الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التدبير
هو: تعليق العتق بمطلق موته
ــ
شروع في العتق الواقع بعد الموت بعد الفراغ من الواقع في الحياة وقدمه على الاستيلاد لشموله الذكر أيضا، والتدبير لغة النظر في عواقب الأمور قال في (المغرب) وغيره: وتدبير المملوك الإعتاق عن دبر وهو ما بعد الموت، وشرط في المدبر نفسه الأهلية من العقل والبلوغ فلا يصح تدبير الصبي والمجنون أما لو قال لصبي أو مجنون: دبر عبدي إن شئت فدبره جاز وهذا يقتصر على المجلس كذا في (المبسوط).
وفي (الخانية) يصح تدبير المحجور عليه بالسفه وبموته يسعى في كل قيمته، وإن وصية المحجور عليه بالسفه بالثلث جائز انتهى، فيطلب الفرق ولعل الفرق هو أن التدبير إتلاف الآن بخلاف الوصية فإنها بعد الموت وله الرجوع قبله فلا إتلاف فيها والملك فلا يصح تدبير المكاتب لانتفاء حقيقة الملك عنه، أما السكران والمكره فيصح تدبيرهما كإعتاقهما وصفته التجزؤ عنده لا عندهما وأحكامه ستأتي (هو تعليق العتق) والإضافة كأعتقتك بعد موتي كالتعليق (بمطلق موت المولى) لفظا أو معنى لخرج ما لو علقه بموته وموت فلان فليس بمدبر مطلقا حتى كان للورثة بيعه إذا مات المولى قبل فلان نعم لو مات فلان قبله كان مطلقا وما لو علقه بموت موصوف بصفة كما سيأتي.
وما لو قال: أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر فإنه لا يعتق إلا بإعتاق الوارث أو الوصي نص عليه ابن سماعة في (نوادره) ولو قال: قبل موتي بشهر كان مدبرا مقيدا فإن مضى شهر كان مطلقا عند البعض، وقال بعضهم: هو باق على التقييم كذا في (الظهيرية).
وفي (الخانية): لو مات بعد شهر قيل: يعتق من الثلث، وقيل: من جميع المال لأن على قول الإمام يستند العتق إلى أول الشهر وهو كان صحيحا فيعتق من كله وهو الصحيح وعلى قولهما يصير مدبرا بعد مضي الشهر قبل موته وفي (المجتبى) قبل مضي الشهر ليس مدبرا وإن كان يعتق بعد موته ويجوز بيعه ثم إذا مضى شهر لا يجوز بيعه لأنه صار مدبرا مطلقا وأكثر المشايخ أنه يجوز بيعه وهو الأصح انتهى، والحاصل أنه مقيد قبل مضي الشهر وبعده على الراجح، إلا أن مقتضى كونه يعتق من جميع المال على ما صححه في (الخانية) أن لا يكون مدبرا كما سيأتي.
كإذا مت، فأنت حر، وأنت حر يوم أموت، أو عن دبر مني، أو مدبر أو دبرتك
ــ
ولو قال: أنت حر بعد موتي إن شئت ينوي فإن نوى المشيئة الساعة فشاء العبد ساعته فهو حر بعد موته من الثلث وإن نوى المشيئة بعد الموت فشاء العبد [273/أ] عند موته فهو حر لوجود الشرط لا باعتبار التدبير. وكان / الشيخ أبو بكر الرازي يقول: الصحيح أنه لا يعتق إلا بإعتاق من الورثة أو الوصي، وبه جزم الحاكم في (مختصره)، والفرع الذي قبله يؤيده فرق بين هذا وما لو قال: أنت حر بعد موتي إن دخلت الدار بعده حيث لا يجب على الوارث إعتاقه بعد دخوله بأن الوصية بالإعتاق توكيل به بعد الموت وتعليقها بالمشيئة جائز، كأعتق عبدي إن شاء وبالدخول لا تصح كأعتق عبدي هذا إذا دخل الدار، كذا في (المحيط) ملخصا، وقولنا لفظا أو معنى يصح أن يكونا حالين من تعليق، والتعليق معنى كالوصية برقبته أو بنفسه أو بثلث ماله لا منه وأن يكونا حالين من مطلق، والمطلق معنى كإن مت إلى مائة سنة فأنت حر فإنه مطلق في المختار (كإذا) أو متى أو إن (مت) أو توفيت أو هلكت أو حدث في حادث (فأنت حر) أو عتيق أو معتق أو محرر (أو أنت حر يوم أموت)، أراد به مطلق الوقت لأنه قرن بفعل لا يمتد فإن نوى النهار صحت نيته ولم يكن مدبرا، كذا في (المبسوط) ومنه ما في (المحيط) أنت حر في موتي أو مع موتي وعنه أيضا لو قال لرجلين: دبرا عبدي فدبره أحدهما جاز، ولو قال: آمر عبدي في التدبير إليكما فدبره أحدهما لم يجز، ومنه أيضا ما في (الخانية) وغيرها لا سبيل لأحد عليك بعد فدبره أحدهما لم يجز، ومنه أيضا ما في (الخانية) وغيرها لا سبيل لأحد عليك بعد فدبره أحدهما لم يجز، ومنه أيضا ما في (الخانية) وغيرها لا سبيل لأحد عليك بعد موتي - إن شاء الله - كان مدبرا كما في (الحاوي القدسي).
