المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فائدةفرق النكاح عشرون - بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فائدةلا يصحُّ الامتنانُ بممنوع منه

- ‌فائدة(4)الفرق بين دليل مشروعية الحكم وبين دليل وقوع الحكم

- ‌فائدةفرق النِّكاح عشرون

- ‌فائدةشرط العمل بالظَّنِّيات

- ‌فائدةقولهم: "من مَلَكَ الإنشاءَ لعقدِ مَلَك الإقرارَ به، ومن عَجَزَ عن إنشائه عَجَزَ عن الإقرار به"، غير مطَّرِدٍ ولا منعكس

- ‌من فتاوى أبي الخطاب وابن عقيل وابن الزاغوني

- ‌فوائد شتى من خط القاضي أبي يعلى

- ‌فوائد من مسائل مُثَنَّى بن جامع(1)الأنباري

- ‌من مسائل البُرْزَاطِي(2)بخط القاضي انتقاه من خطِّ ابن بَطَّةَ

- ‌ومن مسائل أبي جعفر محمد بن علي الورَّاق

- ‌ومن مسائل أبي العباس أحمد بن محمَّد البِرْتي

- ‌ومن مسائل زياد الطوسي

- ‌ومن مسائل بكر(3)بن أحمد البُرَاثي

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد

- ‌ومن مسائل عبد الملك الميموني

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد

- ‌ومن مسائل أحمد بن أصْرَمَ بن خُزَيْمَةَ

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد القطان

- ‌[من مسائل ابن هانئ]

- ‌ومن مسائل ابن بَدِينا محمد بن الحسن

- ‌ومن مسائل أبي علي الحسن بن ثَوَاب

- ‌ومن خطِّ القاضي أيضًا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فائدة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصول في أحكام الوطء في الدُّبُر

- ‌ فصل

- ‌فائدةالفرق بين الشك والريب

- ‌ومما انتقاه القاضي من "شرح أبي حفصٍ لمبسوطِ أبى بكرٍ الخلال

- ‌فائدة

- ‌مسألة

- ‌مسألة

- ‌‌‌مسألة

- ‌مسألة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فصولٌ عظيمة النفع جداًفي إرشاد القرآن والسُّنّة إلى طريق المناظرة وتصحيحها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فائدةليس من شرط الدليل اندراجه تحتَ قضية كليةٍ

- ‌فائدة(1)من كُلِّيَّاتِ النَّحْو:

- ‌وإذا قلتَ: "ما جاءَني زَيْدٌ بل عَمْرٌو

- ‌فائدة

- ‌ مُنْتخب أيضًا

- ‌فائدةالجهلُ قسمان:

الفصل: ‌فائدةفرق النكاح عشرون

وطعامه وشرابه ومراكبه وجميع آلائه

(1)

، ولا سيَّما إذا أخرجتْ بَرَكَتَها وازَّيّنتْ وأنبتتْ من كلِّ زوجٍ بهيج.

قال المفضلون للسَّماء: يكفي في فضلها (ظ/223 ب) أن ربَّ العالمين سبحانه

(2)

فيها. وأن عرشَهُ وكُرسِيَّهُ فيها، وأن الرفيقَ الأعلى الذي أُنعِم عليهم فيها، وأن دارَ كرامته فيها، وأنها مستقرُّ أنبيائه ورسله وعباده المؤمنين يوم الحشر، وأنها مُطَهَّرةٌ مُبرَّأَة من كلِّ شرٍّ

(3)

وخَبَثٍ ودَنَس يكونُ في الأرض، ولهذا لا تُفتح أبوابها للأرواح الخبيثة، ولا تلجُ ملكوتَها، وبأنها مسكنُ من لا يَعْصُون اللهَ طرفةَ عين، فليس فيها موضعُ أربعٌ أصابعَ إلا ومَلَكٌ ساجدٌ أو قائمٌ، وبأنها أشرفُ مادَّة من الأرض، وأوسعُ وأنْوَر وأصفى وأحسنُ خِلْقَةً وأعظمُ آياتٍ، وبأن الأرض محتاجةٌ في كمالها إليها، ولا تحتاجُ هي إلى الأرض، ولهذا جاءت في كتاب الله في غالب المواضع مقدَّمَة على الأرض، وجُمِعت وأُفْرِدت الأرض فلشرفها وفضلها أتي بها مجموعة، وأمَّا الأرض فلم تأْتِ إلَّا مفردة، وحيث أريد تعدادُها قال:{وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} ، وهذا القول هو الصواب، والله أعلم.

