلا أن هذا بخلاف ما عليه أكثر الأصوليين من أن الحقيقة المستعملة عنده أولى من المجاز المتعارف، وعندهما بالعكس وعلى هذا فيجب أن يكون الجواب عنده أولى من المجاز في المعينة وفي المنكرة على حد سواء، ويوافقه ما في (الكشف) أيضا معزيا إلى (التهذيب) من أن المسألة على ثلاثة أوجه: أحدهما أن يقول: هذه، من غير أن يقول حنطة فيحنث بأكلها سواء أكلها كذلك أو طحنها فأكل المطحون وخبزها فأكل الخبز، الثانية أن يقول: حنطة فيحنث بأكل الحنطة سواء أكلها نيا أو مطبوخا أو مبلولا أو مقليا ولا يحنث بأكل الدقيق والسويق والعجين والخبز، الثالثة أن يقول: هذه الحنطة وأشار إلى صبرة لا يحنث بأكله من دقيقها أو سويقها أو خبزها لقيد الاسم والله الموفق.

(وفي) حلفه لا يأكل من (هذا الدقيق يحنث بخبزه) وعصيده (لا بسفه) في الأصح لأن عينه غير مأكول فانصرفت يمينه إلى ما يتخذ منه، وفي (النوازل) لو اتخذ منه خبيصا أخاف أن يحنث وينبغي أن لا يتردد في حنثه إذا أكل منه ما سمي في ديارنا بالكسكس (والخبز ما اعتاده) أهل (بلده) حتى لو حلف المصري والشامي أنه لا يأكل خبزا انصرف إلى البر.

قال في (الفتح): وينبغي أن يحنث بأكل الكماج لأنه خبز وزيادة، وفي (الخانية) أنه يحنث بالرقاق انتهى، وينبغي أن يراد به المسمى في ديارنا بالبيساني لا ما هو يحشى بالسكر واللوز كما هو ظاهر وأما الشعير فإنه يعتاده بعض أهل القرى فيحنث به ولو أن بدويا اعتاده ودخل إلى بلدة المعتاد فيها أكل خبز الحنطة واستمر لا يأكل إلا الشعير كما أفتى به العلامة الكمال ولو كان الحالف زبيديا انصرف إلى الذرة والدخن، أو من طبرستان فإلى خبز الأرز وهي اسم آمل وأعمالها والنسبة إليها طبري لأنه أهلها كانوا يحاربون بالفأس أي: الطبر معرب قبر (والشواء والطبيخ) يقعان (على اللحم) أي: على ما يشوى منه ويطبخ فلو حلف لا يأكل شواء لا يحنث بأكل الجزر والباذنجان المشويين إلا أن ينوي كل ما يشوى، وكذا لو حلف لا يأكل طبيخا لا يحنث إلا بأكل اللحم المطبوخ بالماء لتعذر التعميم إذ الدواء مما يطبخ وكذا

ص: 81

والرأس ما يباع في مصره، والفاكهة التفاح والبطيخ، والمشمش،

ــ

الفول اليابس المسمى في بلادنا بالفول الحار فصرف إلى أخص الخصوص وهو ما ذكرنا عملا بالعرف فيهما، وفي عطف الطبيخ على الشواء إيماء إلى تغايرهما وهذا لأن الماء مأخوذ في مفهوم الطبيخ وإلا لكانا سواء، وكذا لو أكل قلية يابسة لم يحنث لأنها لا تسمى طبيخا ومعنى وقوعه على اللحم أنه لا يقع على غيره إلا أن هذا يقتضي أنه لا يحنث بالأرز المطبوخ بلا لحم.

وفي (الخلاصة) أنه يحنث بالأرز المطبوخ بالودك بخلاف السمن والزيت، قال ابن سماعة: الطبيخ يقع على الشحم أيضا، وفي (البدائع) وعلى الإلية أيضا، وكأنهما لا تصالهما به ألحق به، وعلى هذا فقول من قال: إن ما يطبخ من الأذهان [286/أ] يسمى مزودة فلا يحنث / بأكله لأن لا يأكل محمول على غير طبيخا اللحمية، وفي (الهداية) يحنث بأكل المرق لأنه يسمى طبيخا لأن فيه من أجزاء اللحم، قال يعقوب باشا: وعلى هذا فينبغي أن يحنث بلا لحم في هذا لإطلاقهم عليه طبيخا عرفا لكن قدمناه أنه لا يحنث بالمرق وإليه يومئ قوله إن الطبيخ يقع على اللحم.

تتمة: حلف لا يأكل طعاما ما يؤكل على وجه التطعيم كالخبز والفاكهة والملح والخل والكامخ والزيت حنث، قال في (الواقعات): ولو أكل من الدواء الذي لا يكون له طعم ولا يكون غداء ويكون مرا كريها لا يحنث، وإن كان حلوا حنث، والنبيذ شراب عند الثاني طعام عند محمد، وأنت خبير بأن الطعام في عرفنا لا يطلق على ما ذكر فينبغي أن يجزم بعدم حنثه به (والرأس) ينصرف إلى (ما يباع في مصره) أي: مصر الحالف لا يأكل رأسا وهو ما يكبس في التنور أي: يطم أو يدخل فيه من كبس الرجل رأسه في قميصه أدخله كذا في (المغرب) وهذا لأن العموم المتناول للجراد والعصفور غير مراد فصرفناه إلى ما تعورف وكان الإمام يقول أولا: يتناوله للإبل والبقر والغنم، ثم رجع وخصه بالبقر والغنم وهما خصاه بالغنم وهذا اختلاف عصر لا حجة فعلى المفتي أنه يفتي بما هو المعتاد في كل مصر وقع به حلف الحالف، (والفاكهة التفاح والبطيخ) بكسر الباء ويقال البطيخ أيضا أخضر كان أو أصفر إلا أنه لا يكون يابسا.

