المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في التعزير - النهر الفائق شرح كنز الدقائق - جـ ٣

[سراج الدين ابن نجيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العتق

- ‌باب العبد يعتق بعضه

- ‌باب الحلف بالدخول

- ‌باب العتق على جعل

- ‌باب التدبير

- ‌كتاب الإيمان

- ‌باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

- ‌باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

- ‌باب اليمين في الطلاق والعتاق

- ‌باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها

- ‌باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه

- ‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

- ‌باب حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌كتاب السرقة

- ‌باب قطع الطريق

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنائم وقسمتها

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌باب المستأمن

- ‌باب العشر والخراج والجزية

- ‌فصل في الجزية

- ‌باب المرتدين

- ‌باب البغاة

- ‌كتاب اللقيط

- ‌كتاب اللقطة

- ‌كتاب الآبق

- ‌كتاب المفقود

- ‌كتاب الشركة

- ‌فصل في الشركة الفاسدة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب خيار الشرط

- ‌باب خيار الرؤية

- ‌باب خيار العيب

- ‌باب البيع الفاسد

- ‌باب الإقالة

- ‌باب التولية

- ‌باب الربا

- ‌باب الحقوق

- ‌باب السلم

- ‌باب المتفرقات

- ‌كتاب الصرف

- ‌كتاب الكفالة

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره

الفصل: ‌فصل في التعزير

‌فصل في التعزير

ــ

المقذوف، أما لو اختلف بأنه قذفه فحد ثم قال له: يا ابن الزانية وأمه ميتة فخاصمه فإنه يحد ثانيا كما لا يخفى.

تكميل: إقر بالزنى والسرقة والشرب والقذف وفقأ عين رجل يبرأ الإمام بالقصاص في العين ويحبسه فإذا برأ حده للقذف لأنه مشوب بحق العبد، والأول خالص حقه [309/ب] فقدم فإذا برأ أخرجه ثم هو مخير إن شاء بدا بحد الزنا وإن شاء بحد السرقة / وجعل حد الشرب آخرها لأنه أضعف فإن كان محصنا اقتصر منه في العين، ثم بعد حد القذف يرجمه لأن حد السرقة والشرب محض حق الله تعالى ومتى اجتمعت الحدود بحق الله تعالى وفيها قتل نفس قتل وترك ما سوى ذلكن نقل ذلك عن الجبر بن مسعود ولأن المقصود الزجر له ولغيره، وأتم ما يكون باستيفاء النفس والاشتغال بما دونه لا يفيد إلا أنه يضمن المال المسروق فيؤخذ من تركته لأن الضمان بما يسقط لضرورة القطع ولم يوجد والله الموفق للصواب.

فصل في التعزير

وفي (القاموس) أنه: من أسماء الأضداد يطلق على التفخيم والتعظيم وعلى التأديب وعلى اشد الضرب وعلى ضربه دون الحد انتهى. قال الشيخ ابن حجر المكي: الظاهر أن هذا الأخير غلط لأن هذا وضع شرعي لا لغوي إذ لم يعرف إلا من جهة الشرع فكيف نسب لأهل اللغة الجاهلين بذلك من أصله. والذي في (الصحاح) بعد تفسيره بالضرب ومنه سمي ضرب ما دون الحد تعزيرا فأشار إلى أن هذه الحقيقة الشرعية منقولة عن الحقيقة اللغوية بزيادة قيد هو كون ذلك الضرب دون الحد اشرعي فهو كلفظ الصلاة والزكان ونحوهما، وغفل عنها صاحب (القاموس) وقد وقع له نظير ذلك كثيرا وهو غلط يتعين التفطن له انتهى. لما ذكر الزواجر المقدرة شرع في غير المقدرة وأخرها لضعفها وألحقه بالحدود مع أنه منه ما هو محض حق العبد لما أنه عقوبة ولذا لا تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال عند الإمام، وعندهما وإن قبلت لكنه لا يضرب، وإنما يحبس كذا في الكرخي، وجزم الحجندي بقبول شهادة النساء فيه، وسيأتي في الشهادات إن شاء الله تعالى.

