الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب اللقطة
ــ
كتاب اللقطة
قدمها في (الخانية) على اللقيط وما هنا أولى لما مر وهي فعلة بفتح العين وصف مبالغة للفاعل كهمزة لكثير الهمز وبسكونها للمفعول كضحكة للذي يضحك منه وقيل للمال لقطة بالفتح مبالغة لزيادة معنى اختص به هو أن كل ما رآها يميل إلى رفعها فكأنها تأمره بالرفع فأسند إليها مجازا ونظيره قولهم: ناقة حلوب ودابة ركوب وهم اسم فاعل سميت بذلك لأن من رآها يرغب في الركوب والحلب فنزلت كأنها احتلبت نفسها وأركبت نفسها قاله الشارح، وتبعه في (الفتح) ثم قال: وما عن الأصمعي وابن الأعرابي من أنها بالفتح اسم للمال فمحمول على هذا.
قال العيني: وهذا تعسف بل اللقطة بالفتح والسكون اسم وضع على هذه الصيغة للمال الملتقط وليس هذا مثل الصحكة ولا مثل قولهم ناقة حلوب ودابة ركوب لأن هذه صفات تدل على التجدد والحدوث على أن الأول للمبالغة في وصف الفاعل أو المفعول والثاني والثالث بمعنى المفعول للمبالغة في (القاموس) اللقطة محركة كهمزة ما التقط وفي الشرع مال يوجد ولا يعرف له مالك وليس بمباح كذا في (المضمرات).
قال في (البحر): فخرج ما عرف مالكه فإنه ليس لقطة بدليل أنه لا يعرف بل يرد إليه وبالأخير مال الحربي لكن يرد عليه ما كان محرزا بمكان أو حافظ فإنه داخل في التعريف فالأولى أن يقال: هي مال معصوم متعرض للضياع انتهى.
وأقول: الحرز بالمكان ونحوه خرج بقوله يوجد أي في الأرض أي ضائعا إذ لا يقال في المحرز ذلك على أنه في (المحيط) جعل عدم الإحراز من شرائطها وعرفها بأنها رفع شيء ضائع للحفظ على الغير لا للتمليك وهذا يفيد أن عدم معرفة المالك ليس شرطا في مفهومها ويدل على ذلك ما ذكر صاحب (المحيط) في آخر الباب لو أخذ ثوب سكران وقع على الأرض نائما ليحفظه فهلك على يده لا ضمان عليه لأنه متاع ضائع كاللقطة فإن كان الثوب تحت رأسه أو كانت دراهمه في كمه فأخذها ليحفظها فهو ضامن لأنه ليس بضائع ولأنه محفوظ بمالكه انتهى بأدنى تأمل وسكت عن صفة رفعها.
وفي (الذخيرة) إن خاف الضياع كان فرضا وإلا كان مباحا أجمع عليه العلماء ثم اختلفوا في الأفضل الأخذ أو الترك والمذهب عن علمائنا وعامة العلماء أن الرفع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أفضل انتهى، وعليه جرى في (الخلاصة) و (المحيط) و (التتارخانية) والاختيار) وارتضاه في (الفتح) وقيده في (السراجية) بأن يأمن على نفسه ردها فإن كان لا يأمن فالترك أولى.
وجزم في (النتف) بأن الترك أفضل وقد علمت ما هو المذهب ثم قال في (النتف): إلا أن يكون من الحيوان ما لا يمنع السباع عن نفسه، وفي (البزازية) لقطة الحيوان إن في القرية فالأفضل الترك وإن في الصحراء فالأفضل الأخذ ونقل ابن وهبان عن كتب الأصحاب في الصحراء الترك وجعل في (البدائع) / افتراض الرفع عند خوف الضياع مذهب الشافعي قال: وهذا غير سديد لأن الترك لا يكون تضييعا بل امتناع عن حفظه غير ملتزم انتهى.