ولو زاد إن شاء الله صح الإيصاء بخلاف ما لو قال: أنت حر بعد موتي إن شاء الله حيث لا يصح، والفرق أن الاستثناء في الأول من الأمر وفي الثاني من الإيجاب كذا في (الولوالجية)، (أو) أنت حر (عن دبر مني) يقال: دبر الرجل إذا ولى فكأنه دبر من الحياة (أو بدرتك) ولو زاد بعد موتي كان مدبرا الساعة ويلغوا قوله بعد موتي لعدم مكانه في (الظهيرية) أنت حر الساعة بعد موتي كان مدبرا، ونبه (بالكافي) على عدم حصر الألفاظ فيما ذكر كما أفاد إثباته عن دبر كان صريحا. وعن الثاني فيمن أوصى لعبده بسهم من ماله أنه يعتق بعد موته ولو بجزء لأن الجزء عبارة عن الشيء المبهم والتعيين فيه إلى الورثة بخلاف السهم فإنه السدس فكان سدس رقبته داخلا في الوصية.
فرع: تدبير الحمل وحده صحيح كعتقه فإن ولدته لأقل من ستة أشهر كان مدبرا وإلا فلا، ولو كانت بين اثنين دبر أحدهما وولدته لأقل من ستة أشهر خير الثاني بين التضمين والتدبير والاستسعاء بعد أن يقدر ولو دبره أحدهما، وقال الثاني للأم: أنت حرة بعد موتي فإن ولدته لأقل من ستة أشهر بعد كلام الأول كان الولد مدبرا
فلا يباع، ولا يوهب ويستخدم ويؤجر وتوطأ، وتنكح، وبموته يعتق من ثلثه، وسعى في ثلثيه لو فقيرا
ــ
بينهما ولو لأكثر وأقل من تدبير الأم كان مدبرا للذي دبر الأم بلا ضمان، نعم له أن يضمنه حصته في الأم إن كان موسرا (فلا يباع) لما عن ابن عمر (لا يباع المدبر (ولا يوهب) وهو حر من الثلث، أي: لا يصح بيعه بل يبطل حتى لا يملك بالقبض وعلى هذا لو جمع بينه وبين قن ينبغي أن يسري الفساد في القن ولو قضى قاض بجواز بيعه نفذ وكان فسخا للتدبير حتى لو عاد إليه ومات على ملكه لم يعتق واستشكل بأنه إنما يبطل بالقضاء ما هو مختلف فيه وذاك لزوم التدبير لا صحة التعليق فينبغي أن يبطل وصف اللزوم لا غير كذا في (الظهيرية).
