المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك - النهر الفائق شرح كنز الدقائق - جـ ٣

[سراج الدين ابن نجيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العتق

- ‌باب العبد يعتق بعضه

- ‌باب الحلف بالدخول

- ‌باب العتق على جعل

- ‌باب التدبير

- ‌كتاب الإيمان

- ‌باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

- ‌باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

- ‌باب اليمين في الطلاق والعتاق

- ‌باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها

- ‌باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه

- ‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

- ‌باب حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌كتاب السرقة

- ‌باب قطع الطريق

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنائم وقسمتها

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌باب المستأمن

- ‌باب العشر والخراج والجزية

- ‌فصل في الجزية

- ‌باب المرتدين

- ‌باب البغاة

- ‌كتاب اللقيط

- ‌كتاب اللقطة

- ‌كتاب الآبق

- ‌كتاب المفقود

- ‌كتاب الشركة

- ‌فصل في الشركة الفاسدة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب خيار الشرط

- ‌باب خيار الرؤية

- ‌باب خيار العيب

- ‌باب البيع الفاسد

- ‌باب الإقالة

- ‌باب التولية

- ‌باب الربا

- ‌باب الحقوق

- ‌باب السلم

- ‌باب المتفرقات

- ‌كتاب الصرف

- ‌كتاب الكفالة

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره

الفصل: ‌باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

‌باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

حلف لا يدخل بيتا لا يحنث بدخول الكعبة والمسجد، والبيعة والكنيسة، والدهليز والظلة، والصفة. .......

ــ

وقال إن شاء الله تعالى فلا حنث عليه) رواه أبو داود وغيره، وقال الترمذي: حديث حسن لا يعين ما قالاه. قيد بقوله وصل لأنه لو فصله كان رجوعا إذا لم يكن لنحو تنفس وسعال. قال في (البحر): وظاهر كلامهم أن المشيئة المتصلة تبطل كلما تعلق بالقول عبادة أو معاملة بخلاف المتعلق بالقلب كالنية والله الموفق للصواب.

باب اليمين في الدخول والخروج

والسكنى والإتيان وغير ذلك من الركوب

لما كان انعقاد اليمين على فعل شيء أو تركه لم يكن بد من ذكر أنواع الأفعال ويعلم منها التروك وقد علمت أن المذكور في هذا الباب منها خمسة أفعال أي: الكف عنها غير أنه قدم منها الكلام على الدخول والسكنى دون الأكل والشرب، مع أنه أهم ليطابق التقديم الوجودي للترتيب الوضعي، وذلك أن أول ما يحتاج إليه الإنسان المسكن الذي يدخل فيه ويسكن ثم يتوارد عليه الأفعال من الأكل والشرب والركوب.

(حلف) أن (لا يدخل بيتا لا يحنث بدخول) البيت الشريف وهو (الكعبة) كما عبر به في بعض النسخ (والمسجد والبيعة) بكسر الموحدة متعبد اليهود، (والكنيسة) متعبد النصارى، (والدهليز) بكسر الدال ما بين الباب والدار فارسي معرب، (والظلة) وهي الساباط الذي يكون على باب الدار مسقفا له جذوع أطرافها على جدار الباب والأطراف الأخر على جدار الجار المقابل (والصفة) لأن البيت عرفا ما أعد للبيتوتة، وهذه البقاع لم تبن لها والأيمان مبنية على العرف عندنا أي: على عرف الحالف فإن كان من أهل اللغة اعتبر فيه عرف أهلها، وإن لم يكن اعتبر عرف غيرهم وفي مشترك الاستعمال تعتبر اللغة على أنها العرف ثم من المشايخ من جرى على هذا الإطلاق

ص: 64

وفي دارا بدخولها خربة، وفي هذه الدار يحنث، وإن بنيت دارا أخرى بعد الانهدام، وإن جعلت بستانا، أو مسجدا، أو حماما أو بيتا لا

ــ

فحكم بأن ما ذكر في (الذخيرة) من الحنث بهدم بيت العنكبوت في أن لا يهدم بيتا خطأ، ومنهم من حمله على ما إذا لم يمكن العمل بحقيقته وهو بعيد، إذ المتكلم إنما يتكلم بالعرف الذي به التخاطب نعم إن نوى بيت العنكبوت في عموم البيت حنث وإلا وجب أن لا يحنث بالدخول في البيت الحرام والمسجد إذا نوى ذلك لأن الآيات القرآنية ناطقة بإطلاق اسم البيت عليهما، وإذ قد علمت أن البيت ما يبات فيه وكان الدهليز كبيرا يبات فيه الضيف وبعض الأتباع وجب أن يحنث بدخوله، وعلى هذا فيحنث بالصفة إذا كانت بحيث لو أغلق الباب كانت داخله سواء كان لها أربعة حوائط كما في الكوفة أو ثلاثة على ما رجحه في (الهداية) بعد أن يكون مسقفا لأنه يبات فيه غاية الأمر أن مفتحه واسع، وكذا الظلة إذا كان معناها ما هو داخل الباب مسقفا.

