المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل * ومِنْ ذلك قولُه تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا - بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فائدةلا يصحُّ الامتنانُ بممنوع منه

- ‌فائدة(4)الفرق بين دليل مشروعية الحكم وبين دليل وقوع الحكم

- ‌فائدةفرق النِّكاح عشرون

- ‌فائدةشرط العمل بالظَّنِّيات

- ‌فائدةقولهم: "من مَلَكَ الإنشاءَ لعقدِ مَلَك الإقرارَ به، ومن عَجَزَ عن إنشائه عَجَزَ عن الإقرار به"، غير مطَّرِدٍ ولا منعكس

- ‌من فتاوى أبي الخطاب وابن عقيل وابن الزاغوني

- ‌فوائد شتى من خط القاضي أبي يعلى

- ‌فوائد من مسائل مُثَنَّى بن جامع(1)الأنباري

- ‌من مسائل البُرْزَاطِي(2)بخط القاضي انتقاه من خطِّ ابن بَطَّةَ

- ‌ومن مسائل أبي جعفر محمد بن علي الورَّاق

- ‌ومن مسائل أبي العباس أحمد بن محمَّد البِرْتي

- ‌ومن مسائل زياد الطوسي

- ‌ومن مسائل بكر(3)بن أحمد البُرَاثي

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد

- ‌ومن مسائل عبد الملك الميموني

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد

- ‌ومن مسائل أحمد بن أصْرَمَ بن خُزَيْمَةَ

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد القطان

- ‌[من مسائل ابن هانئ]

- ‌ومن مسائل ابن بَدِينا محمد بن الحسن

- ‌ومن مسائل أبي علي الحسن بن ثَوَاب

- ‌ومن خطِّ القاضي أيضًا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فائدة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصول في أحكام الوطء في الدُّبُر

- ‌ فصل

- ‌فائدةالفرق بين الشك والريب

- ‌ومما انتقاه القاضي من "شرح أبي حفصٍ لمبسوطِ أبى بكرٍ الخلال

- ‌فائدة

- ‌مسألة

- ‌مسألة

- ‌‌‌مسألة

- ‌مسألة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فصولٌ عظيمة النفع جداًفي إرشاد القرآن والسُّنّة إلى طريق المناظرة وتصحيحها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فائدةليس من شرط الدليل اندراجه تحتَ قضية كليةٍ

- ‌فائدة(1)من كُلِّيَّاتِ النَّحْو:

- ‌وإذا قلتَ: "ما جاءَني زَيْدٌ بل عَمْرٌو

- ‌فائدة

- ‌ مُنْتخب أيضًا

- ‌فائدةالجهلُ قسمان:

الفصل: ‌ ‌فصل * ومِنْ ذلك قولُه تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا

‌فصل

* ومِنْ ذلك قولُه تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)} [البقرة: 142].

هذا سؤالٌ من السفهاءِ أوردوه على المؤمنينَ، ومضمونهُ: أن القبلةَ الأولى إن كانت حقًا فقد تركتُمُ الحَقَّ، وإن كانت باطلاً فقد كنتم. على باطلٍ، ولفظُ الآية وإن لم يَدُلَّ على هذا، فالسُّفهاءُ المجادلون في القِبْلةِ قالوه.

فأجاب اللهُ تعالى عنه بجواب شافٍ بعد أن ذكر قَبْلَه مقدِّماتِ تقرِّرُهُ وتوضِّحُهُ، والسؤالُ من جهةِ الكفَّار أوردوه على صُوَر متعدِّدة، ترجعُ إلى شىِء واحدٍ، فقالوا ما تَقَدَّمَ، وقالوا: لو كان

(1)

نبيًّا

(2)

ما تركَ قِبْلَةَ الأنبياءِ قَبْلَهُ.

وقالوا: "لو كان نبيًّا ما كان يفعلُ اليوم شيئًا وغدًا خلافه".

وقال المشركون: "قد رَجَعَ إلى قبلتِكم فيوشِكُ أن يرجِعَ إلى دينكم".

وقال أهل الكتاب: "لو كان نَبيًّا ما فارقَ قِبْلَةَ الأنبياءِ"، وكثر الكلام وعظُمتِ المحْنَةُ على بعض الناسِ، كما قال تعالى:{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143].

وتأملِ حكمةَ العزيز الحكيم، ولطفَه وإرشادَه في هذه القصَّة،

(1)

من قوله: "الكفار أوردوه

" إلى هنا ساقط من "ق".

(2)

(ق): "نبيَّه".

ص: 1582

لما علم أن هذا التَّحويلَ أمر كبيرٌ، كيف وطَّأهُ ومهَّدَهُ وذلَّلَهُ بقواعدَ قَبْلَه، فذكر النسخَ، وأنه إذا نَسَخَ شيئًا أتى بمثلِه أو خيرٍ منه، وأنه قادرٌ على ذلك فلا يعْجزهُ، ثم قرَّر التسليمَ للرسول، وأنه لا ينبغي أن يُعتَرَضَ عليه، ويسأل تَعنتًا، كما جرى لموسى مع قومِه، ثم ذكر البيتَ الحرامَ وتعظيمه وحُرْمَتَهُ، وذكَرَ بانِيه وأثنى عليه، وأوجب اتِّباعَ مِلَّتِهِ فقرَّر في النفوس بذلك توجهها إلى هذا البيتِ بالتعظيمِ والإجلالِ والمحَبَّة، وإلى بانِيه بالاتِّباع والموالاةِ والموافقةِ، وأخبر تعالى أنه جعل البيتَ مثابةً للناس، يثُوبون إليه ولا يقضون منه وطَرًا، فالقلوب عاكفة على محبَّته، دائمة الاشتياقِ إليه، متوجِّهة إليه حيث كانت، ثم أخبر أنه أمَرَ إبراهيمَ وإسماعيلَ بتطهيرِه للطَّائفينَ والقائمينَ والمُصَلِّين، وأضافَهُ إليه بقوله:{طَهِّرَا بَيْتِيَ} [البقرة: 125]، وهذه الإضافةُ هي التي أسْكَنَتْ في القلوب من محبَّتِهِ والشوقِ إليه ما أسكنَتْ، وهي التي أقبلَتْ بأفئدةِ العالَم إَليه، فلما استقرَّتْ هذه (ظ/ 260 أ) الأمور في قلوبِ أهل الإيمان وذُكَروا بها، فكأنَّها نادتهم: أن استقبلوه في الصَّلاة، ولكن توقفَتْ على ورود الأمر من ربِّ البيت، فلما برز مرسوم:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]، تلقَّاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والراسخون في الإيمان بالبشرى والقَبولِ، وكان عيدًا عندَهم؛ لأن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان كثيرًا ما يُقَلِّب وجهَه في السَّماءِ ينتظرُ أن يُحَوِّلَه الله عن قبلةِ أهلِ الكتابِ، فولَّاه اللهُ القبلةَ التي يرضاها، وتلقَّى ذلك الكفارُ بالمعارضةِ وذِكْر الشبهاتِ الدَّاحِضَةِ، وتلقَّاه الضعفاء عن المؤمنينَ بالإغماضِ والمشقةِ.