وفي (الولوالجية): والحيلة إذا أراد أن يدبر عبده على وجه يملك بيعه أن يقول: إذا مت وأنت في ملكي فأنت حر، فيكون مدبرا مقيدا وعلى هذا المعنى يحمل قوله في هذا الباب لو قال: هذه أمتي إن احتجت أبيعها وإن بقيت بعد موتي فهي حرة فباعها جاز كذا أفتى به الشهيد وأراد بالبيع الإخراج عن الملك بعوض فلا يمهر أيضا ولا يرهن، لأن الرهن والإرهان من باب إيفاء الدين واستيفائه عندنا فكان من تمليك العين وتملكها أي: لا يخرج عنه بعوض ولا بغير عوض فلا يوصى به أيضا إلا إلى الحرية بلا بدل أو بالكتابة أو أعتق على مال (ويستخدم) المدبر (ويؤجر وتوطأ) المدبرة (وتنكح) جبرا وكذا المدبر والأجر والمهر له وكذا أرشهما لأن ملكه ثابت فيه وبه يستفاد ولاية هذه التصرفات وبقي أن جنايته على المولى وهي الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ودينه يتعلق بكسبه (وبموته) ولو حكما كما إذا لحق / بدار [273/ب] الحرب لأن الردة مع اللحاق تجري مجرى الموت، وكذا المستأمن إذا اشترى عبدا في دار الإسلام فدبره ولحق بدار الحرب فاسترق عتق مدبره كما في (البدائع)(يعتق المدبر) في آخر جزء من أجزاء حياته، كذا في (المحيط)(من ثلثه) يوم موته لما رويناه لأنه وصية ونفادها منه، ولذا لم يفترق الحال بين كون التدبير في الصحة أو في المرض إلا إذا قال في صحته: أنت حر أو مدبر ومات بلا بيان فإنه يعتق نصفه من جميع المال ونصفه من الثلث ولو قتل المدبر سيده سعى في كل قيمته إذ لا وصية للقاتل.
وفي (الخانية) يصح تدبير المحجور عليه بالسفه وبموته يسعى في كل قيمته وفيها أن وصية المحجور عليه من الثلث جائزة فيطلب الفرق (ويسعى في ثلثيه لو كان) المدبر (فقيرا) لا مال له سواه ولو كانت مدبرة فإن خرج من الثلث عتق بالتدبير
وكله لو مديونا ويباع لو قال: إن مت من سفري، أو مرضي، أو إلى عشر سنين، أو عشرين سنة، أو أنت حر بعد موت فلان،
ــ
وسقطت عنه الكتابة وإن لم يكن له مال غيره فإن شاء سعى في بدل الكتابة، وإن شاء سعى في ثلثي قيمته بالتدبير عند الإمام، وقال الثاني: سعى في الأقل منهما بلا خيار، وقال الثالث: يسعى في الأقل من ثلثي البدل وقيمته ولو كاتبه وثم دبره خير عند الإمام بين أن يسعى في ثلثي قيمته أو ثلثي بدل الكتابة وقالا: يسعى في أقلها عينا كذا في (الفتح).
(و) يسعى في (كله) أي: في قيمة كله (لو مديونا) بدين مستغرق للتركة لأن الدين يقدم على الوصية ولا يمكن نقض العتق فنقض معنى برد القيمة أي: قيمته مدبرا ذكر في قط وذكر محمد السفيه لو دبر ثم مات يسعى الغلام في قيمته مدبرا، كذا في (المجتبى) ونحوه في (المحيط) حيث قال: مات الولي وعليه دين محيط سعى المدبر في جميع قيمته واختلفوا في قيمته مدبرا والصحيح هي نصف قيمته انتهى.
وفي (الجوهرة) إنه يسعى في قيمته قنا، وقدمنا أن المدبر لو كان محجورا عليه فإنه يسعى في كل القيمة (ويباع) شروع في التدبير المقيد وهو تعليق عتقه بموته على صفة (لو قال: إن مت من مرضي) هذا أو إن مت وغسلت أو كفنت أو دفنت أو إن مت أو قتلت فأنت حر وهذا في الأخير قول الثاني، وجعله زفر من المطلق.
قال في (الفتح): وهو أحسن لأنه تعليق بمطلق موت المولى يعني كيفما كان، (أو) قال:(أنت حر بعد موت فلان) لأنه ليس بمدبر مطلق قاله العيني يعني بل مقيد ومنع في (البحر) كونه مقيدا وإنما جاز بيعه لأن سبب الحرية لم ينعقد في الحال للتردد في هذا القيد لجواز أن لا يموت منه فصار كسائر التعليقات بل هو تعليق العتق بشرط مطلق لما في (المبسوط)، لو قال: أنت حر بعد موت فلان فلم يكن مدبرا لأن موته ليس بسبب للخلافة في حق هذا المولى ووجوب حق العتق باعتبار معنى الخلافة.
وفي (البدائع) لو قال: إن مات فلان فأنت حر لم يكن مدبرا، لأنه لم يوجد تعليق عتق عبده بموته فلم يكن تدبيرا بل تعليقا بشرط مطلق، فإن قلت: ذكر المصنف له فيه لمساواته له في حكمه من جواز البيع قلت: بينهما فرق وهو أن المدبر بتسميته يعتق من الثلث وهذا من جميع المال إذا وجد الشرط، ويبطل التعليق بموت المولى قبل وجوده بخلاف المدبر انتهى.