وذكر الشارح أن البطيخ ليس من الفاكهة وما في (الكتاب) رواية القدوري ورواه الشيهد في (المنتقى) عن أبي يوسف: (والمشمش) والخوخ والسفرجل والإجاص والكمثري ونحو ذلك فيحنث بأكل هذه الأشياء في حلفه لا يأكل فاكهة لأنها اسم لما يتفكه به أي: ينتقم قبل الطعام وبعده زيادة على المعتاد من الغذاء الأصلي وهذا المعنى ثابت فيها، وفي (المحيط) ما روي من الجوز واللوز فاكهة في

ص: 82

لا العنب، والرمان والرطب، والقثاء والخيار. والإدام ما يصطبغ به كالخل، والملح والزيت لا اللحم، والبيض، والجبن،

ــ

عرفهم أما في عرفنا فإنه لا يأكل للتفكه. وقال محمد: يسير السكر والبسر الأحمر فاكهة ولو حلف (لا) يأكل من فاكهة الطعام وثمار العام فإن كان في أيام الرطبة كان يمينه عليها فلا يحنث باليابس منها وإن كان في وقتها فهو على اليابس وهذا استحسان للعرف لأن (العنب والرمان والرطب) عند الإمام فلا يحنث بأكله، وقالا: يحنث لأن معنى التفكه موجود فيها بل التفكه فيها يفوق التفكه بغيرها من الفواكه، وله أنها مما يتغدى بها منفردة ومقرونة مع الخبز ويتداوى ببعضها كالرمان فقصر معنى التفكه بها فلا يحنث بأحدها إلا أن ينويه، قال مشايخنا: وهذا اختلاف عصر فكان في عصره وزمنه لا يعد منها في زمنهما، ولقائل أن يقول: مبنى هذا على الجمع على اعتبار العرف والاستدلال المذكور صريح في أن مبناه اللغة، ويمكن أن يجاب بجواز كون العرف وافق اللغة في زمنه ثم خالفها في زمانهما (والقثاء والخيار) والفقوس والعجور وكذا الزببيب والتمر وحب الرمان إجماعا كما في (البدائع).

والحاصل أنه لا خلاف في أن النوع الأول فاكهة كما لا خلاف أن النوع الأخير ليس بفاكهة وفي الوسط خلاف، وقد علمت ما فيه (والإدام) أي: شيء (يصطبغ) الخبز عند اختلاطه (به) حتى يصير لكثرة امتزاجه قائما به قيام الصبغ بالثوب وهو افتعال ولما كان فعله متعديا إلى واحد جاء الافتعال منه لازما (كالخل والملح) لأنه يؤول إلى الذوب في الفم ويحصل به الصبغ وبه عرف أنه لا تنافي بين هذا وبين تغيره بالمائع واندفع ما في (إيضاح الإصلاح) من أن الصبغ مختص بالمائع وللتنبيه على عموم الإمام قال: وكذا الملح إذ قد علمت أنه يصطبغ به أيضا. على أنه يقتضي أن الإدام منه ما يصطبغ به وليس بالواقع (والزيت) والعسل واللبن والزبد والسمن والمرق، وما لا يصطبغ به مما له جرم كجرم الخبز بحيث يؤكل وحده فليس بإدام وإلى ذلك أشار بقوله:(لا اللحم والبيض والجبن) وهذا عند الإمام والظاهر من قول الثاني.

وقال محمد: ما يؤكل مع الخبز غالبا فهو إدام، وهو رواية عن الثاني لأنه من المؤدمة وهي الموافقة وكل ما يؤكل مع الخبز موافق له ولهما أن الإدام يؤكل تبعا والتبعية في الاختلاط حقيقة فيكون قائما به وفي أنه لا يؤكل على الانفراد حكما، والحاصل أن ما يصطبغ به إدام إجماعا وما يؤكل وحده غالبا كالبطيخ والعنب والتمر والزبيب ليس إداما إجماعا على الأصح فلافا لما قيل أنهما على الخلاف، ولا خلاف أيضا أن الفول ليس بإدام، وبقول محمد أخذ الفقيه / أبو الليث قال في (الاختيار)[286/ب] وهو المختار، وعملا بالعرف في (المحيط) وهو الأظهر.

ص: 83

والغداء الأكل من الفجر إلى الظهر، والعشاء منه إلى نصف الليل والسحور فيه إلى الفجر.

ــ

قال القلانسي في (تهذيبه): وعليه الفتوى والاستناد إلى العرف أولى مما استدل به محمد من أن ملك الروم كتب إلى معاوية (أن ابعث إلي شر إدام على يد شر رجل) فبعث إليه جبنا على يد رجل يسكن في بين أصهاره وهو من أهل اللسان لأن ذلك موقوف على صحة هذه القصة وهي بعيدة إذ يبعد من إمام عالم أن يتكلف بإرسال شخص ملتزما .... لغرض مهمل كافر على أن السكنى في بيت الصهر لا توجب كون الساكن أشر رجل فأثار البطلان عليها لائحة.

قال التمرتاشي: وهذا الخلاف بينهم على عكس اسختلافهم فيمن حلف لا يأكل إلا رغيفا فأكل معه البيض ونحوه لم يحنث عندهما، أو حنث عند محمد (والغداء) بفتح المعجمة والمهملة مع المد أي: التغذي (الأكل من طلوع الشمس إلى الظهر) أي: في هذين الوقتين وهذا أولى من جعل بعضهم الأكل بمعنى المأكول إذ المحلوف عليه إنما هو التغذي لا الغذاء، وجزم في (الخلاصة) وغيرها بأن أول وقته من طلوع الشمس، وأهل مصر يسمون ذلك فطور إلى ارتفاع الضحى وهو غاية التصبيح فيدخل وقت الغداء، أي: فينبغي إجراؤهم على ما تعارفوه ولا بد أن يأكل أكثر من نصف الشبغ في الغداة والعشاء والسحور كما في (الفتح)، وأن يكون مما يأكله أهل بلدة حتى لو شبع بشرب اللبن لم يحنث حيث كان مصريا وحنث إن كان بدويا وفي (الخلاصة) عن (الصغرى) التغذي عبارة عن أكل مترادف يقصد به الشبع والتعشي كذلك (والعشاء) بفتح العين والمد أي: التعشي الأكل الظهر (إلى نصف الليل) لأن ما بعد الظهر يسمى عشاء بكسر العين، ولهذا سمي الظهر أحد صلاتي العشاء كذا في (الفتح)، وفي (الصحاح) العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة والعشاء بالكسر والمد مثل السنى وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر وأنشدوا:

غدونا غدوة سحرا بليل .... عشاء بعد ما انتصف النهار

انتهى.