فذكَرَ تعالى أصنافَ الناس عند الأمرِ

(1)

باستقبالِ الكعبةِ، وابتدأ

(1)

من قوله "وتلقاه الضعفاء

" إلى هنا ساقط من (ق).

ص: 1583

ذلك بالتسليةِ لرسولهِ وللمؤمنينَ عما يقول السفهاءُ من الناسِ، فلا تَعْبثُوا بقولهم، فإنه قول سفيه، ثم قال:{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ (ق / 375 أ) يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)} [البقرة: 142] فأخبر تعالى أن المشرق والمغربَ: له، وأنه ربّ ذلك، فأين ما تَعَبَّدَ له عبادهُ بأمرِه، إلى أيِّ جهة كانت فهم مطِيعون له، كما قال: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ

(1)

فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، فلم يُصَلِّ مسقبِلُ الجهاتِ بأمرِه إلا له تعالى، فإذا كنتم تصَلُّون إلى غير الكعبة بأمرهِ، ثم أَمَرَكُم أن تصلُّوا إليها، فما صَلَّيْتم إلَّا له أولًّا وَآخرًا، وكنتم على حق في الاستقبال

(2)

الأوَّلِ والآخرِ، لأن كليهما كان بأمرهِ ورضاه، فانتقلتم من رضاه إلى: رضاه.

ثم نبَّهَ على فضلِ الجهةِ التي أمرهم بالاستقبالِ إليها ثانيًا بأنه يهدي من يَشاءُ إلى صراط مستقيم، كما هداكم للقبلةِ التي جعلها قِبْلَتكُمْ، وشرَعها لكم ورضِيَها، ولكن أمركم باستقبالِ غيرِها أولًّا لحكمة له في ذلك، وهي أن يعلمَ -سبحانه- من يَتَّبعُ الرسولَ ويدور معه حيثما دار، ويأتمر بأوامرِهِ كيف تصَرَّفَتْ، وهو العالِمُ بكل شيء، ولكن شاءَ أن يعلمَ معلومَه الغَيبيَّ

(3)

عيانا مشاهدًا، فيتميزُ بذلك الراسخُ في الإيمان، المسَلِّمُ للرسولِ، المنقاد له، ممن يعبدُ الله على حَرْف، فينقلبُ على عَقِبيه بأدنى شبهَةٍ.

فهذا من بعضِ حكَمه في أن جعلَ القبلةَ الأولى غيرَ الكعبةِ، فلم يشرعْ ذلك سدًى ولا عَبَثا، ثم أخبر -سبحانه- أنه كما جعل لهم

(1)

من قوله: "فأين ما

" إلى هنا ساقط من (ق).

(2)

من (ظ)، وسقطت من (ع)، وفي (ق):"الانتقال".

(3)

(ع): "معلومه العيني"، (ق):"علمه الغيبي".

ص: 1584

أوسط الجهات قبلة لتعبدهم فكذلك جعلهم أمة وسطًا فاختار القبلة الوسط في الجهات للأمة الوسط في الأمم، ثم ذكر أن هذا التفضيل والاختصاص ليستشهدهم على الأمم فيقبل شهادتهم على الخلائق يوم القيامة، ثم أجاب -تعالى- عما سأل عنه المؤمنون من صلاتهم إلى القبلة الأولى، وصلاة من مات من إخوانهم قبل التحويل فقال:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، وفيه قولان:

أحدهما: ما كان الله ليضيع صلاتكم إلى بيت المقدس، بل يجازيكم عليها؛ لأنها كانت بأمره ورِضاه.

والثاني: ما كان ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى، وتصديقكم بأن الله شرعها ورضيها.

وأكثر السلف والخلف على القول الأول وهو مستلزم للقول الآخِرِ

(1)

.

ثم ذكر منته على رسوله، واطلاعه على حرصه على تحويله عن قبلته الأولى، فقال:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].

ثم أخبر تعالى عن أهل الكتاب بأنهم يعلمون (ق / 375 ب) أنه الحق من ربهم، ولم يذكر للضمير مفسِّرا غير ما في السياق، وهو الأمر باستقبال المسجد الحرام وأن أهل الكتاب عندهم (ظ / 260 ب) من علامات هذا النبي أن يستقبل بيت الله الذي بناه إبراهيم في صلاته،

(1)

انظر "تفسير الطبرى": (2/ 19 - 21).

ص: 1585

ثم أخبر تعالى عن شدَّة كفر أهل الكتاب بأنهم لو أتاهم الرسول بكلِّ آية ما تبعوا قبلته. ففي ذلك التسلية له، وتركهم وقبلتهم.

ثم بَرَّأهُ من قبلتهم فقال: {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} [البقرة: 145] ، ثم ذكر اختلافهم في القبلة، وأن كل طائفة منهم لا تتبع الطائفة الأخرى؛ لأن القبلة من خواصِّ الدين وأعلامه وشعائره الظاهرة، فأهل كل دين لا يفارقون قبلتهم، إلا أن يفارقوا دينهم.

فأخبر تعالى في هذه الجُمل الثلاث بثلاث إخبارات، تتضمَّن براءة كل طائفة من قبله الطائفة الأخرى، وتتضمن الأخبار بأن أهل الكتاب لو رأوا كل آية تدل على صدق الرسول لما تبعوا قبلته، عنادًا وتقليدًا لآبائهم، وأنهم إن اشتركوا في خلاف القبلة الحق، فهم مختلفون في باطلهم، فلا تتبع طائفة قبلة الأخرى، فهم متفقون على خلاف الحق، مختلفون اختيار الباطل.

وفي هذه الآية أيضا تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على لزوم

قبلتهم، وأنه لا يشتغل بما يقوله أهل الكتاب:"ارجعوا إلى قبلتنا فنتبعكم على دينكم" فإن هذا خداع ومكرٌ منهم، فإنهم لو رأوا كلَّ آية تدل على صدقك ما تبعوا قبلتك؛ لأن الكفر قد تمكن من قلوبهم، فلا مطمع للحق فيها، ولست أيضا بتابع قبلتهم، فليقطعوا مطامعهم من موافقتك لهم وعودك إلى قبلتهم

(1)

، وكذلك هم أيضا مختلفون فيما بينهم، فلا يتبع أحد منهم

(2)

قبلةَ الآخر، فهم مختلفون في القبلة، ولستم أيها المؤمنون موافقين لأحد منهم في قبلته، بل

(1)

"فليقطعوا مطامعهم من موافقتك لهم وعودك إلى قبلتهم" سقطت من (ق).

(2)

(ظ): "أحدهم".

ص: 1586

أكرمكُم الله بقبلة غير قبلة هؤلاء المختلفين، اختارها الله لكم ورضيها، وأكد تعالى هذا المعنى بقوله:{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)} [البقرة: 145].

فهذا كله تثبيت وتحذير من موافقتهم في القبلة، وبراءة من قبلتهم ،كما هم براء من قبلتك، وكما بعضهم بريء من قبله بعض، فأنتم أيها المؤمنون أولى بالبراءة من قبلتهم

(1)

التي أكرمكم الله تعالى بالتحويل عنها، ثم أكد ذلك بقوله {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)} [البقرة: 147].