ويعتق إن وجد الشرط.
باب الاستيلاد
ولدت أمة من السيد
ــ
أقول: عبارة أصله (الوافي) أو إن مات فلان وأنا وكأن الأصل إنما هو بعد موتي وفلان فتحرف (ويعتق إن وجد الشرط) نبه بذلك على أنه لا بد أن يموت في ذلك السفر أو المرض أو تلك المدة حتى لو مات بعدما أقام أو صح أو مضت لم يعتق لبطلان اليمين والله الموفق للصواب.
باب الاستيلاد
ولما اشترك كل من الاستيلاد والتدبير في استحقاق العتق بعد الموت، إلا أن التدبير إيجاب باللفظ فناسب ما قبله فقدم على الاستيلاد الذي هو مصدر استولد طلب الولد أريد به خاص وهو طلبه من الأمة أي من .... وكان المناسب للترجمة بالإعتاق أن يترجم للاستيلاد بكتاب نعم هذا على الترجمة بالعتق ظاهر، وأم الولد نفسها هي التي ثبت نسب ولدها من مالكها، وإن أطلقت لغة على الزوجة أيضا (ولدت أمة) قنة أو مدبرة غير أن التدبير يبطل على ما مر ومقتضاه عدم صحته بعد الاستيلاد إلا أن / المسطور في (المحيط) صحته لأن فيه استجماع سببي الحرية. [274/أ].
وأفاد في (الذخيرة) أن معنى إبطاله عدم ظهور حكمه بعد فكأنه بطل لأنها تعتق من جميع المال وفي غيره لا يصح تدبيرها لأنه لا يفيد، كذا في (الفتح) وإطلاقه يفيد أنه لا فرق بين كون الولادة من جماع أو استدخال مني كما في (المحيط) عن الإمام (من سيدها) بأن اعترف فسقط ما قيل: إن في العبارة قصورا، لأن المدار على ثبوت النسب منه وولادتها منه لا تستلزم على أنا لا نسلم كون المدار على ثبوت النسب بل على مجرد الدعوى يثبت النسب معها أو لا لما نقلوه من أنه لو ادعى نسب ولد أمته التي زوجها من عبده فإن نسبه إنما يثبت من العبد لا من السيد وصارت أم ولد له لإقراره بثبوت النسب منه، وإن لم يصدقه الشرع وإطلاقه يعم الذمي والمرتد والمستأمن وما لو ولدت منه حال كونها زوجة أو موطوءة بشبهة ثم ملكها بعد وحينئذ فلا حاجة لزيادة، كما في (الإصلاح).
قال في (البحر): ولو قال: حملت لكان أولى لما في (البدائع) وغيرها، لو قال: حملها مني صارت أم ولد له وكذا لو قال: هي حبلى مني أو ما في بطنها من ولد فهو مني ولا يقبل منه إنما كان ريحا ولو صدقته.
لم تملك وتوطأ، وتستخدم، وتؤجر وتزوج فإن ولدت بعده ثبت بلا دعوة بخلاف الأول.
ــ
وأقول: ينبغي أن يقيد هذا بما وضعته لأقل من ستة أشهر من وقت الاعتراف فإن وضعته لأكثر لا بصير أم ولد وفي (الشرح) لو اعترف بالحمل فجاءت به لستة أشهر من وقت الإقرار لزمه للتيقن بوجوده وقت الإقرار ويوافقه ما في (المحيط) لو اقر أن أمته حبلى منه ثم جاءت بولد لستة أشهر يثبت نسبه منه، لأن الدعوى صادفت ولدا موجودا في البطن، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر لم يلزمه النسب لأنا لم نتيقن بوجوده وقت الدعوى لاحتمال حدوثه بعدها فلا تصح الدعوى بالشك انتهى.
وعلى هذا فصيرورتها أم ولد موقوف على ولادتها فلا جرم أناطوا الحكم بها وعم الولد الحي والميت، ولو سقطا بعد أن كان مستبين الخلق على ما مر في الطهارة لم تملك لقوله عليه الصلاة والسلام في أم إبراهيم (أعتقها ولدها) رواه أحمد وغيره.