قال في (الكشاف): العزر: المنع ومنه التعزير لأنه يمنع من معاودة القبيح، وعرفا تأديب دون الحد، وذلك التأديب لا يختص بالضرب بل قد يكون به فيكون دون الحد وبالصفع والحبس وتفريك الأذن وبالكلام العنيفن وينظر القاضي إليه بوجه عبوس وبالشتم بعد أن لا يكون قذفا كما في (المجتبى) وما في (الخلاصة)

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سمعت من ثقة أنه يكون بأخذ المال أيضا إن رأى القاضي ذلك، ومن جملة ذلك من لا يحضر الجماعة مبني على اختيار من قال بذلك لقول أبي يوسف فإنه رأى عنه أنه يجوز للسلطان التعزير بأخذ المالن كذا في (الفتح)، ومعناه كما قال البزازي: إمساكه عنده مدة لينزجر ثم يعيده إليه، لا أنه يأخذ لنفسه أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة إذ لا يجوز أخذ مال مسلم بغير سبب شرعي انتهى. ثم إنما يرده إليه إذا تاب فإن آيس من توبته صرفه الإمام إلى ما يرى.

وفي 0شرح الآثار) التعزير بأخذ المال كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ، كذا في (المجتبى) وعندهما وباقي الأئمة الثلاثة لا يجوز التعزير به وقد يكون بالقتل، فقد سئل الهندواني عن من وجد رجلا مع امرأة ايحل له قتله؟ قال: إن كان يعلم أنه ينزجر بالصياح والضرب بما دون السلاح لا يقتله، وإن علم أنه لا ينزجر إلا بالقتل حل له قتله، وإن طاوعته المرأة قتلها أيضا.

وفي (المنية) وجد رجلا مع امرأة يزني بها أو مع محرمه وهما مطاوعان قتل الرجل والمرأة معا، كذا في (الشرح)، قال في (البحر): فقد أفاد التفريق بين الأجنبية والزوجة والمحرم، ففي الأجنبية لا يحل القتل إلا بالشرط المذكور من عدم الانزجار بالصياح والضرب، وفي غيرها يحل مطلقا انتهى.

وأقول: لا نسلم أن ما عن الهندواني نص في الأجنبية لما لا يجوز أن يكون المعنى بامرأة له وخصها لتعم الأجنبية بالأولى ويدل على ذلك ما في حدود (البزازية) من وجد مع امرأته رجلا إذا كان ينزجر بالصياح وبما دون السلاح لا يحل قتله وإن كان لا ينزجر إلا بالقتل حل قتله، وإن طاوعته حل قتلها أيضا وهذا نص على أن التعزير والقتل يليه غير المحتسب انتهى، وبهذا يندفع التدافع بين كلامي الهندواني ويجوز أن يقال: نكر المرأة دلالة على أنه لا فرق بين الزوجة والأجنبية وقد أفصح عن ذلك في (الخانية) حيث قال: رأى رجلا يزني بامرأته أو بامرأة أخرى وهو محصن فصاح به ولم يهرب ولم يمتنع عن الزنا حل لهذا الرجل قتله، وإن قتله فلا قصاص عليه وذكر مثله في السرقة حيث قال: رأى رجلا يسرق ماله / فصاح به أو [310/أ] ينقب حائطه أو حائط غيره وهو معروف بالسرقة فصاح به ولم يهرب حل قتله ولا قصاص عليه انتهى.

وغاية الأمر أن ما في (منية المفتي) وعليه جرى الخبازي في مختصر (المحيط) مطلق لكن يجب حمله على التقييد توفيقا بين كلامهم، ومن هنا جزم ابن وهبان في (نظمه) بالشرط المذكور مطلقا وهو الحق، واعلم أنه في (الخانية) شرط في جواز

ص: 165

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قتل الزاني أن يكون محصنا، وفي السارق أن يكون معروفا بالسرقة، وبالأولى جزم الطرسوسي ورده ابن وهبان بأنه ليس من الحد بل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو حسن فغن هذا المنكر حيث تعين القتل طريقا في إزالته فلا معنى لاشتراط الإحصان فيهن ولذا أطلقه البزازي وفي (المجتبى) الأصل أن كل شخص رأى مسلما يزني أن يحل له قتله وإنما يمتنع خوفا من أن لا يصدق في أنه زنى، وعلى هذا القياس المكابرة وقطاع الطريق وصاحب المكس وجميع الظلمة والأعونة والسعادة يباح قتل الكل ويثاب قاتلهم وقد يكون بالنفي أيضا، فقد ذكر العنيني في (شرح البخاري) أن من أذى الناس مطلقا ينفى عن البلد بذلك أفتى عبد الله بن عمرو بالإخراج من الدار.

