المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ومن مسائل الفضل بن زياد القطان - بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فائدةلا يصحُّ الامتنانُ بممنوع منه

- ‌فائدة(4)الفرق بين دليل مشروعية الحكم وبين دليل وقوع الحكم

- ‌فائدةفرق النِّكاح عشرون

- ‌فائدةشرط العمل بالظَّنِّيات

- ‌فائدةقولهم: "من مَلَكَ الإنشاءَ لعقدِ مَلَك الإقرارَ به، ومن عَجَزَ عن إنشائه عَجَزَ عن الإقرار به"، غير مطَّرِدٍ ولا منعكس

- ‌من فتاوى أبي الخطاب وابن عقيل وابن الزاغوني

- ‌فوائد شتى من خط القاضي أبي يعلى

- ‌فوائد من مسائل مُثَنَّى بن جامع(1)الأنباري

- ‌من مسائل البُرْزَاطِي(2)بخط القاضي انتقاه من خطِّ ابن بَطَّةَ

- ‌ومن مسائل أبي جعفر محمد بن علي الورَّاق

- ‌ومن مسائل أبي العباس أحمد بن محمَّد البِرْتي

- ‌ومن مسائل زياد الطوسي

- ‌ومن مسائل بكر(3)بن أحمد البُرَاثي

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد

- ‌ومن مسائل عبد الملك الميموني

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد

- ‌ومن مسائل أحمد بن أصْرَمَ بن خُزَيْمَةَ

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد القطان

- ‌[من مسائل ابن هانئ]

- ‌ومن مسائل ابن بَدِينا محمد بن الحسن

- ‌ومن مسائل أبي علي الحسن بن ثَوَاب

- ‌ومن خطِّ القاضي أيضًا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فائدة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصول في أحكام الوطء في الدُّبُر

- ‌ فصل

- ‌فائدةالفرق بين الشك والريب

- ‌ومما انتقاه القاضي من "شرح أبي حفصٍ لمبسوطِ أبى بكرٍ الخلال

- ‌فائدة

- ‌مسألة

- ‌مسألة

- ‌‌‌مسألة

- ‌مسألة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فصولٌ عظيمة النفع جداًفي إرشاد القرآن والسُّنّة إلى طريق المناظرة وتصحيحها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فائدةليس من شرط الدليل اندراجه تحتَ قضية كليةٍ

- ‌فائدة(1)من كُلِّيَّاتِ النَّحْو:

- ‌وإذا قلتَ: "ما جاءَني زَيْدٌ بل عَمْرٌو

- ‌فائدة

- ‌ مُنْتخب أيضًا

- ‌فائدةالجهلُ قسمان:

الفصل: ‌ومن مسائل الفضل بن زياد القطان

قيل: وقد رواه خالدٌ الحَذَّاء عمن سمع عبد الله بن عُكَيْم، قال: قد رواه شعْبَةُ، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن عُكَيْم أصحَّ من هذا، وقد رواه عبَّاد، ورواه شعبة، عن الحكم، كأنه صحَّحه من غير حديث خالدٍ.

‌ومن مسائل الفضل بن زياد القطان

-أيضًا-

كتبتُ إلى أبي عبد الله أسأله عن حديث النعمان بن بشير: "مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ"

(1)

ما الشُّبُهات؟ فأتاني

(2)

الجواب: هي منزَلةٌ بينَ الحلالِ والحرامِ، إذا استبرأَ لدِينه لم يقعْ فيها

(3)

.

أحمدُ: حدثنا عبدُ الأعلى، عن هشام، عن محمَّد -يعني: ابن واسع-: أنه كان يكرهُ أن يشتريَ بالدَّنانير إلاّ العُتَّق، وبالدراهم التي فيها كتابُ الله أن يشتريَ بها أو يبيعَ.