وقول العيني: الصفة هي ما مر غير أنه ليس لها مزم فإذا أراد البيت الذي له مزم ينبغي أن لا يحنث، يعني ديانة لأنه نوى تخصيص العام بنيته صرح به في (الدراية)(وفي) حلفه على دخوله (دارا) لا يحنث (بدخولها خربة وفي) لا يدخل (هذه الدار يحنث) بدخولها خربة (ولو بنيت دارا أخرى) لأن الدار اسم للعرصة لغة كما شهدت بذلك أشعار العرب، والبناء وصف فيها غير لازم، إنما اللازم كونها قد نزلت إلا أنه في عرف أهل المدن لا يقال إلا بعد البناء فيها ولو انهدم بعد ذلك بعضها قيل: دار خراب فيكون هذا الوصف جزءا لمفهومها، فأما إذا عادت ساحة فإطلاق اسم الدار عليها عرفا باعتبار ما كان والحقيقة أن يقال: كانت دارا وقد عرف أن الوصف في الحاضر لغو لأن ذاته تتعرف / بالإشارة فوق ما تتعرف بالوصف وفي الغائب معتبر لأنه [281/أ] المعرف له فإن كون الإشارة تعين بالذات إنما يقتضي تعين هذا البناء مع الساحة محلوفا عليه وقد انتفى، وفي (المحيط) لو كانت دار صغيرة فجعلها بيتا واحدا وأشرع بابا إلى الطريق أو إلى باب أخرى لا يحنث بدخولها لتبدل الاسم والصفة بحدوث أمر جديد انتهى، والمراد بخرابها أن تصير ساحة، فأما إذا زال بعض حيطانها فينبغي أن يحنث في المنكر ودل كلامه أنه لو حلف لا يدخل هذا المسجد فصار خرابا، حنث بدخوله وهو مروي عن الثاني (وإن جعلت) في لا يدخل هذه الدار (بستانا أو مسجدا أو حماما) أو نهرا (أو بيتا لا) أي: لا يحنث بدخولها، سواء دخلها وهي حمام أو بستان أو بعدما انهدم الحمام، أو اتخذها بيتا لزوال اسم وبالانهدام لم يعد وهو وإن عاد بالبناء لكنه بصفة أخرى فكان غير المحلوف عليه قيد بهذه الدار،

ص: 65

كهذا البيت فهدم، أو بنى آخر. والواقف على السطح داخل،

ــ

لأنه لو لم يسمها بل قال: هذه حنث بدخولها على أي صفة كانت كما في (الذخيرة)(كهذا البيت) أي: كما لا يحنث في حلفه لا يدخل هذا البيت (فهدم أو بنى آخر) ثم دخله، وقيدنا بالإشارة إلى أنه لا يحنث في المنكر بالأولى، أما إذا انهدم فلزوال الاسم عنه حتى لو سقط السقف وبقيت حيطانه حنث بدخوله وجعل في (البدائع) هذا في المعين، أما المنكر فلا حنث فيه لأنه بمنزلة الصفة له وهي في الحاضر لغو وفي الغائب معتبرة انتهى. وفيه نظر بل لا فرق بين المنكر والمعرف حيث صلح لأن يبات فيه فتدبره.

