الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: صفة سجود السهو
550 -
قوله: (قال أبو عمر: أما السَّلام مِنَ التَّي بَعْدَ السَّلام فَثَابِثٌ عن النَّييِّ صلى الله عليه وسلم، وأَمَّا التَّشَهُّد فَلَا أحفَظُهُ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ).
قلت: السلام بعد السلام تقدم، والتشهد يأتي في الذي بعده.
551 -
حديث ابن مسعود: "أنه صلى الله عليه وسلم تشهد ثم سلم".
قلت ليس هو بهذا اللفظ من حديث ابن مسعود بل من حديث عمران بن حصين، أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن الجارود، والحاكم والبيهقي من حديث أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم تشهد في سجدتي السهو ثم سلم، لفظ الحاكم وقال:(صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، إنما اتفقا على حديث خالد الحذاء عن أبي قلابة وليس فيه التشهد لسجدتي السهو).
وقال الترمذي: (حسن غريب).
وخالفهما الحفاظ فحكموا بضعف الحديث، والوهم فيه على أشعث الحمراني فقال البيهقي: (تفرد به أشعث الحمراني، وقد رواه شعبة، ووهيب، وابن علية،
والثقفي، وهشيم، وحماد بن زيد، ويزيد بن زريع وغيرهم، عن خالد الحذاء لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث بن محمد).
(ورواه أيوب، عن محمد قال: أُخبرت عن عمران فذكر السلام دون التشهد، وفي رواية هشيم ذكر التشهد قبل السجدتين وذلك يدل على خطأ أشعث فيما رواه ثم ذكر حديث هشيم ولفظه، فقام فصلى ثم سجد ثم تشهد وسلم وسجد سجدتي السهو ثم سلم ثم قال: هذا هو الصحيح بهذا اللفظ).
وقال الحافظ: (ضعفه البيهقي، وابن عبد البر وغيرهما، ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ، عن ابن سيرين، فإِن المحفوظ عنه في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد. وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة في هذه القصة، قلت لابن سيرين: فالتشهد؟ قال: لم أسمع في التشهد شيئًا).
وهذه الرواية قاطعة في الحكم بوهم أشعث وصريحة في ذلك صراحة لا تقبل التأويل.
قال: (وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإِسناد في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم، فصارت زيادة أشعث شاذة،.، ولهذا قال ابن المنذر: لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت).
قال الحافظ: (لكن قد ورد التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود، والنسائي، وعن المغيرة عند البيهقي وفي إسنادهما ضعف، فقد يقال إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن، قال العلائي: وليس ذلك ببعيد).
قلت: بل بعيد غاية البعد أو باطل محقق البطلان، فإِن الضعف الذي تحدُثُ منه قوة بسبب تعاضده ما كان أمره مبهمًا ورواية مظعون به سوء الحفظ، ووقوع الخطأ فإِذا أشهد له ثان وثالث برواية ما يوافقه زال ظن الوهم والخطأ أو ضعف على الأقل فارتفع الخبر إلى الحسن أو المقبول وليس الأمر كذلك، فإِن أشعث الحمراني تحقق وهمه تحققًا مقطوعًا، به لم يبق مع أدنى شك لاحتمال الصواب لمخالفة نحو عشرة من الحفاظ عن شيخه لو خالفه واحد منهم مثل شعبة يحكم له عليه، فكيف وهم نحو عشرة فأكثر، ثم مع هذا تصريح ابن سيرين الذي عنه روي أشعث الحديث، ومن
طريقه ذِكره أنكر أن يكون له علم بمسألة التشهد، فسقطت هذه الرواية بالمرة ولم يبق لها ذكر في الباب أصلًا ..
ثم نرجع إلى حديث ابن مسعود فنجده قد انفرد برفعه محمد بن سلمه عن خصيف، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه، كما رواه من طريقه أحمد وأبو داود، والطحاوي، والدارقطني، والبيهقي، وخالفه سفيان، وشريك ومحمد بن فضيل، وإِسرائِل، وعبد الواحد، فرووه عن خصيف موقوفًا على ابن مسعود، أضف إلى ذلك ضعف خصيف نفسه وإنه ليس بالقوي كما قال البيهقي وإن الحديث مع ذلك منقطع، لأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، وبعد هذا كله فإِن متن الحديث لا يشبه المتون المرفوعة ولفظه:"إِذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع، وأكثر ظنك على أربع تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم ثم تشهد أيضًا ثم نُسَلِّمْ".
فليس هذا من سياق المرفوع وكلام النبوة، وإنما هو موقوف إن صح عن ابن مسعود، والعمدة الكبرى على مخالفة الحفاظ عن رفعه واقتصارهم على وقفه، فإِن ذلك قاطع في وهم الرافع أو تعمده إن كان غير ثقة، وأقرب ما يقع فيه الوهم للثقات فضلًا عن الضعفاء مسألة الرفع والوقف فإِن الذهن يجري أولًا إلى الرفع لأنه الأصل في الحديث.