قال الإسبيجابي: وهذا في عرفهم، أما في عرفنا فابتداء وقتها بعد صلاة العصر انتهى. وهو في عرف أهل مصر، والمساء مساءان أحدهما بعد الزوال، والآخر بعدما غربت الشمس فأيهما نوى صحت نبته فعلى هذا لو حلف بعد الزوال لا يفعل كذا حتى يمسي ولا نية له فهو على غيبوبة الشمس وهو ما بعد الغروب لأنه لا يمكن حمل اليمين على الأول فيحمل على الثاني وهو ما بعد الغروب كذا في (الشرح) (والسحور) أي: التسحر الأكل (فيه) أي: في نصف الليل (إلى) طلوع (الفجر) لأن

ص: 84

إن لبست، أو أكلت أو شربت، ونوى معينا لم يصدق أصلا ولو زاد ثوابا، أو طعاما، أو شرابا دين لا يشرب من دجلة.

ــ

السحر لما كان من الثلث الأخير سمي ما يؤكل في النصف الثاني لقربه منه سحورا بفتح السين والأكل فيه سحور، ومن قال:(إن لبست) أو قال (إن أكلت أو شربت) فعبدي حر (ونوى) بذلك (معينا) بأن قال: نويت القطن أو الخبز أو اللبن (لم يصدق أصلا)، يعني لا قضاء ولا ديانة بل يحنث كل شيء لبسه أو أكله أو شربه لأن النية إنما تعمل في الملفوظ التعيين بعض محتملاته وما نواه غير مذكور فلم تصادف النية محلها فلغت، وعن الثاني أنها تصح، واختاره الخصاف لأنه مذكور تقديرا وإن لم يذكر تنصيصا، وأجيب بأن تقديره لضرورة اقتضاء الأكل مأكولا وكذا اللبس والشرب والمقتضى لا عموم له كذا قالوا: والتحقيق أن هذا ليس من المقتضى لأنه ما يقدر لتصحيح المنطوق بأن يكون الكلام كذا ظاهرا أو غير صحيح شرعا.

وقول القائل: لا آكل، خال عن ذلك نعم المفعول أعني المأكول من ضروريات وجوه فعل الأكل، ومثله ليس من المقتضى بل من حذف المفعول اقتصارا كذا في (الفتح) ومما يجانس هذا ما لو حلف لا يركب أو لا يغتسل أو لا ينكح أو لا يسكن دار فلان أو لا يتزوج امرأة ونوى الخيل ومن جناية امرأة معينة أو بالإجازة أو الإعارة أو لم تصح نيته أصلا، وأورد ما لو حلف لا يسكن فلانا ونوى المساكنة في بيت واحد وقال: إن خرجت فعبدي حر ونوى السفر مثلا صدق فيهما ديانة حتى لو خرج إلى غير السفر، أو ساكنه في دار لا يحنث مع أنهما غير مذكورين، وأجيب بأن المساكنة متنوعة إلى كاملة / وهي المساكنة في بيت واحد ومطلقه وهي ما يكون في دار [287/أ] فإرادة الأول إرادة لأخص أنواعها، وكذا الخروج إلى سفر وغيره حتى اختلف أحكامها وللبحث فيه مجال.

(ولو زاد) على قوله إن لبست (ثوبا) أو على قوله إن أكلت (أو) شربت (طعاما أو شرابا دين) أي: صدق ديانة لأن لا نكرة في الشرط فيعم كالنفي، إلا أنه خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء فيما إذا كانت اليمين بطلاق أو عتاق ولا تعلق للقضاء في اليمين بالله تعالى، وقالوا: النية للحالف في اليمين بالله تعالى إذا كان مظلوما وإن كان ظالما فالنية للمستحلف وفي الطلاق والعتاق النية للحالف فيكون فيه بكونه نوى معينا لأنه لو نوى الكل حتى لا يحنث أصلا صدق قضاء.

قال في (المحيط): حلف لا يأكل طعاما ولا يشرب شرابا وعنى جميع الأطعمة أو جميع مياه العالم صدق قضاء والمذكور في (الكشف الكبير) أنه يقع على الأدنى لأنه هو المتيقن به، فإن نوى الكل حتى لا يحنث أصلا صحت نيته فيما بينه وبين الله تعالى وهو الظاهر، لأن فيه تحقيقا على نفسه ولو حلف (لا يشرب من دجلة) أو

ص: 85

على الكرع بخلاف من ماء دجلة. إن لم أشرب ماء هذا الكوز اليوم، فكذا، ولا ماء فيه، أو كان، فصب، أو أطلق، ولا ماء فيه لا يحنث، ....

ــ

الفرات أو النيل فيمينه (على الكرع) وهو تناوله بالضم من موضعه ولو إناء كما في (المغرب) وكذا لو قال ماء من دجلة كما في (البدائع) وهذا عند الإمام.