وما في (البدائع) شاذ وعلى أنه فرض لو تركها حتى ضاعت فالظاهر أن لا ضمان عليه لكنه يأثم ويدل عليه ما في (جامع الفصولين) لو انفتح زق فمر به رجل فلو لم يأخذ برئ ولو أخذه ثم ترك ضمن لو مالكه غائبا لا لو حاضرا، وفي (الفتح) لو رفعها ثم بدا له أن يضعها مكانها ففي ظاهر الرواية لا ضمان عليه.
قال في (البحر): وأما شرائط الملتقط فلم أر من بينها ثم نقل عن (القنية) وجد الصبي لقطة ولم يشهد ضمن كالبالغ، وفي (المجتبى) التعريف إلى ولي الصبي كالبالغ انتهى وهذا يفيد صحة التقاطه، وفي (كافي) الحاكم لو أقام مدعيها شهودا كفارا على ملتقط كافر قبلت انتهى، وهذا يدل على صحة التقاطه، قال: ولم أر حكم التقاط المرتد لقيطا أو لقطهة والظاهر أن مشايخنا إنما لم يقيدوا الملتقط بشيء لإطلاقه عندنا.
وفي (البزازية) ليس للمولى أن يأخذ وديعة عبده مأذونا أم لا ما لم يحضر ويظهر أنه من كسبه لاحتمال أن يكون وديعة الغير في يد العبد فإن برهن أنه للعبد يدفع إليه، وقوله: لاحتمال أن يكون وديعة الغير تصريح بأنه أهل للإيداع فكذا الالتقاط بجامع الأمانة فيهما وينبغي أن يكون التعريف إلا مولاه كالصبي بجامع الحجر فيهما أما المأذون أو المكاتب فالتعريف إليهما.
وفي (كافي) الحاكم عن أبي سعيد مولى ابن رشيد قال: وجدت خمسمائة درهم بالحيرة وأنا مكاتب فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال: اعمل فيها وعرفها قال: فعملت بها حتى أديت مكاتبتي ثم أتيته فأخبرته فقال: ادفعها إلى خزائن بيت المال، ولو قال المولى هي ملكي وقال العبد: بل لقطة فقياس ما مر في اللقيط أنه إذا
لقطة الحل والحرم أمانة إن أخذها ليردها على ربها وأشهد وعرف إلى أن علم أن ربها لا يطلبها.
ــ
كان مأذونا لم يقبل قوله وإلا قبل: واعلم أنه ينبغي أن لا يتردد في اشتراط كونه عاقلا صاحيا فلا يصح التقاط المجنون والمدهوش والسكران لعدم الحفظ منهم.
فرع
التقط شيئا فضاع منه ثم وجده في يد غيره فلا خصومة بينهما كذا في (النوازل)، وقدمنا في اللقيط أن الأول أحق به، وفرق الولوالجي بأن اللقطة لها مستحق آخر بحسب الظاهر فكانت يد الثاني كالأول بخلاف اللقيط لكن قال في (السراج): الصحيح أن له الخصومة لأن يده أحق، (لقطة الحل والحرم) نبه بذلك على أنه لا فرق بين مكان ومكان (أمانة) في يد الملتقط (إن أخذها) ليردها قيد بذلك لأنه لو أقر أنه أخذها لنفسه ضمنها بالإجماع (وأشهد) على ذلك بأن يقول: عندي شيء أو ضالة فمن سمعتموه ينشد ضالا فدلوه علي لا فرق بين كونها واحدة أو أكثر، قيد بإشهاده لأنه لو لم يشهد وادعى أنه أخذها ليردها ولهما أنه أقر بسبب الضمان وادعى ما يبرئه فلا يقبل منه إلا ببرهان.
قال الطحاوي: وبقول أبي يوسف نأخذ، قاله الإتقاني، وفي (الينابيع) الأصح أن محمد مع أبي يوسف والخلاف مقيد بما إذا اتفقا على اللقطة أما لو ادعى المالك أنه غصبها وقال: إنما التقطها ضمن اتفاقا وبما إذا أمكنه الإشهاد فإن لم يمكنه بأن لم يجد من يشهده أو خاف أن يأخذها ظالم فتركه لا يضمن إجماعا والقول له مع يمينه أنه المانع كذا في (الفتح)، (وعرف) أي: أعلم بها عطف على أشهد وظاهره أن التعريف شرط أيضا وأن الإشهاد لا يكفي لنفي الضمان وهكذا شرط في (المحيط (لنفي الضمان الإشهاد وإشاعة التعريف كذا في (البحر).
