الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو سرق شاة فذبحها وأخرجها لا ولو صنع المسروق دراهم أو دنانير قطع وردها ولو صبغه أحمر فقطع لا يرد ولا يضمن ولو أسرد يرد.
باب قطع الطريق
ــ
الشق ليس بسبب للملك شرعا وإنما هو سبب للضمان، وثبوت الملك ضرورة أداء الضمان، واختلف المشايخ في ضمان النقصان مع القطع ففي (الخبازية) الصحيح أنه لا يضمنه كيلا يجتمع القطع والضمان.
قال في (الفتح): والحق ما في عامة الكتب الأمهات أنه يضمنه، (ولو سرق شاة فذبحها فأخرجها لا) أي: لا يقطع ولو ساوت نصاباً بعد الذبح لأن السرقة تمت على اللحم ولا قطع فيه ومعلوم أنه يضمن قيمتها (ولو صنع المسروق) من الفضة والذهب وقد بلغت نصاباً (دراهم أو دنانير قطع وردها) على مالكها عند الإمام خلافا لهما، والخلاف مبني على أنه لا ينقطع حق المغضوب منه بذلك عنده خلافاً لهما، وقيل: لا يقطع عندهما قيد بالنقدين لأن نحو النحاس لو جعله أواني فإن كانت تباع عددا فهي للسارق اتفاقا وإن وزنا فعلى الاختلاف.
(ولو) سرق ثوباً ثم (صبغه) صبغا (أحمر فقطع لا يرده) أي: لا يجب عليه رده عندهما، وقال محمد: يرد الثوب ويؤخذ ما زاد الصبغ منه لأن عين ماله قائم من كل وجه، ولهما أن الصبغ قائم صورة ومعنى بدليل أن المسروق منه لو أخذ الثوب يضمن الصبغ، وحق المالك قائم صورة لا معنى بدليل أنه غير مضمون على السارق وهو المراد بقوله (ولا يضمن) أي: حال استهلاكه وأفاد بالفاء أنه صبغه قبل القطع، فاقتضى أنه لو صبغه بعده رده وبه صرح في (الاختيار).
قال الشارح: ولفظ صاحب (الهداية): وإن سرق ثوباً فقطع فصبغه أحمر لم يؤخذ منه الثوب ولا يضمن، ولفظ محمد: سرق الثوب فقطع يده وقد صبغ الثوب أحمر حينئذ دليل على أنه لا فرق بين أن يصبغه قبل القطع أو بعده، (ولو) صبغه (أسود يرد) الثوب عندهما وعند أبي يوسف لا يرده، والخلاف مبني على أنه زيادة عندهما ونقصان عند الإمام وبالزيادة ينقطع حق المالك عند أبي يوسف خلافاً لمحمد وبالنقصان لا ينقطع والله الموفق.
باب قطع الطريق
وهو السرقة الكبرى وقدم الصغرى إما لكثرة وقوعها، أو الترقي من الأدنى إلى الأعلى كذا في (الغاية)(والدراية) وفي (الفتح) أخره لأنه ليس بسرقة مطلقة وأطلق
أخذ قاصد قطع الطريق قبله حبس حتى يتوب
ــ
عليه سرقة مجازاً لضرب من الخفاء وهو الإخفاء/ عن الإمام ونوابه. قال في (الدراية): لقطع الطريق شرائط أن يكون من قوم لهم قوة وشوكة، وأن يكون خارج المصر فلا يكون في المصر أو في ما يقرب منه أو بين قريتين خلافاً لأبي يوسف، وأن يكون في دار الإسلام، وأن يكون المأخوذ قدر النصاب، وأن يكون القطاع كلهم أجانب في حق صاحب الأموال ومن أهل وجوب القطع، ولو كان فيهم امرأة ففيه روايتان في رواية تقطع وبه قالت الأئمة الثلاثة، والأصح أنها لا تقطع وأن يؤخذوا قبل التوبة فإن أخذوا بعدها ورد المال سقط عنهم الحد بلا خلاف انتهى. وذكر في آخر الباب من (المحيط) عشرة نسوة قطعن الطريق وأخذن وقتلن قتلن وضمن المال وبه قالت الثلاث، ولو كان فيهم امرأة قتلت وأخذت المال ولم تقتل الرجال تقتل الرجال دون المرأة عند أبي يوسف وعند أبي حنيفة ومحمد يسقط الحد عن الرجال أيضاً انتهى.
