الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول القول في الوتر
صفة صلاة الوتر
باب الوتر
559 -
حديث عائشة: "أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي مِن اللَّيْلِ إحدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً
يُوْتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدة ".
مالك، والشافعي، عنه، وأحمد، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائي والطحاوي، كلهم من طريقه أيضًا، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ اضطجع على شِقِّه الأيمن".
قال ابن عبد البر: (إلى هنا انتهت رواية يحيى، وتابعه جماعة الرواة للموطأ، وأما أصحاب ابن شهاب فرووا هذا الحديث عن ابن شهاب بإسناده وغيره أن يجعلوا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر، وزعم محمد بن يحيى الذهلي وغيره أن ما ذكروا في ذلك هو الصواب دون ما قاله مالك قال: ولا يدفع ما قاله مالك من ذلك لموضعه من الحفظ والإِتقان ولثبوته في ابن شهاب وعلمه بحديث) ا. هـ.
قلت: وهم مالك في هذا الحديث جزمًا وإن كان بالصفة التي قال ابن عبد البر
من الحفظ والإتقان لاسيما لحديث الزهري إلا أن الوهم لازم للإنسان ولا ضير عليه فيه ولا نقصان إذا كان نادرًا كما يقع لكبار الحفاظ والأئمة الذين في مقدمتهم مالك فقد وهم في أحاديث منها هذا الذي خالفه الحفاظ أمثاله في روايته عن شيخه الزهري ولا يعقل أن يحكم للواحد على الجماعة الذين في درجته في الحفظ والإِتقان كما لا يجوز أن يكون الحديث عند الزهري على الوجهين وأنه خصَّ مالكًا بهذا الوجه دون غيره لأنه لا معنى لذلك، ولا داعي إليه أولًا، ولأن الحديث مروي عن عائشة من طرق أخرى على الصفة التي رواها جمهور أصحاب الزهري، ومروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير طريق عائشة أيضًا حتى صار من المعلوم بالضرورة لأهل العلم بالحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يضطجع بعد ركعتي الفجر، بل وقد ورد أمره صلى الله عليه وسلم بذلك وكل هذا يقوي لزوم الوهم لمالك، كما قال الذهلي وجماعة، ويرجح جانب مخالفيه الذين رووه عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإِقامة.
وزاد بعضهم بعد قولها ويوتر بواحدة، ويسجد في سبحته بقدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه. الحديث.
هكذا رواه شعيب عند أحمد، والبخاري ومعمر عند أحمد. وابن أبي
ذئب عند أحمد، والدارمي، وأبي داود، والطحاوي. والأوزاعي عند أحمد، وأبي داود. وعمرو بن الحارث، عند مسلم، وأبي داود، والطحاوي ويونس بن يزيد عند مسلم، وأبي داود والطحاوي، وكل هؤلاء إثبات في الزهري كمالك، وربما كان فيهم من هو ألزم صحبة وأكثر رواية لحديثه.
* * *
560 -
حديث ابن عمر: "صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى. فإذَا رَأيْتَ أنَّ الصُّبْحَ يُدْرِكُكَ فأوتِرْ بوَاحدَةٍ".
مالك، وأحمد، والبخاري، ومسلم، والأربعة، وجماعة كثيرة، وله عندهم ألفاظ.
* * *
561 -
حديث عائشة: "أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَيُوتِرُ بِخَمْسٍ. لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي آخِرَهَا". قال ابن رشد: خرَّجه مسلم".
قلت: وكذا أحمد، والدارمي، وأبو داود، والترمذي، والنَّسائي، ومحمد ابن نصر، والبيهقي من رواية هشام بن عروة عن أبيه عنها.
ورواه مالك، والبخاري، من طريقه عن هشام بدون زيادة "ويوتر ذلك بخمس" بل قال عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين.
* * *
562 -
حديث أبي أيوب الأنصاري، أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"الوِتْرُ حَقٌ عَلى كُلِّ مُسْلم فَمَنْ أحبَّ أن يُوتر بخمسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَن أحَبَّ أنْ يُوْتِر بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَل". قال
ابن رشد: خرجه أبو داود.
قلت: وكذا أحمد، والدارمي، والنَّسائي، وابن ماجه، ومحمد بن نصر والطحاوي، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، كلهم من رواية الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب؛ إلا أنهم اختلفوا عن الزهري فرفعه أكثرهم ووقفهم أقلهم.
