الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللعبد نصفه وفرق على بدنه كحد الزنا.
باب حد القذف
هو كحد الشرب كمية.
ــ
(وللعبد نصفه) لرواية (الموطأ): (أن عمر وعثمان وعبد الله بن عمر جلدوا عبيدهم نصف الحد في الخمر).
(وفرق) الضرب (على بدنه كحد الزنا) لأن تكراره في موضع واحد قد يفضي إلى التلف، والحد إنما شرع زاجرا فقط، وفيه إيماء إلى أنه يتقي الرأس والوجه والفرج. (وأ، يضرب بسوط لا ثمرة له) مع نزع ثيابه في المشهور من الرواية إلا الإزار، وعن محمد أنه لا يجرد. وقال في (غاية البيان): وهو الأصح عندي لعدم ورود النص بذلك قال: ولا يجرد في حد القذف يعني اتفاقا إلا الفرو والحشو. وفي (البحر): إنه يجرد في التغرير والله الموفق.
باب حد القذف
هو لغة الرمي مطلقا وشرعا الرمي بالزنا وهو من الكبائر بإجماع الأئمة، كذا في (الفتح) و (الدراية) والأولى ما في (العناية) بأنه نسبة المحصن إلى الزنا صريحا أو دلالة إذ الإجماع إنما هو في المحصن فقد قال الحليمي من الشافعية: قذف الصغيرة والمملوكة والحرة والمتهتكة من الصغائر، لأن الإيذاء في قذفهن دونه في الحرة الكبيرة المستترة بل قال ابن عبد السلام منهم: الظاهر أن قذف المحصن في خلوته بحيث لا يسمعه إلا الله سبحانه وتعالى والحفظة ليس بكبيرة موجبة للحد لانتفاء المفسدة وخالفه البلقيني قال: بل الظاهر أنها كبيرة موجبة للحد فطاما عن هذه المفسدة، والظاهر قوله تعالى:{والذين يرمون المحصنات} (النور: 4) الآية وهذا رمي لمحصنة وقوله عليه الصلاة والسلام: (اجتنبوا الموبقات وعد منها قذف المحصنات)، وهكذا استدل في (فتح القدير) للإجماع وهو مؤيد لما قاله البلقيني.
وما في (البحر) من أن قواعدنا لا تأبى مقالة ابن عبد السلام مدفوع (وهو كحد الشرب كمية) أي: من حيث الكمية، أي: العدد وهو ثمانون سوطا للحر ونصفها
وثبوتا فلو قذف محصنا أو محصنة بزنا.
ــ
للعبد (وثبوتا) فلا يثبت إلا بشهادة عدلين أو بالإقرار، ولا تقبل فيه شهادة النساء ولا الشهادة على الشهادة ولا كتاب القاضي إلى القاضي فإن لم يعرف عدالتهما حبسه القاضي حتى يسأل عنهما، وكذا لو أقام شاهدا واحدا عدلا وادعى أن الثاني في المصر حبسه يومين أو ثلاثة، ولو زعم أن له بينة في المصر حبسه إلى آخر المجلس.
قالوا: والمراد بالحبس في الأولين حقيقته وفي الثالث الملازمة ولا يأخذ منه كفيلا بنفسه إلى المجلس الثاني، وقال أبو يوسف: يأخذه ولو شهدا أنه قذفه سألهما القاضي عن القذف ما هو؟ وكيف هو؟ فإن لم يزيدا على ذلك لا تقبل إلا إذا شهد أنه قال له: يا زاني فإنها تقبل ولو شهد أحدهما أنه قذفه يوم الخميس، والآخر أنه قذفه يوم الجمعة قبلت عند الإمام وقالا: لا تقبل ولو شهد أحدهما أنه قذفه يوم الخميس والآخر أقر بقذفه في ذلك اليوم لم يحد في قولهم، ولو اختلف في مكانه حد في قول الإمام كالزمان، وقال الثاني: لا يحد، كذا في (التاتارخانية).
[306/ب] ولو أختلفا في اللغة التي وقع القذف بها بطلت شهادتهم، (فلو قذف محصنا) / بأي لسان كان وفيه إيماء إلى أنه يشترط عجز القاذف عن إثبات ما رماه به حتى لو أثبته بأن أقام أربعة شهدوا على زنى المقذوف ولو في حال حد على أحد الروايات فلا حد على القاذف لخروج المقذوف عن كونه محصنا، وكذا لو صدقه وهل يحد المقذوف إن شهدوا بحد متقادم؟ لم يحد وإلا حد ولو أقامها بعدما حد، قال الكرخي: تقبل إذا الضرب الذي ليس بحد لا يمنع قبولها.