‌فائدة

فرق النِّكاح عشرون

فرقة؛ الأولى: فرقة الطلاق. الثانية: الفسخ للعُسْرة بالمهر. الثالثة: الفسخ للعسرة عن النفقة. الرابعة: فرقة الإيلاء. الخامسة: فرقة الخُلع السادسة: تفريق الحَكمين. السابعة: فرقة العِنِّين.

(1)

وتحتمل قراءتها: "آلاته".

(2)

(ع): "أن رب السماء".

(3)

(ق): "شِية".

ص: 1336

الثامنة: فرق اللعان. التاسعة: فرقة العتق تحت العبد. العاشرة: فرقة الغرور. الحادية عشرة: فرقة العيوب. الثَّانية عشرة: فرقة الرضاع. الثالثة عشرة: فرقة وطءِ الشبهة حيث تحرم الزوجة. الرابعة عشرة: فرقة إسلام أحد الزوجين. الخامسة عشرة: فرقة ارتداد أحدهما. السادسة عشرة: فرقة إسلام الزوج وعنده أختان أو أكثر من أربع، أو امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها. السابعة عشرة: فرقة السِّبَاء. الثامنة عشرة: فرقة ملك أحد الزوجين صاحبه. التاسعة عشرة: فرقة الجهل بسبق أحد النِّكاحين. العشرون: فرقة الموت.

فهذه الفرقُ منها إلى المرأة وحدَها: فرقة الحُرِّيّة والغرور والعيب. ومنها إلى الزوج وحده: الطَّلاق والغرور والعيب أيضًا. ومنها ما للحاكم فيه مدخل وهو: فرقة العِنين والحَكَمَينْ والإيلاء والعجز عن النفقة والمهر ونِكاح الوَليَّين. ومنها ما لا يتوقَّف على أحد الزوجين ولا الحاكم وهو: اللِّعان والرِّدة والوطء بالشُّبهة وإسلام أحدهما وملك أحد الزوجين صاحِبهُ والرضاع.

وهذه الفرق منها ما لا يتلافى

(1)

إلَّا بعد زوجِ وإصابة وهو: استيفاء الثلاث، ومنها مالا يتلافى أبدًا وهو: فرقة اللعان والرَّضاع والوطء بشُبهة، ومنها ما يتلافى

(2)

في العِدَّة خاصة وهي فرقة الرِّدَّة وإسلام أحد الزَّوجينِ

(3)

والطَلاق الرَّجعي، ومنها ما يتلافى

(4)

بعقد جديد وهي: فرقة الخلْع والإعسار بالمهر والنَّفقة وفرقة الإيلاء والعيوب

(1)

(ع): "تلافى".

(2)

(ع وق): "ما لا يتلافى"، والتصويب من (ظ).

(3)

(ع وظ): "أحدهما".

(4)

(ع): "ما لا"!.

ص: 1337

والغرور، وكلها فسخ إلَّا الطلاقُ، وفرقة الإيلاء وفرقة الحكمين.

فائدة

(1)

حيث أطلق الفقهاءُ لفظ الشَّكِّ فمرادُهم به التَّرَدُّدُ بين وجودِ الشيءِ وعدمِهِ، سواءٌ تساوى الاحتمالان أو ترجَّح أحدُهما، كقوله: إذا شَكَّ في نجاسة الماء أو طهارته، أو انتقاض الطهارة أو حصولها، (ظ/ 224 أ) أو فعل ركن في الصَّلاة، أو شك هل طلق واحدة أو أكثر، أو شك هل غرَبَتِ الشمسُ أم لا، ونحو ذلك = بنى على اليقين، ويدل على صحَّة قولهم قوله صلى الله عليه وسلم

(2)

: "وَلْيَطْرَح الشكَّ وَلْيَبْن عَلَىْ مَا اسْتَيْقنَ"

(3)

.

وقال أهل اللُّغة: الشَّك خلاف اليقين

(4)

، وهذا ينتقِض بصُوَر:

منها: أن الإمامَ متى تردَّدَ في عدد الرَّكَعَات بنى على الأغلب من الاحتمالين.

ومنها: أنَّه إذا شك في الأواني بني على الأغلب في ظنِّهْ عند من يُجَوِّز له التَّحَري.

ومنها: أنه إذا شك في القِبْلة بني على غالب ظنِّه في الجهات.