قال البزازي: وتقوم الأعذار على مظهر الفسق في داره فإن كف فيها وإلا حبسه أو أدبه أسواطا أو أزعجه عن داره إذ الكل يصلح تعزيرا، وعن الصفار الزاهد أنه أمر بتخريب دار الفاسق، ثم في قول الهندواني إذا كان ينزجر بالضرب تنصيص على أن الععزير يملكه الإنسان وإن لم يكن محتسبا وصرح بذلك في (المنتقى) وهذا لأنه من باب إزالة المنكر باليد والشارع ولي كل واحد، كذا في (الفتح) وقيده بكونه حال المعصية حيث قال: رأى غيره على فاحشة مرجبة للتعزير فعزره بغير إذن المحتسب فللمحتسب أن يعزر والمعزران عنده بعد الفراغ منها.

قال رضي الله تعالى عنه: قوله إن عزره بعد الفراغ منها فيها إشارة إلى أنه لو عزره حال كونه مشغولا بالفاحشة فله ذلك وإنه حسن لأن ذلك نهي المنكر وكل أحد مأمور به وبعد الفراغ ليس بنهي لأن النهي عما مضى لا يتصور، وهذا أيضا مقيد بغير الزوج والمولى لما في دعوى (الخانية) لا يختص الإمام بإقامة التعزير فإن الزوج يؤدب المرأة والمولى يؤدب العبد وما في (القنية) من عليه التعزير إذا قال لرجل: إقم علي التعزير ففعل ثم رفع إلى القاضي فإنه يحتسب به محمول في حق العبد على أنهما حكماه.

ففي (فتح القدير) الذي يجب حقا للعبد لتوقفه على الدعوى لا يقيمه إلا الحاكم إلا أن يحكما فيه ثم التعزير ليس فيه شيء مقدر وإنما هو مفوض إلى رأي الإمام، لأن المقصود منه الزجر وأحوال الناس فيه مختلفة، ذكره السرخسي والتمرتاشي، وجعله في الشافعي على مراتب: تعزير أشراف الأشراف وهم العلماء والعلوية بالإعلام بأن يقول له القاضي: بلغني أنك تفعل كذا فيزجر به، وتعزير الأشراف وهم الأمراء والدهاقون بالإعلام والجر إلى باب القاضي والخصومة في ذلك،

ص: 166

ومن قذف مملوكا أو كافرا بالزنا أو مسلما بيا فاسق.

ــ

وتعزير الأوساط وهم السوقة بالجر والحبس وتعزير الأخسة بهذا كله وبالضرب انتهى. وهذا يقتضي عدم تفويضه إلى القاضي على معنى أنه ليس له أن يعزر بغير المناسب، والأول يقتضي أن له ذلك وينبغي أن لا يكون ما في (الشافي) على إطلاقه فإن من كان من أشراف الاشراف لو ضرب غيره فأدماه لا يكتفى في تعزيره بقول القاضي ما مر إذ لا ينزجر بذلك، وقد رأيت بعض القضاة من الإخوان من أدبه بالضرب بذلك وأرى أنه صواب.

واعلم أنه ينقسم إلى ما هو حق الله تعالى وحق للعبد، والأول يجب على الإمام ولا يحل له تركه إلا فيما علم أنه انزجر الفاعل قبل ذلك ثم إنه يتفرع لعيه أنه يجوز إثباته بمدع شهد به فيكون مدعيا شاهدا إذا كان مع آخر، وما في (الخانية) وغيرها لو كان المدعى عليه ذا مروءة وكان أول ما فعل يوعظ استحسانا فلا يعزر، فإن عاد وتكرر منه روي عن الإمام أنه يضرب يجب أن يكون في حقوق الله تعالىن فإن كان في حقوق العباد لا يتمكن القاضي فيها من إسقاط التعزير، كذا في (الفتح) ملخصا وفيه ويعزر من شهد شرب الشاربين، والمجتمعون على شبه الشرب وإن لم يشربوا، ومن معه ركوة خمر، والمفطر في نهار / رمضان يعزر ويحبس [310/ب] والمسلم يبيع الخمر أو يأكل الربا يعزر ويحبس، وكذا المغني والمخنث والنائحة يعزرون ويحبسون حتى يحدثوا توبة ثم قال: ويعزر من قبل أجنبية أو علقها أو مسها بشهوة انتهى.