وفي (شرح القاضي) ابن أبي عوف لا تقبل فيحمل أن يكون فيه روايات أو اختلاف المشايخ، كذا في (السراج) ولا بد أن يكون المقذوف ناطقا فلا حد بقذف الأخرس، وكذا لو خرس قبل الحد أو ارتد أو زنا أو وطء حراما للشبهة في النوع الأول، وزوال الإحصان في الثاني، كذا في (التاتارخانية)، وأن يكون ممن يتصور منه الزنا فلو كان مجبوبا أو خصيا أو كانت رتقاء أو قرناء فلا حد على القاذف أيضا، وأن لا يكون المقذوف ولدا ولا ولد ولد ولا مملوكا للقاذف كما سيأتي، والآية وإن كانت في المحصنة لكنها تتناول المحصن دلالة يجامع دفع العار وعليه الإجماع قيد بذلك لأنه لو قذف غيرها لم يحد ومنه ما لو قذف خنثى بلغ مشكلا نص عليه في (السراجية) ووجهه أن نكاحه موقوف وهو لا يفيد الحد (بزنا) أي: بصريحه كزنيت أو يا زاني وفي أنت أزنى الناس أو من فلان خلاف ففي (المبسوط) لا حد عليه إذ معناه أنت أقدر الناس على الزنا وجزم قاضي خان بوجوبه، وكذا في أنت أزنى مني فجزم في (الظهيرية) بوجوبه وفي (الخانية) بأنه لا يجب كما لو قال: ما رأيت زانية خيرا منك.
حد بطلبه مفرقا ولا ينزع غير الفرو والحشو وإحصانه بكونه مكلفا.
ــ
ولو قال لرجل: يا زانية لا يحد في قولهما وقال محمد: يحد، وأجمعوا أنه لو قال لامرأة يا زاني حد ولو قال: قل لفلان يا زاني لم يحد الآمر، وأما المأمور فإن قال له يا زاني حد لا إن قال له إن فلانا يقول لك يا زاني، ولو قال أخبرت أنك زان لم يكن قذفا، ولو قال لرجلين أحدكما زان فقيل له هذا فقال لا، لا حد عليه لأن أصل القذف لم يقع موجبا ولو قال لجماعة: كلكم زان إلا واحدا وجب الحد، ولو قال لها. زنيت بحمار أو بعير أو ثور لم يحد لأن الزنا إدخال ذكره في قبل مشتهاة إلى آخره بخلاف ما لو قال زنيت بناقة أو أتان أو دراهم لأن معناه زنيت وأخذت البدل إذ لا تصلح المذكورات للإدخال في فرجها ولو قبل هذا الرجل لا يحد لأنه ليس العرف في جانبه أخذ المال.
واعلم أن حضور المقذوف مجلس القذف غير شرط نص عليه في (المضمرات)، قال ملا خسرو: ولا بد من حفظه لكثرة وقوعه (حد بطلبه) لأن حقه من حيث دفع العار عنه ولا يعلم منه خلاف، كذا في (الدراية) وفيه إيما إلى أن قذف الأخرس لا يوجب الحد وقد مر وهل يعذر في مطالبة القاذف فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان غير عفيف في السر؟ قال في (القنية): يعذر قال رضي الله تعالى عنه: وفيه نظر لأنه إذا كان زانيا لم يكن قذفه موجبا للحد فكيف بعذر؟ انتهى، ويؤيده أن دفع العار مجوز لا ملزم وإلا لامتنع عفوه عنه وأجبر على الدعوى وهو خلاف الواقع ضربا (مفرقا) على أعضائه، كما مر في الشرب (ولا ينزع عنه) أي: عن القاذف عند حده (غير الفرو والحشو) أي: الثوب المحشو لأنهما يمنعان وصول الألم، ومقتضى هذا أنه لو كان عليه ثوب ذو بطانة غير محشو لا ينزع والظاهر أنه إن كان فوق قميص نزع لأنه يصير مع القميص كالحشو أو قريبا منه، كذا في (الفتح).
وفي الكرخي إذا كان عليه قميص أو جبة مبطنة ضرب على ذلك حد القذف ويلقى عنه الرداء، كذا في (السراج) أما غيرهما فلا ينزع إظهارا للتخفيف لاحتمال صدق القاذف بخلاف حد الزنا والشرب، ولما كان معنى الإحصان هنا مغايرا لمعنى الإحصان في الزنا مبهما بينه بقوله:(وإحصانه) أي: المقذوف (بكونه مكلفا) أي: بالغا عاقلا يخرج الصبي والمجنون لأنه لا يلحقهما عار بنسبتهما إلى الزنا لعدم خطابهما بالحرمات، ولو فرض لحوق عار المراهق فليس عارا على الكمال فيندرئ، كذا في (الفتح) وهذا صريح في أنه لو ادعى البلوغ بعد قذفه مراهقا بالاحتلام أو بالسن لم يحد قاذفه وبه صرح في (الظهيرية) وكذا لو كانت مراهقة إذ لافرق.