ومنها: أنَّه إذا شكَّ في دخول وقت الصَّلاة، جاز له أن يصَلِّيَ إذا غلب على ظنه دخولُ الوقت.

(1)

(ق): "قاعدة". وانظر ما تقدم: (3/ 1276 - 1283).

(2)

(ق): "صحتهم قول النبي

".

(3)

أخرجه مسلم رقم (571) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(4)

انظر: "المصباح المنير": (ص/ 122).

ص: 1338

ومنها: أنَّه إذا

(1)

غلبَ على ظنِّه عدالةُ الراوي والشاهد عمل بها ولم يقفْ على اليقين.

ومنها: إذا شكَّ في المال هل هو نِصَابٌ أم لا، وغلب على ظنّه أنَّه نصاب فإنَّه يزكَيه، كما لو أخبره خارصٌ واحدٌ بأنه نِصابٌ.

ومنها: لو وَجَد في بيته طعامًا وغلب على ظنّه أنَّه أهدي له، جاز له الأكل وإن لم يَتيقَّن، كما لو أخبره به ولده أو امرأتُه.

ومنها: أنَّه لو شكَّ في مال زيد هل هو

(2)

حلال وحرامٌ؟ وغلب على ظنه أنَّه حرام، فإنَّه لا يجوز له الأكلُ منه، ونظائر ذلك كثيرةٌ جدًّا، فما ذكر من القاعدة ليس بمطَّرِد.

قاعدة

(3)

إذا تزاحم حقَّان في محلٍّ، أحدهما متعلِّقٌ بذمَّة مَن هو عليه، والآخَرُ متعلِّق بعين من هي

(4)

له، قُدِّم الحق المتعلق (ق/321 ب) بالعين على الآخر؛ لأنَّه يفوتُ بفواتِها بخلاف الحق الآخر. وعلى ذلك مسائل:

أحدها: إذا جنى العبدُ المرهون؛ فَدَمُ المجني عليه -بموجب جِنايَته- على المرْتَهنِ، لاختصاص حقِّه بالعين بخلاف المُرْتَهِنِ.

الثانية: إذا جنى عبدُ المَدين، فَدَم المجني عليه على الغرماء كذلك.

(1)

من قوله: "شك في دخول

" إلى هنا ساقط من (ق).

(2)

(ق): "في مالٍ أهو".

(3)

(ظ): "فائدة".

(4)

(ع): "متعلق بعين هي

"، و (ق): "متعلق هي".

ص: 1339

الثَّالثة: إذا تَشَاحَّ البائعُ والمشتري في المبتدي بالتّسليم، فإن كانا عَيْنَينِ، جعل بينهما عدْل، وإن كان الثمنُ في الذِّمة، أجبر البائع على تسليم المَبيع أولًا، لتعلُّق حقِّه بعين المَبيع، بخلاف المشتري فإن حقَّه متعلِّق بذمة البائع.

قاعدة

(1)

.

فرقٌ بين ما يثبتُ ضِمْنًا وما يثبتُ أصالةً: فيُغْتفرُ

(2)

في الثّبُوت الضِّمني ما لا يُغفرُ في

(3)

الأصلي، وعلى ذلك مسائل:

منها: لو أقرَّ المريضُ بمال لوارثٍ لم يقبلْ إقرارُه، ولو أقر بوارث قُبِلَ إقرارُه، واستحقَّ ذلك المالَ وغيره.

ومنها: لو اشترى منه سلعة فخرجت مستحقَّة، رجع عليه بدرك المبيع، وقد تضمَّن شراؤه منه إقرارَه له بالملك، ولو

(4)

أقرَّ له بالمُلك صريحًا ثم اشتراها فخرجت مستحقَّة، لا يرجع عليه بالدرك.

ومنها: لو قال الكافرُ لمسلم: أعتِقْ عبدَكَ المسلمَ عنّي وعلى ثَمَنُه، فإنَّه يصِحُّ في أحد الوجهين، ونظيره: إذا أعتق الكافر الموسرُ شِرْكًا له في عبد مسلم، عَتَق عليه جميعُه في أحد الوجهين -أيضًا-، ولو قال لمسلم: بعني عبدَكَ المسلمَ حتَّى أُعْتِقَهُ، لم يَصِحَّ بيعُه.

قاعدة

ما تُبِيحُهُ الضَّرورةُ يجوز الاجتهادُ فيه حالَ الاشتباهِ، وما لا تبيحُهُ

(1)

(ق): "فائدة" و (ظ) محتملة.