ثم أخبر تعالى عن اختصاص كل أمة بقبلتهم، فقال:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148]، وأصح القولين أن المعنى: هو متوجه إليها، (ق / 376 أ) أي: موليها وجهه، فالضمير راجعٌ إلى كل، وقيل: إلى الله، اي الله موليها إياه، وليس بشيء؛ لأن الله لم يولِّ القبلة الباطلة أبدا، ولا أمر النصارى باستقبال الشرق قط، بل هم تولوا هذه القبلة من تلقاء أنفسهم، وولوها وجوههم.

وقوله {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] مشعر بصحة هذا القول، أي: إذا كان أهل الملل قد تولوا الجهات

(2)

فاستبقوا أنتمُ الخيرات، وبادروا إلى ما اختاره الله لكم ورضيه، وولاكم إياه، ولا تتوقفوا فيه، {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} [البقرة: 148]: يجمعكم من الجهات المختلفة، والأقطار المتباينة إلى موقف القيامة، كما تجتمعون من سائر الجهات

(1)

من قوله: "كما هم براء

" إلى هنا ساقط من (ق).

(2)

من قوله: "فاستبقوا الخيرات

" إلى هنا ساقط من (ظ)، وبعد هذه الكلمة فى (ق): "واستقبلوها".

ص: 1587

إلى جهة القبلة التي تؤمونها، فهكذا تجتمعون من سائر أقطار الأرض ، إلى جهة الموقف الذي يؤمه الخلائق، وهذا نظير قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [المائدة: 48] ، فأمرهم باستباق الخيرات ،

(1)

وأخبر أن مرجعهم إليه عند إخباره بتعدُّد شرائعهم

(2)

ومناهجهم كما ذكر ذلك بعينه عند إخباره بتعدد وجههم وقبلهم. فقال: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} [البقرة: 148]

(3)

.

وتحت هذا سرٌّ بديعٌ يفهمه من يفهمه، وهو أنه عند الاختلاف في الطرائق والمذاهب والشرائع والقبل يكون أقربها إلى الحق ما كان أدل على الله، وأوصل إليه؛ لأن مرجع الجميع إليه يوم القيامة وحده، وإن اختلفت أحوالهم وأزمنتهم وأمكنتهم

(4)

، فمرجعهم إلى رب واحد وإله واحد، فهكذا ينبغي أن يكون مرد الجميع ورجوعهم كلهم إليه وحده في الدنيا، فلا يعبدون غيره، ولا يدينون بغير دينه، إذ هو إلههم الحق في الدنيا والآخرة.

فإذا كان أكثر الناس قد أبى ذلك إلا كفورا وذهابا في الطُّرُق الباطلة وعبادة غيره، وإن دانوا غير دينه، فاستبقوا أنتم أيها المؤمنين الخيرات، وبادروا إليها، ولا تذهبوا مع الذين يسارعون في الباطل والكفر فتأمل (ظ / 261 أ) هذا السر البديع في السورتين.

(1)

"فأمرهم باستباق الخيرات" من (ق).

(2)

(ع): "شعائرهم".

(3)

من قوله: "وأخبر أن مرجعهم

" إلى هنا ساقط من (ظ).

(4)

(ق وظ): "وأماكنهم".

ص: 1588

وفي قوله: {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)} [المائدة: 48](ق / 376 ب) سر آخر أيضًا ،وهو أن هذا الاختلاف دليل على يوم الفصل، وهو اليوم الذي يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق، وبين لهم حقيقة ما اختلفوا فيه، فنفس الاختلاف دليل على يوم الفصل

(1)

والبعث، وقد أوضح ذلك قوله تعالى: في سورة النحل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)} [النحل: 38] فذكر تعالى حكمتين بالغتين في بعثة الأموات بعد ما أماتَهم:

إحداهما: أن يبين

(2)

للناس الذي اختلفوا فيه، وهذا بيانٌ عيانيٌّ تشترك فيه الخلائق كلهم، والذي حصل في الدنيا بيان إيماني اختص به بعضهم.

الحكمة الثانية: علم المبطل بأنه كان كاذبا، وإن كان على باطل، وأن نسبة أهل الحق إلى الباطل من افترائه وكذبه وبهتانه، فيخزيه ذلك أعظم خزي.

فتأمل أسرار كلام الرب تعالى، وما تضمنته آيات الكتاب المجيد من الحكمة البالغة الشاهدة بأنه كلام رب العالمين، والشاهدة لرسوله بأنه الصادق المصدوق، وهذا كله من مقتضى حكمته وحمده تعالى، وهو معنى كونه خلق السموات والأرض وما بينهما بالحق، ولم يخلق ذلك باطلا، بل خلقه خلقا صادرا عن الحق، آيلا إلى الحق،

(1)

من قوله: "وهو اليوم

" إلى هنا ساقط من (ظ).

(2)

(ق): "يتبين".

ص: 1589

مشتملا على الحق، فالحق سابق لخلقها، مقارن له، غاية له، ولهذا أتى بالباء الدالة على هذا المعنى دون اللام المفيدة لمعنى الغاية وحدها، فالباء مفيدة معنى اشتمال خلقها على الحق السابق والمقارن والغاية.

فالحق السابق: صدور ذلك عن علمه وحكمته، فمصدر خلقه تعالى وأمره عن كمال علمه وحكمته، وبكمال هاتين الصفتين يكون المفعول الصادر عن الموصوف

(1)

بهما حكمه كله، ومصلحة وحقا

(2)

، ولهذا قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)} [النمل: 6] ، فأخبر أن مصدر التلقي عن علم المتكلم وحكمته

(3)

، وما كان كذلك كان صدقا وعدلا، وهدى وإرشادا، وكذلك قالت الملائكة لامرأة إبراهيم حين قالت:{عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)}

(4)

[الذاريات: 29] ، وهذا راجع إلى قوله وخلقه، وهو خلق الولد لها على الكبر.

وأما مقارنة الحق لهذه المخلوقات: فهو ما اشتملتْ من الحكم والمصالح والمنافع والآيات الدالة للعباد (ق / 377 أ) على إلههم ووحدانيته وصفاته، وصدق رسله، وأن لقاءه حق لا ريب فيه، ومن نظر في الموجودات ببصيرة قلبه، رآها كالأشخاص الشاهدة الناطقة

(1)

(ظ): " الوصف".

(2)

(ق): "كليه ومصلحه وحق".

(3)

من قوله: "ومصلحة وحقًا

" إلى هنا ساقط من (ظ).

(4)

في الأصول: "أألدُ وأنا عجوز عقيم قالوا كذلك

"! وليس في القرآن آية بهذا السياق، ففى هود: {قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا

} [هود: 72]، وأثبتنا ما: في سورة الذاريات لأنه أقرب إلى سياق المؤلف.

ص: 1590

بذلك، بل شهادتُها أتم من شهادة الخبر المجرد؛ لأنها شهادة حال لا يقبل كذبا، فلا يتأمل العاقل المستبصر مخلوقا حق تأمله، إلا وجده دالا

(1)

على فاطره وبارئه، وعلى وحدانيته، وعلى كمال صفاته وأسمائه، وعلى صدق رسله، وعلى أن لقاءه حق لا ريب فيه.