قال في (الفتح): ويثبت الإحصان بشهادة رجل وامرأتين وبعلم القاضي ولا
حرا مسلما عفيفا عن زنا فلو قال لغيره: لست لأبيك أو لست بابن فلان في غضب حد.
ــ
يحلف القاذف لا يعلم أن القاذف محصن (حرا) خرج العبد ولو مدبرا أو مكاتبا، [307/أ] ولفظ الإحصان ينتظم الحرية / قال تعالى:{فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} (النساء: 25) أي: من الحرائر وكونه محصنا بمعنى آخر كالإسلام وغيره يوجب كونه محصنا من وجه دون وجه وذلك شبهة، ولو أنكر القاذف حرية المقذوف فلا بد من إقراره أو البينة بها ولو أنكر حرية نفسه فالقول له، كذا في (الخانية) فيحتاج المقذوف إلى إثباتها (مسلما) لأنه أطلق بمعنى الإسلام في قوله: فإذا أحصن، قال ابن مسعود: أسلمن وفي الخبر: (من أشرك بالله فليس بمحصن عفيف عن الزنا) لأن غير العفيف لا يلحقه العار وهو من لم يكن وطء امرأة بالزنا ولا بالشبهة ولا بنكاح فاسد فإن فعل ذلك مرة لا حد عن قاذفه، وكذا لو وطء التي حرمتها مؤبدة كأمته التي هي أخته من الرضاع، وإن كانت غير مؤبدة كأمته المجوسية لا يسقط إحصانه كذا في (شرح الطحاوي).
وفي (كافي الحاكم) كل شيء اختلف فيه الفقهاء حرمه بعضهم وأحله بعضهم فإني أحد قاذفه وفيه قال أبو يوسف: كل من درأت الحد عنه وجعلت عليه المهر وأثبت نسب الولد منه فإني أحد قاذفه، ويشكل على الكلية الثانية ما لو وطء الأمة المشتركة فإنه لا يحد لأن الإحصان كما يزول من كل وجه يزول بالزنا من وجه والعفة أعم من أن يطأ بنكاح صحيح أم لا، وبهذا التعميم يمتاز عن إحصان الزنا (فلو قال لغيره: لست لأبيك أو لست ابن فلان) لأبيه الذي يدعى له أو لست من ولد فلان أو لست من بني فلان (في غضب) قيد في المسألتين (حد) إن كانت محصنة لأن المقذوف في الصورتين إنما هو الأم والمعتبر إحصان المقذوف لا إحصان من يطلب الحد صرح به في (المبسوط) وهذا لأن نفي نسبه من أبيه يستلزم كونه زانيا فلزم أن أمه زنت مع أبيه فجاءت به من الزنا ولذا لو قال: ولا من فلانة لا يحد وأورد أنه يجوز أن لا يكون ثابت النسب من أبيه ولا تكون أمه زانية بأن كانت موطوءة بشبهة أو بنكاح فاسد، وأجيب بأن المراد أنك لست لأبيك الذي ولدت من مائه وهذا يستلزم كون أبيه زانيا فلزم أن أمه زنت معه ولا يخفى أنه غير لازم لجواز كونه زنا بها مكرهة أو نائمة، والحق أن وجوب الحد إنما هو استحسان لأثر ابن مسعود أنه قال:(لا حد إلا في قذف محصنة أو بنفي رجل عن أبيه) وحمل على حالة الغضب
وفي غيره لا كنفيه عن جده.
ــ
لأنه حالة عدمه لم ينفه عن أبيه بدلالة الحال فليس من التخصيص في شيء إذ ليس قذفا وإنما يكون تخصيصا أن لو كان قذفا (وفي غيره) أي: الغضب (لا) أي: لا يحد لأن النفي حينئذ مجاز من نفي المشابهة في محاسن الأخلاق قيد النفي بما ذكر لأنه لو قال: لست لآدمي أو لإنسان لا يحد كقوله لست من أولاد فلان، واعلم أنه في (الهداية) قيد بالغضب في الثانية دون الأولى، وحمل الشارحون إطلاقه على التقييد.