ولم أر ما إذا وجد فيه رائحة الخمر وينبغي أن يعزر وهي حادثة الفتوى، وفي كراهة (الظهيرية) رجل يصلي ويضر الناس بيده ولسانه فلا بأس بإعلام السلطان به ليزجره، قال الشيخ الأخ في رسالة له: في هذا حسنة فقد أستفيد من هذا أن إعلام القاضي بذلك يكفي لتعزيره وهو من باب الإخبار فلا يحتاج إلى لفظ الشهادة ولا إلى مجلس القضاء، ونبه المصنف على ما هو حق العبد بقوله:(ومن قذف) ولو كان القاذف صبيا (مملوكا أو كافرا) حاصله قذف غير محصن (بالزنا أو) قذف (مسلما) أو ذميا كما في (الفتح)، وفي (القنية) قال ليهودي أو مجوسي: يا كافر يأثم إن شق عليه.

قال في (البحر): ومقتضاه أنه يعزر انتهى، وفيه نظر وسيأتي ما يرشد إليه (بيا فاسق) هذا أعني إطلاق القذف على الشتم مجاز شرعي وإن كان حقيقة لغوية إذ هو الرمي لغة ثم إنما يعزر بهذه الألفاظ إذا لم يكن المقول له متصفا بهن فإن كان لا يعزر لأنه صادق في الإخبار وعلى هذا قال في (الخانية): لو قال: لفاسق أو للص يا لص لا

ص: 167

يا كافر.

ــ

يجب شيء، فإن أنكر كونه فاسقا وعلم القاضي بفسقه أو كان معروفا به كمكاس مثلا لم يعذر ولهذا قال في (الفتح): إنما يجب التعزير فيمن لم يعلم اتصافه به، أما من علم فإن الشين قد ألحقه هو بنفسه قبل قول القائل انتهى. وإن لم يعلم لكن أراد القائل إقامة البينة على فسقه.

قال في (القنية): لا تسمع لأن البينة على مجرد الجرح والفسق لا تقبل ولو أراد إثبات فسقه ضمنا لما تصح فيه الخصومة كما في جرح الشهود إذا قال: رشوتهم بكذا فعليهم رده تقبل فكذا هذا، قال في (البحر): وهذا إذا شهدوا على فسقه ولم يبينوه فإن بينوه بما يتضمن إثبات حق الله تعالى أو للعبد قبلت، كإن ادعى القائل أنه رآه قبل أجنبية وأقام شاهدين بذلك قبلت بلا شك، وعلى هذا ينبغي للقاضي أن يسأل القائل عن سبب فسقه فإن بين سببا شرعيا طلب منه إقامة البينة عيه فلو قال: هو ترك الواجب عليه ينبغي أن يصح ثم يسأل القاضي عما يجب عليه تعلمه من الفرائض فإن لم يعرفها ثبت فسقه لما في (المجتبى) من ترك الاشتغال بالفقه لا تقبل شهادته، والمراد ما يجب عليه تعلمه منه هذا إذا لم يخرج ذلك مخرج الدعوى لما في (القنية) ادعى عند القاضي سرقة وعجز عن إثباتها لا يعزر.

وفي (السراجية) ادعى عليه ما يوجب تكفيره وعجز عن الإثبات لا يجب عليه شيء إذا صدر الكلام على وجه الدعوى عند الحاكم أما إذا صدر على وجه السب والانتقاص فإنه يعزر، وفي (الخلاصة) ادعى عليه أنه قال له: يا فاسق ونحوه مما يجب التعزير فأنكر لا يحلفه بالله تعالى ما قلت هذا لكن يحلف بالله تعالى ما له عليك هذا الحق الذي يدعي انتهى.