وأما إذا بنى بيتا آخر ولو بنقض الأول فلأن هذا المبني غير البيت الذي منع نفسه من دخوله، ومن هذا النوع لا يكتب بهذا القلم أو لا يقص بهذا المقص فكسره ثم رآه وأعاده مقصا يحنث، وكذا السيف والسكين كما لو قال: لا أستند إلى هذه الأسطوانة والحائط فنقضا ثم بينا أو لا أركب هذه السفينة فنقضت ثم أعيدت بذلك الخشب لزوال الاسم في الكل بخلاف ما لو حلف على ثوب لا يلبسه أو قباء محشوا أو جبة مطبقة أو قلنسوة أو خفين فنقض ذلك كله ثم أعاده حيث يحنث، لأن الاسم بقي بعد النقض وقي المباسيط من هذا النوع ما يطول الكلام بذكره، (والواقف على السطح) أي: سطح الدار المحلوف على عدم دخولها إذا وصل إليه من سطح آخر (داخل) لأنه من الدار، ألا ترى أن سطح المسجد منه حتى حرم على الجنب والحائض الوقوف عليه ولم يبطل الاعتكاف بالصعود عليه كذا في (الشرح) وغيره وقد يقال: المعنى مختلف فإن الأيمان مبنية على العرف فجاز كون بعض ما هو في حكم المسجد خارجا في العرف، فالأقرب ما قيل: الدار عبارة عما أحاطت به الدائرة وهذا حاصل في علو الدار وسفلها وهذا يتم إذا كان السطح بحضير، فلو لم يكن له حضير فليس هو إلا في الدار، والحق أن السطح من الدار لأنه من أجزائها حسيا لكن لا يلزم من القيام عليه أن يقال في العرف: دخل الدار وقيل: في عرفنا لا يحنث وهو قول المتأخرين، قال الشارح: وهو المختار، وفي (الكافي) وعليه الفتوى وقال المتقدمون: إنه يحنث.

قال في (الفتح): ولو حمل الأول على ما إذا لم يكن حضير، والثاني على ما إذا كان له حضير اتجه وهذا اعتقادي انتهى. ومقتضاه أنه لو حلف أنه لا يخرج منها فصعد إلى سطحها الذي لا حضير له أن يحنث والمسطور في (غاية البيان) أنه لا يحنث مطلقا لأنه ليس بخارج، ويؤيده ما في (المحيط): لو ارتقى إلى شجرة والمسألة بحالها أغصانها خارج الدار بحيث لو سقط في الطريق لم يحنث، وفيه أيضا لو حلف

ص: 66

وفي طاق الباب لا. ودوام اللبس والركوب والسكنى كالإنشاء.

ــ

لا يدخل دار فلان فحفر سردابا أو قناة تحت داره فدخل ذلك السرداب أو القناة لم يحنث لأنه لم يدخل ولو كان للقناة موضع مكشوف في الدار، فإن كان كبيرا يستسقي منه أهل الدار فبلغ ذلك الموضع حنث وإلا لا، ولو اتخذ سردابا تحت داره وجعله بيوتا وجعل لها أبوابا إلى الطريق فدخلها الحالف حنث، (و) الواقف (في طاق الباب) أي: عتبة الفناء إذا أغلقه كانت خارجة أي: (لا) يكون داخلا فلا يحنث بذلك لو حلف لا يدخل هذه الدار وهذا البيت قيد بالواقف في الطاق، أي: على قدميه لأنه لو وقف بإحدى رجليه على العتبة وأدخل الأخرى فإن استوى الجانبان أو كان الخارج أسفل لم يحنث، وإن كان الجانب الداخل أسفل حنث كذا في (الشرح) وغيره وفي (الظهيرية) الصحيح أنه لا يحنث مطلقا.

واعلم أنه إذا حلف لا يدخل دار زيد فداره مطلقا دار يسكنها / فلو دخل دار [281/ب] غلته لم يحنث كما في (المحيط) وعلى هذا تفرع ما في (المجتبى) إن دخلت دار زيد فعبدي حر، وإن دخلت دار عمرو فامرأته طالق، فدخل دار زيد لم يعتق وتطلق فإن نوى شيئا صدق ولا فرق في الساكن بين كونه تبعا أو لا، حتى لو حلف لا يدخل دار أمه أو ابنته وهي تسكن مع زوجها حنث بالدخول كما في (الخانية) ولا بين كون المسكن بالملك أو الإجارة أو العارية إلا إذا استعارها ليتخذ فيها وليمة فدخلها الحالف فإنه لا يحنث كما في (العمدة) والوجه فيه ظاهر والمسألة مقيدة بالطائع، أما المكره فلا يحنث بالدخول ولو رضي بقلبه في الأصح وصورة المسألة ما إذا حمله الإنسان وأدخله، أما إذا هدد حتى دخل بنفسه فإنه يحنث لوجود الفعل منه، ومن صور الإكراه ما لو عثر فوقع في الدار أو كان على دابة فانفلتت به وأدخلته فيها غير قادر على إمساكها وقد نص في (الظهيرية) على أن الصحيح في المسألتين عدم الحنث قال: ولو أدخل مكرها ثم دخلها مختارا فالفتوى على أنه يحنث ثم إذا لم يحنث هل تنحل اليمين؟ قيل: نعم، والصحيح أنها لا تنحل كذا في (الدراية).