وقال أحمد: سمعت من مُعاذ بن هشام، عن أبيه، عن قَتَادَةَ، عن سعيد بن المُسَيِّب، قال: كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

= قال الترمذي "وسمعتُ أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذُكِر فيه "قبل وفاته بشهرين" وكان يقول: كان آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده

" اهـ. والحديث صححه الإمام أحمد في رواية ابنه صالح رقم (1119) و (733)، وفي رواية ابنه عبد الله رقم (43، 47)، وفي رواية ابن هانئ: (1/ 22) صرَّح بأنه يذهب إلى حديث ابن عكيم؛ لأنه آخر الأمرين، وانظر "طبقات الحنابلة": (2/ 350 - 351).

(1)

أخرجه البخاري رقم (52)، ومسلم رقم (1599) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

(2)

(ع): "فأتى".

(3)

وكذا فسّرها في رواية ابنه صالح رقم (205)، وفسَّرها تارةً باختلاط الحلال بالحرام، كما في "جامع العلوم":(1/ 199).

ص: 1421

يَتَّجِرون في البحر، منهم طَلْحَة بن عبيد الله وسعيد بن زيد

(1)

.

سمعتُ أبا عبد الله وسُئل عن بيع الجُزَافِ

(2)

، فقال: إذا استوى علمُهما فلا بأس -يعني: إذا جهلا به- فإذا عَلِمَ أحدُهما وجَهِلَ الآخرُ فلا.

وسألته قلت: القطنُ يبيعُه فيرفع ظرفه العِدْل خمسة أمْناء:

(3)

، قلت: نعم، وربما زاد فيحسبه للمشتري، فرخَّص فيه، ولم ينكرْه على طريق الصُّلح.

قلت: فإنَّا نبيعُ بيعًا آخر، نبيع القطنَ في الكساء، فقال: هذا أحبُّ

(4)

إلي من ذاك؛ لأنه يكون بمنزلة التَّمْر في جِلالِهِ وقَوَاصِرِه

(5)

، ما زال هذا يُباعُ في الإِسلامِ.

قلت: فإنهم يحملونا على أن

(6)

نكشِفَه، فقال: هذا ضَرُورةٌ ليس عليكم هذا.

قال القاضي: "إنما لم يشترط كشفَه على الرواية التي أجاز بيعَ الجُرُبِ قبل حلِّها، وقوله: نبيعُه بظرفِه أحبُّ إلَيَّ من أن يحتسبِ

(1)

ورواه عبد الله بن أحمد عن أبيه بسنده ومتنه في العلل": (2/ 42)، وابن معين في "تاريخه": (رقم 207 - رواية الدوري).

(2)

الجزاف: بضم الجيم وفتحها وكسرها هو: بيع الشيء لا يعلم كيله ولا وزنه. "المصباح المنير": (ص / 38).

(3)

المَنَا: هو ما يكال به أو يوزن، وجمعه: أمناء، وفي لغة تميم مفرده:"المنّ" ويجمع على: أمنان "اللسان". (13/ 419)، و "المصباح"(ص / 222).

(4)

(ق): "لعب".

(5)

الجلال والقواصر هي: الأوعية التي يُكتنز فيها التمر. "اللسان": (5/ 402).

(6)

(ع): "أنّا".

ص: 1422

بوزنِ الظرفِ؛ لأنهم ربما اختلفوا في وزنِهِ" انتهى كلامُهُ.

قلت: قول أحمد: "نبيعُ القطنَ في الكِسَاءِ أحبُّ إلَيَّ"، وقوله:"لأنه يكون بمنزلة التمرِ في جلالِهِ وقواصِرِه، ما زال هذا يُباعِّ في الإِسلام"، يؤخذ منه بيعُ المُغَيَّبَاتِ في الأرضِ؟ كالجزر والقُلْقاس والسَّلْجم ونحوها، بل أولى، وما زال هذا يُباع في الإِسلام ويتعذَّر عليهم بيعُ المزارع إلاّ هكذا، وعلمهم بما في الأرض أتمُّ من علم المشتري بما في الجُرُبِ والأعْدالِ؛ لأنهم يعرفونه بورقِهِ، ولا يكاد تخلو معرفتُهم به، بل رَبما كان اختلافُ ما في الجُرُب والأعدال

(1)

أكثرَ من اختلافِ المُغَيَّب في الأرضِ، والعسرُ فيه أكثر؛ لأنه بحسب دواعي البَشَر، وما في الأرض لا صُنْع لهم فيه، فالغالبُ تساويه

(2)

.