قال الحافظ: (وصحح أبو حاتم، والذهلي، والدارقطني في "العلل"، والبيهقي وقفه وهو الصواب).
قلت: وليس كذلك، ولا يعقل أن يكون هو الصواب، إلا بمجرد الدعوى
والتشهي، وإلا فالواقع ينادي بصحة رفعه بلا تردد، فقد رفعه سفيان بن حسين، وبكر بن وائل، ودويد بن نافع، والأوزاعي، ومعمر في رواية وهيب وسفيان بن عيينة، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وشعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن أبي حفصة، ومحمد بن إسحاق، فهؤلاء عشرة من الحفاظ الثقات، أصحاب الزهري رفعوه عنه، وقد يكون هناك غيرهم وأوقفه معمر في رواية عبد الرزاق عنه، وعبد الله بن بديل الخزاعي، وابن إسحاق، وابن عيينة في قول عنهما أيضًا وغير معقول أن يحكم لاثنين على عشرة، فإن الثلاثة الباقين مختلف عنهم أيضًا بل بالبداهة يدرك صواب عشرة، وخط اثنين.
وغاية ما يمكن أن يقال: أن الزهري رفعه في أكثر الأوقات وأوقفه في أقلها إمَّا لأنه رواه كذلك مرفوعًا وموقوفًا، وإمَّا لأنه كان يوقفه اختصارًا واعمادًا على أن الرفع معروف.
* * *
563 -
قوله: (وخرَّج أبو داود: "أنَّه كَانَ يُوتِرُ بسبعٍ وَتَسْعٍ وَخَمْسٍ).
قلت: ليس هو عنده في حديث واحد، بل في أحاديث كلها من رواية عائشة.
فأما الوتر بخمس، فتقدم قبل حديث، من رواية هشام بن عروة عن أبيه عنها.
ورواه أبو داود، والطحاوي، من رواية محمد بن جعفر بن الزبير، عن
عروة، عنها أيضًا.
وأما الوتر بتسع وسبع، ففي حديثها الطويل الذي رواه عنها، سعد ابن هشام، وأخرجه مسلم، وأبو داود، والنَّسائي، والبيهقي، وغيرهم وفيه قلت يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد" فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول فتلك تسع يا بني الحديث.
ورواه أبو داود، من حديث علقمة بن وقاص عنها بذكر التسع والسبع أيضًا بنحو الذي قبله.
فائدة: ورد الجمع بين الخمس والسبع والتسع في حديث واحد من قول النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه محمد بن نصر المروزي في "الوتر" والطحاوي في "معاني الآثار"، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي من حديث أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو بإحدى عشرة أو أكثر من ذلك". صححه الحاكم على شرط الشيخين. وقال الدارقطني: رواته ثقاة.
* * *
564 -
حديث عبد الله بن أبي قيس قال: "قلت لعائشة بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشرة" قال ابن رشد: خرجه أبو داود.
قلت: وكذا الطحاوي، والبيهقي، من رواية معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبى قيس المذكور.
* * *
565 -
حديث ابن عمر عن الني صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المَغْرِبُ وتْرُ صَلاةِ النَّهَارَ".
أحمد، ثنا يزيد، أنا هشام، عن محمد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المغرب وتر النهار فأوتروا صلاة الليل". وهذا سند رجاله رجال الصحيح.
ورواه الطبراني في "الصغير"، من طريق عباد بن صهيب، ثنا هارون بن إبراهيم الأهوازي، عن محمد بن سيرين به، ثم قال الطبراني:(سمعت عبد الله ابن أحمد بن حنبل يقول: سألت أبي عن عباد بن صهيب فقال: إنما أنكروا عليه مجالسته لأهل القدر، فأما الحديث فلا بأس به فيه).
ورواه أبو نعيم في "الحلية"، من طريق مالك بن سليمان الهروي ثنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المغرب وتر النهار"، ثم قال:(غريب من حديث مالك، تفرد به مالك بن سليمان).
ورواه الدولابي في "الكنى" موقوفًا على ابن عمر، وذلك من طريق سفيان، عن عمرو بن دينار قال: أخبرني عبد الرحمن بن أيمن، قال قلت لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن المغرب وتر النهار، قال: نعم.