وفي رواية الدارقطني وغيره (من وطئ أمة فولدت فهي معتقة عن دبر منه) ومعنى (لم تملك) أي: ملكا بعد ملك سيدها فلا يرد أنها ملك لسيدها بدليل ما سيأتي من جواز وطئها ونحوه، ولو قرئ بتشديد اللام لكان أبعد عن التكلف، وإلى ذلك يشير قول الشارح أي: لا يجوز تمليكها فلا تخرج عن الملك بسبي ولا رهن ولو قضى قاض بجواز بيعها لم ينفذ في أظهر الروايات، ولو ملكها بسبي بعد ارتدادها فهي أم ولد بخلاف المدبر (وتوطأ) أم الولد (وتستخدم وتزوج) لقيام ملكه فيها كالمدبرة وفيه إيماء إلى أن الكسب والعقر وأرش الجناية له، ولم يقل في التزويج بعد استبرائها دلالة على أنه لا يجب على المولى بل يندب فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح فسد لا لأكثر، وإن ادعاه المولى إلا أنه يعتق عليه ولو باع خدمتها منها أو كاتبها على خدمتها جاز وتعتق يعني إذا أدت ما قابل الخدمة من المال أو تمت مدة الخدمة التي وقعت الكتابة عليها (فإن ولدت بعده) أي: بعد الولد الذي اعترف (ثبت) نسبه منه (بلا دعوة بخلاف الأول) حيث يثبت نسبه بدونها، والفرق أن وطئ الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد فإذا اعترف بالأول بقي الولد مقصودا منها فصارت فراشا كالمعقودة، وعلى هذا ينبغي أنه لو قال عند مجيئها الولد: كنت أطأ لقصده أن يثبت نسبه وإن لم يقل: هو ولدي لأن ثبوته بذلك القول بناء على وطئه حينئذ لقصد الولد، وعلى هذا قال بعض فضلاء الدرس: ينبغي أنه إذا أقر أنه كان لا يعزل عنها وحصنها أن يثبت نسبه من غير توقف على دعوة، وإن كنا
وانتفى بنفيه، وعتقت بموته.
ــ
نوجب عليها في هذه الحالة الاعتراف فلا حاجة إلى أن يوجب عليه الاعتراف ليعترف بل يثبت نسبه ابتداء، وأظن أن لا بعد في أن يحكم على المذهب بذلك، كذا في (فتح القدير)، ورده في (البحر) بأنه لا يصح أن يحكم له على أهل المذهب لتصريحهم بخلافه. قال في (البدائع): القنة والمدبرة لا يثبت نسب ولدها وإن حصنها المولى وطلب الولد من وطئها بدون الدعوى عندنا انتهى.
وأقولك أنت خبير بأن المدعي ما لو أقر أنه كان لا يعزل عنها وحصنها هل يكون ذلك كالدعوة أم لا؟ وما في (البدائع) لا يصادمه بقليل تأمل واعلم أن / ثموته [274/ب] بلا دعوة مقيد بحل وطئها له بعد الولد، ما لو عرض له حرمة مؤيدة بأن وطئها ابن سيدها أو أبوه أو وطئ السيد أمها أو ابنتها أو حرمت عليه برضاع أو كتابة فإنه لا يثبت نسبه منه إلا باستلحاقه لأن حرمة وطئها كالنفي دلالة.
قال في (الفتح): ولا يخفى أنه يجب أن يفصل بين أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من حين عروض الحرمة أو لتمامها، ففي الأول يجب أن يثبت نسبه بلا دعوة للتيقن بأن العلوق كان قبل عروض الحرمة هذا كله حكم القضاء، أما فيما بينه وبين الله تعالى فالمروي عن الإمام أنه إن لم يعزل عنها وحصنها عن مظان الريبة يلزمه أن يدعيه بالإجماع لأن الظاهر كونه منه والعمل به واجب، وإن كان عزل عنها حصنها أولا جاز له نفيه.