وأقول: رأيت في (الدرر) لمنلا خسوا التصريح بذلك حيث قال: فإن أشهد عليه وعرف (إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها) أو أنها تفسد إذا بقيت كانت أمانة عنده، قلت أو كثرت.
قال الحلواني: وأدنى ما يكون من التعريف أن يشهد عند الأخذ ويقول: أخذتها لأدرها فإن فعل ذلك ولم يعرفها بعد ذلك كفى، قال في (الفتح): فجعل التعريف إشهادا ثم قال: وعلى هذا لا يلزم الإشهاد أي: التعريف وقت الأخذ بل لا بد منه قبل هلاكها ليعرف منه أنه أخذها ليردها لا لنفسه ورده في (البحر) بأن
ثم تصدق.
ــ
الاستشهاد لا بد منه على قول الإمام اتفاقا وإنما اختلفوا في الاكتفاء به عند الأخذ عن التعريف.
وأقول: وعبارة الشارح صريحة في ذلك، وقال الحلواني: إنه يكفيه الإشهاد أنه يأخذها ليردها على صاحبها ويكون ذلك تعريضا وهو المذكور في / (السير الكبير)، قال في (الخلاصة): ويعرفها حيث وجدها جهرا لا سرا انتهى، ولو عجز عن تعريفها بنفسه دفعها لغيره ليعرفها كذا في (التتارخانية). وفي (الحاوي القدسي): لو وجدها رجلان عرفاها جميعا واشتركا في حكمها إلا إن علم أي: غلب على ظنه أن ربها لا يطلبها هذا هو الصحيح كما في (المجمع) وفي (المضمرات) وعليه الفتوى وظاهر الرواية التقدير بالحول مطلقا كما في (الأصل) ثم اختلفوا قيل: يعرفها كل جمعة، وقيل: كل شهر، وقيل: كل ستة أشهر، وروى الحسن عن الإمام هذا التقدير في المائتين فصاعدا وفيما فوق العشرة إلى المائتين يعرفها شهرا وفي العشرة جمعة وفي الثلاثة دراهم أيام وفي درهم يوما، قال الشارح: هذا وما في (المختصر) واحد لأنه فوضه إلى اجتهاده وهذا قدره باجتهاده فلا تنافي بينهما انتهى. وأنت خبير بأنه من المجتهد عن تأويل ومن غيره عن غلبة الظن وفرق بينهما فتدبره، وفي قوله: إلى أن علم إلى آخره إيماء إلى أنه لو علم أنه لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان جاز له أن ينتفع به بلا تعريف ولو حملها وأراد صاحبها أخذها كان له ذلك ولو وجدها مجتمعة فلا بد من التعريف لأن صاحبها يطلبها كذا في (الخانية).
وقالوا: لو سيب دابته فقال: هي لمن أخذها فأصلحها إنسان فلا سبيل للمالك عليها ولو اختلفا فالقول لصاحبها يعني مع يمينه، (ثم تصدق) بها إيصالا للحق إلى مستحقه بقدر الإمكان وذلك عند تعذر إيصال عينها بالثواب الحاصل له بفرض إجازته ولم يقل على الفقراء استغناء بلفظ التصدق ومن ثم قالوا: إنه لا يتصدق بها على عني ولا على ولد الغني الفقير الصغير ولا عبده وهو فعل ينبغي أن لا يتردد في ضمانه، وله إمساكها وسيأتي أن له الانتفاع بها.
وفي (الخلاصة) له بيعها أيضا إن لم تكن دراهم ودنانير وإمساك ثمنها ثم إذا جاء ربها ليس له نقض البيع إن كان بأمر القاضي وإن بغير أمره وهي قائمة فإن شاء أجاز البيع وإن شاء أبطله، وإن هلكت فإن شاء ضمن البائع وعند ذلك ينفذ بيعه في ظاهر الرواية وبه أخذ عامة المشايخ وسكت عن دفعها إلى القاضي وقد قالوا: إن له ذلك فإن قبلها منه إن شاء عجل صدقتها وإن شاء أقرضها من مليء وإن شاء دفعها مضاربة والظاهر أن له البيع أيضا بقي هل الأولى الدفع إلى القاضي؟ ففي (الحاوي
فإن جاء ربها نفذه أو ضمن الملتقط وصح التقاط البهيمة.