وقالا: يحنث بالشرب من إناء للتعارف وله أن من للتبعيض وحقيقته في الكرع وهو مستعمله وكذا حنث بالكرع إجماعا فمنعت المصير إلى المجاز، وإن كان متعارفا كذا في (الهداية)، ومن هذا قال الشارح: الحق بناء هذا الاختلاف على أن الحقيقة المستعملة عنده أولى من المجاز المتعارف، وعندهما بالعكس على ما مر، وأنت خبير بأن حقيقة دجلة وهي الأرض المشقوقة نهرا، لا تصح إرادتها فضلا عن كونها مستعملة وبهذا اندفع كونها للتبعيض إذ المعنى حينئذ لا أشرب بعض الأرض المشقوقة نهرا وهذا مما لا معنى له وكذا بتقدير كونها للبيان، والصواب أن المراد بدجلة ماؤها إما من مجاز الحذف أو العلاقة لكنه يقيد كونه في نفس النهر على قوله ومطلقا على قولهما، ورجح الإمام المجاز الأول لقربه وإذا عرف هذا فما في (البدائع) من التسوية بين لا أشرب من الدجلة، ولا من دجلة عنده مشكل هذا وشرط نجم الدين النسفي في حنثه بالكرع عنده أن يخوض الماء لأنه من الكراع، وهو من الإنسان ما دون الركبة كذا في (الظهيرية)، وهذا الشرط أهمله شراح (الهداية) كغيرهم لما قدمناه عن (المغرب) ويكفيك في رده ما استدل به الإمام من أنه صلى الله عليه وسلم أتى قوما فقال:(هل عندكم ماء بات في شن) وإلا كرعنا (بخلاف) ما لو حلف لا أشرب (من ماء دجلة) حيث يحنث إجماعا بغير الكرع أيضا، لأن الشرط هنا شرب منسوب إلى دجلة والعرف لا يقطعها قيد بدجلة لأنه لو قال: من هذا الجب فإن كان مملوءا فيمينه على الكرع عنده خلافا لهما، وإلا فعلى الاغتراف ولو تكلف وكرع من الأسفل فالأصح أنه لا يحنث لعدم العرف بالكراع في هذه الحالة ولو قال: لا أشرب من الفرات فشرب من نهر أخذ منه لم يحنث إجماعا، ولو قال: من ماء الفرات حنث إجماعا، ولو قال: من ماء المطر فجرت الدجلة بمائه لم يحنث ولو من ماء واد سال منه حنث إن لم يكن فيه ما صبه قبل ذلك، (إن لم أشرب) من (ماء هذا الكوز اليوم، فكذا) أي: فزوجته طالق أو عبده حر (ولا ماء فيه، أو كان) فيه ماء (فصب) أي: أهريق ولو في إناء آخر كالباقي قبل الغروب، وسواء كان ذلك بفعل الحالف أو غيره أو لم يكن بفعل أحد كما هو ظاهر إطلاقه هذا (أو أطلق) يمينه عن قيد الوقت كاليوم مثلا (ولا ماء فيه لا يحنث) عندهما في الصور، وسواء علم وقت الحلف أن فيه ماء أو لم يعلم هو الأصح، وقال الثاني: يحنث والخلاف، مبني على أن تصور البر شرط

ص: 86

وإن كان فصب حنث.

ــ

لانعقاد اليمين المطلقة عن الوقت والبقاء المقيدة بالوقت عندهما إلى وقت وجوب البر وعند الثاني لا يشترط ذلك، وكان اعتبارها منعقدة للبر على وجه يظهر في الحلف وهو الكفارة قلنا: لا بد من تصور الأصل لتنعقد في حق الحلف ولذا لم تنعقد الغموس موجبة للكفارة لاستحالة البر فيها وإذا عرف هذا فعدم حنثه عندهما في المقيدة والمطلقة إذا لم يكن فيه ماء لعدم انعقاده اليمين، وإن كان فيه ماء فصب لبطلان ما استحالة البر في آخر الوقت لا يقال: البر متصور في هذه الصورة / لأن عدد [287/ب] القطرات المهراقة ممكنة فيجب أن يحنث عندهما لأن البر إنما يجب في هذه الصورة في آخر جزء من آخر اليوم يحنث لا يسع فيه غيره فلا يمكن القول فيه بإعادة الماء في الكوز وشربه في ذلك الزمان، كذا في (العناية).

قال في (الحواشي السعدية): وفيه تأمل ولعله وجهه أن الإعادة قبل آخر الوقت ممكنة فماله متصور، وعند أبي يوسف يحنث في المؤقتة في آخر الوقت وفي المطلقة إن لم يكن فيه ماء يحنث للحال (وإن كان) فيه ماء في المطلقة (فصب حنث) إجماعا، والفرق لهما بني المطلقة والمؤقتة إن كان في المطلقة يجب البر كما فرغ فإذا فات لفوات ما عقد عليه اليمين حنث، وفي المؤقتة يجب البر في آخر الوقت وعند ذلك لم تبق محلية البر لعدم التصور فلا يجب ويبطل في اليمين.

قال في (الفتح): ولقائل أن يقول: وجوب البر في المطلقة في الحال إن كان بمعنى تعينه حتى يحنث في ثاني الحال فلا شك أنه ليس كذلك، وإن كان بمعنى الوجوب الموسع إلى الموت فيحنث في آخر جزء من أجزاء الحياة فالمؤقتة كذلك فلأي معنى بطلت عند آخر جزء الوقت في المؤقتة ولم تبطل عند آخر جزء من أجزاء الحياة في المطلقة انتهى. وجوابه يعرف مما قالوه وفي الفرق بينها وذلك إن إنما تقيد بطلانها في المؤقتة بالآخر لأن الحالف لم يلزمه نفسه بالفعل إلا فيه فالتأخير وإن لم يكن له أثر فيما إذا لم يكن فيه ماء أو صب إلا أن اللفظ لم يوجب تعيين الفعل إلا في الوقت، وبطلب في المطلقة لأنه لا فائدة في التأخير وتعين الحنث فيها بموت أحدهما مقيد بما إذا كان البر مرجوا أو لا رجاء له هنا فتدبره.

