الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشريعة كلَّها، فجمعتِ الأمرَ والنهيَ والإباحةَ والخبر.
فائدة
تقديمُ العتاب على الفعل من الله تعالى لا يدُلُّ على تحريمه، وقد عاتب اللهُ تعالى نَبِيَّهُ في خمسة مواضعَ من كتابه في:(الأنفال وبراءة والأحزاب وسوَرة التحريم وسورة عبس) خلافًا لأبي محمد ابن عبد السلام حيث جعل العتبَ من أدلة النهي
(1)
.
فائدة
لا يصحُّ الامتنانُ بممنوع منه
خلافًا لمن زعم أنه يَصِحُّ، ويُصْرف الامتنانُ إلى خلقِه للصبر عنه
(2)
.
فائدة
(3)
قوله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)} [النساء: 77] جمعت بين التزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والحضِّ على فعل الخير، والزَّجر عن فعل الشَّرِّ، إذ قوله:{وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)} يتضمَّنُ حَثَّهْمْ على كسب الخير وزجرهم عن كسب الشر.
فائدة
(4)
التعجُّبُ كما يدُلُّ على محبَّة الله للفعل نحو: "عَجِبَ ربُّكَ من
(1)
في كتابه "الإمام": (ص/ 107).
(2)
انظر المصدر السابق: (ص/ 86).
(3)
انظر المصدر السابق: (ص/ 134).
(4)
انظر "الإمام": (ص/ 133 - 134) للعزِّ.
شَابٍّ ليستْ له صَبْوةٌ"
(1)
، و:"يعجَبُ ربُّكَ من رجلٍ ثارَ من فِرَاشِهِ ووِطائِهِ إلى الصَّلاة"
(2)
ونحو ذلك، فقد يدُلُّ على بُغْض الفعل كقوله:{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرعد: 5]، وقوله:{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12]، وقوله:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28]، وقوله:{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} [آل عمران: 101].
وقد يدلُّ على امتناع الحكم وعدم حُسْنه، نحو:{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ} [التوبة: 7]، وقد يدلُّ على حسن المنع قدرًا، وأنه لا يليق به فِعْلُهُ، كقوله تعالى:{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: 86].
فائدة
(3)
نفي التَّسَاوي في كتاب الله قد يأتي بين الفعلين، كقوله تعالى:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [التوبة: 19] وقد يأتي بين الفاعلين، نحو:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]، وقد يأتي بينَ الجزاءينِ كقوله:{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20].
وقد جمع اللهُ بين الثلاثةِ في آيةٍ واحدة، وهي قوله تعالى:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)}
(1)
أخرجه أحمد: (28/ 600 رقم 17371)، وأبو يعلى رقم (1749)، والطبراني في "الكبير":(17/ 309) وغيرهم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه بنحوه، وفي سنده ابن لهيعة، وأعله أبو حاتم بالوقف كما في "العلل":(2/ 116).
(2)
تقدم تخريجه (3/ 1178).
(3)
انظر "الإمام": (ص/ 139 - 142) مع اختلاف في التمثيل، فقد جعل العز الآية الأولى من نفي التساوي بين الجزائين.
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: 19 - 22] فالأعمى والبصيرُ: الجاهلُ والعالم، والظلمات والنُّور: الكفر والإيمان، الظل والحرور: الجنة والنار، الأحياء والأموات: المؤمنونَ والكفَّار
(1)
.
فائدة
(2)
ضَرْبُ الأمثالِ في القرآن يُستفادُ منه أمورُ التَّذكير والوعظ، والحَثِّ والزَّجر، والاعتبار والتَّقرير، وتقريب المُراد للعقل، وتصويره في: صورة المحسوس، بحيث يكون نسبتُه للعقل كنسبته المحسوس إلى الحس.
وقد تأتي أمثالُ القرآن مشتملةً على بيان تفاوُت الأجر، وعلى المدح والذَّمِّ، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر وإبطال أمر.
فائدة
(3)
السياق يرشدُ إلى تبيين المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالَّة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته. فانظر إلى قوله تعالى:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} [الدخان: 49]، كيف تجدُ سياقَه يدُلُّ على أنه الذليلُ الحقيرُ.