قال في (الفتح): فظاهر الرواية أنها كالرجال وما في (المحيط) مبني على ظاهر الرواية وجعل الشارح الشرائط المختصة به عن (الصغرى) في ظاهر الرواية تبعاً للإسبيجابي ثلاثة واقتصر عليها في (غاية البيان) الشرطان الأوليان، والثالث أن يكون بينهم وبين المصر مسيرة سفر وسيأتي أن الراجح خلاف الثالث (أخذ قاصد قطع الطريق) وهو الواقف على الطريق لأخذ المال (قبله) أي: قبل أخذ المال وقتل النفس بأن لم يوجد منه سوى مجرد إخافة الطريق ولما كان مجرد القصد لا يطلع عليه أدير الحكم على أمارته وهي الإخافة فالضمير راجع إلى غير المذكور كما سيأتي في الشرح وقول العيني: هذا تعسف بل الضمير راجع إلى قطع الطريق مدفوع بأن الإخافة حال من أحوال قطاع الطريق كما هو ظاهر الآية والمتن، وعلى ما ادعاه العيني لا تكون الإخافة منه أصلاً ولم يتنبه في (البحر) إلى هذا فمشى مع العيني وعين الشارح أبصر.
(حبس) وعزر (حتى يتوب) أي: تظهر توبته بوجود أمارتها أو يموت والأصل فيه قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} [المائدة: 33] الآية أي يحاربون أولياؤه كذا قدره الجمهور وقال الزمخشري: أي يحاربون رسوله ومحاربة المسلمين في حكم محاربته وذكر اسمه تعالى تعظيماً وتفخيماً وقيل: هو المخالفة لأحكامهما وعلى هذه الأوجه لا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.
قال الشمني: وقال في (الفتح): سمي قاطع الطريق محارباً لله لأن المسافر معتمد عليه فمن أزال أمنه حارب من اعتمد عليه في تحصيل أمنه، وهو على حذف مضاف أي: يحاربون عباد الله وهي أحسن من تقدير أولياء الله لأن هذا الحكم
وإن أخذ مالاً معصوماً قطع يده ورجله من خلاف وإن قتل قتل حداً وإن عفا الولي وإن قتل وأخذ قطع وقتل وصلب أو قتل أو صلب .....
ــ
يثبت بالقطع على الكافر الذمي، وأما محاربته لرسوله فإما باعتبار عصيان أمره أو باعتبار أنه الحافظ لطريق المسلمين والخلفاء والملوك بعده نوابه، فإذا قطع الطريق الذي تولى حفظهما بنفسه ونائبه فقد حاربه انتهى.
وأنت خبير بأن محاربة رسوله إذا كان باعتبار عصيان أمره أو باعتبار أنه الحافظ فمحاربته تعالى كذلك فما الداعي إلى حذف المضاف حينئذ؟ وظاهر أن المراد توزيع أنواع الجزية على أنواع الجنايات إذ العمل بالإطلاق يقتضي أنه يجوز أن يترتب على أغلظها أخف الجزية وهذا مما تدفعه قواعد الشرع والعقل فوجب القول بتوزيع الأغلظ للأغلظ والأخف بالأخف، بدأ المصنف فيما إذا أخاف الطريق فقط وأشار إلى أن المراد بالنفي في الآية الحبس إذ ظاهره وهو النفي من وجه الأرض لا يعمل به، والحمل على بعضها لا يحصل به المقصود فقلنا بمجازه وهو الحبس، (وإن أخذ مالاً معصوماً) بأن كان لمسلم أو ذمي فخرج ما لو كان لحربي مستأمن ولا بد من أن يصيب كل واحد نصاباً ولم يذكره اكتفاء بما مر في السرقة (قطع يده ورجله من خلاف)، نصب على الحال أي: مختلفة وتعيين اليمنى واليسرى بالإجماع لئلا يفوت نفعه حتى لو كانت يسراه شلاء لم يقطع يمينه وكذا لو كانت رجله اليمنى شلاء لم تقطع رجله اليسرى ولو كان مقطوع اليمنى لم تقطع له يد وكذا الرجل اليسرى.
(وإن قتل) / نفساً معصومة ولم يقيده به لأنه إذا علم التقييد به في المال ففي النفس أولى ولم يأخذ مالاً (قتل حداً) حقاً لله تعالى وفي (السراج) أي: سياسة لا قصاصاً (وإن عفا الولي) تصريح بما علم من قوله حداً وأشار به إلى أنه لا يشترط أن يكون موجباً للقصاص من مباشرة القتل والآلة لأنه وجب جزاء الجناية لمحاربته لله تعالى وهي موجودة بالقتل ولو أعانه بذلك قضى عليه الصلاة والسلام في أصحاب أبي بردة.