فرع
قال في (المجتبى): يصح استيلاد المجنون وهو مشكل لأن الدعوى لا تتصور منه فهذا إن صح يستثنى، كذا في (البحر) ويمكن أن يكون من وليه كعرض الإسلام عليه بإسلام زوجته إلا أن يفرق بينهما بالنفع والضرر والموضع موضع تأمل فتدبره، (وانتفى) الولد الثاني (بنفيه) صريحا أو دلالة كما إذا ولدت أكثر من واحد في بطن فادعى الأول كان نفيا لما بعده، ولو كان في بطون مختلفة كما في (الظهيرية) ولو ادعى الأخير كان تبعا للأولين وإنما صح نفيه لضعف فراشها بدليل أن له نقله بالتزويج بخلاف المنطوحة حيث تتوقف على اللعان لتأكده، وهذا الإطلاق قيده في (المبسوط) بما إذا لم يقض القاضي به ولم يتطاول الزمن فإن قضى به قاض يعني يراه فقد لزمه فلا يملك إبطاله، والتطاول دليل إقراره لأنه يوجد منه ما يدل عليه من قبول التهنئة ونحوه فيكون كالتصريح بالإقرار واختلافهم في التطاول في اللعان (وعتقت) الأم (بموته) أي: السيد ولو حكما كلحاقه بدار الحرب مرتدا، وكذا المستأمن لو عاد إلى دار الحرب فاسترق وله أم ولد في دار
من كل ماله، ولم تسع لغريمه ولو أسلمت أم ولد النصراني سعت في قيمتها ولو ولدت بنكاح، فملكها فهي أم ولده، ....
ــ
الإسلام (من كل ماله) هذا إذا كان إقراره بالولد في الصحة أو المرض ومعها ولد وكانت حبلى فإن لم يكن شيء من ذلك عتقت من الثلث لأن عدم الشاهد إقرار بالعتق وهو وصية، كذا في (المحيط) وغيره وإذا عتقت فمال في يدها للمولى إلا إذا أوصى لها به كما في (الخانية) وعن محمد أستحسن إن ترك لها ملحفة وقميصا ومقنعة، أما المدبر فلا شيء له من الثياب، كذا في (المجتبى).
(ولم تسع لغريم) لرواية الشيباني (أمر عليه الصلاة والسلام بعتق أمهات الأولاد وأن لا يبعن في دين ولا يجعلن من الثلث) أي: حكم ودل قوله ولا يبعن على انتفاء المالية وإذا انعدمت لم يبق عليها سعاية ونكر الدين نفيا للسعاية للغرماء والورثة وقوله ولا يجعلن من الثلث تأكيد لأنه يفهم من قوله وأن لا يبعن في دين كذا في (العناية) ومنعه في (الحواشي السعدية) فإن المدبر لا يباع في دين ويجعل من الثلث (ولو أسلمت أم ولد النصراني) أراد به الكافر يعني فأبى عن الإسلام (سعت في قيمتها) أم ولد وهو ثلث قيمتها قنة قاله الإتقاني بأن يقدر القاضي قيمتها فينجمها عليها فتصير مكاتبة إلا أنها لا ترد إلى الرق بعجزها دفعا للضرر عنه وعنها فإنه لا يصل إلى البدل عقب عتقها لإفلاسها، وقد تتوانى في الاكتساب بحصول مقصودها بعده وتتضرر هي بشغل ذمتها بحق ذمي وربما تموت قبل إيفائه، وقد قال علماؤنا: خصومة الذمي والدابة يوم القيامة أشد من خصومة المسلم.
ولو مات عتقت بلا سعاية ولو ماتت هي ومعها ولد ولد في سعايتها سعى فيما عليها كما في (المحيط)، والمدبرة في هذا الحكم كأم الولد وهي وإن كانت عند الإمام غير متقومة إلا أن الذي يعتقد في هذا تقومها قيد بأم الولد لأن القنة يجبر على بيعها، وكذا القن يعني إن أبى عن الإسلام (ولو ولدت بنكاح) ولو فاسدا أو مشروطا فيه كونها حرة الأصل فإذا هي أمة أو وطئ بشبهة على ما مر وخرج به ما لو ولدت منه بزنا فإنها لا تكون أم ولد بملكه لها استحسانا (فملكها) بأي سبب كان كلا أو بعضا (فهي أم ولده) لأن السبب هو الجزئية وقد ثبتت منها نسبة الولد إلى كل واحد منها [275/أ] وقد / ثبت النسب فثبت الجزئية بينهما بواسطة انتساب الولد إليهما ثم عندنا تصير أم ولد من وقت ملكها لا من وقت العلوق وعند زفر من وقت ثبوت النسب منه، وأثر الخلاف يظهر فيما لو ملك ولدا لها من غيره فإنه في حكم أمه ومعلوم أن أولاده منها
ولو ادعى ولد أمة مشتركة ثبت نسبه، وهي أم ولده، ولزمه نصف قيمتها، ونصف عقرها لا قيمته ولو ادعياه معا ثبت نسبه منهما،
ــ