وإنما يحلف فيما فيه محض حق العبد ولهذا يجوز فيه الإبراء والعفو والشهادة على الشهادة، كذا في (الخانية) وهو ظاهر في أن ما كان منه حق الله تعالى لا يحلف فيه كما إذا ادعى عيه أنه قبل أجنبية مثلا وقدمنا عن (الفتح) أنه ليس للإمام تركه يعني بالعفو لكن يشكل عيه ما في (القنية) عن مشكل (الآثار) التعزير إلى الإمام عند علمائنا الثلاثة والشافعي والعفو إليه أيضا.

قال الطحاوي: وعندي أن العفو للمجني عليه، قال رضي الله تعالى عنه: ولعل ما قال في الواجب حق الله تعالى وما قاله الطحاوي في الواجب للعبد كما إذا جنى على إنسان (يا كافر) فيه إيماء إلى أنه لا يكفر، وكان الفقيه أبو بكر الأعمش يقولك إنه يكفر. قال في (خزانة المفتيين): والأول أرجح، وفي (الذخيرة) المختار للفتوى أنه إذا أراد الشتم ولا يعتقده كفرا لا يكفر وإن اعتقده كفرا فخاطبه بهذا بناء على

ص: 168

يا خبيث يا لص يا فاجر يا منافق يا لوكي يا من يلعب بالصبيان يا آكل الربا يا شارب الخمر يا ديوث يا مخنث يا خائن يا بن القحبة. ....

ــ

اعتقاده أنه كافر يكفر لأنه لما اعتقد كفر المسلم فقد اعتقد دين الإسلام كفرا ورأيت في (التاتارخانية) عن (المضمرات)، قال بعضهم: من قال لآخر: يا كافر لا يجب التعزير ما لم يقل يا كافر بالله لأن الله تعالى / سمى المؤمن كافرا بالطاغوت [311/أ] فيكون محتملا، وفي (الخلاصة) لو أجابه بقوله: لبيك كفر.

قال في (البحر): ولا يخفى أن قوله: يا رافضي أو يا مبتدع بمنزلة يا كافر لأن الرافضي كافر إن سب الشيخين، ومبتدع إن فضل عليا كما سيأتي وأنت خبير بأن التفضيل في يا كافر لا يأتي في المبتدع (يا خبيث) الأولى للإنسان فيما إذا قيل له ما يوجب التعزير أن لا يجبيه قالوا لو قال له: يا خبيث الأحسن أن يكف عنه ولو رفع إلى القاضي ليؤدبه به يجوز، ولو أجاب مع هذا فقال: بل أنت لا بأس به كذا في (الفتح).

وفي (السراج) لو قال: يا بليد عزر لأنه يستعمل بمعنى الخبيث الفاجر (يا لص يا فاجر) لم أر من فرق بين الفسق والفجور والظاهر أن الأول أعم، والثاني أخصن وعن هذا قال في (القنية): شهد أحدهما أنه قال له: يا فاسق والآخر قال له: يا فاجر لا تقبل (يا منافق يا لوطي) فيه إيماء إلى أنه لا يسأل عن نيته، وقيل: يسأل فإن عنى أنه من قوم لوط صلى الله عليه وسلم لا يعزر، وإن عنى أنه يعمل عمل قوم لوط عزر على قول الإمام وحد على قولهما، والصحيح أنه يعزر إن كان في غضب قلت أو هزل ممن تعود بالهزل بالقبح كذا في (الفتح)(يا من يلعب بالصبيان يا آكل الربا يا شارب الخمر يا ديوث) بالمثلثة وهو من لا غيرة له ممن يدخل على امرأته، والقرطبان نعت سوء في الرجل لا غيرة له، عن الليث وعن الأزهري هذا في كلام الحاضرة، ولم أر البوادي نطقوا به ولا عرفوه، كذا في (المغرب) وهو ظاهر في ترادفهما وبه صرح ملا خسرو أو قال: إنه معرب قلتبان وفي اقتصار الشارح على تفسيره إيماء إليه حيث قال: وهو الذي يرى مع امرأته ومحرمه رجلا فيدعه خاليا بها، وقيل: هو المنتسب للجمع بين الاثنين لمعنى غير ممدوح، وقيل: هو الذي يبعث امرأته مع غلام بالغ أو مع مزارعه إلى الضيعة بأن يأذن لهما بالدخول عليها في غيبته انتهى. وعلى كل تقدير فهو المعنى بالمعرس في ديارنا بكسر الراء وبالسين، والعوم يلحنون فيه فيفتحون الراء ويأتون بالصاد قاله العيني (يا مخنث) بفتح النون، أما بكسرها فمرادف للوطء (يا خائن يا ابن القحبة) فيه إيماء إلى أنه إذا شتم أصله عزر بطلب الولد، كيا ابن الفاسق يا ابن الكافر وأنه يعزر بقوله: يا قحبة فإن قلت: ينبغي وجوب الحد كما