(1)
(ظ): "المؤمن والكافر".
(2)
انظر: "الإمام": (ص / 143 - 157) ملخَّصًا.
(3)
المصدر السابق: (ص / 159).
فائدة
(1)
إخبار الرب تعالى
(2)
عن المحسوس الواقع له عدة فوائد:
منها: أن يكونَ توطئةً وتَقْدِمةً لإبطال ما بعدَه.
منها: أن يكونَ موعظةً وتذكيرًا.
ومنها: أن يكونَ شاهدًا على ما أخبر به من توحيده وصدق رسوله وإحياء الموتى
(3)
.
ومنها: أن يُذكَرَ في معرِض الامتنان.
ومنها: أن يذكرَ في معرِض اللَّوم
(4)
والتوبيخِ.
ومنها: أن يذكرَ في معرِض المدح والذَّمِّ.
ومنها: أن يذكرَ في معرِض الإخبار عن إطلاع الرَّبِّ عليه، وغير ذلك من الفوائد.
فائدة
قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)} [يونس: 87] هو من أحسنِ النَّظْم وأبدعِه، فإنه ثنَّى أولًا؛ إذ كان موسى وهرون هما الرسولان المطاعان، ويجبُ على بني إسرائيل طاعةُ كلٍّ منهما سواء،
(1)
المصدر السابق: (ص/ 162 - 168) مختصرًا.
(2)
من قوله: "تعالى: (ذق إنك
…
) إلى بها سقط من (ظ).
(3)
(ع): "وإيتاء القربى".
(4)
(ع): "الذم".
وإذا تَبَوَّءا البيوتَ لقومهما فهم تَبَعٌ لهما، ثم جَمَع الضميرَ فقال:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ؛ لأن إقامتها فرضٌ على الجميع، ثم وحَّده في قوله:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)} ؛ لأن موسى هو الأصل في الرسالة وأخوه رِدْءًا ووزيرًا، فكما كان الأصل في الرسالة فهو الأصلُ في البشارة، وأيضًا فإن موسى وأخاه لما أُرسلا برسالة واحدة كانا رسولًا واحدًا كقوله تعالى:{إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالمِينَ} [الزخرف: 46] فهذا الرسول هو الذي قيل له: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)} .
فائدة
الفقهاءُ يقولون: عَدَم المانع شرطٌ في ثبوتِ الحكمِ؛ لأن الحكمَ يَتَوَقَّفُ عليه، ولا يلزمُ من تحَقُق عدم المانع ثبوتُ الحكم، وهذا حقيقةُ الشرط، واعْتَرَضَ على هذا الشِّهابُ القَرَافِيُّ
(1)
، وزعم أنه غيرُ صحيح بأن قال:"المشكوكُ فيه ملغىً في الشريعة، فإذا شككنا في الشرط أو في السبب لم يترتَّبِ الحكمُ، وإذا شككنا في المانع رتبنا الحكمَ، كما إذا شككنا في رِدَّة زيد قبل وفاته، أو في طلاقه لامرأته لم يمنع ذلك تَرَتُّبَ الميراث".
ثم قال: "فلو كان عدمُ المانع شرطًا لاجتمعَ النقيضانِ فيما إذا شَككْنا في طَرَيان المانع؛ لأن الشَّكَّ في أحد النقيضين يُوجِبُ الشَّكَّ فيِ النقيضِ الآخر، فإذا شَكَكْنا في وجودِ المائع شككنا في عدمه ضَرُورَة، فلو كان عدمُه شرطًا لكنَّا قد شككنا في الشرط، والشَّكُّ في الشرط يمنعُ تَرَتُّبَ الحُكم، والشَّكُّ في المانعِ لا يمنع تَرَتُّبَ الحُكم، فيجتمعُ النقيضان".
(1)
في كتابه "الفروق": (1/ 111 - 112).