ومن فوائد هذا الخلاف لو قال لزيد: إن رأيت عمرا فلم أعلمك به فعبدي حر فرآه مع زيد فسكت ولم يقل شيئا لم يعتق عبده عندهما، ومنها لا يعطيه حتى يأذن فلان فمات فلان لم يحنث بإعطائه ومنها إن لم تصل صلاة الفجر غدا فأنت كذا فخاضت بكرة لا يصح في الأصح، ومنها إن لم تهبيني صداقك اليوم فأنت كذا، قال أبوها: إن وهبت له فأمك طالق، فحيلة عدم حنثهما أن تشتري منه ملفوفا وتقبضه

ص: 87

حلف لأصعدن السماء، أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا حنث للحال لا يكلمه فناداه، وهو نائم فأيقظه، أو إلا بإذنه فأذن له، ولم يعلم فكلمه حنث

ــ

فإذا مضى اليوم لم يحنث أبوها لأنها لم تهب صداقها ولا الزوج لعجزها عنها وقت الغروب ومنها ليقضين فلانا غدا دينه وفلات مات ولا علم له (حلف لأصعدن السماء أو) حلف (ليقلبن هذا الحجر ذهبا حنث في الحال) لأن البر متصور فيهما أي: ممكن فانعقدت يمينه.

وقال زفر: لا ينعقد لأنه مستحيل عادة فأشبه المستحيل حقيقة كما الكوز قلنا: صعود السماء ممكن ولذا صعدتها الملائكة وبعض الأنبياء، وكذا تحويل الحجر ذهبا إما بخلع صفة الحجر وإلباس الذهبية أو بإعدام الأجزاء الحجرية وإبدالها أجزاء ذهبية لكن التحويل في الأول أظهر غير انه حنث في الحال للعجز الثابت عادة وضع المسألة في المطلقة لأن المقيدة يتوقف حنثه فيها إلى مضي الوقت حتى لو مات قبله لم يحنث، وفي (المنتقى) إن تركت مس السماء فعبدي حر لم يحنث، ولو قال: إن لم أمس السماء فكذا حنث من ساعته، والفرق أن في الأولى مس السماء غير مقدور للحالف عادة والترك لا يتصور في غير مقدور عادة، وفي الثانية الشرط هو عدم المس والعدم يتحقق في غير المقدور كذا في (المحيط)(لا يكلمه فناداه وهو نائم فأيقظه أو) حلف لا أكلمه (إلا بإذنه فأذن له ولم يعلم) بالإذن (فكلمه حنث) في الوجهين، أما الأول فلأنه كلمه ووصل كلامه إلى سمعه ولذا شرط أن يوقظه وأفهم به أنه لو لم يوقظه لم يحنث وهو الذي عليه مشايخنا وهو المختار خلافا لما ذكره القدوري من أنه يحنث إذا كان بحيث يسمع، ورجحه السرخسي متمسكا بما في (السير) لو أمن المسلم أهل الحرب من موضع بحيث يسمعون صوته لكنهم باشتغالهم بالحرب لم يسمعوه فهذا أمان ودفع بالفرق وذلك أن الأمان يحتاط في إثباته بخلاف غيره، وظاهر أنه لو كان أصم وكلمه بحيث يسمع حنث بلا خلاف، ولو سلم على جماعة هو فيهم حنث إلا إذا كان لم يقصده فلا يحنث ديانة إلا أن يقول إلا على واحد فيصدق قضاء أنه لم يقصده ولو سلم من الصلاة فإن إماما [288/أ] والمحلوف عليه على يمينه لا يحنث وإن على يساره حنث لوقوع / السلام في غير الصلاة وعن محمد أنه لا يحنث فيهما وهو الصحيح.

قال في (الفتح): والأصح ما في (الشامل) أنه يحنث إلا أن ينوي غيره وإن كان مقتديا فعلى ذلك التفصيل عندهما وعند محمد لا يحنث إلا أن ينوي غيره وإن كان مقتديا فعلى ذلك التفصيل عندهما وعند محمد لا يحنث مطلقا ولو دق عليه الباب فقال: من؟ حنث، ولو قال: يا حائط اسمع كيت وكيت ففهمه المحلوف عليه لا يحنث، وفي (المحيط) لو سبح الحالف للمحلوف عليه للسهو أو فتح عليه

ص: 88

لا يكلمه شهرا فهو من حين حلف لا يتكلم، فقرأ القرآن، أو سبح لم يحنث.

ــ

القراءة وهو مقتد لم يحنث، وخارج الصلاة يحنث ولو قال لآخر: إن ابتدأتك فعبدي حر فالتقيا وسلم وكل منهما على الآخر معا لا يحنث وانحلت يمينه لعدم تصور أن يكلمه بعد ذلك ابتداء، ولو حلف لا يكلم فلانا وفلانا لم يحنث بكلام أحدهما إلا أن ينوي كلا منهما وعليه الفتوى.

واعلم أن الكلام لا يكون إلا باللسان فلا يكون بالإشارة ولا الكتابة والإخبار والإقرار والبشارة تكون بالكتابة لا بالإشارة والإيماء والإنشاء والإعلام والإظهار والإخبار يكون بالإشارة أيضا، فإن نوى في الإظهار والإنشاء والإعلام كونه بالكلام والكتابة والإشارة دين، وأما الثاني فلأن الإذن اشتق اشتقاقا كبيرا من الأذان أو من الوقوع في الأذن وكل ذلك لا يتحقق إلا بعد العلم وهذا إظهار قولهما، وعن الثاني أنه يحنث ونوقض هذا يما في (الصغرى) لو أذن لعبده وهو لا يعلم يصح الإذن ودفع بأن قال: حتى إذا صار مأذونا فدل على أنه ليس له قبل العلم حكم الإذن، ولذا قال في (الشامل): إنه لو تصرف قبل العلم ثم علم لم يجز تصرفه حلف (لا أكلمه شهرا فهو) أي: ابتدأ مدته (من حين حلف) لأن دلالة حاله وهو غيظه الباعث على اليمين يوجب ترك الكلام من الآن ثلاثين يوما ولو عرفه كان على باقيه، وكذا لو قال: السنة انصرفت يمينه إلى باقيها وابتداء المدة كما قال.