ص: 169

يا زنديق يا قرطبان يا مأوى الزواني أو اللصوص يا حرام زاده غزر وبيا كلب يا تيس يا حمار يا خنزير يا بقر يا حية يا حجام يا بغاء يا مؤاجر يا ولد الحرام يا عيار يا ناكس يا منكوس يا سخرة يا ضحكة يا كشحان يا أبله يا موسوس لا. .......

ــ

في (الظهيرية) القحبة الزانية من القحبات وهو السعال وكانت الزانية من العرب إذا مر بها رجل سعلت ليقضي منها حاجته فسميت الزانية قحبة انتهى. وقيل: هي أفحش من الزانية لأنه قد تفعل سرا والقحبة تجاهر بالأجرة وقيل: هي من همتها الزنا قلت: حد القذف إنما يجب إذا قذفه بصريح الزنا أو ما في حكمه بأن يدل عليه اللفظ اقتضاء كما مر في قول: لست لأبيك أو لست بابن فلان في غضب ولفظ قحبة لم يوضع لمعنى الزانية بل استعمل فيه بعد وضعه لمعنى آخر كما مر ولا يدل عليه اقتضاء أيضا، وهو ظاهر قول خسرو (يا زنديق) هو بمعنى المنافق هو تروزند اسم كتاب المجوس، كذا في (المغرب)(يا قرطبان) وقد مر (يا مأوى الزواني أو اللصوص يا حرام زاده)، وهو المتولد من الحرام وهم أعم من الزنا كالوطء في حالة الحيض، وفي العرف لا يراد الأولين الزنا وكثيرا ما يراد به الخبيث اللئيم (عزر) لأنه أذاه وألحق الشين به.

قال في (شرح الطحاوي): والأصل أن كل من ارتكب منكرا وأذى مسلما بغير حق بقول أو فعل وجب عليه التعزير إلا إذا كان الكذب ظاهر (كيا كلب) ويا خنزير على ما سيأتي، و (يا حمار) و (يا خنزير يا بقر يا حية يا حجام يا بغاء) بالباء الموحدة والغين المعجمة المشددة وهو المأبون بالفارسية ويقال: يا بار كأنه انتزع من البغاء، كذا في (المغرب) (يا مؤاجر) قال خسرو: والمؤاجر يستعمل فيمن يؤاجر أهله للزنا لكنه ليس معناه الحقيقي المتعارف، بل معنى المؤجر (يا ولد الحرام يا عيار) بالعين المهملة المفتوحة والياء المثناة المشددة، عن أبي دريد هو كثير المجيء والذهاب [311/ب] وهو معنى ما في (الأجناس) هو المتردد / بلا عمل وقال ابن الأنباري: هو الذي يخلي نفسه وهواها ولا يروعها ولا يزجرها، (يا ناكس يا منكوس) النكس بالكسر الضعيف، والمنكوس المقلوب وكأنه دعا عليه، (يا سخرة، يا ضحكة) يوزن الصفرة من يضحك عليه الناص وبوزن الهمزة من يضحك على الناس، قال ملا خسرو: وثم قال والسخرة أيضا، كذلك (يا كشحان) بالحاء المهملة، (يا أبله، يا موسوس) بكسر الواو وسمي بذلك لأنه يحدث بما في ضميره (لا) أي: لا يعزر في هذه الألفاظ، أما إذا جعله حيوانا صامتا فلأنه ما ألحق الشين به للتيقن بكذبه، واختار الهندواني أنه يعزر لتعارف هذه الألفاظ في الشتم في زماننا، وقيل: إن كان المقول له من الفقهاء والأشراف عزر وإلا لا، قال الشارح تبعا (للهداية): وهذا أحسن ما قيل

ص: 170

وأكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطا.