ــ
القدسي) أنه الأجود ليفعل الأصلح، وفي (المجتبى) التصدق في زماننا أولى من الدفع إليه.
أقول: وينبغي أن يفصل في القاضي إن غلب على ظنه ورعه وعدم طمعه دفع الأمر وإلا لا، ثم إذا أمسكها وحضرته الوفاة أوصى بها ثم الورثة يعرفونها، قال في (الفتح): ومقتضى النظر أنهم لو لم يعرفونها حتى هلكت وجاء صاحبها أنهم يضمنون لأنهم وضعوا أيديهم على اللقطة ولم يشهدوا أي يعرفوا، قال في (البحر): وقد يقال: إن التعريف عليهم غير واجب حيث عرفها الملتقط، بقي هل هذا الإيصاء واجب؟. ففي (القنية): إن غلب على ظنه أن صاحبها لا يوجد لا يجب وإلا وجب، واعلم أن جواز التصدق في لقطة المسلم، أما إذا كانت لذمي فإنها توضع في بيت المال للنوائب كذا في (التاتارخانية) (فإن جاء ربها) أي: مالكها (نفذ) أي: التصدق ولو بعد هلاك العين لأن الملك يثبت للفقير قبل الإجازة فلم يتوقف على قيام المحل، والظاهر أنها لو كانت لصبي فليس للأب والوصي تنفيذ الصدقة أو ضمن الملتقط لأنه تصرف في ماله بغير إذنه وإباحة تصرفه من جهة الشرع لا تنافي الضمان حقا للعبد، كتناول مال الغير حال المخمصة أطلقه فشمل القاضي أيضا ومن ثم كان الأصح أنه لا فرق في تضمينه بين أن يكون بأمر القاضي أو لا لأن أمره لا يزيد على تصدقه بنفسه ولم يذكر تضمين الفقير لو لم تكن قائمة في يده.
وقد قالوا: إنه إذا كان معلوما كان له تضمينه لأنه أخذ ماله بغير إذنه ولا يرجع على الملتقط بشيء وكذا هو لا رجوع له على الفقير (وصح) أي: جاز (التقاط البهيمة) وهي كما في (القاموس) كل ذات أربع ولو في الماء وكل حي لا يميز والجمع بهائم وهذا يعم الدواب والإبل والغنم والطيور والدجاج عبر بالصحة دفعا لقول من قال: إن الأخذ لا يجوز ونقل ذلك عن أحمد، وعن الشافعي تخصيص هذا بالكبار، وفسر في (البحر) الصحة بالندب لأن خلاف الأئمة فيه فإنهم قالوا تركه أفضل لا أنهم / قالوا بعدم الجواز، وأنت خبير بأن استعمال لفظ الصحة بمعنى المندوب مما لا يعرف في كلامهم وعلى ما قررنا جرى الشارح العيني.
وفي (الفتح) كلامهم يقتضي أن الخلاف في جواز الأخذ وحله وهو الظاهر فعندنا يجوز لأنها كغيرها يتوهم ضياعها فيندب أخذها وتعريفها فإن خاف الضياع وجب وأما جوابه صلى الله عليه وسلم كما في (الصحيح) حين سئل عن ضالة الإبل بقوله: (ما لك ولها حذاؤها وسقاؤها أي نعلها وقرنيها ترد الماء وتأكل الشجر فذرها حتى
وهو متبرع في الإنفاق على اللقيط واللقيطة وبإذن القاضي يكون دينا ولو كان لها نفع آجرها وأنفق عليها من أجرتها.