وهذه طريقة القرآن في إرشاده الخلق إلى الاستدلال بأصناف المخلوقات وأحوالها على إثبات الصانع، وعلى التوحيد والمعاد والنبوات، فمرة يخبر أنه لم يخلق خلقه باطلا ولا عبثا، ومرة يخبر أنه خلقهم بالحق، ومرة يخبرهم وينبههم على وجوه الاعتبار، والاستدلال بها على صدق ما أخبرت به رسله حتى يبين لهم أن الرسل إنما جاؤوهم بما يشاهدون أدلة صدقة، وبما لو تأملوه لرأوه مركوزًا في فطرهم، مستقرا في عقولهم، وأن ما يشاهدونه من مخلوقاته شاهد بما أخبرت به رسله عنه، من أسمائه وصفاته ، وتوحيده ولقائه، ووجود ملائكته، وهذا باب عظيم من أبواب الإيمان، إنما يفتحه الله على من سبقت له منه سابقة السعادة، وهذا أشرف علم يناله العبد في هذه الدار.

وقد بينت في موضع آخر

(2)

أن كل حركة تشاهد على اختلاف أنواعها، فهي دالة على التوحيد والنبوات والمعاد، بطريق سهلة واضحة برهانية، وكذلك ذكرت في "رسالة إلى بعض الأصحاب"

(3)

(1)

(ق): "شاهدًا دالا".

(2)

انظر "مفتاح دار السعادة": (2/ 5 - فما بعدها).

(3)

لم أعثر على هذه الرسالة، ولم يذكرها أحد، وطبعت للمؤلف رسالة بعنوان:"رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه"؛ لكن ليس فيها ما ذكره المؤلف هنا، فلعلها رسالة أخرى.

ص: 1591

بدليل واضح: أن الروح مركوز في أصل فطرتها وخلقتها شهادة (أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله) ، وأن الإنسان لو استقصى التفتيش لوجد ذلك مركوزا في نفس روحه وذاته وفطرته.

فلو تأمل العاقل الروح وحركتها فقط؛ لاستخرج منها الإيمان بالله تعالى وصفاته، والشهادة بأنه لا إله إلا هو، والإيمان برسله وملائكته ولقائه، وإنما يصدق بهذا من أشرقت شمس (ظ / 261 ب) الهداية على أفقِ قلبه، وانجابت عنه سحائب غيه

(1)

، وانكشف عن قلبه حجاب:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} [الزخرف: 23] ، فهنالك يبدو له سر طال عنه اكتتامه، ويلوح له صباحٌ هو

(2)

ليلة وظلامه. فقف الآن (ق / 377 ب) عند كل كلمة من قوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)} [الجاثية: 3 - 5].

ثم تأمل وجه كونها آية، وعلى ماذا جعلت آية؟ أعلى مطلوب واحد أم مطالب متعددة، وكذلك سائر ما في القرآن الكريم من هذا النمط، كآخر (آل عمران)، وقوله في سورة (الروم):{وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 20] إلى آخرها، وقوله في سورة (النمل):{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] إلى آخر الآيات، وأضعاف ذلك في القرآن الكريم وكقوله في سورة (الذاريات):{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} [الذاريات: 20]، {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)} [يوسف: 105]

(1)

(ع): "غيبه".

(2)

كذا في الأصول، وفي العبارة نقص أو تحريف.

ص: 1592

فهذا كلُّه من الحق الذي خلقت به السموات والأرض وما بينهما، وهو حق مقارن لوجود هذه المخلوقات، مسطور في صفحاتها، يقرؤه كل موفق

(1)

كاتب وغير كاتب، كما قيل:

تأمل سطور الكائنات فإنها

من الملأ الأعلى إليك رسائل

وقد خُطَّ فيها لو تأملت خطها

"ألا كل شيء ما خلا الله باطل"

(2)

وأما الحق الذي هو غاية خلقها: فهو غاية تراد من العباد، وغاية تراد بهم.

فالتي تراد منهم: أن يعرفوا الله تعالى وصفات كماله عز وجل،

وأن يعبدوه لا يشركوا به شيئا، فيكون هو وحده إلههم ومعبودهم، ومطاعهم ومحبوبهم، قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق: 12] فأخبر أنه خلق العالم ليعرف عباده كمال قدرته وإحاطة علمه، وذلك يستلزم معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وتوحيده، وقال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56] ، فهذه الغاية هي المرادة من العباد، وهي أن يعرفوا ربهم ويعبدوه وحده.

وأما الغاية المرادة بهم: فهي الجزاء بالعدل والفضل والثواب والعقاب، قال تعالى:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)} [النجم: 31]، قال تعالى:{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)} [طه: 15]، وقال تعالى:

(1)

غير محررة في (ق وظ) ويشبه أن تكون: "موقن".

(2)

ذكر المؤلف هذين البيتين في عدد من كتبه، ولم ينسبه، انظر:"مفتاح دار السعادة": (2/ 457، 3/ 178).

ص: 1593

{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)} [النحل: 39]، قال تعالى:(ق / 378 أ){إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)} [يونس: 3 - 4].

فتأمل الآن كيف اشتمل خلقُ السموات والأرض وما بينهما على الحق أولا وآخرا ووسطا، وأنها خلقت بالحق وللحق، وشاهدة بالحق، وقد أنكر تعالى على من زعم خلاف ذلك، فقال:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} [المؤمنون: 115] ثم نزه نفسه عن هذا الحسبان المضاد لحكمته وعلمه وحمده، فقال:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 116].

وتأمل ما في هذين الاسمين، وهما {الْمَلِكُ الْحَقُّ} من إبطال هذا الحسبان الذي ظنه أعداؤه، إذ هو مناف لكمال ملكه، ولكونه الحق، إذ الملك الحق هو الذي يكون له الأمر والنهي، فيتصرف في خلقه بقوله وأمره، وهذا هو الفرق بين الملك والمالك؛ إذ المالك هو المتصرف بفعله، والملك هو المتصرف بفعله

(1)

وأمره، والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرف بفعله وأمره

(2)

.

فمن ظن أنه خلق خلقه عبثا لم يأمرهم ولم ينههم فقد طعن في

(1)

"بفعله، والملك هو المتصرف بفعله" سقطت من (ق).

(2)

من قوله: "والرب تعالى

" إلى هنا سقط من (ظ).

ص: 1594

ملكه، ولم يقدره حق قدره، كما قال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91].

فمن جحد شرع الله وأمره ونهيه، وجعل الخلق بمنزلة الأنعام المهملة؛ فقد طعن في ملك الله ولم يقدره حق قدره، وكذلك كونه تعالى الإله الحق

(1)

يقتضي كمال ذاته وصفاته وأسمائه، ووقوع أفعاله على أكمل الوجوه وأتمها، فكما أن ذاته الحق فقوله الحق، ووعده الحق، وأمره الحق، وأفعاله كلها حق، وجزاؤه المستلزم لشرعه (ظ / 262 أ) ودينه ولليوم الآخر حق.