وبالجملةِ؛ فلم يزلْ ذلك يُباعُ في الإسلام، وهذه قاعدةٌ من قواعد الشَّرْعٍ عظيمةُ النفع: أن كلَّ ما يعلمُ أنه لا غنىً بالأُمَّةِ عنه، ولم يزلْ يقعُ في الإِسلام، ولم يعلمْ من النبي صلى الله عليه وسلم تغييرُهُ ولا إنكارُهُ ولا من الصحابة، فهو من الدِّينِ، وهذا كإجارةِ الإقطاع، وبيع المُعاطاة، وقرضِ الخبزِ والخَميرِ وردِّ أكبرَ منه وأصغرَ، وأكلِ الصيدِ من غير تفريزِ محلِّ أنيابِ الكلب ولا غسلِهِ، وصلاة المسلمينَ في جِراحاتهم، كما قال البخاريُّ

(3)

: "لم يزلِ المسلمون يُصَلُّون في جراحَاتِهمِ"، ومسحِهم سيوفَهم من غير غسلٍ، وصلاتِهم وهم حاملوها، ولو غُسِلتِ السيوفُ لفَسَدَتْ، ولا يُعرَفُ في الإِسلام غَسْل السيوف

(1)

من قوله: "لأنهم يعرفونه

" إلى هنا ساقط من (ق).

(2)

تقدم البحث في هذه المسألة: (4/ 1323).

(3)

"الصحيح - الفتح": (1/ 336)، وليس هو من قول البخاري، بل علقه على الحسن البصري مجزومًا به.

ص: 1423

ولا إلقاؤها وقت الصلاة، وكذلك صلاة النساء في ثياب الرَّضاعة أمر مستمرٌّ في الإِسلام، مع أن الصِّبيانَ لا يزالُ لُعابُهمْ يسيلُ على الأمَّهاتِ، وهم يَتَقيَّئونَ ولا تُغْسَلُ أفواهُهم، وكذلك البيعُ والشراءُ بالسعرِ لم يزلْ واقعًا في الإِسلامِ حتى إنَّ مَنْ أنكره لا يجدُ منه بُدًّا، فإنه يأخذُ من اللَّحَّام والخَبَّاز وغيرهما كلَّ يومِ ما يحتاجُ إَليه من غير أن يساوِمَهُ على كلِّ حاجة، ثم يحاسبُهُ في الشهر أو العام، (ق / 339 ب) ويُعطيه ثمنَ ذلك، فما يأخُذُه كلَّ يوم إنَّما يأخذُ بالسعر الواقع من غير مساوَمَةٍ، وكذلك الإجارةُ بالسِّعر في مثلِ دخول الحَمَّامِ، وغَسْلِ الغَسَّال، وطبخِ الطَّبَّاخِ والخَبَّاز وغيرهم، لم يزل الناسُ يفعلون ذلك من غير تقدير إجارَةٍ، اكتفاءً منهم بإجارة المثْل.

وقد نصَّ اللهُ تعالى على جوازِ النِّكاحِ من غير تسميةٍ، وحَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَهْرِ المِثْل

(1)

، فإذا كان هذا في النكاحِ، ففي سائرِ العقود من البيوعِ والإجاراتِ أولى وأحْرى.

وقول القائل: "الصَّداقُ في النِّكاح دخيلٌ غيرُ مقصودٍ ولا ركنٌ"، كلامٌ لا تحقيقَ وراءَهُ، بل هو عِوَضٌ مقصودٌ، تُنْكَحُ عليه المرأة، وتُرَدُّ بالعَيْب، وتطالبُ به، وتمنعُ نفسَها من التسليم قبل قبضه، حيث يكونُ لها ذلك، وهو أحقُّ أن يُوَفَّى به من ثمن المَبِيع وعِوَضِ الإجارَة، فهو في هذا العقد أدخل من ثمن المَبيعِ وعِوَضِ الإجارة فيهما؛ لأن

(1)

كما في قصة بَرْوَع بن واشق، كما في الحديث الذي أخرجه أحمد:(7/ 175 رقم 4099)، وأبو داود رقم (2114)، وابن ماجه رقم (1891)، والنسائى:(6/ 122)، وابن حبان "الإحسان":(9/ 408)، والحاكم:(2/ 180 - 181) وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

والحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي.