ــ
بجدها ربها) فحمله في (المبسوط) على ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم عن غلبة أهل الصلاح والأمانة أما في زماننا فالغلبة لأهل الفساد والغرابة ولا يؤمن من وصول يد خائنة إليها، فإذا جاء ربها لم يجدها، وعن هذا قيد المسألة في (الحاوي القدسي) بما إذا وجدها في مفازة أو برية فإن وجدها في غيرهما لا يأخذها ما لم يغلب على ظنه أنها ضالة بأن كانت في موضع لم يكن بقربه بيت مدر أو شعر أو قافلة نازلة أو دواب في مراعيها انتهى.
قال في (البحر): فلو وصف المصنف البهيمة بالضالة لكان أولى، وعندي أن لفظ الالتقاط يغني عنه (وهو متبرع في الإنفاق على اللقيط واللقطة) لقصور ولايته فصار كما لو قضى دين غيره بغير أمره (وبإذن القاضي يكون دينا)، صورة إذنه أن يقول له: أنفق على أن ترجع وإن لم يقل ذلك لا يكون دينا في الأصح.
وبه اندفع قول الشارح: إن هذا يشير إلى أنها تصير دينا بمجرد أمره وليس كذلك في الأصح نعم عبارة (المجمع) أوضح وأفود حيث قال: فإن أنفق الملتقط كان متبرعا إلا أن يأذن له القاضي بشرط الرجوع أو يصدقه اللقيط إذا بلغ أي يصدقه على أن القاضي أذنه بشرط الرجوع في المقدار الذي ادعى بصرفه عليه ويدل على ذلك ما في (فتح القدير) فإذا أنفق بالأمر الذي يصير به دينا عليه فبلغ فادعى أنه أنفق عليه كذا فإن صدقه اللقيط رجع عليه به وإن كذبه فالقول قول اللقيط وعلى الملتقط البينة انتهى، لا ما ادعاه ابن الملك من أنه إذا لم يأمره بالإنفاق فادعاه بعد بلوغه وصدقه اللقيط أنه أنفق للرجوع عليه فله الرجوع لأنه أقر بحقه وأبهم الديون لظهور أن اللقيط إذا بلغ ولم يدع أحد نسبه أو رقه فإن ادعاه أحد كان هو الأب أو السيد وفي اللقطة ربها ثم شرط في (الأصل) يعني لإذن القاضي له بالإنفاق وإقامة البينة وهو صحيح لاحتمال أن يكون غصبا وفيه لا يأمر بالإنفاق وإنما يأمره في الوديعة فلا بد من البينة لكشف الحال، وإن قال: لا بينة لي يقول له القاضي: أنفق عليها إن كنت صادقا فيما قلت. وصرح في (الظهيرية) بأن اللقيط كذلك (وإن كان لها نفع) بأن كان بهيمة يحمل عليها (أجرها) القاضي (وأنفق من أجرتها) لأن في ذلك إبقاء العين على ملكه من غير إلزام دين عيه وكذلك يفعل بالعبد الآبق كذا في (الهداية) وفي (الشرح) أنه لا يؤجر كما في (غاية البيان) إذ يخاف عليه الإباق.
وإلا باعها ومنعها من بها حتى يأخذ النفقة ولا يدفعها إلى مدعيها بلا بينة فإن بين علامتها حل له الدفع بلا جبر.
…
ــ
قال في (البحر): ولم أر ما لو صار اللقيط مميزا ولا مال له هل يؤجره القاضي للنفقة أو لا انتهى، يعني إذا لم يعطه الإمام شيئا من بيت المال (وإلا) أي: وإن لم يكن لها نفع (باعها) القاضي، هذا الإطلاق قيده في (البدائع) بما إذا أقام البينة على الالتقاط وظاهر كلامه أنه لم يكن لها نفع إلا بإذنه بالأنفاق، وفي (الهداية) وإن لم يكن لها منفعة وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها باعها وإن كان الأصلح الإنفاق عليها أذن في ذلك وجعل النفقة دينا.
