المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومن باع دار غيره فأدخلها المشتري في بنائه لم يضمن - النهر الفائق شرح كنز الدقائق - جـ ٣

[سراج الدين ابن نجيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العتق

- ‌باب العبد يعتق بعضه

- ‌باب الحلف بالدخول

- ‌باب العتق على جعل

- ‌باب التدبير

- ‌كتاب الإيمان

- ‌باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

- ‌باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

- ‌باب اليمين في الطلاق والعتاق

- ‌باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها

- ‌باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه

- ‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

- ‌باب حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌كتاب السرقة

- ‌باب قطع الطريق

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الغنائم وقسمتها

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌باب المستأمن

- ‌باب العشر والخراج والجزية

- ‌فصل في الجزية

- ‌باب المرتدين

- ‌باب البغاة

- ‌كتاب اللقيط

- ‌كتاب اللقطة

- ‌كتاب الآبق

- ‌كتاب المفقود

- ‌كتاب الشركة

- ‌فصل في الشركة الفاسدة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب خيار الشرط

- ‌باب خيار الرؤية

- ‌باب خيار العيب

- ‌باب البيع الفاسد

- ‌باب الإقالة

- ‌باب التولية

- ‌باب الربا

- ‌باب الحقوق

- ‌باب السلم

- ‌باب المتفرقات

- ‌كتاب الصرف

- ‌كتاب الكفالة

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره

الفصل: ومن باع دار غيره فأدخلها المشتري في بنائه لم يضمن

ومن باع دار غيره فأدخلها المشتري في بنائه لم يضمن البائع.

‌باب السلم

ــ

بالثمن عندهما لأنه وكيله دون المشتري، وعند أبي يوسف له أن يطالبه فإذا أدى رجع على البائع، ولو أنكر المالك التوكيل وتصادقا عليه، فإن برهن الوكيل فيها وإلا استحلف المالك، فإن نكل لزمه لا إن حلف.

ولو غاب المالك بعد الإنكار/ وطلب البائع الفسخ فسخه القاضي، ولا يؤخره لحلف المالك، فإن جاء وحلف أخذ العبد، وإن نكل عاد البيع، ولو كان الغائب هو المشتري لم يأخذ العبد وللبائع أن يحلف رب العبد أنه لم يأمره بالبيع، وإن نكل لزمه، وإن حلف ضمن البائع ونفد بيعه، ولو مات المالك قبل حضوره فورثه البائع وبرهن على إقرار المالك أنه لم يأمره لم يقبل التناقض، ولو على إقرار مشتريه بذلك بعد موته يقبل بخلاف ما لو كان معه في الإرث آخر فادعى جحود المالك تسمع ولمشتريه أن يحلفه على نفي العلم، فإن نكل ثبت الأمر وإن حلف أخذ نصف العبد ورجع المشتري على البائع بنصف الثمن وخير في النصف الآخر ص.

(ومن باع دار غيره)، أي: عرصته بغير أمره يعني وأقبضها المشتري كما في (البناية)(فأدخلها المشتري في بنائه) ش قيد بها ليعلم ما إذا لم يدخلها بالأولى (لم يضمن البائع) ش قيمة الدار، ومعنى المسألة كما قال فخر الإسلام: أن يعترف الغائب بالغصب ويكذبه المشتري لأن إقرار البائع لا يسري عليه بل لا بد من البرهان، فإذا لم يوجد كان التلف مضافاً إلى عجزه عنه لا إلى عقد البائع وهذا قولهما، وقال محمد: يضمن البائع وهي مسألة غصب العقار عندهما لا يتحقق، وعنده يتحقق وسيأتي في الغصب إن شاء الله تعالى.

باب السلم

شروع فيما يشترط فيه قبض أحد العوضين أو قبضهما وقدم السلم على الصرف لأنه بمنزلة المفرد من المركب، وخص باسم السلم لتحقق إيجاب التسليم شرعاً فيما صدق عليه، أعني تسليم رأس المال وكان على هذا تسمية الصرف به أليق لكن لما كان وجوده في زمنه صلى الله عليه وسلم هو الظاهر العام في الناس سبق الاسم له، وهو لغة: كالسلف وزناً ومعنى وأسلمت إليه: بمعنى أسلفت أيضاً، وفي (المغرب): سلف في كذا وأسلف وأسلم إذا قدم الثمن فيه انتهى، والهمزة فيه للسلب أي أزال سلامة الدرهم بتسليمها إلى مفلس، كذا في (الدراية).

ص: 495

ما أمكن ضبط صفته ومعرفة قدره صح السلم فيه وما لا فلا فيصح في المكيل والموزون المثمن

ــ

قال في (الفتح): وهو بعيد ولا وجه له إلا باعتبار كون المدفوع هالكاً، وصحة هذا الاعتبار تتوقف على غلبة توائه عليه وليس الواقع أن السلم كذلك بل الغالب الاستيفاء، وشرعا كما في (النهاية) وعليه جرى النشر: أخذ عاجل بآجل، ورده في (العناية) و (الفتح) وغيرهما لصدقة على البائع بثمن مؤجل بل هو بيع عاجل بآجل، ولذا انعقد بلفظ البيع في الأصح ولم يحك في (القنية) خلافاً في انعقاد البيع والشراء بلفظ السلم، وجزم في (البحر) بأن الأول تحريف وبعده لا يخفى. لكن في (الحواشي السعدية) قال: يجوز أن يقال: المراد أخذ ثمن عاجل بأجل بقرينة المعنى اللغوي، إذ الأصل هو عدم التعبير إلا أن يثبت بدليل وبه اندفع ما في (البحر) من أنه تحريف، وركنه ركن البيع وسبب شرعيته شدة الحاجة إليه، وحكمه ثبوت الملك في المسلم إليه في الثمن ولرب السلم في المستلم فيه الدين الكائن في الذمة.

أما في العين فلا يثبت إلا بقبضه على انعقاد مبادلة أخرى والمؤجل المطالبة بما في الذمة وقالوا: إن شرعيته على خلاف القياس لأنه بيع المعدوم، ورده ابن الغربانة على وقفه كالبيع بثمن مؤجل، وأي فرق بين كون أحد المعوضين مؤجلاً في الذمة وبين الآخر.

قال في (الفتح): وحاصله مبني على اعتقاد أن القوم قاسوا السلم على بيع المعدوم وليس كلامهم هذا بل هو نفسه بيع المعدوم فهو على خلاف القياس الأصلي فيه، وكونه معدوماً لا يقدر على تحصيله عادةً ليس معتبراً في مفهوم السلم عندهم، بل هو زيادة (ما أمكن) أي: شيء أمكن (ضبط صفته ومعرفة قدره صح السلم فيه) لأنه لا يقضى (وما لا) يمكن فيه ذلك (فلا) يصح السلم فيه لأنه دين وهو لا يعرف إلا بالوصف، فإذا لم يكن ضبطه به يكون مجهولاً جهالة تفضي إلى المنازعة فلا يجوز كسائر الديون، وعبارته في (الوافي) أفود مما هنا وأخصر حيث قال: صح ولو بلفظ البيع فيما تضبط صفته ويعرف قدره كوزن مثمن وكيلي وعددي متقارب ثم بين الفصلين فقال: (فيصح) السلم (في المكيل) كالحنطة والشعير.