وفي (البدائع) قال في بعض النهار: لا أكلمه يوما كانت يمينه على بقية اليوم والليلة المستقبلة إلى مثل تلك الساعة أو إلى مجيء مثلها من الليلة المستقبلة فيدخل ما بينها من النهار، ولو قال: اليوم ولا غدا لم تدخل الليلة انتهى. ولو لم يكرر حرف النفي كانت يمينا واحدة فيدخل الليل كما في (الواقعات) والله الموفق.

(لا يتكلم فقرأ القرآن أو سبح) أو هلل (لا يحنث) سواء كان في الصلاة أو خارجها وهو المختار للفتوى خلافا لما اختاره القدوري من أنه يحنث لأنه لا يسمى متكلما عرفا، وفي (الواقعات) الفتوى على الأول إن كانت يمينه بالفارسية، وعلى ما اختاره القدوري لو كانت بالعربية، ولو زاد كلاما حسنا ففي (الظهيرية) ما يفيد أنه يحنث حيث قال: كلما تكلمت كلاما حسنا فأنت طالق ثم قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر طلقت واحدة، ولو حذف الواو من الكل طلقت ثلاثا.

قال في (الفتح) بعد نقله: وقد يدفع بأن الكلام في مطلق الكلام عرفا فيما لا فيما قيد بقيد أصلا انتهى. أي: يدفع وردوه على الإطلاق لكن بقي أن ظاهره أنه مع القيد يحنث بقراءة القرآن ولو في الصلاة فتدبره. وفي (تهذيب القلانسي) وكذا لا يحنث إذا قرأ الكتب ظاهرا وباطنا في عرفنا وهو ظاهر في اختصاص الكلام بما يعد به

ص: 89

يوم أكلم فلانا، فعلى الجديدين فإن نوى النهار خاصة صدق، وليلة أكلمه على الليل إن كلمته إلا أن يقدم زيدا أو حتى إلا أن يأذن، أو حتى فكذا، فكلم قبل قدومه، أو أذنه حنث وبعدهما لا

ــ

في العرف متكلما فلو قرأ كتاب فقه أو نحو لم يحنث، وعلى هذا ينبغي أن لا يحنث أيضا بإلقاء درس مالكن قد يعكر على هذا ما في (الفتح)، ولو قال:(يوم أكلم فلانا) فكذا (فعلى الجديدين) أي: الليل والنهار لأن اسم اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد أريد به مطلق الوقت والكلام مما لا يمتد قال تعالى: {ومن يولهم يومئذ دبره) (الأنفال: 16) ولا فرق بين التولية ليلا أو نهارا وقد مر في تفويض الطلاق (فإن نوى النهار صدق) قضاء وديانة لأنه نوى حقيقة كلامه، وعن الثاني أنه لا يصدق قضاء (و) لو قال:(ليلة أكلمه) فامرأته طالق فهو (على الليل) خاصة لأنه حقيقة في سواه كالنهار للبياض خاصة ولم يجيء استعماله في الوقت كاليوم وأورد قوله:

وكنا حبسنا كل بيضا شحمه .... لياليا لاقينا جذاما وحميرا

سقونا كأسا سقونا بمثلها .... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا

والمراد مطلق الوقت لأن الحرب لم يكن ليلا، وأجاب شمس الأئمة بأن [288/ب] المذكور الليالي بصيغة / الجمع وذكر أحد العددين ينتظم بإزائه من الآخر، وكذلك الفرد ونظر فيه لاقتضائه أن الشاعر قصد أن الملاقاة كانت مستوعبة الليالي يتبعها أيام بقدرها والمتعارف في مثله أنه إنما يقصد به الوقت لا الجمع بين الأيام والليالي.

قال في (الفتح): وليس بشيء فإن الواقع قد يكون أن الحرب دامت بينهم أياما ولياليها وهذا كثير، فأراد أن يخبر بالواقع فعبر عنه بما يفيد ولا دخل لذلك في خصوص عرف، ولو قال:(إن كلمته) أي: عمرو (إلا أن يقدم زيدا) أو قال: (حتى) يقدم زيدا (أو) قال: إن كلمته (إلا أن يأذن) زيدا (أو) قال: (حتى) يأذن (فكلم قبل قدومه أو إذنه حنث، وبعدهما) أي: بعد القدوم والإذن لو كلمة (لا) يحنث لأنه جعل القدوم والإذن غاية لعدم الكلام، أما في حتى فظاهر، وأما ي إلا أن فلأن الاستثناء وإن كان هو الأصل فيها إلا أنها تستعار للشرط والغاية عند تعذره لمناسبة هي أن الحكم كل واحد منها يخالف ما بعده ومثله قوله تعالى:{لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم} (التوبة: 110) وقيل هي استثناء.

قال في (الفتح): وفيه شيء وهو أن تقدير الاستثناء فيها أي: إلى موتهم إنما يكون من الأوقات والأحوال على معنى امرأته طالق في جميع الأوقات والأحوال إلا وقت قدوم فلان أو اذنه أو إلا حال قدومه أو إذنه وهو يستلزم بقيد الكلام بوقت الإذن

ص: 90

وإن مات زيد سقط الحلف لا يأكل طعام فلا، أو لا يدخل داره، أو لا يلبس ثوبه، أو لا يركب دابته، أو لا يكلم عبده إن أشار وزال ملكه، وفعل لم يحنث كما في المتجدد، وإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال، وحنث بالمتجدد، وفي الصديق والزوجة حنث في المشار بعد الزوال، وفي غير المشار لا، وحنث بالمتجدد

ــ

فيقتضي أنه لو كلمة بعد القدوم أو الإذن حنث، وهو غير واقع قيد بتأخير الجزاء لأنه لو قدمه بأن قال: امرأته طالق إلا أن يقدم زيد كان شرطا لأن المعنى إن لم يقدم زيد ووجه بعضهم بأنها إنما تكون للغاية فيما يحتمل التأقيت والطلاق مما لا يحتمله، وهذا يشير إلى أن الكلام مما يمتد وقد مر ما فيه، (وإن مات زيد) قبل قدومه أو إذنه (سقط الحلف) أي: بطل عندهما بناء على ما مر من أن بقاء تصور البر شرط لبقاء اليمين المؤقتة وهذه كذلك لأنه مؤقتة ببقاء الإذن والقدوم إذ بهما يتمكن من البر بلا حنث ولم يبق ذلك بعد موت من إليه الإذن والقدوم، وعند الثاني ما لم يكن شرطا بتأيدها عند سقوط الغاية ففي أي وقت كلمه حنث.