قال في (البحر): وهو بعيد لما صرح به الحاكم في (الكافي) حيث قال: وإن قال لرجل: يا ولد الزنا أو يا ابن الزنا أو لست لأبيك وأمه حرة مسلمة فعليه الحد بلغنا عن عبد الله بن مسعود وذكر الأثر المتقدم فسوى بين الألفاظ الثلاثة، وقد صرح في (فتح القدير) بأنه في اللغظين الأولين لا يأتي التفضيل يعني بين الغضب والرضى بل يحد البتة فكذا، لو قال: لست لأبيك لأنهم صرحوا أنه بمعنى أن أمك زانية أو زنت ولا يراد به المعاتبة حالة الرضى لأنه لم يعين أبا مخحصوصا حتى ينفي أن يكون على خلافه، ثم أن يكون على خلافه، ثم رأيت التصريح بذلك في (الخانية) قال لرجل: لست لأبيك عن أبي يوسف أنه قذف كان ذلك في غضب أو رضا، ولو قال: ليس هذا أباك لابنه المعروف فإن كان في حالة الرضا أو على وجه الاستفهام لا يكون قذفا، وإن كان في غضب أو على وجه التعبير كان قذفا انتهى.
وأقول: ما جرى عليه شراح (الهداية) وأكثر المتأخرين من التقييد بالغضب هو المذهب لما قدمناه مع أنه مع الرضا ليس قذفا وكيف يحد بما ليس قذفا وبه يضعف ما عن الثاني وكأن هذه الرواية شاذة عنه، ولذا ذكر في وسط (المحيط) عنه أنه قذف في حالة الغضب دون الرضا وما في (الكافي) لا دلالة فيه لما ادعاه بوجه مع استدلاله في النفي بالأثر، وقد علمت أنه محمول / على حالة الغضب والفرق بينه [301/ب] وبين قوله يا ولد الزنا أظهر من الشمس وقت الضحى لأنه لا يحتمل غير القذف فاستوت الحالتان فيه بخلاف النفي ثم رأيته في (عقد الفوائد) قال: التفضيل هو ظاهر المذهب والاعتماد عيه دون ما يقع سواه مخالفا له.
وفي (التاتارخانية) عن أبي يوسف يا فرج الزنا يا بيض الزنا يا حمل الزنا يا سخل الزنا قذف يوصف الولد به ولو قال كبش الزنا لا يحد، وفي (الجوهرة) لو قال: لست ولد حلال كان قذفا، وفي (ابن وهبان) عن بعضهم قال: إمي ليست بزانية حال التخاصم حد لكن المسطور في (الخانية) استبا فقال أحدهما: لا أنا بزان ولا أمي بزانية لا حد عليه وذكره في موضع آخر، لو قال لغيره: إما أنا فلست بزان لا حد عليه عندنا (كنفيه) أي: لا يحد بنفيه، (عن جده) في حالة الغضب لأنه صادق في قوله
وقوله لعربي: يا نبطي أو ابن ماء السماء ونسبته إلى عمه أو خاله ورابه ولو قال: يا ابن الزانية وأمه ميتة فطلب الوالد أو الولد أو ولده حد ........
ــ
لست بابن فلان أي لست مخلوقا من مائه، كذا قالوا وفيه بحث لأن هذا وإن كان معناه الحقيقي لكن له معنى حقيقي آخر هو نفي كونه أبا أعلى له وهو صادق بصورتين نفي كون أبيه خلق من مائه بل زنت جدته أو جاءت به لشبهته وحالة الغضب تعين أن يكون قذفا لجدته إذ لا معنى لإخباره في تلك الحالة أنك لم تخلق من ماء جدك، وأشار المصنف إلى أنه لو نسبه إلى جده فلا حد أيضا لأنه ينسب إليه مجازا متعارفا كابن مالك ونحوه.
(وقوله لعربي: يا نبطي) بفتح الموحدة كما في (القاموس) نسبة إلى النبط جيل من الناس بسواد العراق الواحد نبطي، وعن ابن الأعرابي رجل نباطي ولا يقال نبطي، كذا في (المغرب) لأن العرف في مثله أن يراد نفي المشابهة في الأخلاق أو عدم الفصاحة، وأما قذف أمه أو جدة من جداته لأبيه فلا يخطر بالبال فلذا لم يفصلوا فيه بين الغضب والرضى نعم ينبغي في الغضب أن يعزر به لأن النسبة إلى الأخلاق الدنيئة يجعل شتما في الغضب ويؤيده ما في (المبسوط) لو قال له: لست بهاشمي عزر وعلى هذا لو نسبه لغير قبيلته أو نفاه عنها (و) قوله لغيره: (يا ابن ماء السماء) مع أن ظاهره نفي كونه ابنا لأبيه لأنه في العرف يذكر لقصد المدح ولذا لقب به عامر بن حارثة لأنه كان يقيم ماله مقام القطر في الحفظ فهو كماء السماء جودا، قال في (إيضاح الإصلاح): وفيه نظر لأن حالة الغضب تأبى عن هذا القصد، وجوابه أنا فالتزمه فنجعله سبا بنفي الشجاعة والسخاء عنه في هذه الحالة، أما كونه نفيا موجبا للحد فلا إذا لم يعهد استعماله لذلك القصد.