وفي (القنية) أسلم زبيباً في كراء حنطة لا يجوز ثم رقم يجوز، فأبو الفضل جعل الزبيب كيلياً، وهما جعلاه وزنياً، وفي (البزازية) لو أسلم في التبن كيلاً أو وزناً جاز لأنه ليس بمكيل ولا موزون، ولا خير في السلم في الأواني المتخذة من الزجاج وفي المكسورة يجوز وزناً (والموزون) كالعسل والزيت غير (المثمن) قيد بذلك

ص: 496

والعددي والمتقارب كالجوز والبيض

ــ

احتراز عن إذا كان المسلم فيه ثمناً، فإنه إذا كان رأس المال كذلك كان العقد باطلاً اتفاقاً، وإن كان غيره كثوب في عشر دراهم لم يصح سلماً اتفاقاً. وهل ينعقد بيعاً في الثوب بثمن مؤجل؟ قال أبو بكر الأعمش: ينعقد، وعيسى بن أبان: لا وهو الأصح، لأن تصحيح العقد إنما يكون في المحل الذي أوجب المتعاقدان البيع فيه لا في غيره وهما لا يوجباه إلا في الدراهم ولا يمكن تصحيح العقد باعتبارها بل باعتبار الثوب، ولم يوجباه فيه فكان في غير محله.

قال في (الفتح): ألا أن الأول عندي أدخل في الفقه لأن حاصل المعنى الصادر/ بينهما إعطاء صاحب الثوب ثوبه إلى الآخر بدراهم مؤجلة وهذا من أفراد البيع بلا تأويل وفيه تصحيح تصرفهما انتهى. إلا أنه لا يتم إلا بالتزام أن أبا بكر قال بانعقاد البيع بلفظ السلم، وألا يجوز أن يكون قائلاً يقابل الأصح من أنه لا يجوز وحينئذ فلا يتم المطلوب وفيه نظر إذ صاحب الثوب وإن أعطاه له بدراهم مؤجلة لكن على أنها مبيعة لا على أنها ثمن ليلزم أن يكون من أفراد المبيع، وذكر باقي شروط السلم قرينة على إرادة هذا المعنى فتأمل والتبر كالثمن في قياس رواية كتاب الصرف لأنه ألحقه بالمضروب وعلى قياس رواية كتاب الشركة يجوز لأنه ألحقه بالعروض، كذا في (النهاية).

ولو اسلم في المكيل وزناً روى الطحاوي عن أصحابنا أنه يجوز، وروى الحسن أنه لا يجوز وعلى هذا الخلاف، لو أسلم في الموزون كيلاً وفي (الخلاصة) والفتوى على ما رواه الطحاوي، وفتوى الإمام خالي على رواية الحسن، كذا يصح السلم أيضاً في (العددي والمتقارب) عدداً وهو الذي لا يتفاوت يفضي إلى المنازعة (كالجوز والبيض)، وفي (الدراية): ما ضمن مستهلكه بالمثل متقارب وبالقيمة متفاوت، وأجازه في الباذنجان والكاغد عدداً.

قال في (الفتح): وفيه نظر ظاهر ويحمل على كاغد بقالب خاص وإلا لا يجوز، وكون الباذنجان مهدراً لتفاوت لعله في باذنجان ديارهم، وفي ديارنا ليس كذلك وظاهر الرواية أن بيض النعام من المتقارب، وروى الحسن عن الإمام أنه لا يجوز ادعاء لتفاوت آحاده والوجه أن ينظر إلى الغرض في عرف الناس، فإن كان الغرض منه الأكل ليس غير كعرف أهل البوادي يجب أن يعمل بظاهر الرواية، وإن كان الغرض حصول القشر ليتخذ في سلاسل القناديل كما في ديار مصر وغيرها من الأمصار يجب أن يعمل بهذه الرواية انتهى ملخصاً.

ويشترط مع العدد بيان الصفة أيضاً قيد بالتقارب لأن المتفاوت كالبطيخ والقرع والرمان والروس والأكارع والسفرجل لا يجوز السلم في شيء منها عدداً إلا إذا

ص: 497

والفلس واللبن والآجر إن سمي ملبن معلوم والذرعي كالثوب إن بين الذراع والصفة

ــ

ذكر ضابطاً غير مجرد العدد كطول وغلظ ونحو ذلك، وكلما أجاز السلم فيه عدداً جاز كيلاً أيضاً عندنا فورياً أولى وما وقع من التخلل في الكيل بين كل نحو بيضتين مفتقراً رضا رب السلم بذلك حيث أوقع العقد على مقدار ما يملأ هذا الكيل (والفلس) لأنه عددي يمكن ضبطه قيل: هذا على قولهما وعند محمد لا يجوز بدليل منعه بيع الفلس بالفلسين لأنها أثمان، إلا أن ظاهر الرواية عنه كقولهما وهو الأصح، ولذا لم يحك في (الجامع الصغير) خلافاً، والفرق له بين البيع والسلم أن من ضرورة السلم كون المسلم فيه مثمناً فإذا قدما على السلم فقط تضمن إبطالهما اصطلاحهما على الثمنية بقيت على الوجه الذي تعورف التعامل به فيها وهو العد، إلا أن يهدره أهل العرف كما في زماننا ولا تقبل إلا وزناً فلا يجوز السلم فيها إلا وزناً، وقد كانت قبل هذه الأعصار عددية أيضاً، كذا في (فتح القدير)، ولقائل أن يقول لم لا يجوز السلم عداً بل وكيلاً كما مر، وكونها لا يتعامل بها إلا وزناً لا يمنع من السلم فيها كيلاً أو عداً فتدبره.

(واللبن) بكسر الموحدة وقت تخفف فتصير كحمل، كما في (المصباح) وهو الطين الني. (والآجر) بضم الجيم وتشديد الراء مع المد وهو أشهر من التخفيف (إن سمي ملبن معلوم) لأن آحادها لا تتفاوت بعد ذكر الأبلة، كذا قالوا وهذا تصريح أنه اسم آلة ويحتمل أن يكون اسماً لما يضرب منه اللبن، كذا في (البناية) وفي (الجوهرة) إنما يصير اللبن معلوماً إذا ذكر طوله وعرضه وسمكه انتهى.