فمن أنكر شيئًا من ذلك فما وصف الله بأنه الحق المطلق من كل وجه وبكل اعتبار، فكونه حقا يستلزم شرعه ودينه وثوابه وعقابه، فكيف يظن بالملك الحق أن يخلق خلقه عبثا، وأن يتركهم سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يثيبهم ولا يعاقبهم، كما قال تعالى:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)} [القيامة: 36] قال الشافعي رحمه الله: مهملا لا يؤمر ولا ينهى

(2)

. وقال غيره: لا يجزي بالخير والشر، ولا يثاب ولا يعاقب، والقولان متلازمان، فالشافعي ذكر سبب الجزاء والثواب (ق / 378 ب) والعقاب، وهو الأمر والنهي، والآخر ذكر غاية الأمر والنهي، وهو الثواب والعقاب.

ثم تأمل قوله تعالى بعد ذلك: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)} [القيامة: 37 - 38] فمن لم يتركه وهو نطفة سدى، بل قلب النطفة وصرفها، حتى صارت أكمل مما هي وهي العلقة، ثم

(1)

كذا في (ق وظ)، وفي (ع):"الإله الخلق"!.

(2)

في "الرسالة": (ص/ 25)، و"الأم":(7/ 298).

ص: 1595

قَلَبَ العَلَقَة حتى صارت أكمل مما هي

(1)

، حتى خلقها فسوى خلقها، فدبرها بتصريفه وحكمته في أطوار كمالاتها حتى انتهى كمالها بشرا سويا، فكيف يتركه سدى لا يسوقه إلى غاية كماله الذي خلق له.

فإذا تأمل العاقل البصير أحوال النطفة من مبدئها إلى منتهاها دلَّته على المعاد والنبوات، كما تدله على إثبات الصانع وتوحيده وصفات كماله، فكما تدل أحوال النطفة من مبدئها إلى غايتها على كمال قدرة فاطر الإنسان وبارئه، فكذلك تدل على كمال حكمته، وعلمه وملكه، وأنه الملك الحق المتعالى عن أن يخلقها عبثا ويتركها سدى بعد كمال خلقها.

وتأمل كيف لما زعم أعداؤه الكافرون أنه لم يأمرهم ولم

(2)

ينههم على ألسنة رسله، وأنه لا يبعثهم للثواب والعقاب، كيف كان هذا الزعم منهم قولا بأن خلق السموات والأرض باطل، فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ

(3)

وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)} [ص: 27].

فلما ظن أعداؤه أنه لم يرسل إليهم رسولا، ولم يجعل لهم أجلًا للقائه، كان ذلك ظنا منهم أنه خلق خلقه باطلا، ولهذا أثنى تعالى على عباده المتفكرين في مخلوقاته بأن أوصلهم فكرهم فيها إلى شهادتهم بأنه تعالى لم يخلقها باطلا، وأنهم لما علموا ذلك وشهدوا به، علموا أن خلقها يستلزم أمره ونهيه وثوابه وعقابه، فذكروا في

(1)

من قوله: "وهي العلقة

" إلى هنا ساقط من (ظ).

(2)

من (ظ).

(3)

وقع في الأصول: "السماوات"!.

ص: 1596

دعائهم هذين الأمرين، فقالوا:{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)} [آل عمران: 192 - 193].

فلما علموا أن خلق السموات والأرض، يستلزم الثواب والعقاب، تعوذوا بالله من عقابه، ثم ذكروا الإيمان الذي أوقعهم عليه فكرهم في خلق السموات والأرض، فقالوا:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران: 193]، فكانت ثمرة فكرهم في خلق السموات والأرض: الإقرار به تعالى، وبوحدانيته، وبدينه، وبرسله، وبثوابه وعقابه، فتوسلوا إليه بإيمانهم، الذي هو من أعظم (ق / 379 أ) فضله عليهم إلى مغفرة ذنوبهم، وتكفير سيئاتهم، وإدخالهم مع الإبرار إلى جنته التي وعدوها

(1)

، وذلك تمام نعمته عليهم، فتوسلوا بإنعامه عليهم أولا إلى إنعامه عليهم آخرًا، وتلك وسيلة بطاعته إلى كرامته، وهو إحدى الوسائل إليه، وهي الوسيلة التي أمرهم بها

(2)

في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35].

وأخبر عن خاصَّة عبادهم أنهم يبتغون الوسيلةَ إليه إذ يقول تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57] على أن في هاتين الآيتين أسرارًا بديعة ذكرتها في كتاب "التحفة المكية في بيان الملة الإبراهيمية"، فأثمر لهم فكرهم الصحيح في خلق السموات والأرض. أنه لم يخلقها باطلا

(3)

وأثمر لهم:

(1)

(ع): "وَعَدَهموها".

(2)

(ق وظ): "فيها".

(3)

(ق): "أنهما لم يخلقهما عبثًا باطلًا".

ص: 1597

الإيمان بالله ورسوله

(1)

، ودينه وشرعه، وثوابه وعقابه، والتوسُّل إليه بطاعته، والإيمان به، وهذا الذي ذكرناه في هذا الفصل قطرةٌ من بحر لا ساحل له، فلا تستَطِله، فإنه كنز من كنوز العلم، لا يلائم كل نفس، ولا يقبله كل محروم، والله يختص برحمته من يشاء.

ولنرجع إلى ما كنا بصدده من الكلام في ذكر محاجَّة أهل الباطل للمسلمين في القبلة، ونصر الله لهم بالحجة عليهم، وقد رأيت لأبي القاسم السهيلي في الكلام على هذه الآيات فصلا أذكره بلفظه

(2)

، قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم للبراء بن معرور:"قد كنت على قبلة لو صبرت عليها"

(3)

= يعنى لما صلى إلى الكعبة قبل الأمر بالتوجه إليها، ولم يأمره بالإعادة؛ لأنه كان متأولا.

قلت

(4)

: ونظير هذا أنه لم يأمر من أكل في نهار رمضان بالإعادة، لما ربط الخيطين في رجليه وأكل حتى يتبينا له

(5)

؛ لأجل التأويل.

ونظيره: أنه لم يأمر أبا ذر بإعادة ما ترك من الصلاة مع الجنابة؛ إذ لم يعرف شرع التيمم للجنب، فقال يا رسول الله إني تصيبني

(1)

(ع): "برسوله" بدل "بالله ورسوله".

(2)

في كتابه: "الروض الأُنُف": (2/ 200 - 201).

(3)

أخرجه أحمد: (25/ 89 - 95 رقم 15794)، وابن حبان "الإحسان":(15/ 471)، والطبراني في "الكبير":(19/ 87)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة بيعة العقبة.

كلهم من طريق محمد بن إسحاق (السيرة 2/ 439 - 440)، وقد صرح بالتحديث، فسلم من التدليس.

(4)

هذا التعليق بطوله لابن القيم رحمه الله.

(5)

هو: عدي بن حاتم رضي الله عنه، والحديث أخرجه البخاري رقم (1916)، ومسلم رقم (1090).

ص: 1598

الجنابة فأمكث الشهر والشهرين لا أصلي -يعني: في البادية- قال: "فأين أنت عن التيمم"

(1)

.

ونظيره أيضًا: أنه لم يأمر المستحاضة (ظ / 262 ب) بالإعادة، وقد قالت: إني أستحاض حيضة شديدة، وقد منعتني الصوم والصلاة، فأمرها أن تجلس أيام الحيض ثم تصلي

(2)

، ولم يأمرها بإعادة ما تركت.