وقد وقع لربيع المؤذن أن رواه عن يحيى بن حسان عن وهيب، عن منصور،
عن ابراهيم عن علقمة، عن ابن مسعود به مرفوعًا فذكر التشهد أيضًا. رواه الطحاوي عن الربيع، ووهم فيه الربيع أو الطحاوي.
فقد رواه مسلم في "صحيحه"، عن الدارمي، عن يحيى بن حسان به بدون ذكر التشهد فوجب أن يكون ذكره وهمًا من الربيع، ويؤكده اتفاق الحفاظ من أصحاب منصور أيضًا على روايته عنه بدون ذكر التشهد.
فقد رواه عن منصور روح بن القاسم عند الطحاوي، وزايده بن قدامه عند الطيالسي، وابن الجارود، والطحاوي، وسفيان الثوري عند أحمد، ومسلم والطحاوي، والدارقطني. وجرير بن عبد الحميد عند أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، والدارقطني، والبيهقي، وشعبة
عند أحمد، ومسلم، والنَّسائي وابن ماجه. ومسعر عند مسلم، والنسائي، والطحاوي، والدارقطني، والبيهقي. وفضيل بن عياض عند مسلم، والنَّسائي، وعبد العزيز بن عبد الصمد، عند مسلم، ومفضل بن مهلهل، عند النَّسائي. وسفيان بن عيينة، عند ابن ماجه، فهؤلاء عشرة من أصحاب منصور رووه عنه لم يذكر واحد منهم التشهد، ومعهم وهيب أيضًا رواه
مسلم، عن الدارمي عن يحيى بن حسان عنه، ووافق منصورًا على روايته، عن إبراهيم بدونه أيضًا، الأعمش عند أحمد، ومسلم، وأبي داود وابن ماجه، والبيهقي، والحكم عن إبراهيم أيضًا عند الطيالسي، والبخاري ومسلم، والدارمي، وأبي داود، والنَّسائي، وابن ماجه،
والبيهقي.
وكذلك رواه إبراهيم بن سويد النخعي الأعور، وهو غير إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه المشهور عن علقمة أيضًا أخرجه أحمد، ومسلم وأبو داود، والنَّسائي، وابن الجارود، والبيهقي، ووافقهما الشعبي عن علقمة أخرجه النَّسائي.
وكذلك رواه عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود أخرجه أحمد، ومسلم، والنَّسائي، والبيهقي. ووقع في بعض طرق الحديث، عند أبي داود الطيالسي، والنَّسائي، وابن الجارود، من وجه عن منصور بسنده فقال في
الحديث؛ فسجد سجدتين ثم أقبل علينا فقال: لو حدث في الصلاة حدث أنبأتكم، الحديث. فلم يبق شك في وهم الربيع في ذكر التشهد في الحديث وحصل القطع ببطلان ذلك في حديث ابن مسعود أيضًا كما حصل في حديث عمران بن حصين.
ثم نأتي إلى حديث المغيرة بن شعبة فنجده مثلهما أو أبطل فإِن البيهقي رواه، من طريق أحمد بن يحيى الحلواني، عن محمد بن عمران بن أبي ليلى، عن أبيه، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم تشهد بعد أن رفع رأسه من سجدتي السهو ثم قال: (تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي، ولا يصرح بما تفرد به).
قلت: وتحميل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى تبعته عندي فيها نظر بل ينبغي أن يكون ذلك من أحد الرواة قبله، فقد رواه سفيان كما عند أحمد، وهشيم كما عند الترمذي، وأبو أسامة كما عند البيهقي، كلهم عن ابن أبي ليلى فلم يذكر واحد منهم التشهد بعد سجدتي السهو فينبغي أن يبرأ من عهدته، وعلى فرض أن ذلك منه، فقد خالفه مع ضَعْفِهِ من هو أوثق منه.
فرواه علي بن مبارك الرواسي، عن الشعبي كما عند الطحاوي، ورواه
المسعودي عن زياد بن علاقة، عن المغيرة كما عند الطيالسي، وأحمد، والدارمي. وأبي داود والطحاوي، والبيهقي.
ورواه قيس بن أبي حازم عن المغيرة كما عند أحمد وأبي داود، وابن ماجه، والطحاوي، والدارقطني، والبيهقي، كلهم لم يذكروا التشهد أيضًا فكانت رواية ابن أبي ليلى أو من روى ذلك عنه باطلة بيقين يؤكد ذلك أن سجود السهو رواه من الصحابة عبد الله بن بحينة، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، ومعاوية بن خديج، وعبد الله بن جعفر وثوبان، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وذو اليدين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير. وأنس بن مالك، والمنذر بن عمرو وسعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر ومعهم عمران بن
حصين، وابن مسعود، والمغيرة في الطرق الصحيحة الكثيرة عنهم فلم يذكر واحد منهم التشهد وغير جائز أن تخفي هذه السنة على كل هؤلاء أو يغفلها جميعهم فلا يذكر إلا بعض الرواة ممن خالفهم من هو أوثق منهم، فصح قول ابن المنذر، والبيهقي، وابن عبد البر، أنه لم يصح التشهد بعد سجود السهو وبطل قول العلائي، والحافظ. والحمد لله على فضله.