فرع

في (الواقعات): والله لا أكلم إخوة فلان وله أخ واحد فإن كان يعلم يحنث بالواحد وإلا لا، ولا ينافيه ما في (القنية) إن أحسنت إلى أقربائك فأنت طالق فأحسنت إلى واحد منهم يحنث ولا يراد الجمع في عرفنا انتهى. وبما في (الواقعات) عرف جواب حادثة الفتوى وهي ما إذا حلف بالطلاق أن أولاد زوجته لا يطلعون إلى بيته وطلع واحد منهم فإنه لا يحنث، (ودوام اللبس والركوب والسكنى كالإنشاء) حتى لو

ص: 67

لا دوام الدخول لا يسكن هذه الدار، أو البيت، أو المحلة فخرج وبقي متاعه، وأهله حنث

ــ

حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه، أو لا يركب هذه الدابة وهو راكبها، أو لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فمكث ساعة حنث فلو نزع الثوب أو نزل وأخذ في النقلة من ساعته لم يحنث وجه الحنث أن هذه الأفاعيل لها دوام بحدوث أمثالها، ولهذا فو قال لها: كلما ركبت وهي راكبة فأنت طالق فمكثت ساعة يمكنها النزول فيها طلقت واحدة، وإن طال مكثه، لا ركبت إذا لم يكن الحالف راكبا يراد به إنشاء الركوب فلا يحنث بالاستمرار، وإن كان له حكم الابتداء بخلاف ما لو حلف الراكب لا يركب فإنه يراد به الأعم من ابتداء الفعل في حكمه عرفا (لا دوام الدخول) حتى لو حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لم يحنث بالمكث فيها كما لو حلف لا يخرج وهو خارج أو لا يتزوج وهو متزوج، أو لا يطهر وهو متطهر حيث لا يحنث باستدامة الخروج والنكاح والطهارة، لأن هذه الأفعال لا يصح ضرب المدة لها إذ لا يقال لنفس الدخول: دخلت يوما بل يقال في مجاز الكلام دخلت هذه يوما مراد به مجرد بيان الظرفية أو مطلق الوقت بخلاف اللبس ونحوه فإنه يصح ضرب المدة له فيقال: لبست وركبت يوما وسكنت شهرا وقد علمت أن معنى الدوام في هذه الأفعال هو يحدد أمثالها وإلا فدوام الفعل حقيقة مع أنه عرض لا يبقى مستحيل، وهذا لا يوجد في الدخول ونحوه بخلاف الركوب ونحوه وعليه فرع بعض أهل العلم ما لو كان الحلف على الإثبات نحو: والله لا ألبس هذا الثوب غدا فاستمر لابسه حتى مضى الغد لا يحنث لأن لدوامه حكم الابتداء.

واعلم أنه إنما يحنث بتأخير ساعة إن أمكنه النقل فيها فإذا لم يكن يقدر بأن دخل الليل وخاف من لص أو منع من ذي شوكة أو لم يجد ما ينتقل إليه أو أغلق عليه الباب فلم يقدر على فتحه أو كان شريفا أو ضعيفا عن حمل المتاع بنفسه ولم يجد من ينقلها لم يحنث، ويلحق ذلك الوقت بالعدم للعذر وقولنا وخاف من لص إنما قيد في الرجل إذ وجود الليل كاف في حق المرأة لما في (المجتبى) قال لها: إن سكنت هذه الدار فأنت طالق وكانت اليمين ليلا عذرت حتى تصبح لأنها في معنى المكره ولو قال ذلك لرجل: لم يكن معذورا لأنه لا يخاف هو المختار وينبغي في ديارنا أن يكون وجود الليل كاف في حق الرجل أيضا إذا كان ممن يخشى من مصادفة الوالي أو أتباعه فيه، ولما كان الأخذ في النقلة بين ذكر معنى النقلة التي بها يتحقق فقال (لا يسكن هذه الدار أو البيت أو المحلة فخرج وبقي متاعه وأهله حنث)[282/أ] لأنه / يعد ساكنا في محل سكنى أهله وماله عرفا، وجواب المسألة مقيد بقيود أن يكون اليمين بالعربية فلو كانت بالفارسية لم يحنث قاله الفقيه، وكأنه بناه على

ص: 68

بخلاف المصر لا يخرج فأخرج محمولا بأمره حنث،

ــ

عرفهم وأن يكون الحالف مستقلا بالسكنى فلو كان تبعا كابن كبير يسكن مع أبيه لا يحنث بتركهما وأن لا يكون الترك لطلب منزل فإن كان لم يحنث ولو بقي أياما في الأصح لأنه من عمل النقل فصارت مدة النقل مستثناة إذا لم يفرط في الطلب، وهذا إذ خرج من ساعته لطلب المنزل ولو أخذ في النقلة شيئا فشيئا فإن لم تفتر النقلات لم يحنث ولا يلزمه النقل بأسرع الوجوه بل بقدر ما يسمى ناقلا في العرف حتى لا يلزمه أن يستأجر من ينقل متاعه في يوم ولو قدر على ذلك.