قال في (الفتح): وقد ذكر أنه لو كان هناك رجل اسمه ماء السماء يعني وهو معروف يحد في حال السباب بخلاف ما إذا لم يكن، (و) كذا لا يحد (بنسبته إلى عمه وخاله ورابه) بتشديد الباء الذي رباه لأن كل واحد منهم يسمى أبا قال تعالى:{وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} (البقرة: 133) وإسماعيل كان عما ليعقوب، وأخرج الديلمي في (الفردوس) عن ابن عمرو مرفوعا:(الخال والد من لا والد له) وكذا المربي دون زوج الأم كما في (الهداية) لأن العبرة إنما هو للمربي حتى لو نسبه إليه ولم يكن زوجا لأمه وجب أن لا يحد كما في (الشرح)، (ولو قال) لرجل:(يا ابن الزانية و) الحال أنه (أمه ميتة)، وكذا له يا ابن الزاني وأبوه ميت (فطلب الوالد والولد أو ولده حدا) أي: طلب أصوله أو فروعه.
ولا يطلب ولد وعبد أباه وسيده بقذف أمه ويبطل بموت المقذوف.
ــ
قال في (التاتارخانية): ثم إذا قذف ميتا فولاية الطلب لابن المقذوف ولأمه ولجده أب الأب وإن علا ولأولاده ذكرا كان أو أنثى ولأولاد من قبل الرجال الأقرب والأبعد سواء ولا تثبت المطالبة لولد البنت انتهى. ولا فرق في الأصل والفرع بين كونه كافرا أو عبدا إلا أن إطلاق المصنف يعم ولد البنت وهو ظاهر الرواية كما في (الخانية) وفيها، لو قال: جدك زان لا حد عليه وعلله في (الظهيرية) بأنه لا يدري أي جد هو وهو معنى ما في (الفتح) من أنه لا يحد للإبهام لأن في أجداده من هو كافر فلا يكون قاذفا ما لم يعين مسلما قيد بالأصول والفروع لأن الطلب لا يثبت لأم الأم ولا للأخ ولا للعم ولا للعمة ولا لمولاه.
وما في (الفتح) عن (الخانية) منه أنه لا يثبت أيضا لجد أب الأب فتحريف، والصواب الأم لما قد علمت وأفاد بأو أن للفروع / المطالبة مع وجود أصله ولو عفا [308/أ] البعض أو صدق القاذف كان لمن بقى حق الخصومة (ولا يطلب ولد) أي: فرع وإن سفل، (وعبد أباه) أي: إصله ذكرا كان أو أنثى فدخلت أمه وجدته وإن علت، وكذا جده وإن علا (وسيده بقذف أمه) المحصنة إذا قذفها ميتة لأنهما يعاقبان بسببهما، وهذا لأن القصاص المتيقن سببه سقط بقتلهما فالحد الذي لم يتيقن سببه أولى.
واعلم أن المسطور في كتب الشافعية أنه مع سقوط الحد عنه يعزر ثم رأيت في (القنية) ما يفيد أنه كذلك عندنا حيث قال: ولو قال لآخر: يا حرام زاده لا يجب عليه حد القذف، وقد كنت كتبت أنه لو قال ذلك لولده يجب العزير انتهى. ووجهه إفادته أنه إذا كان التعزير يجب بالسب فالقذف أولى فما في (البحر) في النفس من التعزير شيء لأنه إذا كان القذف لا يوجب شيئا فالشتم أولى ممنوع قيد بكونه أبا له لأنه لو كان لها ولدان أحدهما ابن لغيره كان له حق المطالبة كأبيها (وبطل) حد القذف (بموت المقذوف) لأنه لا يورث، وكذا لو مات بعد إقامة بعضه نظرا لا أنه حق الله تعالى إلا أنه شرع زاجرا لإخلاء العالم عن الفساد ولذا يباح بالإباحة ولا يتغلب مالا عند سقوطه ويتصف بالرق ولا يحلف القاذف ولا يصح فيه العفو ولا يجوز الاعتياذ عنه ويجري فيه التداخل بالرق ولا يحلف القاذف ولا يصح ففيه العفو ولا يجوز الاعتياذ عنه ويجري فيه التداخل ويشترط الإحسان ولا كلام أن فيه حق العبد أيضا فشرطنا الدعوى فيه.
وقلنا: إنه لا يبطل بالتقادم ويجب على المستأمن ويقيمه القاضي بعلمه ويقدم استيفاؤه على سائر الحدود ولا يبطل بالرجم ولا يصح الرجوع فيه عن الإقرار، إذ المغلب حق الله تعالى عندنا، ورجح أبو اليسر أن المغلب حق العبد والأول أظهر، وأعترض بأن من الأحكام ما ينافي الحقين جميعا من سقوطه بموت المقذوف وشيء
لا بالرجوع والعفو ولو قال زنأت في الجبل وعنى الصعود حد ولو قال: يا زاني وعكس حدا.