وشرط في (الخلاصة) ذكر المكان الذي يعمل فيه اللبن وفي (الذخيرة) لو باع آجرة من ملبن لم يجز من غير إشارة، لأن اللبن من المعدود المتقارب في اعتبار قدره ومن المتفاوت باعتبار نضجه فاعتبر الأول في السلم للحاجة، والثاني في البيع (و) يصح السلم أيضاً في (الذرعي) أي: فيما يذرع (كالثوب) والبساط والحصير إلحاقاً لها بالمكيل والموزون بجامع الحاجة، وهي لا تختلف، وأراد به غير المخيط، أما المخيط فلا يجوز السلم فيها كالفراء والقلانس والخفاف، كذا في (الفتح).

(إن بين) جنس (الذارع) من أي جنس الذرعان قاله العيني، وفي (الهداية) المذروعات يمكن ضبطها بذكر الذرع قال في (الفتح): أي قدره انتهى. وهذا أولى مما قاله المص لأن بيان الطول والعرض لا بد منه، وأما جنس الذراع فلا يلزم بيانه حتى لو شرط كذا ذراعاً، ولم يبين جنسه كان له ذراع وسط، واختلف المشايخ في ذلك فقيل: المراد به الاسم وقيل: المصدر يعني لا يمد ولا يرخى كل الإرخاء قال شيخ الإسلام: والصحيح أن يكون له الوسط منهما، كذا في (التتارخانية). (والصفة)

ص: 498

والصنعة لا في الحيوان وأطرافه والجلود عدداً والحطب حزماً والرطب جرزاً والجوهر

ــ

بأنه كتان أو قطن أو مركب منهما أو حرير (والصنعة) بأنه عمل الشام أو مصر أو زيد وإن كان ثوب حرير يباع بالوزن لا بد من/ بيان وزنه مع ذلك جرم بالشيء وغيره وهو الصحيح، كما في (الظهيرية) ولو ذكر الوزن دون الزرع لا يجوز، وقيده خواهر زاده بما إذا لم يبين لكل ذراع ثمناً فإن بينه جاز كذا في (التتارخانية).

(لا) يصح السلم (في الحيوان) دابة كان أو رفيقاً لما أخرجه الحاكم والدارقطني حديث بن عباس (نهى صلى الله عليه وسلم عن السلف في الحيوان) وقال صحيح الإسناد ولأنها تتفاوت تفاوتاً فاحشاً في المعاني الباطلة ولا سيما في بني آدم من العقل والأخلاق والمروءة ويدخل فيه جميع أجناسه حتى الحمام والقمري والعصافير هو المنصوص عن محمد رحمه الله تعالى، إلا أنه يخص من عمومه السمك فإن السلم فيه جائز كما سيأتي (و) لا في (أطرافه) كالرأس والأكارع المتفاوت الفاحش قيل: هذا قول الإمام وعندهما يجوز، وقيل: لا يجوز اتفاقاً، وفي (الفتح) وعندي أنه لا بأس بالسلم في الرؤوس والأكارع وزناً بعد ذكر النوع وباقي الشروط فإن الأكارع والرؤوس من جنس واحد وحينئذٍ لا تتفاوت تفاوتاً فاحشاً انتهى.

وفي (السراج) لو أسلم فيه وزناً اختلفوا فيه (و) لا في (الجلود عدداً) للتفاوت الفاحش إلا إذا بين ضرباً معلوماً من طول وعرض وصفة معلومة من الجودة والرداءة بعد ذكر النوع كجلود البقر والغنم، كذا في الأديم كطائفي وبرغالي فيصح قال الشر: وكذا الورق ولو كانا بياعين وزناً جاز السلم فيهما وزناً (و) لا في (الحطب حزماً) بضم الحاء وفتح الزاي جمع حزمة، وليس المراد عدم جوازه أصلاً بل المراد لا يجوز بها العد لكونه مجهولاً إلا إذا بين ما تشد به الحزمة شبراً أو ذراعاً فيجوز، ولو قدر بالوزن جاز أيضاً، في ديارنا تعارفوا في نوع من الحطب الوزن فيجوز الإسلام فيه وزناً وهو أضبط وأطيب، كذا في (فتح القدير).

(و) لا في (الرطبة)، وهي البرسيم رطباً كان أو يابساً قاله العيني، وفي (الصحاح) الرطبة: القصب خاصة ما دام رطباً والجمع رطبان (جزراً) بضم الجيم وفتح الراء المهملة جمع جزرة الحزمة من الرطبة حال منتظرة كحزماً لما قلنا حتى لو بين الصفة والوزن جاز أيضاً، وفي (الذخيرة) وأما الرياحين الرطبة والبقول والقصب والخشب والحشيش فهذه لم تكن مثلية فلا يجوز فيها السلم، ولا بأس به في الجزوع إذا بين ضرباً معلوماً والطول والعرض والغلظ، وكذا الساج وصنوف العيدان وفي

ص: 499

والخرز والمنقطع والسمك الطري وصح وزناً لو مالحاً واللحم

ــ

(الشامل) ويجوز في .... لأنه يباع وزناً (و) لا في (الجوهر) كالياقوت والبلخش والفيروزج (والخرز) بالتحريك الذي ينظم، وخرزات الملك جواهر تاجه وكان إذا ملك عاماً زيدت في تاجه خرزة ليعلم عدد سنين ملكه، قال الجوهري: وذلك كالعقيق والبلور لتفاوت آحادها تفاوتاً فاحشاً وكذلك لا يجوز في اللآلئ الكبار ويجوز في الصغار وزناً لعدم ذلك.

(و) لا يجوز أيضاً في (المنقطع) حين العقد أو المحل بكسر الحاء مصدر ميمي من الحلول، والفتح مكان التسليم وحكى ثعلب فيه الكسر أيضاً أو ما بينهما، فإن وجد في الأوقات الثلاثة صح، ولو انقطع قبل الحل بعد التسليم لا يبطل إلا أن يخيره رب السلم بين الفسخ وانتظار وجوده ثم الانقطاع الذي يفسد العقد إلا في السوق الذي يوجد فيه، وإن كان يوجد في البيوت، ولو انقطع في إقليم دون آخر لا يصح في الإقليم الذي لا يوجد فيه، كذا في (الفتح).

(و) غيره لا يجوز أيضاً في (السمك الطري) يعني في بلد ينقطع فيها في الشتاء وكان السلم فيه حتى لو كان في بلد لا ينقطع فيها، أو أسلم في الصيف وكان منتهى الأجل لا يبلغ الشتاء جاز وزناً لا عدداً وهذا معنى قول محمد: لا خير في السمك الطري إلا في جنبه، وطعن بعضهم عليه بأن الاصطياد يتحقق في كل حين مدفوع فإن الانقطاع عدم الوجود في بعض البلاد وفي بعض السنة وهو لا يستلزم عدم الاصطياد لبرد ما ذكر. وفي (الفتح): لو أسلم في طري حي قلنا: إن تمنع جوازه (و) صح السلم (وزناً لو) كان السمك (مالحاً) لعدم انقطاعه، وفي (الإيضاح) الصحيح جوازه في الصغار كيلاً أيضاً، وفي الكبار روايتان وفي (المغرب) يقال: سمك مليح ومملوح ولا يقال: مالح إلا في لغة رديئة قال بعضهم لكن قال الشاعر:

بصرية تزوجت بصرياً .... أطعمها المالح والطريا

وكفا بذلك حجة للفقهاء، وهذا الاستدراك غير مفيد إذ ما أنشده لا ينافي ما في (المغرب) على ابن دريد قال: لا التفات إلى قول الراجز لأنه مولد لا يؤخذ بلغته.