(وإن قتل وأخذ) المال (قطع) من خلاف على ما مر (وقتل وصلب)، بين أن الإمام مخير فيه بين ثلاثة أحوال؛ الأولى: أن يجمع بين القتل والقطع والصلب، والثانية: ما أفاده بقوله: (أو قتل) أي: قتله الإمام فقط، والثالثة: هي قوله (أو صلب)، وقال محمد: لأنه جناية واحدة فلا توجب حدين وأبو يوسف معه في المشهور، وله
ويصلب حياً ثلاثة أيام ويبعج بطنه برمح حتى يموت ولم يضمن ما أخذ وغير المباشر كالمباشر والعصا والحجر كالسيف وإن أخذ مالاً وجرح وقطع وبطل الجرح وإن جرح فقط أو قتل فتاب أو كان بعض القطاع غير مكلف
ــ
أن هذه عقوبة واحدة فغلظت لاتحاد سببها وهو قطع الطريق، ثم التخيير بين الصلب وتركه ظاهر الرواية وعن الثاني أنه لا يتركه (ويصلب حياً) في ظاهر الرواية وهو الأصح، وعن الطحاوي أنه يقتل أولاً (ثلاثة أيام ويبعج) أي: يطعن (بطنه برمح حتى يموت) فإذا تم له ثلاثة أيام من وقت موته دفن، وعن الثاني أنه يتركه حتى يتقطع والأول هو الظاهر تحامياً عن الإيذاء للناس بتغيره بعد الثلاثة، (ولم يضمن ما أخذ) لما بين أن قتله بمقابلة قتله النفس المعصومة وجرحها ربما توهم أخذ المال من تركته إذا لم يقابل بشيء فبين أنه لا يضمنه وبهذا اندفع ما في (البحر) أخذاً مما في (الشرح) من أن الأولى أن يقال: ولم يضمن ما فعل لأنه لا يضمن ما قتل وما جرح، (وغير المباشرة) في الأخذ والقتل (كالمباشرة) فتجري الأحكام على الكل بمباشرة البعض وإعانة الباقين على ما مر.
(والعصا والحجر كالسيف) لأن قطع الطريق يقع بالكل وهذه الجملة كالتي قبلها معلومة من قوله: قتل حداً كما قدمناه وكان الأليق حذفها إلا أنه أراد زيادة الإيضاح (وإن أخذ مالاً وجرح قطع) من خلاف (وبطل) حكم (الجرح) لأنه باستيفاء حق الله تعالى سقطت عصمة النفس حقاً للعبد كالمال، (وإن جرح فقط) يعني لا حد عليه فلا يسقط حق العبد بل يقتص فيما فيه قصاص أو يأخذ الأرش أو يعفو وأراد بقوله: فقط أنه لم يؤخذ ما لا يقطع فيه ولم يقتل نفساً فلا يرد ما لو جرح وأخذ ما دون النصاب أو ما يتسارع إليه الفساد بدليل قوله بعد: لم يحد.
قال الشارح: ولو كان هذا مع الأخذ قتل لم يجب الحد أيضاً لأن المقصود هنا إنما هو المال، (أو قتل) نفساً معصومة (فتاب) قبل أن يؤخذ يعني لا حد عليه للاستثناء في الآية وقد مر بل أمره إلى الأولياء إن شاؤوا قتلوه إن كان القتل بمحدد أو أخذوا الدية أو عفوا قال في (البحر) قيد بالقتل ليعلم أخذ المال بالأولى، بقى هل من تمام توبته رد المال؟ قيل: نعم وبه جزم في (الهداية).
قال في (المحيط): ولو تاب ولم يرد المال لم يذكره في (الكتاب) وقد قيل: لا يسقط وقيل: يسقط وإليه أشار في (الأصل)، وفي (السراج) قالوا: لو قطع الطريق وأخذ المال ثم ترك ذلك وأقام في أهله زماناً ثم قدر عليه درئ عنه الحد لأنه لا يستوفى في تقادم العهد انتهى، وبه عرف أن مجرد الترك ليس توبة بل لا بد أن تظهر عليه سماتها التي لا تخفى، (أو كان بعض القطاع غير مكلف) بأن كان صبياً أو مجنوناً
أو ذا رحم محرم من المقطوع عليه أو قطع بعض القافلة على البعض أو قطع الطريق ليلاً أو نهاراً بمصر أو بين مصرين لم يحد فأقاد الولي أو عفا ومن خنق في المصر غير مرة قتل به.