قال في (البحر): والواو في كلامه بمعنى أو لأن الحنث يحصل ببقاء أحدهما، ثم قال الإمام: لا بد في بره من نقل كل المتاع حتى لو بقي نحو وتد حنث، وقال بعض مشايخنا: هذا إذا كان الباقي يتأتى به السكنى فإن بقي نحو مكنسة أو وتد لم يحنثن وقال محمد: يعتبر ما تقوم به السكنى، قالوا: هذا أحسن وبالناس أرفق وعليه الفتوى وشرط الثاني نقل الأكثر وصرح كثير بأن الفتوى عليه وعلى هذا فما مر عن بعض المشايخ ليس قول واحد منهم ولا خلاف أنه في (الأصل) يشترط نقل الكل ثم أنت خبير بأنه ليس المدار إلا على العرف في أنه ساكن أو لا ولا شك أن من خرج على نية ترك المكان وعدم العود إليه ونقل من أمتعته فيه ما يقوم به أمر سكناه وهو على نية نقل الباقي يقال ليس ساكنا في هذا المكان، بل انتقل عليه وسكن في المكان الفلاني، وبهذا يترجح قول محمد وأثر الخلاف يظهر في فرع في إجارة (البزازية) لو كان الحياك يسكن مع صهره فاكترى دارا وخرج وترك الغزل وحده في الدار الأول لا يضمن عند الأول لبقاء السكنى ببقائه حتى لو انتقل المودع وترك الوديعة لا غير في المنزل المنتقل عنه لا يضمن وعندهما يضمن بكل حال انتهى بلفظه وأفهم كلامه أنه يبر بنقل أهله ومتاعه، سواء كان إلى منزل أو لا كالسكة والمسجد وما في (الهداية) قالوا: لا يبر دليله في (الزيادات) أن من خرج بعياله من مصره فلم يتخذ وطنا آخر يبغى في وطنه الأول في حق الصلاة، كذا هذا وفي (الظهيرية) وهو الصحيح وقال أبو الليث: إن لم يسلمها إلى أهلها حنث لا إن سلمها.

قال في (الفتح):وإطلاق عدم الحنث أوجه وكون وطنه باقيا في حق إتمام الصلاة ما لم يستوطن غيره ولا يلزمه تسمية كونه ساكنا عرفا بذلك المكان بل يقطع في العرف بأنه غير ساكن (بخلاف المصر) والبلد والقرية في الأصح حنث لا يتوقف البر على نقل المتاع والأهل فيها لما أنه لا يعد ساكنا عرفا بذلك المكان بل يقطع في العرف في الذي انتقل عنه عرفا، وفي مصرنا يعد ساكنا بترك أهله ومتاعه فيها ولو خرج وحده فينبغي أن يحنث، حلف (لا يخرج) من هذا المسجد مثلا (فأخرج محمولا بأمره حنث) لأن فعل المأمور مضاف إليه، وفي (البدائع) الخروج من الدور

ص: 69

وبرضاه لا بأمره أو مكرها لا كلا يخرج إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى حاجة لا يخرج أو لا يذهب إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع حنث ....

ــ

المسكونة أن يخرج الحالف بنفسه ومتاعه وعياله كما إذا حلف لا يسكن من البلدان والقرى أن يخرج ببدنه وخاصته، وعلى هذا فمن صور المسألة في البيت يحمل كلامه على أن الحالف كان تبعا لغيره في السكنى كما مر.