ص: 1424

منافعَ الإجارةِ والأعيان المَبيعة قد تُسْتَباحُ بغير عِوَضٍ، بل تُباحُ بالبَدَلِ، بخلاف منفعةِ البُضْعِ، والمرأةُ لم تبذلْ بضعَها إلَاّ في مقابلة المهر، وبضعُها أعزُّ عليها من مالِها، فكيف يقال: إنَّ الصَّداقَ عارِيَّةٌ في النِّكاحِ غيرُ دخيل فيه، وهل هو إلَاّ أحقُّ بالوفاء من ثمنِ المَبيع.

والذي أوجبَ لمن قال: إنه دخيلٌ

(1)

في العقد، أنهم رَأوا النكاحَ يَصِحُّ بدون تسمية، فدلَّتْ

(2)

على أنه ليس ركنًا في العقد، فهذا هو الذي دَعاهم إلى هذا القول.

وجوابُ هذا: أن النكاحَ لم ينعقدْ بدونه ألبتَّةَ، وإنما انعقدَ عند الإطلاق بصدَاقِ المِثْلِ، فوجَبَ صَدَاقُ المِثْلِ بنفس العقدِ، حتى صار كالمُسمَّى، وجعل الشارع سكوتَهم عنه بمنزلةِ الرِّضى به وتسميته، فلِم ينعقدِ النكاحُ بغيرِ صَدَاقٍ، وإنما انعقدَ

(3)

بغير تسمية صَداقٍ، وفرْقٌ بينَ الأمرينِ.

والمقصود أن الشارعَ جوَّزَ أن تكونَ أعراضُ المبيعاتِ، والمنافعُ في الإجاراتِ، ومنفعةُ البُضْعِ منصرفة عند الإطلاق إلى عِوَضِ المِثْلِ، وإن لم يُسَمَّ عند العَقْدِ، وليسَ هذا موضعَ تقرير هذه المسائل، وإنما أشرنا إليها إشارةً.

قال: وسألتُه عن الرجل يشتري الثوبَ بدينار ودرهم؟ فقال: لا بأس به، قلت: فإن اشتراه بدينار غير درهم، قال: لا يجوزُ هذا

(4)

(1)

(ق وظ): "غير دخيل" وهو خطأ!.

(2)

(ق وظ): "فدل".

(3)

من قوله: "عند الإطلاق

" إلى هنا ساقط من (ق).

(4)

نصّ عليه -أيضًا- في رواية الكوسج رقم (11).

ص: 1425

وسمعتُه سئل عن المُكَحَّلَة

(1)

قال: لا يشتري بها شيئًا، ولكن إذا كان لك على رجلٍ دراهم فأعطاك مُكَحَّلَةً فخذ منه، كأنك أخذتَ دون حَقِّكَ. ورأيته يشدِّدُ في المُزَبَّقة

(2)

جدًّا.

وسئل عن رجل كان ساكنًا، فقال له صاحبُ الدار: تحوَّلْ، فقال الساكنُ: قد دفنتُ في دارك شيئًا، فقال صاحبُ الدَّار: ليس ذلك لك، فقال أبو عبدٍ الله: ينبشُ كلُّ واحدٍ منهما ما دفن، فكلُّ من أصاب الوصفَ كان ذلك له، أو نحو ذلك.

قلت: هذا له ثلاثةُ أصول:

أحدُها: وصفُ اللُّقَطَةِ، فإنه يُوْجِبُ أو يُسَوِّغُ على القولِ الآخر دفعها إلى الواصف.

الثاني: الدعوى المتأيدة بالظَّاهر والعادة، كدعوى كُلٍّ من الزوجين ما يصلح له دونَ صاحِبِه، فإنه يُعطاهُ بدعواهُ المتَأَيِّدةِ بالظَّاهر

(3)

والعادة.