ــ

وسوى غير واحد بين قولهك يا حجام ويا ابن الحجام في عدم التعزير، وجزم الشارح بالتعزير في الثاني وهو يحكم، وما في (البحر) من الفرق بأن كذبه غير ظاهر لموت أليه بخلاف اأول الأمر فيه مشاهدة مدفوع بأن الحكم بتعزيره غير مقيد بموت أبيه وعلى هذا فينبغي التعزير في يا بغاء بالأولى.

قال في (البحر): لأنه بمعنى يا معفوج وقد صرح في (الظهيرية) بوجوب التعزير فيه لأنه ألحق الشين بهن إلا أن خسرو وجه عدم التعزير بأنه من شتم العوام ولا يقتصرون به معنى معينا وعدم إلحاق الشين به في يا مؤاجر يا عيار بالمعنى المتقدم ظاهرا، وينبغي وجوبه في يا ولد الحرام بل أولى من حرام زاده، وأما يا ناكس يا منكوس يا سخرة يا ضحكة يا أبله ففي (غاية البيان) عن (الولوالجية) لو قال: يا ابله يا ناكس يا منكوس لا يعزر لأنه ما ألحق الشين به، وكذلك لو قال: يا ساخر يا ضاحكة يا مقامر هكذا ذكر في بعض المواضع وفيه نظر، والظاهر أنه يجب انتهى.

وقد علمت أن سخرة بمعنى من يسخر عليه الناس لضحكه وعلى هذا فيجب التعزير، وفي (السراج) لو قال: يا لاهي يا مسخرة ويا مضحكة يا مقامر يا سوقي فالظاهر أنه يجب عليه التعزير، وأما الكمشحان فقال بعضهم أنه يعزر وهو الحق لأنه كما في (المغرب) مرادف للديوث وقد علمت أنه بمعنى المعرس وما قدمنا له من أن الأصل السابق بعين ما قلنا.

تتمة: مما يعزر به الورع البارد وكما إذا وجد تمرة ملقاة على الأرض فعرفها، كذا في (التتارخانية) (وأكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطا) عن الإمام لما رواه البيهقي من قوله صلى الله عليه وسلم:(من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين) ولا شك أن حد الرقيق أربعون فنقص عنه سوطا.

وقال أبو يوسف في ظاهر الرواية عنه: إكثره خمسة وسبعون سوطا اعتبارا بأقل حدود الأحرار وانتقص عنه خمسة مأثور عن علي رضي الله تعالى عنه هذا في الحر، وأما في العبد فأكثر تعزيره خمسة وثلاثون لأن أدنى حده أربعون فنقص منه خمسة كالحر، كذا في (السراج الوهاج)، وروى هشام عنه وهو قول زفر وهو القياس أنه ينقص عنه سوط واحد، وفي (التاتارخانية) وهو الأصح وهو قول محمد مضطرب ففي بعض المواضع ذكره في (الكتاب) مع الإمام وفي رواية مع الثاني وفي (الحاوي القدسي) أكثره في الحر خمسة وسبعون سوطا عند أبي يوسف وبه نأخذ وفي مال

ص: 171

وأقله ثلاثة وصح حبسه بعد الضرب وأشد الضرب التعزير ثم حد الزنا ثم الشرب ثم القذف ومن حد أو عزر فمات فدمه هدر بخلاف الزوج إذا عزر زوجته لتزك الزينة والإجابة إذا دعاها إلى فراشة وترك الصلاة والخروج من البيت.

ــ

(الفتاوى) ارتدت لتفارق زوجها تجبر على الإسلام وتعزر خمسة وسبعين سوطا وليس لها أن تتزوج غير زوجها به أخذ الفقهاء.

وأقول: لا معنى لهذا التردد مع قول المصنف بعد وصح حبسه بعد الضرب (وأقله ثلاثة) لأن ما دونها لا يقع به الزجر هذا رأي القدوري، وذكر مشايخنا أن أدناه ما يراه الإمام حتى لو رأى أنه ينزجر بسوط واحد اكتفى به وعلى قول القدوري [312/أ] يكمل / له ثلاثة (وصح) أي: جاز (حبسه بعد الضرب) لأنه عجز عن الزيادة من حيث القدرة لما روينا وقد لا يحصل الغرض بذلك القدر من الضرب فجاز له أن يضم الحبس إليه، كذا في (الشرح) وهو صريح في دفع التردد السابق ثم الحبس أعم من حبسه في بيته بأن يمنعه من الخروج منه أو السجن (وأشد الرب التعزير) لأنه جرى فيه التحقيق من حيث العدد فلا يحققه من حيث الوصف كيلا يؤدي إلى فوات المقصود ثم معنى شدته.