ــ
من الحقين لا يسقط به وأجيب بأنا لا نقول: إنه يسقط بموته ولكن يتعذر استيفاؤه لعد شرطه فإن الشرط خصومة المقذوف ولا تحقق فيه الخصومة بعد موته، كذا في (الناية) وفيه نظر إذ لو صح هذا لبطل قولهم: إنه يبطل بموت المقذوف وهذا لأنه لا معنى لعدم سقوطه (لا) يبطل (بالرجوع) عن الإقرار نظرا إلى أنه حق العبد، (و) قد مر أنه لا يبطل أيضا بإباء (العفو) نظرا إلى أنه حق الله تعالى، ومعنى عدم بطلانه به أنه لو عاد وطلب يقام الحد عليه وليس للإمام أن يستوفيه بعد العفو بدون الطلب كما في (المبسوط).
وعليه يحمل ما في (الفتح) من أنه لو عفا المقذوف عن القاذف بعد ثبوت القذف والإحصان لا يصح عفوه ويحد عندنا، وفي (الشامل) لا يصح عفو المقذوف إلا أن يقول لم يقذفني أو كذب شهودي إلا أن خصومته شرط، وعند الثاني يصح العفو (ولو قال) لغيره:(زنأت في الجبل) بالهمز (وعنى) أي: قصد (الصعود) عليه (حد) عندهما ولم يصدق وقال محمد: يصدق لأن الهمز منه للصعود حقيقة وذكر الجبل بقراره مرادا ولهما أنه يستعمل في الفاحشة لأن من العرب من يهمز حرف اللين في غير التقاء على حده كدابة شاذ، وحالة الغضب تعين ذلك مرادا وهذا التقدير يفيد أن المهموز مشترك بين الفاحشة والصعود وحالة الغضب تعين أحد المحتملين عندهما، وعند محمد هو حقيقة في الصعود مجاز في الفاحشة وحينئذ يترجح قوله لأن المجاز أولى من الاشتراك لعدم اختلاله بالفهم ولأن الحد يحتال لدرئه هذا حاصل ما في (العناية).
وأجاب في (الحواشي السعدية): بأن هذا مسلم إذا لم يقم دليل على الاشتراك وقد قام هنا لما قدمناه من أن من العرب من يهمز حرف اللين، وقوله: وذكر الجبل يقرره ممنوع بأن الفاحشة قد تقع فيه، أي: في بعض بطونه وترجح إرادتها بقرينة الغضب، ولو قال: على الجبل قيل لا يحد وهو الذي جزم به في (المبسوط).
قال في (الفتح): وهو الأوجه لأن حالة الغضب تعين تلك الإرادة وكونها فوقه وتعين الصعود مسلم في غير حالة السباب قيد بالهمز لأنه لو أتى بالياء المثناة حد اتفاقا، وبالجبل لأنه لو حذفه حد اتفاقا أيضا، كما أفاده في (غاية البيان) وجزم به في (المعراج) وبهذا التعزير علمت أن إطلاق المصنف مقيد بحالة الغضب فلا يجب [308/ب] في / حالة الرضى يعني اتفاقا، (ولو قال: يا زاني وعكس)، بأن قال لا بل أنت (حدا) لأن كل واحد منهما قذف صاحبه فيحد بطلبه ولا يلتقيان قصاصا لما مر من أن الغالب في حد القذف حق الله تعالى قيد بحد القذف لأنه لو قال له: يا خبيث بل أنت تكافيا ولا يعزران كل واحد وجب له على صاحبه مثل ما وجب للآخر عليه.
ولو قال لامرأته: يا زانية وعكست حدت ولا لعان ولو قالت: زنيت بك بطلا وإن أقر بولد ثم نفاه لاعن. .......
ــ
فإن قلت: لو ضرب كل منهما صاحبه عزرا وبدأ بالبادي كما في (القنية)، ولو تشاتما بين يدي القاضي عزرهما فهل لا يلتقيا قصاصا؟ قلت: لم يلتقيا هنا لتفاوت الجنايتين في الضرب بخلاف السب، وأما بين يدي القاضي فلهتك حرمة الشرع ورأيت بخط الشيخ الأخ رحمه الله تعالى عن (الخلاصة) قال المقضي عليه للقاضي: أخذت رشوة من خصمي وقضيت علي، يعزره القاضي.
قال ابن وهبان: هذا يستثنى من قولهم أن القاضي لا يقضي لنفسه انتهى. وقد يقال: لا استثناء لأن من أساء الأدب في حق القاضي فقد أساء الأدب على الشرع، فتعزير القاضي له لأجل حق الشرع لا لنفسه ولهذا قالوا: يعزره ولم يقولوا إن شاء انتهى.
