المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فائدة(4)الفرق بين دليل مشروعية الحكم وبين دليل وقوع الحكم - بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فائدةلا يصحُّ الامتنانُ بممنوع منه

- ‌فائدة(4)الفرق بين دليل مشروعية الحكم وبين دليل وقوع الحكم

- ‌فائدةفرق النِّكاح عشرون

- ‌فائدةشرط العمل بالظَّنِّيات

- ‌فائدةقولهم: "من مَلَكَ الإنشاءَ لعقدِ مَلَك الإقرارَ به، ومن عَجَزَ عن إنشائه عَجَزَ عن الإقرار به"، غير مطَّرِدٍ ولا منعكس

- ‌من فتاوى أبي الخطاب وابن عقيل وابن الزاغوني

- ‌فوائد شتى من خط القاضي أبي يعلى

- ‌فوائد من مسائل مُثَنَّى بن جامع(1)الأنباري

- ‌من مسائل البُرْزَاطِي(2)بخط القاضي انتقاه من خطِّ ابن بَطَّةَ

- ‌ومن مسائل أبي جعفر محمد بن علي الورَّاق

- ‌ومن مسائل أبي العباس أحمد بن محمَّد البِرْتي

- ‌ومن مسائل زياد الطوسي

- ‌ومن مسائل بكر(3)بن أحمد البُرَاثي

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد

- ‌ومن مسائل عبد الملك الميموني

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد

- ‌ومن مسائل أحمد بن أصْرَمَ بن خُزَيْمَةَ

- ‌ومن مسائل الفضل بن زياد القطان

- ‌[من مسائل ابن هانئ]

- ‌ومن مسائل ابن بَدِينا محمد بن الحسن

- ‌ومن مسائل أبي علي الحسن بن ثَوَاب

- ‌ومن خطِّ القاضي أيضًا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فصل

- ‌فائدة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصول في أحكام الوطء في الدُّبُر

- ‌ فصل

- ‌فائدةالفرق بين الشك والريب

- ‌ومما انتقاه القاضي من "شرح أبي حفصٍ لمبسوطِ أبى بكرٍ الخلال

- ‌فائدة

- ‌مسألة

- ‌مسألة

- ‌‌‌مسألة

- ‌مسألة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌فصولٌ عظيمة النفع جداًفي إرشاد القرآن والسُّنّة إلى طريق المناظرة وتصحيحها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فائدةليس من شرط الدليل اندراجه تحتَ قضية كليةٍ

- ‌فائدة(1)من كُلِّيَّاتِ النَّحْو:

- ‌وإذا قلتَ: "ما جاءَني زَيْدٌ بل عَمْرٌو

- ‌فائدة

- ‌ مُنْتخب أيضًا

- ‌فائدةالجهلُ قسمان:

الفصل: ‌فائدة(4)الفرق بين دليل مشروعية الحكم وبين دليل وقوع الحكم

ومُجْمعةٌ على جواز أكل الهدية وإن كانت من

(1)

فاسق، أو كافر أو صبيٍّ

(2)

، ومن نازع في ذلك لم يُمكنْه العملُ بخلافِهِ، وإِنْ قاله بلسانه.

ومجمعةٌ على جواز شراء ما بيد الرجل اعتمادًا على قرينة كونه في يده، وإن جازَ أن يكونَ مغصوبًا، وكذلك يجوزُ إنفاقُ النقدِ إذا أخبر بأنه صحيحٌ رجلٌ واحدُ، ولو كان ذِمِّيًّا، فالعملُ بالقرائن ضروري في الشرع والعقل والعُرْف

(3)

.

‌فائدة

(4)

الفرق بين دليل مشروعية الحكم وبين دليل وقوع الحكم

فالأولُ يتوقَّفُ على الشارع، والثاني يُعْلَم بالحِسِّ أو الخبر أو الشهادة

(5)

.

فالأول: الكتابُ والسُّنَّة ليس إلا، وكلُّ دليل سواهما فمستنبطٌ منهما.

والثاني: مثل العلم بسبب الحكم وشروطه وموانعه، فدليلُ مشروعيته يرجعُ فيه إلى أهل العلم بالقرآن والحديث، ودليلُ وقوعه يرجعُ فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأسباب والشُّروط والموانع.

(1)

(ق وظ): "مع"، ومحتملة للأمرين في (ع).

(2)

(ظ): "فاسق أو كان صبي".

(3)

انظر ما تقدم في هذا الكتاب (3/ 1037 - 1089 - 1096)، و"الطرق الحكمية":(ص/5 - 15).

(4)

(ق): "قاعدة".

(5)

(ظ): "الزيادة".