(و) إن خرج (برضاه لا بأمره أو) أخرج حال كونه (مكرها) بأن حمله إنسان وأخرجه كارها لذلك (لا) أي: لا يحنث في الوجهين، أما الأول فلأن الانتقال إليه إنما يكون بالأمر لا بمجرد الرضا وقيل: يحنث لأن عدم امتناعه مع القدرة عليه ينزل منزلة الأمر والأول أصح لما قلنا، وأما الثاني فلعدم فعله حقيقة وحكما وقيدنا الإكراه بذلك لأنه لو توعده فخرج بنفسه حنث لما عرف أن الإكراه بهذا المعنى لا يعدم الفعل عندنا وقدما ترجيح أن اليمين لا تنحل، وقال السيد أبو شجاع: تنحل وهو أرفق بالناس، وأثر الخلاف يظهر فيما لو دخل بعد هذا الإخراج فعلى الراجح يحنث ولا يحنث على مقابله (كلا يخرج) أي: لا يحنث في حلفه لا يخرج (إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى حاجة) لأن الخروج إلى الجنازة مستثنى من الخروج المحلوف عليه [282/ب] والإتيان بعد ذلك ليس بخروج ونبه بقوله إليها لأنه لا بد أن يقصد. / ومن ثم قال في (الظهيرية): لو قال: إن خرجت إلى منزل أبيك فأنت كذا فهو على الخروج عن قصد، وأفاد في (المحيط) أنه يكفي فيه الانفصال من باب الدار لأنه بذلك يعد خارجا انتهى. سواء مشى معها وصلى عليها أم لا ولذا قال في (البدائع): لو قال: إن خرجت من هذه الدار إلا إلى المسجد فأنت كذا فخرجت تريد المسجد ثم بدا لها فذهب إلى مسجد آخر لا تطلق.

حلفه (لا يخرج أو لا يذهب إلى مكة فخرج يريدها) أي: يقصدها (ثم رجع) أي: عاد قبل الوصول إليها (حنث) لوجود الخروج على قصدها إذ هو الانفصال من الداخل إلى الخارج فيحنث به سواء رجع أم لم يرجع كذا في (الفتح)، وفيه إيماء إلى أن العود ليس شرطا في حنثه مما هو ظاهر ما في (الكتاب) إلا أن يراد به العود على إرادته إياها وهذا صادق بما إذا قصد غيرها وجواب المسألة مقيد بما إذا جاوز العمران على قصدها كأنه ضمن لفظ أخرج معنى أسافر ليعلم بأن المضي إليها سفر لكن على هذا لو لم يكن بينه وبينها مدة سفر ينبغي أن يحنث بمجرد انفصاله من الداخل، وهذا التضمين ممكن في كلام المصنف والتسوية بين الخروج والذهاب هو الأصح.

قال في (البحر): ولم أر من صرح بلفظ الرواح وهو كثير في كلام المصريين، وقد قال الأزهري: إنه الذهاب لغة سواء كان من أول الليل أو آخره أو في الليل، قال

ص: 70

وفي لا يأتيها لا ليأتينه فلم يأته حتى مات حنث في آخر حياته ليأتينه إن استطاع فهو استطاعة الصحة، وإن نوى القدرة دين لا تخرج إلا بإذني شرط لكل خروج إذن.

ــ

النووي: وهو الصواب وعليه فهو كالخروج، (وفي) قوله (لا يأتيها) يعني مكة (لا) أي: لا يحنث بالخروج فقط بل لا بد من الوصول إليها لأنه عبارة عنه سواء قصد أم لا بخلاف الخروج والذهاب على ما مر، وفي (الذخيرة) حلف لا تأتي امرأته عرس فلانة فذهبت قبل العرس لا يحنث ذكره في (المنتقى) معللا بأنها ما أتت العرس بل العرس أتاها ولو حلف لا يأتي فلانا فهو على أن يأتي منزله أو حانوته لقيه أو لا أتى مسجده لم يحنث، ولو حلف (ليأتينه) أي: زيدا مثلا (فلم يأته حتى مات) أحدهما (حنث) الحالف (في آخر حياته) أي: الميت لأن اليمين حيث لو يوقت بوقت يفوت البر بفواته يبقى إلى أن يقع اليأس عنه ولم يتحقق ذلك إلا في آخر جزء من أجزاء حياته، وفي قوله حنث إيماء أنه لو ارتد وبدار الحرب لحق لا يحنث وإن كان ذلك موتا حكما لبطلان يمينه بالله تعالى بمجرد الردة كما مر فتنبه له والإتيان مثال بل كل فعل ليفعلنه منقلبا وأطلقه كذلك حتى لو حلف بطلاقها ليفعلن فلم يفعل حنث بموت أحدهما، لا فرق في ذل بين موته وموتها في الصحيح فإن قيدها بوقت اعتبر آخره فإن مات قبل مضي الوقت ولم يفعل لم يحنث ولو حلف (ليأتينه إن استطاع فهي) أي: الاستطاعة (استطاعة الصحة) وهي سلامة آلات الفعل المحلوف عليه وصحة أسبابه لأنه المتعارف والمراد بآلات الجوارح، فالمريض ليس بمستطيع وصحة الأسباب تهييئه لإرادة الفعل على وجه الاختيار فخرج الممنوع.