ونظيره أيضا: أنه لم يأمر المسئ في صلاته بإعادة ما تقدم له من الصلوات التي لم تكن صحيحة، وإنما بالإعادة في الوقت؛ لأنه لم يؤد فرض وقته مع بقائه، بخلاف ما تقدم له

(3)

.

ونظيره أيضا: أنه لم يأمر (ق / 379 ب) المتمعك في التراب كما تتمعك الدابة لأجل التيمم

(4)

بالإعادة، مع أنه لم يصب فرض التيمم.

ونظيره أيضًا: أنه لم يأمر معاوية بن الحكم السلمي بإعادة الصلاة، وقد تكلم فيها بكلام أجنبيٍّ ليس من مصلحتها

(5)

(1)

لم أره بهذا اللفظ، والحديث أخرجه أحمد:(35/ 230 - 231 رقم 21304)، وأبو داود رقم (331)، والترمذي رقم (124)، والنسائي:(1/ 171)، وابن حبان "الإحسان":(4/ 135 - 136)، من حديث أبى ذر رضي الله عنه في قصة، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمِسه جلدَك، فإن ذلك خير".

(2)

أخرجه البخاري رقم (306)، ومسلم رقم (333) من حديث عائشة- رضي الله عنها.

(3)

أخرجه البخاري رقم (793)، ومسلم رقم (397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه البخاري رقم (338)، ومسلم رقم (368) من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما.

(5)

أخرجه مسلم رقم (537).

ص: 1599

ونظيرُه أيضًا: أنه لم يضمن أسامة قتيله بعد إسلامه بقصاصٍ ولا ديةٍ ولا كفارةٍ

(1)

.

ولا تجد هذه النظائر مجموعة في موضع، فالتأويل والاجتهاد في إصابة الحق، منع في هذه المواضع من الإعادة والتضمين.

وقاعدة هذه الباب: أن الأحكام إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو، وبلوغها إليه، فكما

(2)

لا يترتب في حقه قبل بلوغه هو، فكذلك لا يترتب في حقه قبل بلوغها إليه، وهذا مجمع عليه في الحدود، أنها لا تقاوم إلا على من بلغه تحريم أسبابها، وما ذكرناه من النظائر يدل على ثبوت ذلك في العبادات والحدود.

ويدل عليه أيضا في المعاملات قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)} [البقرة: 278] ، فأمرهم تعالى أن يتركوا ما بقي من الربا، وهو ما لم يقبض، ولم يأمرهم بردِّ المقبوض؛ لأنهم قبضوه قبل التحريم، فأقرهم عليه، بل أهل قباء صلوا إلي القبلة المنسوخة بعد بطلانها، ولم يعيدوا ما صلوا، بل استداروا في صلاتهم وأتمُّوها، لأن الحكم لم يثبت في حقهم إلا بعد بلوغه إليهم، وفي هذا الأصل ثلاثة أقوال للفقهاء وهي لأصحاب أحمد:

هذا أحدها، وهو أصحها، وهو اختيار شيخنا

(3)

رضي الله عنه.

(1)

أخرجه البخاري رقم (4269)، ومسلم رقم (96) من حديث أسامة بنْ زيد رضي الله عنه.

(2)

(ق): "مع أنه".

(3)

انظر: "مجموع الفتاوي": (21/ 160 - فما بعدها).

ص: 1600

الثاني: أن الخطاب إذا بلغ طائفة ترتب في حق غيرهم، ولزمهم كما لزم من بلغه، وهذا اختيار كثير من أصحاب الشافعي وغيرهم.

الثالث: الفرق بين الخطاب الابتدائي والخطاب الناسخ، فالخطاب الابتدائي يعم ثبوته من بلغه وغيره، والخطاب الناسخ لا يترتب في حق المخاطب إلا بعد بلوغه، والفرق بين الخطابين: أنه في الناسخ مستصحب لحكم مشروع مأمور به، بخلاف الخطاب الابتدائي، ذكره القاضي أبو يعلي في بعض كتبه، ونصوص القرآن والسنة تشهد للقول الأول، وليس هذا موضع استقصاء هذه المسألة، وإنما أشرنا إليها إشارة.

قال أبو القاسم

(1)

: وفي الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس، وهو قول ابن عباس يعني: قوله للبراء: "لقد كنت على قبلة"

(2)

، وقالت طائفة: ما صلى إلى بيت المقدس إلا مذ قدم المدينة سبعة (ق / 380 أ) عشر شهرا، أو ستة عشر شهرا. فعلى هذا يكون في القبلة نسخان، نسخ سنة بسنة، ونسخ سنة بقرآن وقد بين حديث ابن عباس منشأ الخلاف في هذه المسألة، فروى عنه من طرق صحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا صلى بمكة استقبل بيت المقدس، وجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس"

(3)

، فلما كان صلى الله عليه وسلم يتحرى القبلتين جميعا لم يبن توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة؛ ولذلك -والله أعلم- قال الله تعالى في الآية الناسخة:{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 149] أي:

(1)

أى السهيلي في "الروض الأنف" كما تقدم.

(2)

تقدم قريبًا.

(3)

انظر "فتح الباري": (1/ 119).

ص: 1601

من أي جهة جئت إلى الصلاة وخرجت إليها، فاستقبل الكعبة، كنت متسدبرا بيت المقدس أو لم تكن، لأنه كان بمكة يتحرى في استقباله بيت المقدس أن تكون الكعبة بين يديه.

قال: تدبر قوله: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 149]، وقال لأمته:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150]، ولم يقل: حيث ما خرجتم؟ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان إمام المسلمين، فكان يخرج إليهم في كل صلاة ليصلي بهم، وكان ذلك واجبا عليه، إذ كان الإمام المقتدي به، فأفاد ذكر الخروج في خاصته هذا المعنى، ولم يكن حكم غيره هكذا يقتضي الخروج، ولا سيما النساء ومن لا جماعة عليه.

قلت

(1)

: ويظهر في هذا معنى آخر، وهو أن قوله: {وَحَيْثُ مَا

كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150]، خطاب عام له صلى الله عليه وسلم ولأمته، يقتضي أمرهم بالتوجه إلى المسجد الحرام في أي موضع كانوا من الأرض.

وقوله: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 150] خطاب بصيغة الإفراد، والمراد هو الأمة، كقوله:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] ونظائره، وهو يفيد الأمر باستقبالها من اي جهة ومكان خرج منه.

وقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] يفيد الأمر باستقبالها في أي موضع استقر فيه، وهو -تعالى- لم يقيد الخروج

(2)

بغاية، بل أطلق غايته كما عمم مبدأه، فمن حيث خرج، إلى أي مخرج كان من صلاة أو غزو أو حج أو غير ذلك، فهو مأمور باستقبال المسجد الحرام

(1)

الكلام لابن القيم.

(2)

(ع): "الأمور".

ص: 1602

هو والأمة، وفي أي بقعة كانوا من الأرض، فهو مأمور هو والأمة باستقباله، فتناولت الآيتان أحوال الأمة كلها في مبدأ تنقلهم من حيث خرجوا، وفي غايته إلى حيث انتهوا، وفي حال اسقترارهم حيث ما كانوا، فأفاد ذلك عموم الأمر بالاستقبال في الأحوال الثلاثة

(1)

التي لا ينفكُّ منها العبد.