(و) لا يصح أيضاً في (اللحم) عند الإمام ولو منزوع العظم في أصح الروايتين لاختلافه باختلاف كبر العظم وصغره فيؤدي إلى المنازعة وجوازه فيه إذا وصف منه موضعاً معلوماً بصفة معلومة بعد أن بين جنسه وسنه وقدره جاز، وفي (العيون) على قولهما وقيل: لا خلاف بينهم فمنع الإمام فيما إذا أطلقا السلم وتجويزهما فيما إذا بينا ما ذكرنا، والأصح أن الخلاف ثابت حتى لا يجوز عنده ولو بينا ما هو ولا خلاف

ص: 500

ومكيال أو ذراع لم يدر قدره وبر قرية وتمر نخلة بعينه

ــ

بينهم في جوازه في الألية والشحم. وأما لحم/ الطير فيجوز عند الكل لأن ما فيه في العظم يعتبره الناس وهو الصحيح، فإذا أسلم في مائة رطل من لحم الدجاج مثلاً وجب أن يعين الموضع بعد كونه بعظم، فإن من الناس من لا يحب الصدر منها فيقول: أوراكاً أو غير الصدر أو ينص على صدرها وأوراكها، فإن أطلق وقال من لحم الدجاج السمين وجب أن لا يجوز للمنازعة باختلاف أغراض الناس كذا في (الفتح) وفي (الظهيرية) وإقراض اللحم عندهما يجوز كالسلم، وعن الإمام روايتان وهو مضمون بالقيمة في ضمان العدوان إذا كان مطبوخاً بالإجماع، وإن كان نياً فكذلك هو الصحيح.

(و) لا يصح أيضاً (بمكيال) معين (أو ذراع) كذلك وقوله: (لم يدر قدره) قيد فيهما لأنه يحتمل هلاك ما قدر به فيتعذر الإيفاء، وأفاد أنه لو عرف قدره جاز لضبط المقدار، ولا بد أن يكون المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالقصاع مثلاً، فإن كان مما ينكبس بالكبس كالزنبيل والجراب لا يجوز للمنازعة إلا في قرب الماء للتعامل فيه، كذا عن أبي يوسف، كما في (الهداية) قال الشر، وهذا لا يستقيم في السلم لأنه إذا كان لا يعرف قدره فالتقدير به لبيان القدر لا لتعيينه فكيف يتأتى فيه الفرق بين المنكبس وغيره؟ والتجويز في قرب الماء وإنما يستقيم هذا في البيع إذا كان يجب تسليمه في الحال حيث يجوز بإناء لا يصرف قدره ويشترط في ذلك الإناء أن لا ينكبس ولا ينبسط ويفيد فيه استثناء قرب الماء انتهى. وعلى ما في (الهداية) جرى الحدادي، ولم يتعقبه في (فتح القدير) بل أقره وهذا لأنه إذا أسلم في مقدار هذا الوعاء برأ وقد عرف أنه ونبه مثلاً جاز، غير أنه إذا كان ينقبض وينبسط لا يجوز، لأنه يؤدي إلى النزاع وقت التسليم في الكبس وعدمه وقول الشر إنه لا يتعين مع بقاء عينه ممنوع نعم هلاكه بعد العلم بمقداره لا يفسد العقد، ولم أر من أوضح هذا فتدبره والله الموفق.

(و) لا يجوز أيضاَ في (بر قرية) بعينها كالمحلة والمنصورة مثلاً بمصر، (أو تمر نخلة بعينه) لأنه قد يعتريها آفة فتنتفي قدرة التسليم وإلى ذلك الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام (أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه) وتعيين البستان كتعين النخلة قيد بالقرية لأنه لو عين حنطة إقليم كالصعيدية

ص: 501

وشرطه بيان الجنس والنوع والصفة والقدر والأجل وأقله شهر

ــ

والعراقية والشامية صح، إذ لا يتوهم انقطاع الحنطة ثمة، ولو كانت النسبة إلى القرية لبيان النوع بأن كان له نظير فلا بأس به. وفي (شرح الطحاوي) لو أسلم في حنطة جديدة أو ذرة جديدة لم يجز لأنه لا يدري أن يكون في تلك السنة شيء أو لا، والتعليل بما في (شرح الطحاوي) أولاً إذا ما اقتضى هذا أنه لو عين جديد إقليم كجديدة في الصعيد مثلاً أن يصح إذ لا يتوهم عدم طلوع شيء فيه أصلاً، ومقتضى ما في (شرح الطحاوي) الفساد مطلقاً وعلى هذا فما يكتب في وثيقة السلم من قوله جديد عامه مفسد له، ولكن ينبغي حمله على ما إذا كان قبل وجود الجديد.

أما بعده فيصح على ما يشير إليه التعليل نبه عليه في (البحر)، (وشرطه) أي: شرط جوازه (بيان جنسه) نبه بذلك على أن الكلام في الشروط التي يحتاج إلى بيانها في العقد فلا يرد أنه له شروطاً أخرى سكت عنها المص لأن تلك لا يشترط ذكرها بل وجودها وبيان الجنس كحنطة أو شعير من مثله بصعيدية أو بحرية فقد وهم بل ذلك ما أشار إليه بقوله: (والنوع) ومنه أيضاً سقيه أي مستقيه وهي ما تسقى سيحاً، وكذا نجسية وهي ما تسقى بالمطر النجس لأنها منجوسة الخط من الماء بالنسبة إلى السيح غالباً.

وفي (الخلاصة) وبيان النوع فيما لا نوع له لا يشترط انتهى، (والصفة) كجيد وسط مشعر سالم من الشعير (والقدر) كعشرة أرداب أو أرطال أو عدداً وهذه الأربعة تشترط في كل من رأس المال والمسلم فيه فهي ثمانية بالتفصيل، فكل ما يجوز كونه مسلماً فيه يجوز كونه رأس السلم، ولا ينعكس لأن النقود تكون رأس مال فقط (والأجل) والأصل في هذه الخمسة قوله صلى الله عليه وسلم:(من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وباقي الخمسة يثبت بالدلالة لطهور إرادة الضبط المنافي للمنازعة، ولما أختلف في مقداره، فروى الطحاوي عن أصحابنا اعتباره بشرط الخيار وقيل: أكثر من نصف يوم فيه على ما هو المذهب فيه بقوله: (وأقله شهر)، روى عن محمد وبه يفتى لأن ما دونه مؤجل والشهر وما فوقه أجل، وذكر الشهيد في طريقته المطولة الصحيح ما رواه الكرخي أنه مقدار ما يمكن تحصيل المسلم فيه.