وعن هذا قال في (الاختيار): هي سلامة الآلات ورفع الموانع وإذا عرف هذا فما في (الشرح) من زيادة قوله ورفع الموانع الحسية بعد قوله سلامة الأسباب والآلات حشو (وإن نوى) بالاستطاعة (القدرة) التي لا تسبق الفعل بل تخلق معه بلا تأثير لها فيه لأن أفعال العباد مخلوقة له تعالى (دين) حتى لا يحنث إذا لم يأته ولا عذر له لأن المعنى حينئذ لا ينفك إن خلق الله إتياني إلا أنه خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء، وقيل: يصدق قضاء أيضا لأنه نوى حقيقته إذ اسم الاستطاعة يطلق بالاشتراك عليهما ورد بأنه وإن كان مشتركا إلا أنه تعورف استعماله عند الإطلاق عن القرينة للمعنى الأول فصار ظاهرا فيه فلا يصدقه القاضي في خلافه (لا تخرجي إلا بإذني) أو بأمري أو بعلمي أو برضاي أو لا تخرجي بغير إذني (شرط لكل خروج إذن)، لأن المستثنى خروج مقرون بالإذن فما وراء الخروج المطلق بالإذن داخل في الحظر العام وهو النكرة المؤولة بالفعل في سياق النقل فإذا خرجت مرة واحدة بلا إذن حنث

ص: 71

بخلاف إلا أن، وحتى.

ــ

بشرط بقاء النكاح حتى لو أبانها ثم تزوجها فخرجت بلا إذن لم تطلق وإن بان زوال الملك لا يبطل اليمين لأنها لم تنعقد إلا على مدة بقاء النكاح، كذا في (الفتح).

[283/أ] قال الشارح: وهذا / صحيح إذا كانت الزوجة قائمة وقت اليمين، أما إذا قال ذلك لأجنبي أو لأجنبية بأن قال: إن خرجت إلا بإذني فعبدي حر أو امرأتي طالق فينبغي أن يصح ولا يتقيد بشيء انتهى. وفيه تأمل ويشترط أيضا أن لا يكون الخروج لوقوع غرق أو حرق غالب فإن كان لم يحنث كما في (المنتقى) ثم إذا حنث بخروجها مرة بغير إذن لم يحنث بخروجها مرة أخرى لعدم ما يوجب التكرار، وانحلت اليمين بالأول كذا في (الظهيرة).

قالوا: وطريق إسقاط هذا الإذن أن يقول: كل ما أردت فقد أذنت لك ولو نهاها عنه بعد ذلك لم يعمل نهيه عند ابي يوسف خلافا لمحمد وبه أخذ ابن الفضل وأجمعوا أنه لو أذن لها في خرجة ثم نهاها عن تلك الخرجة فإن نهيه يعمل ولو أذن لها ثم قال: كلما نهيت فقد أذنت لك فيها لم يصح نهيه ويشترط في إذنه لها أن تسمعه فلو كان غير مسموع لم يكن إذا قبل هذا قولهما وعند أبي يوسف وزفر يكون إذنا، والصحيح أنه على قولهما أيضا لا يكون إلا بالسماع وأن تفهمه فلو أذن لها بالعربية ولا عهد لها بها فخرجت حنث، وأن تقوم قرينة على أنه لم يرد الإذن فلو قال لها: اخرجي أما والله لو خرجت ليخزيك الله لا يكون يمينا صرح به محمد رحمه الله تعالى وكذا لو قال لها في غضب: اخرجي ينوي التهوية لم يكن إذنا إذ المعنى حينئذ اخرجي حتى تطلقي ولو نوى الإذن مرة واحدة باللفظ المذكور صدق ديانة لا قضاء وعليه الفتوى لأنه يحتمل كلامه لكنه خلاف الظاهر.