وأقول: فيه نظر فقد صرحوا بأنه له أن يعفو عنه كما نقله ابن الغرس في (فوائده) ولو كان لمحض الشرع لما ساغ عفوه وفي (جامع الفصولين) ولو تشاتما بين يديه كان له تعزيرهما صيانة لمجلس الشرع انتهى. بقي هل له العفو عنهما؟ لم أر المسألة في كلامهم والظاهر لا بخلاف قوله أخذت الرشوة من خصمي، والفرق بين فتدبره، وسيأتي أن التعزير كما يكون حقا للعبد يكون حقا لله تعالى (ولو قال لامرأته: يا زانية وعكست) كم مر (حدت) المرأة (ولا لعان)، والأصل أن الحدين إذا اجتممعا وفي تقديم أحدهما إسقاط الآخر وجب تقديمه احتيالا للدرء واللعان قائم مقام الحد فتقديم حق المرأة يبطل اللعان لأنها تصير محدودة في قذف، وتقديم اللعان لا يسقط حد القذف لأنه لا يجري على الملاعنة وعن هذا قلنا: لو قال لها: يا زانية بنت الزانية فخاصمته الأم فحد سقط اللعان.
(ولو قالت) في جواب قوله يا زانية (زنيت بك بطلا) أي: الحد وللعان لأنه يحتمل أنها أرادت به ما قبل النكاح فتحد في قذفها ولا لعان لتصديقها إياه أو ما كان معه بعد النكاح وأطلقت عليه زنا للمشاركة فيجب اللعان دون الحد والحكم بتعيين أحدهما بعينه متعذر فوقع الشك في كل وجوب اللعان والحد فلا يجب واحد بالشك حتى لو زال الشك بأن قالت قبل أن أتزوجك أو كانت أجنبية حدت فقط، وهو ظاهر ولو ابتدأت الزوجة ثم قال لها: يا زانية، فالحكم كذلك للمعنى الذي ذكرناه ودخول هذا في الإطلاق كما في (البحر) خلاف الظاهر وما نقلناه جرى عليه الشارح تبعا لشراح (الهداية) قيد بالخطاب لأنها لو قالت: إنت ازنى مني حد الرجل فقط كما في (الخانية)، (وإن أقر) الزوج (بولد ثم نفاه لاعن)، لأن النسب لزمه
وإن عكس حد والولد له فيهما ولو قال: ليس بابني ولا بابنك بطلا ومن قذف امرأة لم يدر أبو ولدها أو لاعنت بولد أو رجلا وطئ في غير ملكه أو أمة مشتركة أو مسلما زنى في كفره أو مكاتبا مات عن وفاء لا يحد.
ــ
بإقراره وبالنفي بعد صار قاذفا لزوجته فيلاعن (وإن عكس) بأن نفاه أولا ثم أقر به قبل اللعان (حد) لأنه لما أكذب نفسه بطل اللعان الذي كان وجب بنفي الولد لأنه ضروري صير إليه ضرورة التكاذب بين الزوجين فكان خلفا عن الحد فإذا بطل صير إلى الأصل (والولد له فيهما) أي: في الصورتين، أما في الثانية فظاهر.
وأما في الأولى فلأن سبب اللعان وإن كان هو النفي إلا أن قطع النسب من ضرورة اللعان ينفي الولد ألا ترى أنه لو نفاه بعد أن تطاولت المدة بعد الولادة فإنه يلاعن ولا يقطع النسب، (ولو قال: ليس) هذا الولد (بابني ولا ابنك بطلا) أي: الحد واللعان لأنه أنكر الولادة وبذلك لا يصير قاذفا، (ومن قذف امرأة) معها ولد في بلد القذف (لم يدر) أي: لم يعم (أبو ولدها) حال القذف أو وجد ومات قبله شروع في مسائل لا حد فيها هذه أولاها، والثانية ما أشار إليه بقوله:(أو لاعنت بولد) نفاه الزوج وقطع القاضي نسبه عنه وألحقه بأمه لأن ولادة الزنا منها وهي ولادة ولد الأب له قائمة فانتفت عتقها قيد بكون اللعان بولد لأنه لو كان بغير حد قاذفها وهو وإن كان قائما [309/أ] مقام حد القذف في حقها وبه تسقط عتقها لكنه قام مقام حد القذف في حقه / وبالنظر إلى هذا تكون محصنة فتعارض الوجهان فتساقطا كذا في (العناية).