قال في (الفتح): وهو جدير بأن لا يصح لأنه ضابط تحقيق فيه، وكذا ما عن الكرخي من رواية أخرى أنه ينظر إلى مقدار المسلم فيه وإلى عرف الناس في تأجيل

ص: 502

وقدر رأس المال في المكيل والموزون والمعدود ومكان الإيفاء فيما له حمل ومؤنة من الأشياء

ــ

مثله كل هذا تفتح فيه المنازعة بخلاف المقدار المعين في الزمان، وما في (البحر) من أنه جدير أن يصحح/ ويعول عليه فقط لأن من الأشياء ما لا يمكن تحصيله في شهر فيؤدي التقديرية إلى عدم حصول المقصود منه الأجل، وهو القدرة على تحصيله مدفوع بأن الشهر أدناه لا أنه أقصاه ليتم ما ادعاه.

(و) بيان (قدر رأس المال) إذا تعلق العقد بمقداره، كما (في المكيل والموزون والمعدود) المتقارب ولم يقيده به حالة ما مر هذا قول الإمام، وقالا: لا يحتاج إلى ذلك حيث كان معيناً لأنه صار معلوماً بالإشارة، وله ما روي عن ابن عمر أنه قال به وقول الفقيه من الصحابة مقدم على القياس ولأنه ربما ظهر فيه زيوفاً فيختار الاستبدال به ورده وربما كان أكثر في النصف، فإذا استبدل ورده في المجلس فسد السلم عنده لأنه لا يرى الاستبدال في أكثر من النصف خلافاً لهما، وقد لا يتفق الرد في مجلس العقد فينفسخ العقد في مقدار المردود، فإذا لم يكن القدر معلوماً لم يدر في كم انتقض وفي كم بقي فيه فيصير المسلم فيه مجهول المقدار.

ومن فروع المسألة أسلمه مائة درهم في كر حنطة وكر شعير ولم يبين حصة واحد منهما من رأس المال لأنه ينقسم عليهما باعتبار القيمة، وهي إنما تعرف بالحذر فلا يصح بخلاف المزروع لأن الزرع وصف فلا يتعلق العقد بمقداره (ومكان الإيفاء) أي: إيفاء المسلم فيه (فيما له حمل من الأشياء) بفتح الحاء، أي: نقل ما يحتاج في حمله إلى ظهر وأجرة حمال وهذا عند الإمام، وقالا: لا يحتاج إلى بيانه ويسلمه في موضع العقد لأنه مكان الالتزام فتعين الإيفاء ما التزمه كموضع القرض والاستهلاك، وله أن التسليم غير واجب في الحال فلا يتعين مكان العقد بخلاف القرض والاستهلاك، وله أن التسليم وإذا لم يتعين بقي مجهولاً جهالة مفضية إلى المنازعة لاختلاف القيم باختلاف الأماكن، فلا بد من البيان دفعاً للمنازعة فصار كجهالة الصفة وعن هذا قال بعضهم: إن الاختلاف في المكان يوجب التحالف عنده.

وقيل: لا يوجبه والقول للمسلم إليه لأنه ليس من مقتضيات العقد كالأجل، وعندهما يوجبه لأنه في مقضياته، وعلى هذا الخلاف الاختلاف في الثمن والأجرة والقسمة بأن اشترى أو استأجر داراً بمكيل أو موزون موصوف في الذمة أو اقتسماها لو أخذ أحدهما أكثر من نصيبه والتزم بمقابلة الزائد بمكيل أو موزون كذلك إلى أجل فعنده يشترط بيان مكان الإيفاء وهو الصحيح، وعندهما لا يشترط ثم إذا عين

ص: 503

وما لا حمل له يوفيه حيث شاء وقبض رأس المال قبل الافتراق

ــ

مصراً جاز هذا إذا لم يبلغ نواحيه فرسخاً، فإن بلغته فلا بد من بيان ناحية منه، ولو شرط أن يوفيه إلى منزله جاز استحساناً.

ولو شرط الحمل إلى منزله قيل: يجوز وقيل: لا يجوز ولو مكاناً وشرط أن يحمله إلى منزله لا يجوز وفي (البزازية) شرط الإيفاء خاصة أو الحمل خاصة الإيفاء بعد الحمل جائز لا اشتراط الإيفاء بعد الإيفاء على قول عامة المشايخ كشرط أن يوفيه في محله كذا ثم يوفيه في منزله، ولو شرط الإيفاء أو الحمل لم يجز، وفي بعض الفرائد شرط الحمل بعد الحمل لا يصح لأن الحمل لا يوجب الملك لرب السلم فكما شرط الحمل ثانياً صار كشرطه مرة وكذلك الإيفاء بعد الحمل والإيفاء بعد الإيفاء، ولما شرط ذلك صار الإيفاء الأول منفسخاً.

وفي (الصحيح) اشترى طعاماً من جنسه واشترط أحدهما التوفية إلى منزله لم يجز بالإجماع كيف ما كان، ولو شرط أن يوفيه إلى مكان كذا فسلمه في غيره ودفع الكراء إلى الموضع المشروط صار قابضاً، ولا يجوز له أخذ الكراء، وإن شاء رده إليه ليسلمه إليه في المكان المشروط لأنه حقه، وفي (القنية) لقي رب السلم المسلم إليه بعد حلول الأجل في غير البلد الذي شرط الإيفاء فيه فله مطالبته بالمسلم فيه إن كانت قيمته في ذلك المكان بمثل قيمته في المكان المشروط أو دونه لأن شرط المكان في حق رب السلم دفعاً لمونة الحمل قال رضي الله تعالى عنه.

وأفتى بعض مفتي زماننا بأنه لا يتمكن من مطالبته لأن تعيين المكان حق المسلم إليه دفعاً لمونة الحمل وهذا الجواب أحب إلي، إلا في موضع الضرورة وهو أن يقيم المسلم إليه في بلد آخر فيعجز رب السلم عن استيفاء حقه ثم قال: هدانا الله تعالى إلى الرواية المنصوصة (وما لا حمل له) قد مر ما له بيان ما له حمل ومونة ومنه يعلم ما لم يكن له حمل ولا مونة وقيل: ما يمكن رفعه بيد واحدة كالمسك والزعفران يعني القليل منه وإلا فقد يسلم في أمنان من الزعفران كثيرة تبلغ أحمالاً لا (يوفيه حيث شاء)، نبه بذلك على أنه لا يشترط فيه بيان مكان الإيفاء وهذا الإجماع وعلى أن مكان العقد لا يتعين وقيل: يتعين والأول أصح، كذا في (الهداية) وصح في (المحيط) الثاني.