(2)

يمكن أن تُقرأ: "فيُفْتقر" في الموضعين.

(3)

(ق): "إلي".

(4)

(ق وظ): "وقد".

ص: 1340

الضَّرورةُ فلا. وعلى هذا مسائل:

أحدها: إذا اشتبهت أختُه بأجنبية، لم يَجُزْ له الاجتهادُ في أحدهما.

الثَّانية: طلق إحدى امرأتيه واشتبهت عليه، لم يَجُزْ له أن يجتهد في إحداهما.

الثَّالثة: اشتبه عليه الطَّاهر بالنَّجس، لم يَحزْ

(1)

له أن يتحرَّى في أحدهما.

وهذا بخلاف ما لو اشتبهت ميتَةٌ بمذكَّاة، أو طاهر بنَجس للشُّرب عند الضَّرورة، أو اشتبهت جهة القِبلة، فإنَّه يتحرَّى في ذلكَ كلِّه؛ لأن الضَّرورة تُبيحُهُ

(2)

، وتُبيحُ تركَ القِبلة في حالة المسَابقة

(3)

وغيرها.

قاعدة

ما بطل حكمه من الأبدال بحصول مبدَلِه ولم يبقَ معتدًّا به بحال، فإن وجودَ المبدَل يعد الشروع فيه كوجوده قبلَ الشروع فيه. وما لم يَبطل حكمُهُ رأسًا بل بقي معتبرًا في الجملة لم يُبْطِلْهُ وجود المبدل بعد الشُّروع فيه، وعلى هذا مسائل:

أحدها: المعتدَّةُ بالأشهر إذا صارت من ذوات القُرء، قبل انقضاء عِدَّتِها، انتقلتْ إليها لبطلان اعتبار الأشهر (ق/ 322 أ) حالَ الحيْض.

الثانية: المتيمِّم إذا قدَرَ على الماء بعد التَّيَمُّم، سواء شَرَعَ في الصَّلاة أو لم يشرعْ فيها بَطَلَ تَيَمُّمه.

(1)

(ظ): "يجب".

(2)

ليست في (ع).

(3)

أي: المبارزة بالسيوف، وتقدمت هذه المسائل (3/ 1255 - فما بعدها).

ص: 1341

الثالثة

(1)

: إذا شرع في صوم الكفارة ثم قَدَرَ على الإطعام: أو العِتق، لم يلزمْهُ الانتقال عنه إليهما؛ لأنَّ الصومَ لم يبطل اعتبارُه بالقُدْرة على الطَّعام، بل هو معتبرٌ في كونه عبادة وقُرْبَة، وقد شرعَ فيه كذلك، ولم يبطلْ تقرُّبُهُ وتعبُّدُهُ به.

الرابعة: المتمتِّعُ إذا شَرع في الصَّوم ثم قَدَر على الهَدي، لم يلزمْهُ الانتقالُ لذلك.

وفرقٌ ثانٍ: أن الاعتبار في الكَفَّارات بحالِ وجوبها على المُكَلَّف لأنَّه حال استقرار الواجب في ذمَّته، فالواجب عليه أداؤها كما وجبت في ذمَّته، ولهذا لو قدر على الطَّعام بعد الحِنث وقل الصوم لم يلزمْهُ الانتقالُ إليه كذلك، بخلافه العِدَّة والصَّلاة فإن الواجبَ عليه أداءُ الصَّلاة على أكمل الأحوال، وإنما أبيحَ له تركُ ذلك للضَّرورة، وما: أُبيحَ بشرط الضَّرورة فهو عَدَمٌ عند عدمِها، وكذلك العِدَّة سواء.

قاعدة

المُكلَّفُ بالنِّسبة إلى القُدرة في الشيء المأمور به، والآلات المأمور بمباشرتها من البَدَن؛ له أربعة أحوال:

أحدها: قدرتُه بهما، فحكمُه ظاهرٌ، كالصحيح القادر على الماء، والحُرِّ القادر على الرَّقَبَة الكاملة.

الثانية: عجزُهُ عنهما، كالمريض العادم للماء، والرَّقيق العادم للرَّقَبَة، فحكمُه أيضًا ظاهرٌ.

(1)

من قوله: "المتيمم إذا

" إلى هنا ساقط من (ق). فسقطت المسألة الثانية، فلذا جعل الرابعة: الثالثة.