وكذلك رواه الطحاوي، من طريق جعفر بن ربيعة، عن عقبة بن مسلم قال: سألت عبد الله بن عمر عن الوتر، فقال: أتعرف وتر النهار؟ قلت: نعم صلاة المغرب، قال: صدقت وأحسنت.
وفي الباب عن ابن مسعود، أخرجه الدارقطني، من طريق يحيى بن زكريا الكوفي، ثنا الأعمش، عن مالك بن الحويرث، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتر الليل ثلاث، كوتر النهار صلاة المغرب، قال الدارقطني:(يحيى بن زكريا هذا يقال له ابن أبي الحواجب ضعيف، ولم يروه عن الأعمش مرفوعًا غيره).
قلت: وقد رواه البيهقي، من طريق ابن نمير، عن الأعمش به موقوفًا مثله، ثم قال:(هذا صحيح من حديث عبد الله بن مسعود من قوله غير مرفوع، وقد رفعه يحيى بن زكريا ابن أبي الحواجب الكوفي، عن الأعمش وهو ضعيف، وروايته تخالف رواية الجماعة عن الأعمش).
قلت: منهم سفيان، وشجاع بن الوليد خرج روايتهما الطحاوي في "معاني الآثار" ثم أخرج عن أبي العالية قال: علمنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أن الوتر مثل صلاة المغرب غير إنا نقرأ في الثالثة، فهذا وتر الليل وهذا وتر النهار.
* * *
566 -
قوله (وأما مالك فإنه تمسك في هذا الباب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يوتر قط إلا في أثر شفع).
قلت: هذا مأخوذ من استقراء أحاديث وتره صلى الله عليه وسلم لكنه معارض بقوله صلى الله عليه وسلم "ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل". كما مر قريبًا في حديث أبي أيوب الأنصاري:
"الوتر حق على كل مسلم" وهو حديث صحيح.
وكذلك حديث ابن عمر، وابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم "الوتر ركعة من آخر الليل". رواه أحمد، ومسلم وجماعة وهذا قول صريح، مقدم على الفعل المحتمل.
* * *
567 -
حديث "تُوْتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى".
هو بقية حديث ابن عمر السابق "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى". وهو متفق عليه.
568 -
قوله: (في صفة الوتر من الواحدة إلى التسع على ما روي ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم).
تقدمت الأحاديث في ذلك.
* * *
569 -
حديث: "أنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا انْتَهى إلى الوِتْر أيْقَظَ عَائِشَة فأَوْتَرَتْ"، قال المصنِّفُ: خرَّجه مسلم.
قلت: بل هو متفق عليه، من حديث عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا
راقدة معترضة على فراشه فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت". وله ألفاظ وقد تقدم في نواقض الوضوء.
* * *
570 -
حديث عائشة: "أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوْتِرُ بِتِسْعِ رَكعَاتٍ يَجْلسُ في الثَّامِنَةِ والتَّاسِعَةِ، وَلَا يُسَلِّمُ إلا فِي التَّاسِعَة، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ" الحديث، قال المصنف: خَرَّجه مسلم.
قلت: وكذا غيره كما مر قريبًا.
571 -
حديث أبي بن كعب قال: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُوْتِرُ بسَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأعلَى، وقُلْ يَا أيُّها الكَافِرُونَ وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ"، قال ابن رشد: خرَّجه أبو داود.
قلت: وكذا أحمد، والنَّسائي، وابن ماجه، ومحمد بن نصر، وابن الجارود، والدارقطني، والبيهقي؛ وفي الباب عن نحو أربعة عشر صحابيًا بل أكثر.
* * *
572 -
حديث عائشة مثله: "وَقَالَت فِي الثَّالِثَةِ بقُلْ هُوَ الله أحَدٌ وَالمُعْوَذَتَيْنِ".
أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي، من رواية خصيف، عن عبد العزيز بن جريج قال: سألت عائشة بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية، بقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد والمعوذتين. وقال الترمذي (حديث حسن غريب؛ وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم).
قلت: رواية يحيى بن سعيد خرجها الطحاوي، والدارقطني، والحاكم والبيهقي، من رواية يحيى بن أيوب عنه. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال العقيلي: إسناده صالح، ولكن حديث ابن عباس،