قالوا: إنما يأمره بالإنفاق يومين أو ثلاثة على قدر ما يرى رجاء أن يظهر مالكه فإذا لم يظهر يأمره ببيعها لأن دارة النفقة مستأصلة فلا نظر مدة مديدة انتهى، وإذا لم يكن ثمة نظر فينبغي أن لا ينفذ من القاضي أمره به كذا في (الفتح)، (ومنعها) أي: اللقطة (من ربها حتى يأخذ النفقة) لأنه حيي بنفقته فصار كأنه استفاد الملك من جهته فأشبع البيع ولا يسقط دين النفقة بهلاكها في يد الملتقط قبل الحبس ويسقط إذا هلك بعده لأنه يصير كالرهن ولم يحك المصنف في (الكافي) تبعا لصاحب (الهداية) فيه خلافة فيقهم أنه المذهب وجعل القدوري في (تقريبه) هذا قول زفر وعند أصحابنا لا يسقط لو هلك بعده، وعزاه في (الينابيع) إلى علمائنا الثلاثة.
واعلم أنه لا فرق في جواز منعها للإنفاق / بين أن يكون الملتقط أنفق من ماله أو استدان بأمر القاضي ليرجع على صاحبها كما في (الحاوي) وقياس ما مر في النفقة أن له أن يحيل على ربها بغير رضاه كالزوجة إذا استدانت بالأمر، وفيه أن للقاضي أن يبيعها ويعطي النفقة من ثمنها عند حضور ربها وامتناعه من دفعها (ولا يدفعها إلى مدعيها) جبرا عليه (بلا بينة) يقيمها عند القاضي للخبر المشهور (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ولو كانت في يد كافر فادعاها رجل وأقام على ذلك كافرين لم تقبل قياسا كما إذا كانت في يد مسلم وتقبل استحسانا ولو في يد مسلم وكافر قبلت على ما في يد الكافر (فإن بين علامتها) كعد الدراهم ووزنها والوكاء والوعاء (حل له الدفع بلا جبر) لخبر مسلم (فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووكائها ووعائها فأعطه إياها وإلا فاستمتع بها) حمل الأمر فيه على الإباحة جمعا بينه وبين ما روينا، ولو ادعياه وبينا علامة موافقة.
وينتفع بها لو فقيرا وإلا تصدق على أجنبي وصح على أبويه وزوجته وولده لو فقراء.
ــ
قال في (البحر): لم أره وينبغي أن يحل له الدفع لهما ولو صدقه حل أيضا ثم قيل: لا يجبر، وقيل: يجبر وإذا دفع بالتصديق أو بالعلامة وأقام آخر بينة أنها له فإن كانت قائمة أخذها وإن هالكة ضمن أيهما شاء فإن ضمن القابض لا يرجع على أحد أو الملتقط فكذلك في رواية وفي أخرى يرجع وهو الصحيح لأنه وإن صدقه إلا أنه بالقضاء عليه صار مكذبا شرعا فبطل إقراره كذا في (الفتح).
ولو دفع ببرهان فإن أقام آخر بينة أنها له لا يضمن هذا وسكت المصنف عن أخذ الكفيل قالوا: وله ذلك نظرا له لاحتمال أن يقيم غيره ببينة أنها له أما إذا دفعها بالبرهان فلا يأخذ في الأصح كما في (النهاية)(وينتفع بها) أي: يباح له الانتفاع بها (لو كان فقيرا) لما رواه البزار من قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن اللقطة فقال: (لا تحل اللقطة فمن التقط شيئا فليعرفه سنة فإن جاء صاحبه فليرده إليه وإن لم يأت فليتصدق به) والصدقة لا تكون على غني فأشبه الصدقة المفروضة وإذا كان المبيح هو الفقر فلا فرق بين الواجد وغيره في الانتفاع بها نظرا للمالك لأنها بتقدير مجيبه تكون مضمونة على المنتفع وإلا كان له ثوابها ومعنى الانتفاع بها صرفها إلى نفسه كما في (الفتح).
وهذا لا يتحقق ما بقيت في يده لا يملكها كما توهمه في (البحر) لما أنها باقية على ملك صاحبها ما لم يتصرف فيها حتى لو كانت أقل من نصاب وعنده ما يصير به نصابا حال عليه الحول تحت يده لا يجب عليه زكاة، وإطلاقه كغيره يفيد أن هذا لا يتوقف على أمر القاضي والمسطور في (الخانية) توقف حال الانتفاع على إذنه حيث قال: وإن كان الملتقط فقيرا إن أذن له القاضي أن ينفقها على نفسه يحل له أن ينفق ولا يحل بغير إذن القاضي عند عامة العلماء، وقال بشر: يحل، ثم قال: وجد عرضا لقطة فعرفها ولم يجد صاحبها وهو فقير باعها وأنفق الثمن إلى نفسه ثم أصاب مالا.