ص: 1342

الثَّالثة: قدرتُه ببدنِهِ وعجزه عن المأمور به، كالصحيح العادم للماء، والحُرِّ العاجز عن الرَّقبة في الكفَّارة، فحكمهُ الانتقالُ إلى بدله إن كان له بدلٌ يقدر عليه، كالتَّيَمُّم أو الصِّيام في الكفارة، ونحو ذلك، فإن لم يكنْ له بَدَلٌ سقط عنه وجوبُه، كالعُريان العاجز عن سَتر عورته في الصَّلاة فإنَّه يُصَلِّي ولا يُعيدُ.

الرابعة: عجزه ببدنه وقدرته على المأمور به أو بَدَله.

فهو موردُ الإشكال في هذه الأقسام وله صُوَر:

أحدها: المعْضُوبُ الذي لا يستمسكُ على الرَّاحلة وله مال يقدرُ أن يُحَجَّ به عنه، فالصحيح وجوب الحجِّ عليه بماله لقدرته على المأمور به، كان عَجَز عن مباشرته هو بنفسه، وهذا قول الأكثرين.

ونظيرهُ

(1)

: القادرُ على الجهاد مسألة العاجزُ ببَدَنه، يجبُ عليه الجهادُ بماله في أصحِّ قوله العلماء، وهما روايتان منصوصتان عن أحمد.

الصورة الثَّالثة: الشَّيخُ الكبيرُ العاجز عن الصَّوم القادرُ على الإطعام، فهذا يجبُ عليه الإطعام عن كل يومٍ مسكينًا في أصَحِّ أقوال العلماء.

الرابعة: المريض العاجز عن استعمال الماء، فهذا حكمُه حكمُ العادم، وينتقل إلى بَدَله، كالشيخ العاجز عن الصيام ينتقلُ إلى الإطعام.

وضابط هذا: أن (ق / 322 ب) المعجوزَ عنه في ذلك كلِّه إن كان له بَدَلٌ انتقل إلى بَدَله، وإن لم يكن له بَدَلٌ سقط عنه وجوبُهُ.

فإذا تَمهَّدت هذه القاعدة ففرقٌ

(2)

بين العَجْز ببعض البَدَن والعجز

(1)

وهذه هي الصورة الثَّانية.

(2)

(ق): "فيفرق".

ص: 1343

عن بعض الواجب، فليسا سواءً، بل متى عَجَز ببعض البَدَن لم يسقطْ عنه حكم البعض الآخر، وعلى هذا إذا كان بعض بَدَنِهِ جريحًا وبعضُهُ صحيحًا، غسل الصحيحَ وتَيَمَّمَ للجريح على المذهب الصَّحيح، كما دلَّ عليه حديث الجريح

(1)

.

ونظيره: إذا مَلَكَ المعتَقُ بعضَه

(2)

ما يَتَمَكَّنُ به من عتق واجب، لزمه الإعتاقُ.

ونظيره: إذا (ظ / 225 أ) ذهب بعض أعضاء وضوئه وجب عليه غسْلُ الباقي، وأمَّا إذا عَجَزَ عن بعض الواجب، فهذا معتركُ الإشكال حيث يلزمهُ به مَرَّةً ولا يلزمه به مرَّة، ويخرج الخلافُ مرَّة، فمن قَدَرَ على إمساك بعض اليوم دون إتمامه؛ أيلْزَمْهُ اتفاقًا، ومن قدر

(3)

على بعض مناسك الحَجَّ وعجَزَ عن بعضها، لزمه فعل ما يقدرُ عليه، ويُستنابُ عنه فيما عَجَزَ عنه، ولو: قدر على بعض رقبة، وعَجَزَ عن كاملةٍ؛ أيلزمْه عتقُ البعض، ولو قدر على بعض ما يَكفيه لوضوئه أو غسله، لزمه استعمالُه في الغسلِ، وفي الوضوء وجهاد؛ أحدهما: يلزمُهُ، والثَّاني: له أن ينتقلَ إلى التَّيمُّم، ولا يستعمل الماء.

وضابطُ الباب: أن ما لم يكنْ جزؤُه عبادةً مشروعة لا يلزمُهُ الإتيان به، كإمساك بعض اليوم، وما كان جزؤُه عبادة مشروعةً لزمه الإتيان به

(4)

، كتطهير الجُنُب بعض أعضائه، فإنَّه يشرعُ كما عند النوم والأكل والمعاودة يشرع له الوضوءُ تخفيفًا للجنَابَة.