وفي (المحيط) حلفه ثلاثة رجال أنه لا يخرج من بخارى إلا بإذنهم فأجاز أحدهم لا يخرج ولو مات أحد الثلاثة فخرج لم يحنث لأنه ذهب الإذن الذي وقعت عليه اليمين، ولو قال: إلا بإذن فلان فمات المحلوف عليه بطلت اليمين عندهما خلافا لأبي يوسف (بخلاف) ما إذا قال: (إلا أن) آذن لك (أو) قال: (حتى) آذن لك حيث لا يشترط لكل خروج إذن الإذن مرة واحدة كاف لأن حتى للغاية وأن محمولة عليها فكان الإذن مرة موجب الغاية، واعترض بأن أن والفعل في تأويل المصدر فيكون المعنى إلا خروجا بإذني على إرادة الباء إذ لا يصح إلا خروجا إذني فيلزم تكرار الإذن وأجيب بأن كلا منهما مجاز أعني إرادة الباء وكونها بمعنى حتى، إلا أن الثاني أولى لما استقر من أن مجاز غير الحذف أولى من مجاز الحذف عندهم لأنه لا تصرف في وصف اللفظ وجاز الحذف في ذاته بالإعدام مع الإرادة إلا إذا عينه بنيته له

ص: 72

ولو أرادت الخروج، فقال: إن خرجت، أو ضرب العبد، فقال: إن ضربت تقيد به كاجلس فتغد عندي، فقال: إن تغديت ومركب عبده مركبه إن ينو، ولا دين عليه.

ــ

فيصح لأن فيه تشديدا عليه ووجوب تكرار الإذن في قوله تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} (الأحزاب: 53) مأخوذ من العلة أعني قوله تعالى: {إن ذلكم كان يؤذي النبي} (الأحزاب: 53) قيل: وهذا ممكن فيما نحن فيه لأن خروج المرأة من غير إذن الزوج مما يؤذيه أيضا.

ورده في (الفتح) بأنه ذهول عظيم لأن الثابت بالعلة المنصوصة المنع الذي هو حكم شرعي وهو يثبت بالعلل الشرعية أما هنا فالنظر ينعقد عليه يمين الحالف ويلزم بعدمه الكفارة وذلك لا يكون إلا باللفظ الناص على المحلوف عليه لا بالعلة لو صرح بها بأن قال: والله لا أشرب ماء العنب المشتد لإسكاره فإنه لو شرب مرارا لا يقول أحد إنه حنث ولزمه كفارة مع أنه لم يحلف عليه (ولو أرادت) المرأة (الخروج فقال: إن خرجت) فأنت طالق (أو) أراد رجل (ضرب العبد فقال) رجل (إن ضربت) العبد فعبدي حر (تقيد) حلفه (به) أي: بذلك الخروج والضرب حتى لو قعدت ثم خرجت أو ترك ضرب العبد ثم ضربه يحنث، وهذا يمين الفور، فإما من فارت القدر غلت استعير للسرعة ثم سميت بها الحالف التي لا ريب فيها أو من فوران الغضب انفرد الإمام بإظهارها فكانت أولا قسمين مؤبدة أي مطلقة، ومؤقتة وهذه مؤبدة لفظا مؤقتة معنى تقييد بالحال إما بأن تكون بناء على أمر حالي كأمثل، أو تقع جوابا لكلام يتعلق بالحال أشار إليه بقوله (كاجلس) أي: لا يتقيد بقوله اجلس (فتغد عندي فقال) المخاطب: (إن تغديت) فعبدي حر فلا يحنث لو تغذى في يومه في منزله لأنه حين وقع جوابا تضمن إعادة ما في السؤال الغداء الحالي أي: المدعو إليه فينصرف الحلف إليه لتقع المطابقة فلزم الحال بدلالة الحال قيد بإطلاق التغذي لأنه لو قال: اليوم أو معك فتغدى في بيته أو معه في وقت آخر حنث لأنه زاد على حرف الجواب فيكون مبتدئا لا مجيبا / فيعمل بظاهر لفظه هذا إذا لم يكن له نية. [283/ب].

وفي (المحيط) قال لها عند خروجها من المنزل: إن رجعت فأنت كذا ثلاثا فجلست ثم خرجت ورجعت وهو يقول نويت الفور فالظاهر أنه يصدق لأنه لو قال: إن خرجت ولا نية له تنصرف إلى هذه الحالة فكذا إذا قال: إن رجعت ونوى الرجوع بعد هذه الخرجة كان أولى أن تنصرف إلى الرجوع عن هذه الخرجة وفي (القنية) عن (الجامع) قال لها: إن لم أضربك فأنت طالق، فإن كان فيه دلالة الفور بأنه قصد ضربها فمنع انصرف إليه وإن نوى الفور بدونها صدق أيضا، لأن فيه تغليظا وإن نوى الأبد أو لم تكن له نية انصرف إلى الأبد وإن نوى الغد أو اليوم لم تعمل نيته (ومركب عبده مركبه إن نوى، ولا دين عليه) مستغرقا حتى لو حلف لا يركب دابة فلان فركب

ص: 73