قالوا: لا يجب عليه أن يتصدق على الفقراء بمثل ما أنفق على نفسه انتهى. وهو المختار كما في (الولوالجية) فلم يقيد البيع بإذن القاضي قيد بالفقير لأن الغني لا يحل له الانتفاع بها إلا بطريق القرض لكن بإذن الإمام (وإلا) أي: وإن لم يكن فقيرا كل واحد منهم (تصدق على أجنبي وأبويه) أي: الملتقط (وزوجته وولده ولو) كان كل واحد منهم (فقراء) أطلق في ولده فشمل الصغير، وينبغي تقييده بأن يكون الملتقط فقيرا كذا في (البحر).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأقول: هذا سهو بل المراد الكبير إذ موضوع المسألة ما إذا كان الملتقط غنيا وله ابن فقير وهذا لا يأتي في الصغير فكيف يشمله الإطلاق، وقدمنا أنه لا يتصدق بها على ولد غني.
خاتمة: وضعت ملاءتها وأخرى كذلك فجاءت الأولى وأخذت ملاءة الثانية لا ينبغي للثانية أن تنتفع بملاءة الأولى فإن أرادت ذلك قالوا: ينبغي أن تتصدق بها على ابنتها إن كانت فقيرة ثم تهب الابنة الملاءة منها فيسعها الانتفاع بها وكذلك الجواب في المكعب إذا سرق وترك له عوض وقيل: هذا إذا كان المكعب الثاني مثل الأول أو أجود من الأول أما إذا كان الثاني دون الأول فله أن ينتفع به من غير هذا التكليف لأن أخذ الأجود وترك الأدون دليل الرضى بالانتفاع بالأدون كذا في (الطهيرية).
وفي (الحاوي القدسي) غريب مات في بيت إنسان وليس له وارث معروف كان حكم تركته / كحكم اللقطة إلا إذا كان مالا كثيرا فيكون لبيت المال بعد البحث والفحص عن ورثته سنين انتهى، وإذا لم يجدهم وكان مصرفا ينبغي أن يجوز له صرفه إلى نفسه وفي (الخانية) له برج حمام اختلط به حمام أهلي لغيره لا ينبغي له أخذه، فإن طلبه صاحبه بعد أخذه رده إليه، ولو فرخ عنده فإن كانت الأم غريبة لا يتعرض لفرخه لأنه ملك الغير وإن كانت لصاحب البرج والغريب إنما هو الذكر كان الفرخ له، وكذا البيض وإن لم يعلم أن في برجه غريبا قالوا: لا شيء عليه إن شاء الله تعالى.
وفي (الظهيرية) إذا لم يملك الفرخ وكان فقيرا يتناوله لحاجته وإن كان غنيا تصدق به على فقير ثم اشتراه منه، قال السرخسي: وهكذا كان يفعل شيخنا شمس الأئمة الحلواني وكان مولعا بأكل الجوزال جمع جوزل فرخ الحمام وفيها المأخوذ به أن للأمر بالنساء وسكرا أو غيره أن يحبس لنفسه مقدار ما يحبسه الناس وأن يلتقط ومن وقع في حجره شيء فأخذه منه غيره إن هيأه لذلك لا يكون للآخذ وإلا كان له.
وفي (الخانية) مر بثمار ساقطة تحت الأشجار في الصيف إن كان في المصر لا يسعه أن يتناول شيئا منها إلا أن يعلم أن صاحبها أباح ذلك نصا أو دلالة وإن كان في الحائط فإن كانت مما تبقى فكذلك وإن لم تبق قيل: إنه كذلك وقيل: إنه لا بأس به ما لم يعلم النهي صريحا وعليه الاعتماد والله الموفق للصواب.