الثالث: إن العلمَ المستفادَ من وصف أحدهما له بصِدْقه أقوى من العلم المستفاد بالشاهِد الواحدِ واليمين، أو نكولِ الخصمِ، وهذا مما لا سبيلَ للنفسِ إلى دفعِهِ، ومحالٌ أن يحْكَمَ بالأضعف، ويُلْغَى حُكْمُ ما هو أقوى منه، والذي منع منه الشرعُ أن المُدَّعِيَ لا يُعطى بدعوى مجرَّدة لا دليل معها شيئًا، فإذا تميَّزَتْ بدليل لم يُحْكَمْ له

(1)

يعني: الدراهم المزيفة، انظر:"بدائع الصنائع"(7/ 395).

(2)

تحرفت في المطبوعات إلى: "الشريعة"! ودرهم مُزَأبق مطلي بالزئبق، والعامة تقول: مُزبَّق. "اللسان": (10/ 137)، وانظر:"مسائل صالح" رقم (158)، و "مسائل أبي داود"رقم (1233 وما بعدها).

(3)

من قوله: "كدعوى

" إلى هنا سقطت من (ق).

ص: 1426

بدعوى مجرَّدة، ولهذا يحكمُ له بالشاهدين تارةً، وبالواحد تارةً

(1)

، وبالنُّكولِ تارةً، وبالقرائنِ الظاهرةِ وبالصِّفَة وبالشَّبَهِ

(2)

، وهذا كُلُّه أمرٌ رائدٌ على مجرَّدِ الدَّعوى، فلم يحكمْ له بدعوى مجرَّدة، وأين تقَعُ معاقدُ القُمُط ووجوهُ الآجُرِّ والخصِّ

(3)

من الصِّفَةِ هاهنا، وفي اللُّقطة والله الموفق.

وقال أحمد: إذا ادعى أحدُهم الدارَ أجمع، قال الآخر: لي نصفُها، فهي بينَهما نصفانِ، وقد يقولُ بعضُ الناسِ: هي بينَهما ثلاثةُ أرباع لمدَّعي الجميعِ، وللآخرِ الرُّبُعُ.

قلت: وجهُ هذا: أن مدَّعي النِّصفِ قد اعترفَ أن النِّصفَ الآخر لا حقَّ له فيه، فلا منازعَ لخصمِه فيه، فينفردُ به وخصمُهُ ينازعه في هذا النصفِ المدَّعى، وكلاهما يَدَّعِيه، فهما فيه سواءٌ.

ووجهُ المنصوص وهو القياسُ: أن أيديهما على الدَّار سواءٌ، فلكلِّ واحدٍ نصفُها، ومُدَّعي الكلِّ يَدَّعي النصفَ الذي للآخر وهو يُنْكِرُهُ، فلو أُعطي منه شيئًا لأعطيَ بمجرَّد دعواه، وهو باطلٌ، فإن خصمَه إنما يُقِرُّ له بالنِّصفِ، فلأي شيء يُعطى نصفَ ما بيدِ خصمِه بمجرَّد الدعوى، فهذا القولُ ضعيفٌ جدًّا.

وقولهم: "إنهُ يُقِرُّ

(4)

لخصمِه بالنِّصفِ، فينفردُ به، وهما متداعيانِ للنصف الآخرِ، فيقسم بينهما".

(1)

بعده في (ظ) فقط: "وبالمرأة تارة".

(2)

(ق): "وبالشبهة".

(3)

انظر ما تقدم (3/ 1036).

(4)

(ق وظ): "مقر".