قلت: وهذا الاعتراضُ في غايةِ الفساد، فإن الشَّكَّ في عدم المانع إنما لم
(1)
يؤثِّرْ إذا كان عدمُه مستصْحَبًا بالأصل، فيكونُ الشَّكُّ في وجودِه ملغىً بالأصلِ فلا يؤثِّرُ الشَّكُّ، ولا فرقَ بيَنه وبينَ الشَّرط في ذلك، فلو شكَكْنا في إسلام الكافِرِ وعِتْقِ العبد عندَ الموت، لم نُوَرِّثْ قريبَهُ المسلمَ منه، إذا الأَصل بقاءُ الكفر والرِّقِّ، وقد شككنا في ثُبوتِ شرطِ التَّوريثِ.
وهكذا إذا شككنا في الرِّدَّة أو الطلاق لم يمنع الميراث؛ لأن الأصل عَدَمُهُما، ولا يمنعُ كون عدمهما شرطًا ترتُّب الحكم مع الشَّكِّ فيه؛ لأنه مستندٌ إلى الأصل، كما لم يمنع الشك في إسلام الميِّت الذي هو شرطُ التوريث منه؛ لأن بقاءَهُ مستَنِدٌ إلى الأصل، فلا يمنعُ الشك فيه من ترتب الحُكْم، فالضابطُ: أن الشَّكَّ في بقاء الوصف على أصله، أو خروجه عنه لا يؤثِّرُ في الحكم استنادًا إلى الأصل، سواءٌ كان شرطًا أو عدم مانع، فكما لا يمنعُ الشَّكُّ في بقاء الشرط من ترتب الحكم، فكذلك لا يمنعُ الشَّكُّ استمرارَ عدم المانع من ترتُّب الحُكم، فإذا شككنا هل وُجِد مانع الحكم أم لا؟ لم يمنع من تَرَتُّب الحكم ولا من كون عدمِهِ شرطًا؛ لأن استمرارَهُ على النفيِ الأصليِّ يجعلُه بمنزلة العَدَم المحقَّقِ في الشَّرْع، وإن أمكنَ خلافُه، كما أن استمرارَ الشرط على ثُبوته الأصلي يجعلُه بمنزلة الثابت المحقق شرعًا، وإن أمكن خلافُه
(2)
، فعلم أن إطلاق الفقهاء صحيحٌ، واعتراض هذا المعترض فاسدٌ.
ومما يُبيِّنُ لك الأمرَ اتِّفاقُ الناس على أنَّ الشرط ينقسمُ إلى
(1)
سقطت من (ق).
(2)
(ق): "ما لم يُعْلَم".
وجودي وعدمى، يعني: أن وجود كذا شرط في الحكم، وعدم كذا شرط فيه، وهذا متَّفقٌ عليه بين الفقهاء والأصوليين والمتكلمين وسائر الطوائف، وما كان عَدَمُهُ شرطًا فوجودُهُ مانِعٌ، كما أن ما وجوده شرطٌ فعدمه مانعٌ.
فعدمُ الشرطِ مانع من موانع الحكم، وعدم المانع شرط من شروطه، وبالله التوفيق.
فائدة
الحاكمُ محتاج إلى ثلاثة أشياءَ لا يَصِحُّ له الحكمُ إلا بها: معرفة الأدلة، والأسباب، والبينات.
فالأدلَّةُ، تُعَرِّفْهُ الحكمَ الشَّرعيَّ الكُلِّيَّ. والأسبابُ، تُعَرِّفُهُ ثبوتَه في هذا المحلِّ المُعيَّن أو انتفاءَه عنه. والبَيِّنات، تعرِّفْهُ طريقَ الحكم عند التَّنازعُ، ومتى أخطأ في واحدٍ من هذه الثلاثة أخطأ في الحكم، وجميعُ خطأ الحكَّام مداره على الخطأ فيها، أو في بعضها.