فقد ذكر في حدود (الأصل) أنه يفرق التعزير على الأعضاء وفي الأشربة أنه يضرب في موضع واحد لأن موضوع ما في الأشربة إذا عزر أدنى التعزير، وما في الحدود إذا بلغ به أقصاه خوفا من إفساد العضو بأن أصاب من الأجنبية كل محرم غير الجماع أو أخذ السارق بعدما جمع المتاع قبل الإخراج (ثم حد الزنا) لأن جنايته أعظم (ثم) حد (الشرب ثم) حد (القذف) لأن جناية الشرب مقطوع لها بالمشاهدة، وجناية القذف غير مقطوع لها لجواز أن يكون صادقا في القذف كما مر.

(ومن حد أو عزر فمات)، بسبب ذلك (فدمه هدر) لأنه فعل ما أمر به وفعل المأمور لا يتقيد بالسلامة كالقصار ونحوه، (بخلاف الزوج إذا عزر زوجته لترك الزينة والإجابة إذا دعاها إلى فراشه وترك الصلاة والخروج من البيت) فماتت ضمن ديتها، والفرق أن في هذه الحالة مباح لا واجب فصح تقييده بشرط السلامة كالمرور في الطريق ونحوه وأورد ما لو جاء مع امرأته فماتت أو أفضاها فإنه لا يضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنه مباح، وأجيب بأنه ضمن المهر بذلك فلو وجبت الدية لوجب ضمانان بمضمون واحد وجعله من ذلك ترك الصلاة وهو ما عليه الكثير، والمذكور في (النهاية) أنه لا يجوز لأن المنفعة إنما تعود في ذلك إليها وليس الجواز مقصورا على الأربعة بل له تعزيرها بما في معناها كما في (البدائع) فمن ذلك ما لو ضربت جارية لغيره ولحقتها ولم تتعظ بوعظه كما في (القنية).

ص: 172

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال في (البحر): وينبغي أن يلحق بذلك ما لو ضربت ولدها الصغير عند بكائه وقالوا: لو قال لها: إن ضربتك لغير جناية فأمرك بيدك فشتمته أو مزقت ثيابه أو أخذت لحيته وقالت: يا حمار يا أبله أو كلمت أجنبيا أو الزوج أو تشاغبت معه ليسمع صوتها أجنبي أو دعت عليه أو أعطت شيئا من ماله بغير إذنه مما لم تجر العادة به فضربها لا يكون الأمر بيدها لأن ذلك كله جناية، وهو ظاهر في أن له تعزيرها في هذه المواضع، إلا أنه على ظاهر الرواية ينبغي عدم التعزير في يا حمار يا أبله، وعلى القول الثاني إن كان المقول له من الأشراف يعزر القائل وإلا لا ينبغي أن يفصل في الزوج إلا أن يفرق بين الزوجة وغيرها والموضع يحتاج إلى تدبير وتأمل.

واعلم أن تعزيرها لترك الزينة مقيد بما إذا كانت قادرة عليها وكانت شرعية، وكذا الإجابة بما إذا كانت طاهرة عن الحيض والنفاس والخرج بما إذا لم يكن مأذونا فيه شرعا وإطلاق الزوجة يعم الصغيرة، وقدما أن للولي ضرب الصغير على الصلاة إذا بلغ سبعا لعله إذا بلغ عشرا وينبغي أن يكون الزوج كذلك وأفاد في (القنية) أن له أن يكره ولده الصغير على تعلم القرآن والأدب والعلم لأن ذلك فرض على الوالدين. وفي (المجتبى الصغير) لا يمنع وجوب التعزير إلا إذا كان حقا لله تعالىن وما عن الترجماني من اعتبار البلوغ فيه أراد به ما كان حقا لله تعالى كما إذا زنا أو سرق توفيقا، ونسأل الله التوفيق إنه بالإجابة جدير وخبير.

ص: 173