(أو) قذف (رجلا وطء امرأة في غير ملكه) أي: وطئا حراما لعينه من كل وجه فإن كانت أجنبية أو مكرهة، أو من وجه كما أفاده بقوله:(أو أمة مشتركة) بينه وبين غيره، وبقي ما لو كانت الحرمة مؤبدة كوطء أمته التي حرمت عليه بالرضاع أو بالمصاهرة بشرط أن يكون ثبوتها بالإجماع أو بخبر مشهور عند الإمام وإنما لا يحد لسقوط عتقه بذلك ومن الحرام لعينه جارة ابنه والمنكوحة فاسدا والأمة المستحقة، وكذا لو وطء محارمه بنكاح أو جمع بينهن أو أمة تزوجها على حرة، ولو نظر إلى فرج امرأة أو لمسها بشوهة ثم أمها أو ابنتها، أو اشتراها فوطئها لا يسقط إحصانه عند الإمام وقالا: يسقط.
(أو) قذف (مسلما زنى في) زمن (كفره) حربيا كان أو ذميا، وسواء كان في دار الحرب أو في دار الإسلام بأن قال له: زنيت وأنت كافر أو أطلق ثم أثبت أنه زنى في كفره لأن به يسقط إحصانه (أو) قذف (مكاتبا مات عن وفاء لا يحد) في هذه المسائل، وقد مر الوجه فيما عدا المكاتب، وأما هو فلاختلاف الصحابة في موته حرا أو عبدا فأورث شبهة، وعرف منه أنه لو مات عن وفاء فلا حد على قاذفه بالأولى، وأما إذا كان
وحد قاذف واطئ أمة مجوسية وحائض ومكاتبة ومسل نكح أمة في كفره ومستأمن قذف مسلما ومن قذف أو زنى أو شرب مرارا فحد فهو لكله.
ــ
الوطء حراما لغيره فإنه يحد أفاد ذلك بقوله: (وحد قاذف واطئ أمة مجوسية) وأمة اشتراها شراء فاسدا وأختين جمع بينهما في ملكه (وحائض) هي زوجته ونفساء ومظاهر منها (ومكاتبة) لأن ملك المتعة فيهن ثابت وما عرض من الحرمة لهن على شرف الزوال فلا يسقط إحصانه، (و) حد أيضا قاذف (مسلم نكح أمة) أو غيرها من المحارم (في) حال (كفره) عنده خلافا لهما والخلاف مبني على أنه صحيح عنده وفاسد عندهما، (و) حد أيضا (مستأمن قذف مسلما) هذا ما رجع إليه الإمام نظرا إلى أن فيه حق العبد وإن كان حق الله تعالى هو المغلب على ما مر وقد التزم أيضا حقوق العباد.
وأما حد الخمر فلا يجب اتفاقا ولا يجب حد الزنا والسرقة خلافا للثاني، ويجب على الذمي جميع الحدود إلا حد الخمر قاله الإتقاني (ومن قذف) غيره (أو زنى أو شرب) الخمر (مرارا) سواء كان القذف لواحد أو لجماعة بكلمة كأنتم زناة أو بكلمات، وسواء طلب كلهم أو بعضهم (فحد فهو) أي: الحد (للكل)، أما في الزنا والشرب فلأن المقصود من إقامة الحد هو الانزجار واحتمال حصوله بالأول قائم فتمكن شبهة فوات المقصود في الثاني، والحدود نذرا بالشبهات إجماعا وألحق حد القذف بهما لأن المغلب فيه حق الله تعالى على ما مرن ومن فروع التداخل ما لو قذف واحدا فحد إلا سواطا ثم قذف آخر في المجلس فإنه يتم الأول.
وقالوا: لو قذف وهو عبد فأعتق ثم قذف آخر فطالبه الأول حد أربعين، وإن طالبه الثاني كمل له الثمانون لوقوع الأربعين لهما، قال الشارح: ولو ضرب للزنا أو للشرب بعض الحد فهرب ثم زنى أو شرب ثانيا حد حدا مستأنفا ولو كان ذلك في القذف، فإن حضر الأول تمم الحد ولا شيء للثاني وإن حضر الثاني وحده يجلد حدا مستأنفا انتهى.
وعلى هذا فيحمل ما مر من أنه يكمل السوط فقط على ما إذا حضر جميعا، ومن أنه لو قذف جماعة يكتفى بحد واحد على ما إذا كان القذف لهم قبل أن يضرب البعض قيد بكون الجلد وقع بعد الفعل المتكرر لأنه لو زنى أو شرب فحد، ثم زنى وشرب ثانيا فإنه يحد ثانيا لأن حد الزنا يجب باعتبار المتوفى من منافع البضع والمستوفي الثاني غير الأول، وكذا المشروب ثانيا غير الأول بخلاف ما إذا قذف المحدود ثانيا المقذوف الأول حيث لا يحد ثانيا لأن المقصود وهو إظهار كذب القاذف ودفع العار عن المقذوف حصل بالأول، كذا قرره الشارح في السرقة وهو بإطلاقه شامل ملا إذا كان القذف الثاني بعين اللفظ الأول أو بغيره بعد أن يتحد