مثالُ ذلك: إذا تنازعَ عندَه اثنان في ردِّ سلعة مشتراة بعيب، فحكمُهُ موقوفٌ على العلم بالدَّليل الشَّرعي الذي يُسَلِّطُ المشتريَ على الرَّدِّ، وهو إجماعُ الأمةِ المستندُ إلى حديث المُصرَّاة وغيره. وعلى العلم بالسَّبب المثبتِ لحكم الشَّارع
(1)
في هذا البيع المعَيَّن، وهو كون هذا الوصف عيبًا يسلَّط على الرَّدِّ أم ليس بعيب، وهذا لا يتوقَّفُ العلمُ به على الشَّرع بل على الحِسِّ أو العادة أو العُرْف أو الخبر، ونحو ذلك. وعلى البيِّنة التي هي طريقُ الحكم بين
(1)
(ع): "التنازع".
المتنازعين، وهى كلُّ ما يُبيِّن له صدق أحدِهما يقينًا أو ظنًّا من إقرار أو شهادةِ أربعةِ عدول، أو ثلاثة في دعوى الإعسارِ بتَلَف مالِه على أصحِّ القولين، أو شاهدين أو شهادة رجل وامرأتين، أو شاهد ويمين، أو شهادة رجل واحد وهو الذي يُسَمِّيه بعضُهم الإخبار، ويُفَرَّق بينه وبين الشهادة بمجرَّدِ اللفظ، أو شهادة امرأة واحدة كالقابِلة والمُرْضعَة، أو شهادة النساء منفرداتٍ حيث لا رَجُلَ معهنَّ؛ كالحمَّامَات والأعراس على الصَّحيح الذي لا يجوزُ القولُ بغيره. أو شهادةُ الصبيان على الجِراح إذا لم يتفرَّقوا، أو شهادة الأربع من النِّسوة، أو المرأتين، أو القرائن الظاهرة عند الجمهور كمالك وأحمد وأبي حنيفة، وكتنازع الرجل وامرأته في ثيابهما وكتُب العلم، ونحو ذلك، كتنازع النَّجَّار والخيَّاط في القَدُوم والجَلَم
(1)
، والإبرة والذِّراعِ، وكتنازع الورَّاق والحدَّاد في الدَّواة والمسطرة والقَلَم، والمِطْرقة والكَلْبَتَيْنِ والسَّنْدَان
(2)
، ونحو ذلك مما يقضي فيه أكثرُ أهلِ العلم لكل واحد من المتنازعين بآلة صَنْعَتِهِ بمجرَّد دعواه.
والشافعيُّ يقسم الخُفَّ بين الرَّجل والمرأة، ويقسِمُ الكتابَ الذي يُقرَأُ فيه
(3)
بينهما، وكذلك طيلسانه وعِمامته.
أو الشاهد واليمين، أو اليمين المردودة، أو النُّكول المجرد، أو القَسَامة، أو الْتِعان الزوج ونكول الزوجة، أو شهادة أهل الذِّمَّة في الوصِيَّة في السفر، أو شهادة بعضهم على بعض، أو الوصف للُقَطَةٍ،
(1)
الجَلَم: مقص يستعمل لجزّ الصوف، "اللسان":(12/ 102).
(2)
الكلبتان: آلة تكون مع الحدَّاد يأخذ بها الحديد المحمى، "اللسان":(1/ 726)، والسندان: هي الزُّبرة التي يضرب عليها الحداد الحديد. "اللسان": (15/ 91).
(3)
(ظ): "يقرأونه".
أو شهادة الدار
(1)
، أو الحَبَل في ثُبوت زنا التي لا زوج لها، أو رائحة المسكر أو قيئه، أو وجود المسروق عند من ادُّعِيَ عليه سَرِقَتُهُ على أصحِّ القولين، أو وجوه
(2)
الآجُرِّ ومعاقد القُمُط وعقد الأَزَجَ
(3)
عند من يقول به، فهذه كلها داخلة في اسم البيِّنة، فإنها اسم لما يُبَيِّنُ الحقَّ ويُوضِّحُهُ.
وقد أرشد الله سبحانه إليها في كتابه، حيث حكى عن شاهد يوسفَ اعتبارَه لقدِّ القميص، وحكى عن يعقوب وبنيه أخذَهُمُ البضائعَ التي باعوا بها بمجرَّدِ وجودِهم لها في رِحالِهم اعتمادًا على القرائن الظاهرة، بأنها وُهِبَتْ لهم ممن يمْلِكُ التَّصَرُّفَ فيها، وهم لم يشاهدوا ذلك، ولا أُعْلِموا به، ولكن اكتفوا بمجرد القرينة الظاهرة.