أحرار بملكه لهم (ولو ادعى ولد أمة مشتركة ثبت نسبه) أي: الولد منه لاحتياج الولد منه إلى النسب ولا فرق بين كون المدعي مسلما أو كافرا صحيحا أو مريضا حرا أو مكاتبا، غير أنه إذا عجز كان له أن يبيعها كما في (الظهيرية) وفيها أخوان اشتريا أمة حاملا فجاءت بولد فادعاه أحدهما فعليه نصف قيمة الولد، ولا يعتق بالقرابة لأن الدعوة لما تقدمت أضيف الحكم إليها (وهي أم ولد له) ابتداء لعدم تجزؤ الاستيلاد عندهما وعنده صار نصفها أم ولد له ثم يملك الآخر لأنه قابل للنقل والحاصل أن الاتفاق أنه لا يستقر تجزؤها في حق الأمومية في الابتداء عنده، وعندهما من أول الأمر (ولزمه نصف قيمتها) يوم العلوق لتملكه نصيب صاحبه باستكمال الاستيلاد (و) لزمه إيفاء (نصف عقرها) يوم العلوق لأن ملكه إنما يثبت بعد الوطء حكما للاستيلاد فيعبه الملك في نصيب صاحبه (لا قيمته) لأنه على حر الأصل لاستناد النسب إلى وقت العلوق وعم كلامه ما إذا كان الشريك أبا بخلاف ما لو استولدها ولا ملك له فيها حيث لا يلزمه العقر على ما مر، لأن ماله من الملك فيها كاف لإخراجه عن كون فعله زنا، أما إذا لم يكن له فيها ملك فالحاجة ماسة إلى إثبات ملكه قبل الوطء تحاميا عن ذلك (ولو ادعياه) أي: ادعى الشريكان نسب الولد ولو اختلف أنصباؤهم (معا) بأن لم يعلم بسبق أحدهما (ثبت نسبه منهما)، كذا جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه وفرضها في الاثنين لعدم الاختلاف فيهما وإن كان عند الإمام يثبت من أكثر خلافا للثاني، وقصره محمد على ثلاثة وزفر على خمسة.
وفي (غاية اليان) لو تنازع في امرأتان أو أكثر قضي به بين الكل عند الإمام خلافا لهما، ولو امرأة ورجل قضي بينهما عنده أيضا، وقالا: يقضى للرجل ولو كانت المنازعة بين رجلين وامرأتين كل يدعي عنه ابنه من هذه المرأة قضي به بين الرجلين فقط عنده وأطلق في ثبوت النسب منهما وهو مقيد بما إذا لم يكن مع أحدهما مرجح فإن كان كما إذا كان أحدهما أبا فيقدم الأب على الابن كما في (الهداية)، وبه عرف أنه لو ادعاه الابن والأب والجد قدم الجد.
والمسألة في (الظهيرية) والمسلم على الذمي والحر على العبد والذمي على المرتد والكتابي على المجوسي، ومن تقدم نكاحه حتى لو كان الحمل على ملك أحدهما نكاحا فاشترياها معا فولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء فادعياه فهي أم ولد للنكاح أولا لكن لا يثبت نسب ولدها الثاني إلا بالدعوة كما في (المجتبى) معللا بأن الوطء حرام فتعتبر الدعوة قيد بادعائهما النسب، لأنهما لو ادعى أحدهما
وهي أم ولدهما، وعلى كل واحد نصف العقر، وتقاصا، وورث من كل إرث ابن وورثا منه إرث أب، ولو ادعى ولد أمة مكاتبه، وصدقه المكاتب لزمه النسب، والعقر وقيمة الولد، ولم تصر أم ولده،
ــ
العتق والآخر النسب معا قدم الثاني، (وهي أم ولدهما) لأن دعوة كل منهما في نصيبه راجحة على صاحبه فتتبعه الأم وتخدم كل منهما يوما وإذا مات أحدهما عتقت ولا ضمان للحي في تركة الميت ولا سعاية عليها عند الإمام وتسعى عندهما في نصف قيمتها ولو أعتقها أحدهما عتقت ولا ضمان عليه للساكت ولا سعاية عليها عنده، وعندهما يضمن إن كان موسرا أو تسعى إن كان معسرا كذا في (الفتح)، (وعلى كل واحد) منهما (نصف العقر) لأن الوطء في المحل المحترم لا يخلو عن عقر أو عقر وقد تعذر الأول للشبهة فتعين الثاني، (وتقاصا) أي: الشريكان وفائدة إيجاب العقر مع هذا أنه لو أبرأ أحدهما صاحبه بقي حق الآخر ولو قدم نصيب أحدهما بالدراهم والآخر بالذهب كان له أن يدفع الدراهم ويأخذ الذهب ولو كان نصيب أحدهما أكثر كان له أخذ الزيادة، وكذا الغلة والكسب والخدمة كما في (البدائع)(وورث من كل إرث ابن) كامل لإقرار كل منهما أنه ابنه على الكمال (وورثا منه إرث أب) لأن المستحق أحدهما فيقسمان نصيبه لعدم الأولوية والنسب وإن كان يتجزأ لكن يتعلق به أحكام متجزئة كالميراث والنفقة والحضانة والتصرف في المال، وأحكام غير [275/ب] متجزئة كالنسب وولاية الإنكاح فيما يقبل التجزئة يثبت بينهما على التجزئة / وما لا يقبلها يثبت في حق كل واحد منهما على الكمال كأنه ليس معه غيره قاله الشارح، ونص في صدقة الفطر أنها عليهما لكن عند الثاني، على كل صدقة تامة وقال محمد: عليهما صدقة واحدة.