فتأمل هذا المعنى، ووازن بينه وبين ما أبداه أبو القاسم يتبين لك الرجحان، والله أعلم بما أراد من كلامه، وإنما هو كد أفهام أمثالنا من القاصرين.

(ظ / 263 أ)(ق / 380 ب) فقوله: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} [البقرة: 150] يتناول مبدأ الخروج وغايته له وللأمة، وكان أولى بهذا الخطاب؛ لأن مبدأ التوجه على يديه كان، وكان شديد الحرص على التحويل.

وقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} [البقرة: 150] يتناول أماكن الكون كلها له وللأمة، وكانوا أولى بهذا الخطاب لتعدد أماكن أكوانهم وكثرتها، بحسب كثرتهم واختلاف بلادهم وأقطارهم، واستدارتها حول الكعبة شرقًا وغربا، ويمنا وعراقًا، فكان الأحسن في حقهم أن يقال لهم:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} [البقرة: 150]، أي: من أقطار الأرض في شرقها وغربها، وسائر جهاتها، ولا ريب أنهم أدخل في هذا الخطاب منه صلى الله عليه وسلم فتأمل هذه النكت البديعة، فلعلك لا تظفر بها في موضع غير هذا، والله أعلم.

قال أبو القاسم: وكرر الباري تعالى الأمر بالتوجه إلي البيت الحرام في ثلاث آيات؛ لأن المنكرين لتحويل القبلة كانوا ثلاثة أصناف من الناس.

(1)

(ع وظ): "الثلاث".

ص: 1603

اليهود؛ لأنهم لا يقولون بالنسخ في أصل مذهبهم. وأهلُ الرَّيب والنفاق اشتد إنكارُهم له؛ لأنه كان أول نسخ نزل. وكفار قريشٍ قالوا: ندم محمدٌ على فراق ديننا، فسيرجع إليه كما رجع إلى قبلتنا، وكانوا قبل ذلك يحتجون عليه فيقولون: يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم وإسماعيل، وقد فارق قبله إبراهيم وإسماعيل وآثر عليها قبلة اليهود، فقال الله له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150] على الاستثناء المنقطع، أي: لكن الذين ظلموا منهم لا يرجعون ولا يهتدون. وقال: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)} [البقرة: 147] أي: من الذين شكوا وامتروا.

ومعنى {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [البقرة: 147] أي: الذي أمَّرتك به من التوجه إلى بيت الحرام هو الحق، الذي كان عليه الأنبياء قبلك فلا تمتر في ذلك، فقال:{وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 144]، وقال:{وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)} [البقرة: 146]، أي: يكتمون ما علموا أن الكعبة هي قبلة الأنبياء.

ثم ساق من طريق أبي داود في كتاب "الناسخ والمنسوخ"

(1)

. قال حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة

(2)

، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: كان سليمان بن عبد الملك لا يعظم إيلياء كما يعظِّمها أهل بيته، قال: فسرت معه وهو ولي عهد، قال: ومعه خالد بن يزيد بن معاوية، فقال سليمان وهو جالس فيه: والله إن في هذه القبلة

(1)

ساقه السُّهيلي بإسناده إلى أبي داود.

(2)

عَنبَسة بن خالد بن يزيد الأيلي، متكلم فيه، وقال الحافظ في "التقريب":"صدوق"، وتُحْتَمل روايتُه في مثل هذا الخبر.

ص: 1604

التي صلَّى إليها المسلمون والنصارى لعجبا -كذا رأيته

(1)

والصواب: اليهود- قال خالد بن يزيد: أما والله إني لأقرأ الكتاب الذي أنزله الله علي محمد صلى الله عليه وسلم، (ق / 381 أ) وأقرأ التوراة فلم تجدْها اليهود في الكتاب الذي أنزله الله عليهم، ولكن تابوت السكينة كان على الصخرة، فلما غضب الله عز وجل على بني إسرائيل رفعه، فكانت صلاتهم إلى الصخرة عن مشاورة منهم.

وروى أبو داود أيضا: أن يهوديا خاصم أبا العالية في القبلة، فقال أبو العالية: إن موسى كان يصلي عند الصخرة، ويستقبل البيت الحرام، فكانت الكعبة قبلته، وكانت الصخرة بين يديه. وقال اليهودي: بيني وبينك مسجد صالح النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو العالية: فإني صليت في مسجد صالح وقبلته الكعبة

(2)

. وأخبر أبو العالية أنه رأى مسجد ذى القرنين، وقبلته الكعبة

(3)

. انتهى.

قلت: وقد تضمن هذا الفصل فائدة جليلة، وهي: أن استقبال أهل الكتاب لقبلتهم لم يكن من جهة الوحي والتوقيف من الله، بل كان عن مشورة منهم واجتهاد.

أما النصارى؛ فلا ريب أن الله لم يأمرهم في الإنجيل ولا في غيره باستقبال المشرق أبدا، وهم مقرُّون بذلك، ومقرُّون أن قبله المسيح كانت قبلة بني إسرائيل، وهي الصخرة، وإنما وضع لهم شيوخهم وأسلافهم هذه القبلة، وهم يعتذرون عنهم بأن المسيح

(1)

وهذا كذلك في مطبوعة "الروض".

(2)

ما بعده من (ق وظ).

(3)

وانظر "تفسير الطبري": (2/ 34)، والقرطبي:(2/ 102).

ص: 1605

فوَّض إليهم التحليل والتحريم وشرع الأحكام، وأن ما حلَّلوه وحرَّموه فقد حلله هو وحرمه في السماء، فهم مع اليهود متفقون على أن الله لم يشرع استقبال المشرق

(1)

على لسان رسوله أبدا، والمسلمون شاهدون عليهم بذلك.

وأما قبلة اليهود؛ فليس في التوراة الأمر باستقبال الصخرة ألبتَّةَ، وإنما كانوا ينصبون التابوت ويصلون إليه من حيث خرجوا، فإذا قدموا نصبوه على الصخرة وصلوا إليه، فلما رفع صلوا إلى موضعه وهو الصخرة.

وأما السامرةُ

(2)

؛ فإنهم يصلُّون إلى طور لهم بأرض الشام

(3)

ويعظمونه ويحُجُّون إليه، ورأيته أنا وهو في بلد نابُلُسَ، وناظرتُ فضلاءهم في استقباله، وقلت: هو قبلة باطلة مبتدعة، فقال مشار إليه في دينهم: هذه هي القبلة الصحيحة، واليهود أخطأوها؛ لأن الله تعالى أمر في التوراة باستقباله عينا، ثم ذكر نصا يزعمه من التوراة في استقباله.

فقلت له: هذا خطأ قطعا على التوراة؛ لأنها إنما أنزلت على بني إسرائيل، فهم المخاطبون بها، وأنتم فرع عليهم فيها، وإنما تلقيتموها عنهم، وهذا النص ليس في التوراة التي بأيديهم، وأنا رأيتها، وليس هذا فيها.

(1)

(ق وظ): "الشرق".

(2)

السامرة طائفة من اليهود، يفترقون عنهم في القِبلة، والتوراة، وإيمانهم بالأنبياء، واللسان. انظر:"الملل والنحل": (ص/ 218 - 219)، و "الفِصَل":(1/ 99).