وكذلك سليمانُ بن داود حَكَمَ للمرأةِ بالوَلَد بقرينةِ رحْمَتِها له لما قال: "ايتُوْنِي بالسِّكِّيْنِ أَشُقَّهُ بَيْنَكما، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لا تَفْعَلْ هو ابْنُها، فَقَضَى به لها" وهذا من أحسن القرائن وألطفها.
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بتعذيب أحد ابني الحُقَيق اليهودي ليَدُلَّهُ على كَنز حُيَيِّ بن أخطبَ وقد ادَّعى ذَهابَهُ، فقال:"هو أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالعَهْدُ قَرِيبٌ"
(4)
، فاستدلَّ بهذه القرينة الظاهرة على كَذِبهِ في دعواه، فأمر الزُّبيرَ أن يُعَذِّبَهُ حتى يُقِرَّ به، فإذا عذَّبَ الوالي المتَّهّمَ إذا ظهر له كَذِبُهُ ليُقِرَّ بالسرقة لم يخرجْ عن الشريعة، إذا ظهرت له رِيبة
(5)
، بل
(1)
وهي: أن يتنازع رجلان دابة فيتركاها فمن دخلت داره فهي له.
(2)
(ق): "وجود".
(3)
تقدم شرح هذه الكلمات فيما سبق (3/ 1036).
(4)
تقدم الحديثان؛ حكومة سليمان: (ص / 12)، وتعذيب ابني الحقيق:(ص/ 1037).
(5)
(ع وق): "ريبته".
ضَرْبُهُ له في هذه الحال من الشَّرع.
وقد حَبَسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تُهْمَةٍ، وقد عزم عليٌّ والزُّبَيْر على تجريد المرأة التي معها الكتاب وتفتيشها، لما تَيَقَّنا أن الكتابَ معها
(1)
. فإذا غلب على ظنِّ الحاكم أن الحال المسروق أو غيره في بيت المُدَّعَى عليه أو معه، فأمر بتفتيشِهِ حتى يظهرَ المالُ، لم يكن بذلك خارجًا عن الشرع.
وقد قال النعمانُ بن بشير للمُدَّعِي على قوم سَرِقةَ مالٍ لهم: إن شئتمْ أن أضربَهم فإن ظهرَ متاعُكُمْ عندَهم، وإلا أخذتُ من ظهورِكم مثلَه، يعني: مثلَ ضَرْبِهِمْ، فقالوا: هذا حكمُك؟ قال: بل هذا حكمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
. رواه أحمد
(3)
.
والرجوعُ إلى القرائن في الأحكام متَّفَقٌ عليه بين الفقهاء، بل بين المسلمين كلِّهم. وقد اعتمد الصحابةُ على القرائن في الحدود؛ فرجموا بالحَبَل وجَلَدوا في الخَمْرِ بالقَيْءِ والرَّائحة، وأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم باستنكاه المُقِرِّ بالزِّنا
(4)
وهو اعتمادٌ على الرَّائحة.
والأمة مُجْمِعَةٌ على جواز وطء الزوج للمرأة التي تُهديها إليها النساء ليلة العُرْس، ورجوعه إلى دلالة الحال أنها هي التي وقع عليها العقدُ وإن لم يَرَها ولم يشهدْ بتعيينها رجلان.
(1)
تقدم تخريج هذه الأحاديث: (3/ 1037، 1089) من هذا الكتاب.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (4382)، والنسائي:(8/ 66) من حديث النعمان بن بشير.
(3)
لم أر من عزاه إلى أحمد غير المصنف وقد ذكره هو في "الزاد"(5/ 52) ولم يعزه إلى أحمد، فلعله في غير المسند.
(4)
أخرجه مسلم رقم (1695) من حديث بريدة بن الحُصَيب رضي الله عنه. والاستنكاه: الشم.