وعلى هذا جَوَّز الإمام أحمدُ للجُنُب أن يتوضَّأَ ويلبثَ في المسجد،

(1)

هو صاحب الشجة، أخرج حديثه أبو داود رقم (336)، والدارقطني (1/ 190)، وفيه ضعف.

(2)

كذا في الأصول، ولعل صوابها:"المعتِق بعض".

(3)

(ع): "عجز"! وهو سبق قلم.

(4)

(ع): "وما كان عبادة مشروعة لم يلزمه

" وهو سبق قلم أيضًا.

ص: 1344

كما كان الصَّحابةُ يفعلونه. وإذا ثبت تخفيفُ الحَدَث الأكبر في بعض البَدَن فكذلك الأصغر

(1)

.

يبقى أن يقالَ: فهذا ينتقض عليكم بالقُدْرة على عتق بعض العبد، فإنَّه مشروعٌ، ومع هذا فلا يُلزِمُونَهُ به؟.

قيل: الفرقُ بينه وبين القدرة على بعض ماء الطَّهارة أن الله سبحانه إنما نَقَل المُكلَّفَ إلى البَدَل عند عدم ما يسمَّى ماء، فقال تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وبعض ماء الطهارة ماء فلا يتيَمَّم مع وجوده.

وأمَّا في العتق فإن الله سبحانه نقله إلى الإطعام والصيام، عند عدم استطاعته

(2)

إعتاقَ الرَّقبة، فقال:{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} ، ولا رَيْبَ أن المعنى: فمن لم يستطعْ تحرير رقبة

(3)

، ولا يحتمل الكلامُ غيرَ هذا ألبَتَّةَ، والقادرُ على بعض الرقبة غير مستطيع تحريرَ رقبة -والله أعلم- فهذا ما ظهر لي في هذه القاعدة.

فائدة

من وجب عليه شيءٌ وأمِر بإنشائه فامتنعَ، فهل يفعلُهُ الحاكم عنه أو يُجبرُهُ عليه؟

فيه خلافٌ، مأخذُهُ أن الحاكمَ نُصِبَ نائبًا ووكيلًا من جهة الشَّارع لصاحب الحق، حتَّى يستوفيَهُ له، أو مجبِرًا ومُلْزِمًا لمن هو عليه حتَّى يؤَدِّيَهُ.

(1)

(ق): "الوضوء".

(2)

(ق): "عند انقطاعه".

(3)

(ق) "ولا ريب أن من قدر على بعض رقبة لم يستطع

".

ص: 1345

فإذا اجتمع الأمران في حكم، فهل يغلَّبُ وصف الإلزام والإجبار أو وصف الوكالة والنيابة؟ هذا سرُّ المسألة، وعلى هذا مسائل:

أحدها: المُوْلي إذا امتنع من الفَيْئَة والطَّلاق فهل يطلِّق الحاكمُ عليه أو يُجبرُه على الطلاق؟ فيه خلاف.

الثانية: إذا امتنع من الإنفاق على رَقيقه أو بهيمتِهِ لإعساره، كلِّف بيعَ البعض للإنفاق على الباقي، فإذا امتنعَ من البيع فهل يجبَرُ عليه أو يبيع الحاكم عليه؟ فيه خلافٌ أيضًا.

الثالثة: إذا اشترى عبدًا بشرط العتق وامتنع من عِتقه، وقلنا: لا يُخَيَّر البائع بين الفسخ والإمضاء، فهل يُجْبَر علىْ العِتق أو يُعتِق الحاكم عليه؟ فيه خلاف.

فائدة

الشافعيُّ يُبالغُ في ردِّ الاستحسان

(1)

، وقد قال به في مسائل

(2)

:

الأولى: أنَّه استحسن في المتعة في حق الغَنيِّ أن يكون خادمًا، وفي حقِّ الفقير مقنعة، وفي المتوسط ثلاثين درهمًا.

الثانية: أنَّه استحسنَ التَّحليفَ بالمصحف.

الثالثة: أنَّه استحسن في خيار الشُّفعة أن تكون ثلاثةَ أيَّام.

الرابعة: أنَّه نصَّ في أحد أقواله إنَّه يبدأ في النِّضال بمخرج السبق

(1)

انظر كتاب: إبطال الاستحسان من "الأم": (7/ 267 - 277)، و "قاعدة في الاستحسان":(ص / 49 - 51) لابن تيمية.

(2)

انظر: "الأم": (3/ 231، 6/ 133، 139، 7/ 362 - 364)، و "البحر المحيط":(6/ 95 - 97) للزركشي.

ص: 1346