(3)

(ظ): "طورهم بالشام".

ص: 1606

فقال لي: صدقت، إنما هو في توراتِنا (ق /381 ب) خاصة.

قلت له: فمن المحال (ظ /263 ب) أن يكون أصحاب التوراة المخاطبون بها، وهم الذين تلقوها عن الكليم، وهم متفرِّقون في أقطار الأرض، قد كتموا هذا النص، وأزالوه، وبدلوا القبلة التي أمروا بها، وحفظتموها أنتم، وحفظتم النص بها. فلم يرجع إلى بجواب

(1)

.

قلت: وهذا كله مما

(2)

يقوى أن يكون الضميرُ في قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148] راجعا إلى "كل" أي: هو موليها وجهه، ليس المراد أن الله موليه إياها؛ لوجوهٍ؛ هذا أحدها.

الثاني: أنه لم يتقدم لاسمه تعالى ذكر يعود الضمير عليه في الآية، وإن كان مذكورًا فيما قبلها، ففي إعادة الضمير إليه تعالى دون "كل" رد الضمير إلى غير من هو أولى به، ومنعه من القريب منه الأحق به

(3)

.

الثالث: أنه لو عاد الضمير عليه تعالى لقال: "هو مولِّيه إياها"، هذا وجه الكلام، كما قال تعالى:{نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115]، فوجه الكلام أن يقال: ولاه القبلة، لا يقال ولى القبلة إياه، فتأمله.

وقول أبي القاسم: أنه تعالى كرر ذكر الأمر باستقبالها ثلاثًا، ردًا على الطوائف الثلاث؛ ليس بالبين ولا في اللفظ إشعار بذلك، والذي يظهر فيه" إنه أمر به في كل سياق لمعنى يقتضيه.

(1)

(ق وظ): "الجواب".

(2)

"كله مما" ليست في (ق).

(3)

(ع): "اللاحق"، (ظ):"الأولى".

ص: 1607

فذكره أوَّلَ مرَّة ابتداءً للحكم ونَسْخًا للاستقبال الأوَّل، فقال:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] ثم. ذكَرَ أن أهلَ الكتاب يعلمون أن هذا هو الحقُّ من ربِّهم حيثُ يجدونه في كتبهم كذلك، ثم أخبر عن عِنادِهم

(1)

وكفرِهم، وأنه لو أتاهم بكلِّ آيةٍ ما تَبعوا قِبْلَتهُ، ولا هو أيضًا بتابع قبلتَهم، ولا بعضهم بتابع قبلةَ بعض، ثم حذَّره من اتَباع أهوائِهم، ثم كرَّر معرفةَ أهل الكتاب به، كمعرفتِهم بأبنائِهم، وأنهم يكتمونَ الحقَّ عن علم، ثم أخبر أن هذا هو الحق من ربِّه، فلا يلحقْه فيه امتراءٌ، ثم أخبر أنَّ لكل من الأممِ وجهَةٌ هو مستقبلُها ومُوَلِّيها وجْهَهُ، فاستبقوا أنتم أيها المؤمنون الخيراتِ، ثم أعادَ الأمر باستقبالِها من حيثُ خَرجَ في ضمنْ هذا السِّياق الزائد على مجرَّد النسخِ، ثم أعاد الأمرَ به غيرَ مكرِّر له تكرارًا محضًا، بل في ضِمنه أَمْرُهُم باستقبالِها حيثما كانوا، كما أمرهم باستقبالِها أولًا حيثما كانوا عند النسخ، وابتداءِ شَرْعِ الحكمِ، فأمرهم باستقبالِها حيثما كانوا عند شَرْعِ الحكمِ وابتدائِه، وبعد المحاجَّةِ والمخاصَمَةِ، والحكم لهم، وبيان (ق/ 382 أ) عنادِهِم ومخالفتهم مع علمهم، فذِكْرُ الأمر بذلك في كلِّ موطنٍ لاقتضاء السِّياق له، فتأمَّلْه، والله أعلم.

وقوله. إن الاستثناءَ في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150]، منقطع، قد قاله أكثرُ الناس، ووجهه: أن الظالمَ لا حُجَّةَ له، فاستثناؤه مما ذكر قبلَه منقطعٌ. وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيميَّةَ يقول

(2)

: ليسْ

(1)

(ع): "عبادتهم".

(2)

انظر نحوه من كلام الشيخ في "الجواب الصحيح": (3/ 68 - 72).

ص: 1608

الاستثناء بمنقطع، بل هو مُتَّصِلٌ على بابه، وإنما أوجب لهم أن حكموا بانقطاعه حيث ظنوا أن الحجة هاهنا المراد بها الحجة الصحيحة الحق، والحجة في كتاب الله يُراد بها نوعان:

أحدهما: الحُجَّة الحق الصحيحة

(1)

، كقوله:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 83]، وقوله:{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149].

ويراد بها: مطلق الاحتجاج بحق أو بباطل، كقوله:{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} [آل عمران: 20]، وقوله:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)} [الجاثية: 25]، وقوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة: 258]، وقوله:{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الشورى: 16].

وإذا كانت الحجَّة اسمًا لما يحتج به من الحق أو باطلٍ، صحَّ استثناء حجة الظالمين من قوله:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150]، وهذا في غاية التحقيق، والمعنى: أن الظالمين يحتجون عليك بالحُجَج الباطلة الداحضة فلا تخشوهم واخشوني.

* ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة: 170] فهذه مناظرة حكاها الله بين المسلمين والكفار، فإن الكفار لجأوا إلى تقليد الآباء، وظنوا أنه منجيهم لإحسانهم ظنَّهم بهم، فحكم الله بينهم بقوله:{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة: 170] وفى موضع آخر: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا

(1)

من قوله: "الحق، والحجة

" إلى هنا ساقط فى (ظ).

ص: 1609

يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)} [المائدة: 104]، وفي موضع آخر

(1)

: {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)} [لقمان: 21]، وفي موضعٍ آخر:{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف: 24].

فأخبر عن بطلان هذه الحُجَّة، وأنها لا تنجني من عذاب الله؛ لأنَّ تقليد من ليس عنده علمٌ ولا هدىً من الله ضلالةٌ وسفَهٌ، والمعنى: ولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير يقلِّدونهم، ولو كانوا لا علم عندهم ولا هدىً يقلدونهم أيضًا، وهذا شأن من لا غرض له في الهدى، ولا في اتباع الحق، إن غرضه بالتقليد إلا دفع الحقِّ (ق / 382 ب) والحجة إذا لزمته؛ لأنه لو كان مقصوده الحق لاتبعه إذا ظهر له، وقد جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم، فلو كنتم ممن يتبع الحق لأتبعتم ما جئتكم به، فأنتم لم تقلدوا (ظ / 264 أ) الآباء لكونهم على حقٌّ، فقد جئتكم أهدى مما وجدتموهم عليه، وإنما جعلتم تقليدهم جُنةً لكم، تدفعون بها الحق الذي جئتكم به. تمت الفصول

(2)

.

(1)

هذه الآية زيادة من (ق وظ).

(2)

من (ق).

ص: 1610