قال في (الفتح): ومعناه إذا كان مما يتأتى التسليم فيه وما لا يتأتى فيه ذلك بأن أسلمه درهماً في مركب من البحر أو جبل فإنه يجب في أقرب الأماكن التي يجب فيها منه، ولو عين مكاناً قيل: لا يتعين لأنه لا يفيد وقيل: يتعين لأنه يفيد سقوط خطر/ الطريق وهو الأصح (وقبض رأس المال قبل الافتراق) هذا ظاهر في أنه

ص: 504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شرط للانعقاد لكنه قول البعض والأصح أنه شرط البقاء على الصحة وإطلاقه يعم ما لو كان عيناً أيضاً لأنه إذا كان نقداً يلزم من عدم قبضه قبل الافتراق عن دين بدين وهو منهي عنه.

وأما إذا كان عيناً فاشتراط القبض جواب الاستحسان إعمالاً لمقتضى الاسم الشرعي، وفي (الواقعات) باع عبداً بثوب موصوف إلى أجل جاز لوجود شرط السلم، فلو افترقا قبل قبض العبد لا يبطل العقد لأنه يعتبر مسلماً في حق الثوب بيعاً في حق العبد، ويجوز أ، يعتبر في عقد واحد حكم عقدين كالهبة بشرط العوض، وكما في قول المولى: إن أديت إلي ألفاً فأنت حر وأراد بالافتراق الافتراق بالأبدان حتى لو مكثا إلى الليل أو سارا فرسخاً أو قام أحدهما أو قاما لم يكن فرقة، ولو دخل الدار لإخراج الدراهم إن توارى عن المسلم إليه بطل وإلا لا، وصحت الكفالة والحوالة والارتهان برأس المال، كما في (البزازية) فإن قبض المسلم إليه رأس المال من المحال عليه أو الكفيل قبل افتراق العاقدين صح وإلا لا، وبطلت الحوالة والكفالة وأما الرهن فإن لم يهلك فكذلك قبل الافتراق وكانت قيمته مثل رأس المال أو أكثر تم العقد وإن كانت أقل تم بقدره وبطل في الباقي، وكذا الحكم في بدل الصرف، كذا في (البدائع).

وفي (الخلاصة) لو أبى المسلم إليه قبض رأس المال أجبر عليه ودل كلامه أنه لا يثبت فيه خيار شرط، فإن وجد فيه أبطله، فإن أسقطه قبل الافتراق ورأس المال قائم في يد المسلم إليه صح وإن هالكاً لا يتقلب صحيحاً، كذا في (البزازية).

قالوا: ولا يثبت في المسلم فيه خيار العيب ويثبتان في رأس المال إذا كان عيناً تتميم: بقي من الشرائط أن يكون رأس المال منقوداً عنده كذا ذكر بسبب اشتراطه لأجله إعلام قدره، كذا في (الفتح)، وفي (الغاية) إن اشتراطه للاحتراز عن الفساد لأنه إذا رد بعضه بعيب الزيافة ولم ينفق الاستبدال في مجلس الرد انفسخ العقد بقدر المردود. قال في (البحر): يشكل على هذا قولهم في تعليل الإمام أن الإشارة إلى رأس المال لا تكفي لاحتمال أن يجد البعض زيوفاً فيحتاج إلى الرد ولا يتيسر الاستبدال إلا بعد المجلس فإن هذا يقتضي عدم اشتراط الانتقاد أولاً انتهى. وأنت قد علمت أن اشتراطه لدفع توهم الفساد وهذا القدر ثابت مع بيان المقدار أيضاً، والموهوم هنا كالمتحقق وأن لا يشتمل البدلين إحدى علتي الربا لأن انفراد أحدهما يحرم النساء والقدرة على تحصيل المسلم فيه فلا يصح المسلم في المنقطع كما مر.

والحاصل أن الشرائط سبعة عشر قيل ستة منها في رأس المال وفيه نظر إذ قد علمت أن بيان الجنس والنوع والصفة والقدر مما يشتركان فيه، أما قبض رأس المال

ص: 505

فإن أسلم مائتي درهم في كر بر مائة ديناً عليه ومائة نقداً فالسلم في الدين باطل

ــ

وكون الدراهم منقدة فخاصان برأس المال، وأما بيان الأجل وقدره ومكان الإيفاء فيما لو حمل وإلا ينقطع وأن يكون مضبوطاً بالوصف أن يكون العقد باتاً وأن لا يشمل البدلين إحدى علتي الربا فمن شرائط المسلم فيه خاصة، كما في (الغاية) وإذا عرف هذا فقول صاحب (الهداية) وغير وجملة الشروط جعلوها في قولهم:

إعلام رأس المال وتعجيله .... وإعلام المسلم فيه وتأجيله

وبيان مكان الإيفاء والقدرة على تحصيله غير واف بحملتها إذ الإعلام في رأس المال والمسلم فيه وإن كان يعلم الجنس والنوع والصفة والقدر بالقدرة على تحصيله بأن لا يكون منقطعاً فهو اثنا عشر لكن بقي كما قد علمت كون رأس المال مما يتعين بالتعيين فلا يجوز بالنقود وأن لا يكون حيواناً وانعقاد رأس المال إذا كان نقداً عند الإمام وأن لا يشمل البدلين إحدى علتي الربا وعدم الخيار (فإن أسلم مائتي درهم في كر بر) تفريع على اشتراط قبض رأس المال، والكر بضم الكاف وتشديد الراء ستون قفيزاً وقيل: أربعون والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف (مائة) نصب على الحال.

وقوله: (ديناً عليه) صفة كمائة (ومائة نقداً) أي: منقودة صفة لمائة الثانية قال العيني: ويجوز أن يكون بدلاً من مائتي، وفي عامة النسخ دين أي منها مائة دين ومنها مائة منقودة (فالسلم في الدين)، أي في حصة الدين (باطل) لافتراقهما عن دين بدين وليس المعنى أنه انعقد باطلاً في حصة الدين بل صحيح والمفسد طارئ عليه بافتراقهما فلم يسر الفساد إلى حصة المائة الثانية ولذا قلنا: لو نقد الكل قيل الافتراق صح والتقييد بإضافة العقد إليهما ليس احترازياً لأنه لو أضافه إلى مائتين مطلقاً ثم جعل المائة قصاصاً بما في ذمته من الدين فالحكم كذلك في الأصح قيد بكونها ديناً عليه له لا لو قال: والمائة التي لي على فلان فسد العقد في الكل وإن نقد الكل لاشتراط تسليم بعض الثمن على غير العاقد، ويكون الدين من جنس النقد لأنه لو أنقده عشرة/ دنانير والمائة التي له عليه فسد في الكل أيضاً لجهالة ما يخص حصة النقد عند الإمام خلافاً لهما بناء على مسألة إعلام رأس المال.