وأما الجزية ففي (الخانية) لو ادعى نجراني وتغلبي ولد أمة لهما ومات أو كبر الولد تؤخذ منه جزية وفي (السير الكبير) لو مات التغلبي أولا أخذ منه جزية أهل نجران أو النجراني أولا أخذ منه جزية بني تغلب، ولو ماتا معا أخذ النصف من هذا والنصف من هذا، (ولو ادعى) المولى (ولد أمة مكاتبة، فصدقه المكاتب، لزم النسب) لأن غاية أمره أن يكون كالأجنبي، ولو ادعى ولد جارية أجنبي قصدقه المولى ثبت نسبه. قيد بمكاتبه لأنه لو ادعى ولد مكاتبته لم يشترط تصديقها وخيرت بين البقاء على كتابتها وأخذ عقرها وبين أن تعجز نفسها وتصير أم ولد كذا في (الهداية)(والدراية)(و) لزم (العقر) لما بينا، (وقيمة الولد) لأن في معنى ولد المغرور حيث اعتمد دليلا وهو أنه كسب كسبه فلم يرض برقه إلا أن القيمة هنا تعتبر يوم الولادة، وولد المغرور يوم الخصومة (ولم تصر أم ولد له) لأنه لا ملك فيها حقيقة كما في أم
وإن كذبه لم يثبت النسب.
ــ
ولد المغرور المبيعة المستحقة وماله من الحق كاف لصحة الاستيلاد فلا حاجة إلى النقل فإن قلت بين قولهم لم تصر أم ولد وقولهم ماله من الحق كاف لصحة الاستيلاد تناقض قلت: المراد من الاستيلاد استلحاق الولد وصحته بثبوت النسب منه، أما ثبوت أمومية الولد فإنما هو لازم في بعض الصور وليس عينا ليلزم نفي ما أثبت (وإن كذبه) أي: المكاتب (لم يثبت النسب) لأنه لا يملك التصرف في اكتساب مكاتبه لأنه بالعقد حجر على نفسه فاشترط تصديقه إلا أنه لو ملك الولد يوما عتق عليه والله الموفق.
خاتمة: ولدت منه جارية غيره فقال: أحلها إلى مولاها والولد ولدي وكذبه في الولد لم يثبت نسبه غير أنه إن ملكها يوما ثبت نسبه وصارت أم ولد له وإن صدقه ثبت النسب ولو استولد جارية أحد أبويه أو امرأته وجاءت بولد فقال: ظننت حلها لم يثبت النسب وإن ملك أمه بعد لم تصر أم ولد له غير أنه في ملكه الولد عتق عليه، وفي (الوافي) قالا في الصحة: هي أم ولد أحدنا ومات أحدهما يبين الحي فإن عين نفسه فهي أم ولده وضمن نصف قيمتها لا عقرها بخلاف ما لو ولدت في ملكهما، وإن عين الميت عتقت صدقته الورثة أو لا، ولا سعاية، وإن كان في المرض وقولوا: عناك لم تسمع وإن قالوا: عنى نفسه ولو صدقه، فللحي نصف قيمتها في تركته وتعتق من الثلث ومن الكل لو ولدت في ملكهما وثبت النسب.