ص: 1427

فجوابه: أن استحقاقَ خصمِهِ للنصفِ لم يكن مستنِدًا إلى إقراره له به، بل النصفُ له، سواءٌ أقرَّ له به خصمُه أو نازعَهُ، فإقرارهُ إنما زادَه تأكيدًا، ويدُ كلِّ منهما مثبتةٌ

(1)

لنصف المُدَّعَى، وأحدُهما يقول لصاحبه: ليست يَدُكَ يدَ عُدْوانٍ، والآخرُ يقولُ لُمدَّعي النِّصفِ: يَدُكَ يدُ عُدْوانٍ، فلو قضينا له بشيءٍ مما بيدِ خصمِه لقضينا له بمجرَّدِ قولِهِ ودعواه، وهذا لا نَصَّ ولا قياسَ، واللهُ أعلم.

وقال له رجل: أكري نفسي لرجلٍ أُلْزِمُ له الغُرَماء؟ قال: غيرُ هذا أعجبُ إليَّ.

وسمعته يقول: ما أقلَّ بَرَكَةَ بيْع العقار إذا بيع.

وقيل له: ما تقولُ في رجل اكترى من رجل دارًا، فوجد فيها كناسةً، فقال صاحب الدار: لم يكن هذا في داري، وقال السَّاكنُ: بل

(2)

قد كان في دارِك؟ فقال هو على صاحبِ الدار.

سألتُ أبا عبد الله عن الصَّائغ يغسلُ الفِضَّةَ بدُرْدِي

(3)

الخمر؟ قال: هذا غِشٌّ، لعلَّ الفضة تكون سوداء فَتَبْيَضُّ.

أملى عَليَّ أبو عبد الله: إنما على الناس اتِّباعُ الآثارِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفةُ صحيحها من سقيمها، ثم بعد ذلك قولُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يكنْ قولُ بعضِهم لبعض مخالفًا

(4)

، فإن اختلفَ نُظِرَ في الكتاب، فأيُّ قولهم كان أشبَهَ بالكتابِ أُخِذَ به،

(1)

(ع): "مبينة".

(2)

(ق وظ): "بلى".

(3)

الدُّرْدي: ما يبقى في أسفل كل مائع كالأشربة والأدهان. "اللسان": (3/ 166).

(4)

في النسخ بالرفع. ويصح أن تكون الجمل التي بعدها مبنية للمعلوم.

ص: 1428

وبقولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخِذَ به، فإذا لم يأتِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم نُظِرَ في قول التَّابعينَ، فأيّ قولهم كان أشبهَ بالكتاب والسنة، أُخِذَ به وتُرِكَ ما أحدثَ الناسُ بعدَهم.

سمعتُ أبا عبد الله وقد سُئِلَ عن الرجل يسألُ عن الشيءِ من المسائلِ، فيرشدُ صاحبَ المسألةِ إلى رجلٍ يسألُهُ؟ قال: إذا كان رجلًا متِّبَعًا أرشدَه إليه فلا بأسَ.

وقال: ابنُ أبي ذئب أصلَحُ

(1)

في تَدَيُّنِهِ وأوْرعُ وأقوَمُ بالحقِّ من مالكٍ عند السلاطين، فدخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر فلم يَهُلْهُ أن قال له بالحقِّ، وكان يُشَبَّهُ ابنُ أبي ذئب بسعيد بن المسيَّب في زمانه

(2)

.

قلت: رجل يُقرئ رجلًا مئتي آية ويُقرئ آخرَ مئة؟ قال: ينبغي له أن ينصفَ بين الناس. قلت: إنه لِأخذُ على هذا مئتي آية لأنه يرجو أن يكونَ عاملًا به، ويأخذ على هذا أقلَّ لأنه لم

(3)

يبلغْ مبلَغَ هذا في العمل؟ قال: ما أحسن

(4)

الإنصافَ في كلِّ شيءٍ.

وسمعت أبا عبد الله وذُكر عنده أبو الوليد

(5)

، فقال: هو شيخ الإسلام

(6)

.

(1)

(ق) وحدها: "

ما رأينا أصلح"!.

(2)

وانظر نحوه وأطول منه في "مسائل صالح بن الإمام أحمد" رقم (805، 810، و "السير": (7/ 144).

(3)

(ظ): "لم يكن

".

(4)

(ع): "ما أحسن هذا

".

(5)

أي: الطيالسي.

(6)

وانظر: "تهذيب التهذيب": (11/ 46).

ص: 1429