ومعنى قوله: مائة دينار أن يجعلها من رأس مال السلم حتى لو لم يجعلها من رأس مال السلم ففيه تفصيل نبه عليه في (البدائع) حيث قال: لو وجب على المسلم إليه دين مثل رأس المال، فإما أن يجب بالعقد أو بالقبض فإن كان الأول بأن كان له عليه عشرة ثمن ثوب لم يقبضها حتى أسلم إليه عشرة في كر فإن تراضيا بالقاصة صارت قصاصاً إلا أن أبى أحدهما، وإن كان الثاني كالغصب والقرض صار قصاصاً

ص: 506

ولا يصح التصرف في رأس المال والمسلم فيه قبل القبض بشركة أو تولية فإن تقايلا السلم لم يشتر من المسلم إليه برأس المال شيئاً

ــ

جعلاه أولاً بعد أن كان وجوب الدين متأخراً عن العقد، ولو تفاضل الدينان وإلى أحدهما القصاص فالعبرة لصاحب الأكثر والمقاصة بدل الصرف على هذا انتهى. وأما المقاصة بالمسلم فيه بدين على رب السلم فإن وجب بقبض مضمون كالغصب والقرض صار قصاصاً إن كان قبل العقد، وإن بعده فجعله قصاصاً جاز، ولو جب بالعقد لم يصر قصاصاً إن كان قبل العقد وإن بعده فجعله قصاصاً جاز، ولو جب بالعقد لم يصر قصاصاً تقدم أو تأخر ولو كان عند رب السلم وديعة فجعله المسلم إليه قصاصاً لم يكن قصاصاً إلا أن يكون بحضرتهما أو يخلي بينهما إذا كان مثل المسلم فيه، فإن كان أجود أو أردئ فلا بد من رضاهما، كذا في (الإيضاح).

(ولا يصح التصرف في رأس المال) ولا في (المسلم فيه قبل القبض)، أما الأول فلما فيه من تفويت حق الشرع وهو القبض المستحق شرعاً قبل الافتراق، وأما الثاني فلأنه بيع منقول، وقد مر أن التصرف فيه قبل القبض لا يجوز، وفي (المبسوط) لو أبرأ رب السلم المسلم إليه عن طعام السلم صح إبراؤه في ظاهر الرواية، وروى الحسن أنه لا يصح ما لم يقبل المسلم إليه فإن قبله كان فسخاً لعقد السلم، ولو أبرأ المسلم إليه رب السلم من رأس المال وقيل: الإبراء يبطل السلم وإن رده لا والفرق أن المسلم فيه لا يستحق قبضه في المجلس بخلاف رأس المال.

وفي (الظهيرية): وهب رب السلم المسلم إليه عن طعام السلم كان أقله ولزمه رد رأس المال إذا قيل وهذا لا يرد على الإطلاق، وفي (الصغرى) إقالة بعض السلم وإبقاؤه في البعض جائز (بشركة) بأن يقول رب المال لغيره: أعطني نصف رأس المال ليكون نصف المسلم فيه لك (وتولية) بأن يقول: أعطني مثل ما أعطيت المسلم إليه ليكون المسلم فيه لك ودل كلامه على منع المرابحة بالأولى وقيل: تجوز التولية والمرابحة.

وجزم به في (الحاوي) والمذهب الإطلاق قيد بما قبل القبض لأن كلاً من الشركة والتولية والمرابحة والوضعية بعده جائز، (فإن تقايلا السلم لم يشتر) رب السلم (من المسلم إليه شيئاً برأس المال (، أي: قبل قبضه لرواية الدارقطني (من أسلم في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلم فيه أو رأس ماله) قيد بالسلم لأن بدل الصرف بعد

ص: 507

ولو اشترى المسلم إليه كراً وأمر رب السلم بقبضه قضاء لم يصح، وصح لو قرضاً أو أمره بقبضه له ثم لنفسه ففعل ولو أمره رب السلم أن يكيله في ظرفه ففعل وهو غائب لم يكن قضاء بخلاف المبيع ولو أسلم أمة في كر وقبضت الأمة فتقايلا فماتت أو ماتت قبل الإقالة بقي وصح

ــ

إقالته يجوز له أن يشتري منه ما شاء ببدله ويجب قبض بدله في المجلس بخلاف السلم لأن تعيين بدل الصرف لا يحصل بالقبض لما أنه يجوز له التصرف فيه ولا كذلك السلم.

(ولو اشترى المسلم إليه) في (كر) من الحنطة (وأمر) المشتري (رب السلم بقبضه قضاء) أي: لأجل القضاء مما عليه (لم يصح) أمره به حتى لو هلك بعد ذلك من مال المسلم إليه وللمسلم أن يطالبه بحقه لأنه اجتمع صفتان بشرط الكيل فلا بد من الكيل مرتين لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان، صاع البائع المشتري والموزون والمعدود إذا اشتراه بشرط العد كالمكيل وقيل: في المعدود روايتان، (وصح لو) كان الكر (قرضاً) لأنه إعارة فكان المقبوض عين حقه تقديراً فلم يكن استبدالاً (أو أمره) أي: أمر المسلم إليه رب السلم (بقبضه له) أي: للمسلم إليه بأن يكيل له (ثم لنفسه) بأن يعيد الكيل ثانياً (ففعل) صح أمره بقبضه قضاء مما عليه، (ولو أمره)، أي: أمر (رب السلم) المسلم إليه (أن يكيله في ظرفه) أي: في وعاء رب السلم (ففعل) المسلم إليه (وهو) أي: والحال أن رب السلم (غائب لم يكن قضاء) للمسلم فيه لأن حقه الذي في الذمة لا يملك إلا بالقبض فلا يصادق أمره ملكه فلا يصح فيكون المسلم إليه مستعيراً للظرف فيجعل ملكه فيه، وإطلاقه يعم ما لو كان فيه طعام على وجه لا يتميز معتبر فيصير به قابضاً (بخلاف المبيع) إذا أمر المشتري البائع أم يكيله في ظرفه وهو غائب حيث يكون قابضاً لأن ملكه بالشراء فصح أمره، وأورد أنه لو وكل البائع بالقبض صريحاً لم يصح فعدم الصحة هنا أولى.