ــ
يعني لا يحدون كلهم لأن الجناية واحدة فإذا لم يقطع فعل بعضهم موجباً كان فعل الباقين كبعض العلة، وكذا لو كان فيهم أخرس ودل كلامه أن المرأة تجري عليها أحكام قطاع الطريق وقد مر، (أو) كان بعض القطاع (ذا رحم محرم من المقطوع عليه) هذا إذا كان المال مشتركاً بين المقطوع عليهم أو لم يكن مشتركاً لكن لم يأخذه إلا من ذي الرحم، أما إذا أخذوا منه ومن غيره فقيل: إنهم يحدون نظراً للمال المأخوذ من ذلك الغير والأصح لا يحدون، (أو قطع بعض القافلة على/ بعض) لأن مال جميع القافلة في حق قطع الطريق كشيء واحد إذ هو محرز بحرز واحد وهو القافلة والجناية واحدة وهو قطع الطريق فالامتناع في البعض يوجب الامتناع في الباقين فصار كسارق متاع غيره وهو معه في دار واحدة.
(أو قطع) شخص (الطريق ليلاً أو نهاراً بمصر أو بين مصرين) يعني (لا يحد) لأن قطع الطريق لا يتحقق في هذه الأماكن للحوق الغوث بهم عادة، وعن أبي يوسف إن قصده بالسلاح نهاراً في المصر فهو قاطع وإن قصده بشيء من الخشب ونحوه فليس بقاطع، وفي الليل يكون قاطعاً مطلقاً واستحسن المشايخ هذه الرواية وأفتوا بها، وعنه إذا كان خارج المصر ولو بقرب منه يحد لأن الله تعالى أناط الحد بمحاربة عباد الله على ما مر وذلك يتحقق في المصر وخارجه ولم ينط بمسمى قطع الطريق وإنما هو اسم من الناس لم يحد جواب الكل (فأقاد الولي) أي: اقتص يعني ولي المقتول إن كان القتل عمداً بمحدد (أو عفا) إن شاء وإذا ثبت هذا في القصاص ففي المال أولى، (ومن خنق في المصر غير مرة) بالتشديد سماعاً لأن التفعيل للتكثير، كذا في (غاية البيان) وعلى هذا فقوله غير مرة تأكيد لكن في (الدراية) أنه بالتخفيف من خنقه إذا عصر حلقه خنقاً بكسر النون من حد دخل والخناق فاعله انتهى، وهو المشهور على الألسنة إذ التأكيد خلاف الأصل. وفي (المغرب) الخنق بكسر النون، قال الفارابي: ولا يقال بالتسكين مصدر خنقه إذا عصر حلقه والخناق فاعله والخناق بكسر الخاء وتخفيف النون ما يخنق به من حبل أو وتر أو نحوه، (قتل به) أي: بسبب الخنق يعني سياسة لأنه ساع في الأرض بالفساد وكل من كان كذلك فإن شره يدفع بالقتل.
قال الشارح: ومن السياسة ما يحكى عن أبي بكر الأعمش أن من ادعى عليه بسرقة فأنكر فللإمام إذا غلب ظنه أن المال عنده أن يعاقبه ويجوز له ذلك كما لو رآه الإمام جالساً مع الفساق في مجلس الشرب أو ماشياً مع السراق وبغلبة الظن أجازوا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قتل النفس، كما لو دخل عليه رجل شاهر سيفه وغلب على ظنه أنه يقتله، وفي إكراه (البزازية) عن الحسن بن زياد أو يحل ضرب السارق حتى يقر؟ قال: لو لم يقطع اللحم لا يظهر العظم.
وفي (المحيط) من المشايخ من قال: يصح الإقرار بالسرقة مكرهاً، وفي (التجنيس) ضرب من ادعى عليه بسرقة خلاف الشرع فلا يفتى به لأن فتوى المفتي يجب أن تطابق الشرع وما في (الشرح) ينبغي أن يعول عليه في زماننا لغلبة الفساق كيف يؤتى للسارق ليلاً بالبينة؟ بل ولا في النهار ويحمل ما في (التجنيس) على زمانهم.
خاتمة: ويثبت قطع الطريق بالإقرار مرة واحدة وشرط أبو يوسف التكرار ويقبل رجوعه عنه، وبشهادة رجلين على معاينة القطع والإقرار فلو شهد أحدهما بالمعاينة والآخر على الإقرار به لم تقبل ولا تقبل الشهادة بالقطع على أصل الشاهد وإن علا وفرعه وإن سفل، وقدمنا أن من الشرائط أن يكون القطع في دار الإسلام حتى لو قطعوا في دار الحرب على مستأمنين أو في دار الإسلام في موضع غلب فيه أهل البغي ثم أتي بهم إلى الإمام لا يمضي عليهم الحد، ويجوز للإنسان أن يقاتل دون ماله وإن لم يبلغ نصاباً ويقتل من يقاتله عليه لخبر (من قتل دون ماله فهو شهيد) والله الموفق للصواب بمنه وكرمه.