حلف (لا يأكل الطعام فلان أو) حلف (لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب دابته أو لا يكلم عبده) جعله من هذا النوع هو ظاهر الرواية، وروى ابن سماعة أنه كالصديق (إن أشار) الحالف إلى الطعام بأن قال: طعام فلان هذا مثلا (وزال ملكه) أي: ملك فلان ولو أي الحالف بإهدائه إليه (وفعل) الحالف المحلوف عليه (لم يحنث، كما في المتجدد) أي: لا يحنث بالمتجدد (وإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال، وحنث بالمتجدد، وفي الصديق والزوجة حنث في المشار) أي: قوله: والله لا أكلم صديق فلان هذا وزوجته هذه (بعد الزوال) أي: زوال الصداقة والزوجية إجماعا لأن الحر مما يقصد بالهجر فكانت الإضافة للتعريف هذا إذا لم يقل: فإنه عدو لي فإنه لا يحنث بعد الزوال لظهور أن الدواعي لمعنى في المضاف إليه نبه عليه الشارح (وفي غير المشار) إليه من الصديق والزوجة والملك أي: (لا) يحنث بعد الزوال (وحنث بالمتجدد).

واعلم أن حاصل هذه المسائل التي متى حلف على هجر ما يضاف إلى فلان إضافة ملك كطعام فلان أو نسبته كالصديق والزوجة، فإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال لانقطاع الإضافة وإن لم يحنث بالمتجدد وإن أشار لم يحنث بعد الزوال والتجدد في إضافة الملك وحنث في غيرها في الوجوه كلها لأنه إذا لم يشر فالظاهر أن الدواعي كراهته في المضاف إليه وألا يعرفه باسم العلم كعبد فلان راشدا وفلانة زوجته، وإن احتمل هجر نحو الصديق لذاته وحينئذ فانعقدت يمينه على هجر المضاف إليه حال الإضافة فيحنث إذا كانت قائمة وقت الفعل سواء كانت وقت

ص: 91

لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه، فكلمه حنث الزمان، والحين، ومنكرهما ستة أشهر،

ــ

اليمين أو لم تكن، كإن اشترى عبدا بعد اليمين أو تزوج زوجة لا ما إذا انقطعت بأن باع كلا من العبدين والدار وعادى الصديق وطلق الزوجة هذا عند الإمام، وعند محمد اليمين منعقدة في المملوك على الإضافة القائمة وقت الفعل وفي إضافة النسبة على المنعقدة وقت اليمين فيحنث لو كلم الزوجة بعد الطلاق والصديق [289/أ] المعادى / لا بما تجدد.

وأما إذا أشار فعدم الحنث في المملوك قولنا وقول محمد: يحنث فيه اعتبار للإشارة لأنها أبلغ ولهما أن هجر المضاف إذا كان مملوكا ليس لذاته فتقيد ببقاء النسبة مع الإشارة وعدمها بخلاف غير المملوك لما مر هذا إذا لم ينو شيئا، فإن نوى شيئا كان على ما نواه، وفي بعض الشروح لا أتزوج بنت فلان لا يحنث بالتي تولد بعد اليمين بالإجماع، واستشكله في (الفتح) بأنها إضافة نسبية ينبغي أن تنعقد على الموجود حال التزوج فلا جرم أن في التفاريق عن أبي يوسف إن تزوجت بنت فلان أو أمته على الموجود والحادث (لا أكلم صاحب هذا الطيلسان) معرب تيلسان أبدلوا التاء منه طاء من لباس العجم مدور سواء لحمته وسداه صرف (فباعه فكلمه حنث) بالإجماع، لأن هذه الإضافة لا يجوز أن تكون لغير التعريف إذ الإنسان لا يعادي لمحض الطيلسان فتعلقت اليمين بعينه.

ولذا لو كلم المشتري لم يحنث وظاهر أن الطيلسان مثال لأن قوله صاحب هذه الدار ونحوه كذلك (الحين والزمان، ومنكرهما ستة أشهر) لأن كلا منهما للقدر المشترك بين القليل والكثير والتوسط، واستعمل في الكل فمن الأول {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} (الروم: 17) ومن الثاني {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} (الإنسان: 1) فالمفسرون على أنه أربعون سنة وأراد بالإنسان آدم ومن الثالث {تؤتى أكلها كل حين} (إبراهيم: 25) قال ابن عباس: ستة أشهر والزمان يستعمل استعمال الحين فحملناه على الوسط لا فرق بين الزمان والحين، هو الصحيح كما في (البدائع) ويعتبر ابتداء السنة من وقت اليمين بخلاف لأصومن حينا أو زمانا فإن له أن يعين أي سنة شاء، كذا في (الفتح) والأحاديين والأزمنة على عشر مرات ستة أشهر كذا في (شرح الطحاوي)، وكأنه لأن أفاعيل من جموع الكثرة.

فرع: العمر الأبد واختلف جواب بشر في المنكر لله عليه صوم عمر فمرة قال: يقع على يوم واحد ومرة قال: إنه كالحين.