وأجيب بأنه لما صح أمره لكونه مالكاً صار وكيلاً له ضرورة وكم من شيء يثبت ضماناً لا قصداً، (ولو أسلم أمة في كر) حاصل هذه المسألة والتي بعدها، الفرق بين/ الإقالة في السلم والبيع بالثمن ففي السلم يجوز الإقالة قبل هلاك الجارية وبعد بخلاف البيع (وقبضت الأمة) قيد بذلك لأنهما لو تفرقا لا عن قبضها لم تصح الإقالة لعدم صحة السلم (فتقايلا) عقد السلم (ثم ماتت) الأمة قبض رب السلم (أو ماتت قبل الإقالة بقي) عقد الإقالة في الأولى، (وصح) في الثاني يعني بعد موتها لأن حصتها تعتمد بقاء العقد وهو ببقاء المبيع إلى أن يقبض ولا شك في وجوده في

ص: 508

وعليه قيمتها وعكسها شراؤها بألف والقول لمدعي الرداءة والتأجيل لا لنا في الوصف والأجل

ــ

الذمة فهلاك الأمة وعدمه لا يعدم المسلم فيه، وإذا صحت انفسخ في الجارية (و) كان (عليه قيمتها) يوم القبض لعجزه عن رد عينها (وعكسها) أي: عكس مسألة السلم (شراؤها) أي: الأمة (بالألف) فإن الأمة لو ماتت بعد الإقالة قبل القبض بطلت أو تقايلا بعد موتها لم تصح لأن هلاك المبيع قبل القبض يبطلها ولا صحة له بعد هلاكه، ولو كان المبيع مقابضة بقيت الإقالة بعد هلاكها إذا كان العرض الآخر باقياً لأن كلاً منهما بيع من وجه.

وفي الصرف تصح الإقالة على كل حال لأن المعقود عليه فيه ما وجب لكل منهما في ذمة الآخر وذلك غير معين فلا يتصور هلاكه فظهر بما ذكرنا أن قيام الثمن ولو معيناً ليس شرطاً في صحتها إلا إذا أبرأه منه فلا يصح، كما في (القنية) لبطلان السلم كما مر وفيها اشترى أيضاً مع زرعها فأدرك الزرع في يده ثم تقايلا لا تجوز الإقالة لأن العقد إنما ورد على القصيل دون الحنطة.

ولو حصد المشتري الزرع ثم تقايلا صحت الإقاله في الأرض بحصتها من الثمن، ولو اشترى أرضاً فيها أشجار فقطعها ثم تقايلا صحت الإقالة بجميع الثمن ولا شيء للبائع في قيمة الأشجار وتسليم الأشجار للمشتري هذا إذا علم البائع بقطع الأشجار، فإن لم يعلم به وقتها يخير إن شاء أخذها بجميع الثمن فإن شاء ترك (القول لمدعي الرداءة) هذا صادق بما إذا قال أحدهما: شرطنا ردياً فقال الآخر: لم نشرط شيئا وبما إذا ادعى الآخر اشتراط الجودة وقال الآخر: إنما شرطنا ردياً والمراد الأول ولذا أردفه بقوله لا لنا في الوصف ولإفادة أن الرداءة مثال حتى لو قال أحدهما: شرطنا جيداً وقال الآخر: لم نشرط شيئاً فالحكم كذلك، وبه اندفع ما في (البحر) (والتأجيل) بأن قال أحدهما شرطاً آجلاً ونفاه الآخر (لا لنا في الوصف والأجل). قال في (القاموس): الأجل غاية الوقت في الموت وحلول الدين ومدة الشيء والجمع أجال والتأجيل تحديد الأجل انتهى. والتحديد بمعنى التقدير ولو اختلفا في مقداره فالقول للطالب وينبغي فيتعين أن يكون التأجيل بمعنى الأجل مجازاً بدليل الثاني، كذا في (البحر).

وأقول: لا نسلم أنه يتعين ما ادعاه بل المناسب لوضع المسألة أن يكون الأجل بمعنى التأجيل حتى لو اختلفا في تحديده بأن قال أحدهما: أجلناه إلى هبوب وقال الآخر: إلى شهر فالقول لمدعي التحديد. وأما ما ذكره فليس من المسألة في شيء فتدبره، واعلم أن الأصل هنا أنهما إذا اختلفا في الصحة فإن خرج كلام أحدهما

ص: 509

وصح السلم والاستصناع في نحو خف وطست وقمقم وله الخيار إذا رآه

ــ

مخرج التعنت وهو أن ينكر ما ينفعه كان باطلاً اتفاقاً والقول لمدعي الصحة وإن خرج مخرج الخصومة وهو أن ينكر ما يضره قال الإمام قول من يدعي الصحة أيضاً إذا اتفقا على عقد واحد، وإن خصمه هو المنكر وقالا القول للمنكر وإن أنكر الصحة وعليه تخرج الزرع، فإذا ادعى المسلم إليه الوصف أو رد السلم الأجل ونفاه الآخر كان القول له اتفاقاً، وفي العكس القول لمدعي الصحة عنده وعندهما للمنكر قيد باختلاف في أصل التأجيل، لأنهما لو اختلفا في مقدار فالقول للمدعي الأقل مع يمينه إلا أن يبرهن مدعي الأكثر، وإن أقامها فبينة مثبت الزيادة أولى، ولو في مضيه فالقول للمسلم إليه مع يمينه إلا أن يبرهن الآخر، ولو برهنا فبينة المطلوب أولى هنا والاختلاف في مقدار الأجل لا يوجب التحالف عندنا خلافاً لزفر بخلاف الصفة لأن الوصف جار مجرى الأصل.

وفي (الخلاصة) أنكر الطلاق أن يكون الثوب جيداً فالقاضي يرى اثنين من أهل تلك الصفة فإن قالا: إنه جيد أجبر على القبول وهو أجود والواحد يكفي، ولو اختلفا في السلم يتحالفان استحساناً ويبدأ بيمين المطلوب عند الثاني، وقال محمد: بيمين الطالب، وإن رهن أحدهما قضي له ولو برهن فبينه رب السلم أولى ويقضي بسلم واحد عند أبي يوسف والمسألة على ثلاثة أوجه بينتها في (فتح القدير)، (وصح السلم والاستصناع) وهو طلب عمل الصنعة (في نحو خف وطست وقمقم).

أما السلم فلإمكان ضبط صفته، فأما الاستصناع بأن يقول اعمل/ خفاً طوله كذا وعرضه كذا أو طستاً زنته كذا يسع كذا على هيئة كذا بكذا دفع له الثمن أو لا فيقبل الآخر فهو استحسان للتعامل الراجع إلى الإجماع العملي من له صلى الله عليه وسلم إلى اليوم بلا نكير، وهو بهذه الصفه يندرج في قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تجتمع أمتي على ضلالة)(وله الخيار إذا رآه) أي: المصنوع له فيه إيماء إلى أنه معاقدة لا مواعدة كما قال أخاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة والأول هو قول العامة وهو الصحيح، لأن محمداً ذكر فيه القياس والاستحسان ولا يجزيان في المواعدة وأثبت له الخيار معللاً بأنه اشترى ما لم يره وأورد أن بيع المعدوم لا يصح. وأجيب بأنه اعتبر موجوداً حكماً كناسي التسمية عند الذبح للعامل، وجزم في (الهداية) بأن العقود عليه العين دون العمل ولذا لو جاء به .... من صنعته أو من صنعته قبل العقد وأخذه جاز، وأورد أن بطلان بموت الصانع ينافي كونه بيعاً.

ص: 510