وفي (السراج) لأكلمه مليا فهدا على ستة أشهر إلا أن ينوي غير ذلك ولو لأهجرنك مليا فهذا على عشر فصاعدا، وإن نوى أقل من ذلك لم يدين في القضاء،

ص: 92

والدهر، والأبد العمر، ودهر مجمل. والأيام، وأيام كثيرة والشهور، والسنون عشرة،

ــ

ولو قال: إلى بعيد كان إلى شهر فصاعدا، وإلى قريب كان على أقل من شهر كعاجل، ولو قال: كذا كذا يوما فعلى أحد عشر يوما، ولو قال: كذا وكذا يوما فعلى أحد وعشرين ولو بضعة عشر يوما فعلى ثلاثة عشر يوما انتهى.

والشتاء أوله إذا لبس الناس الحشو وآخره إذا ألقوه وهو أول الصيف، والربيع آخر الشتاء ومستقبل الصيف إلى يبس العنب، والخريف فصل بين الشتاء والصيف، وغرة الشهر ورأس الشهر أول ليلة منه ويومها، وأول الشهر إلى ما دون النصف، وآخره إلى مضي خمسة عشر يوما (والدهر والأبد) في حلفه لا يكلمه الدهر، أو الأبد هو (العمر) لأن للعرف منهما يراد الأبد عادة وما بعد موته لم يدخل تحت اليمين فصرفناه إلى ما بقي من عمره منذ حلف.

وفي (السراج): لو حلف لا يكلمه العمر فهو على الأبد عند عدم النية ولو نكره، فعن الثاني أنه يقع على يوم وفي رواية عنه على ستة أشهر كالحين وهو الظاهر (ودهر مجمل) أي: غير مفسر عند الإمام، حيث قال: لا أدري ما هو وهو أول دليل على نهاية كماله إذ قد ثبت هذا عن الجناب الرفيع وعن جبريل أيضا لأن اللغات لا تدرك بالقياس والعرف لم يعلم استمراره لاختلافه استعمالا، وروى الثاني عن الإمام أن المنكر والعرف سواء، والأصح أن الخلاف مقصور على المنكر وقد جمعت المواضع التي توقف فيها الإمام رضي الله تعالى عنه وأرضاه وجعل الجنة متقلبه ومثواه:

من قال لا أدري بما لم يدره .... فقد اقتدى في الفقه بالنعمان

في الدهر والخنثى كذان جوابه .... ومحل أطفال ووقت ختان

وأوصلها بعضهم إلى ثمانية قوله:

ورع الإمام الأعظم النعمان .... سبب التوقف في جواب ثمان / [289/ب]

سؤر الجمار تفاضل جلالة .... وثواب جني على الأيمان

والدهر والكلب المعلم ثم مع .... ذرية الكفار وقت ختان

وذكر الحدادي أنها أربعة عشر مسألة، وقالا: إنه كالحين لأنه استعمل استعماله فإن قولك ما رأيتك منذ دهر ومنذ يوم واحد، وغير خاف أنه إذا لم يرو عن الإمام شيء في مسألة وجب الإفتاء بقولهما، (والأيام وأيام كثيرة) في حلفه لا يكلمه الأيام وأياما كثيرة (والشهور والسنون) والجمع والدهور والأزمنة (عشرة) من كل صنف

ص: 93

ومنكرها ثلاثة.

ــ

عند الإمام، وقالا: في الأيام تنصرف إلى أيام الأسبوع وفي الشهور إلى اثني عشر شهرا، وفيما عداهما إلى الأبد لأن اللام للعهد فعند الإمكان تصرف إليه، وإلا فهي للاستغراق وهو ثابت في الأيام السبعة ولا عهد فيما سواهما فصرف إلى استغراق هذه الأصناف وله أنه جمع معرف باللام فينصرف إلى أقصى ما عهد مستعملا فيه لفظ الجمع على التعيين وذلك عشرة، ثم في حلفه لا يكلمه الجمع له أن يكلمه في غير يوم الجمعة في قولهم جميعا لأن يمينه إنما تقع على عشرة أيام كل يوم جمعة فإن نوى أيام الأسبوع فعلى ما نوى.

(ومنكرها) أي: منكر الأيام والشهور والسنين (ثلاثة) من كل صنف يعني إذا لم توصف لما قدمه من أنه مع الوصف يقع على عشرة لأنه بالوصف علم أنه لم يرد الأقل وهذا رواية (الجامع)، وهو الصحيح وسوى في (الأصل) بين المنكر والعرف في الأيام، وفي (الظهيرية) حلف لا يكلم فلانا أيامه هذه قال الثاني: هو على ثلاثة أيام ولو قال: لا أكلمه أيامه فهو على العمر قيد بالظروف لأنه لو قال: والله لا أكلم رجالا أو عبيدا حنث بثلاثة.

وفي (المغرب): يحنث بأدنى ما ينطلق عليه الاسم عند عامة المشايخ فيحنث بالواحد وصرفه بعضهم إلى كل الجنس، ذكر في (الذخيرة) وفي (تهذيب) القرنسي، وأما الأطعمة والنساء والثياب فيقع على الواحد إجماعا ولو نوى الكل صحت نيته.

تتمة: سكت كثير عن الجمع المضاف كلا يركب دواب فلان أو لا يلبس ثيابه أو لا يكلم عبيده وحكمه أنه يحنث بثلاثة مما سمى، وإن كان له أكثر بخلاف ما لو حلف لا يكلم زوجات فلان أو أصدقاءه حيث لا يحنث ما لم يكلم الكل، والفرن أن المنع في الأول لا لمعنى في المحلوف عليه بل باعتبار النسبة إلى فلان وقد ذكر النسبة باسم الجمع وأقله ثلاثة، وفي الثاني لمعنى فيه فتعلقت اليمين بالأعيان ولو نوى بالأول الكل دين كذا في (الذخيرة) وإخوة فلان من الثاني غير أنه إذا لم يكن له إلا أخ واحد فإن كان يعلم حنث به وإلا لا، كذا في (الواقعات). وينبغي أن يكون الأصدقاء والزوجات كذلك والله سبحانه وتعالى هو الموفق.

ص: 94