ص: 1322

ومن أمثلة ذلك: بيع المُغَيَّب في الأرض من السَّلْجم والجَزَر والقُلْقاس وغيره؛ فدليل المشروعية أو منعها موقوفٌ على الشارع لا يُعلمُ إلا من جهته، ودليلُ سبب الحكم أو شروطه أو مانعه يرجعُ فيه إلى أَهْله.

فإذا قال المانِعُ من الصِّحَّة: هذا غَرَرٌ؛ لأنه مستورٌ تحت الأرض، قيل: كون هذا غَرَزًا أو ليس بغَرَر، يرجعُ إلى الواقع لا يتوقَّفُ على الشرع، فإنه من الأمور العاديَّة المعلومة بالحِسِّ أو العادة، مثل كونه صحيحًا أو سقيمًا، وكبارًا أو صغارًا، ونحو ذلك، فلا يُسْتدلُّ على وقوع أسباب الحكم بالأدلَّة الشرعية، كما لا يُسْتَدلُّ على شرعيته بالأدلة الحسية، فكود الشيء متردِّدًا بين السَّلامة والعَطَب، وكونه مما يجهلُ عاقبتُهُ وتطوى مغَبَّتُه أو ليس كذلك يُعْلمُ بالحِسِّ أو العادة لا يتوقَّفُ على الشَّرع، ومن استدلَّ على ذلك بالشرع، فهو كمن استدلَّ على أن هذا الشرابَ مثلًا مسكرٌ بالشَّرع، وهذا ممتنعٌ بل دليلُ إسكاره الحِسُّ، ودليل

(1)

تحريمه الشرعُ.

فتأمَّلْ هذه الفائدةَ ونفعَها، ولهذه القاعدة عبارةٌ أخرى وهي: أن دليلَ سببية الوصف غيرُ دليل ثبوته، فيستدلُّ على سببيته بالشرع، وعلى ثبوته بالحِسِّ أو العقل أو العادة، فهذا شيءٌ وذاك شيءٌ.

فائدة

الأمر المطلق، والجرحُ المُطلق، والعلمُ المُطلق، والترتيبُ المُطلق، والبيعُ المُطلق، والماء المُطلق، والملكُ المُطلق، غيرُ مُطلقِ الأمرِ، والجرح، والعلم

إلى آخرها، والفرق بينهما من وجوه:

(1)

من قوله: "هذا الشراب

" إلى هنا ساقط من (ع).

ص: 1323

أحدها: أن الأمر المطلق لا ينقسمُ إلى أمر الندب وغيره، فلا يكون موردًا للتقسيم. ومطلق الأمر ينقسمُ إلى أمر إيجاب، وأمر نَدْب، فمطلقُ الأمر ينقسمُ، والأمر المطلقُ غيرُ منقسمٍ.

الثاني: أن الأمرَ المطلقَ فردٌ من أفراد مطلق الأمر، ولا ينعكسُ.

الثالث: أن نفيَ مطلَقِ الأمرِ يستلزمُ نفيَ الأمرِ المطلَق، دونَ العكس.

الرابع: أن ثبوت مطلَقِ الأمرِ لا يستلزمُ ثبوتَ الأمرِ المطلَقِ، دون العكس.

الخامس: أن الأمرَ المطلَقَ نوع لمطلق الأمر، ومطلَقُ الأمرِ

(1)

جنسٌ للأمر المطلق.

السادس: أن الأمرَ المطلقَ مقيدٌ بالإطلاق لفظًا، مجرَّدٌ عن التقييد معنى، ومطلق الأمر مجرَّد عن التقييد لفظًا مستعملٌ في المقيَّد وغيره معنًى.

السابع: أن الأمرَ المطلقَ لا يصلُحُ للمقيَّد، ومطلَقُ الأمرُ يصلُحُ للمطلَقِ والمُقيَّد.

الثامن: أن الأمرَ المطلَقَ هو المُقَيَّدُ بقيْد

(2)

الإطلاق، فهو متضمِّن للإطلاق والتَّقييد، ومطلق الأمر غير مقيَّد، وإن كان بعض أفراده مقيَّدًا.

التاسع: أن من بعضِ أمثلةِ هذه القاعدة: الإيمان المُطلق ومطلق الإيمان، فالإيمان المطلق لا يطلقُ إلا على الكامل الكمالَ المأمور به،

(1)

من قوله: "لا يستلزم

" إلى هنا ساقط من (ق).

(2)

(ع): "تقييد".

ص: 1324

ومطلقُ الإيمان يطلقُ على النَّاقص والكامل، ولهذا نفى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الإيمانَ المُطلق عن الزَّاني وشارب الخمر والسَّارق ولم ينفِ عنه مطلق الإيمان، فلا

(1)

يدخل في قوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)} [آل عمران: 68]، ولا في قوله:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} [المؤمنون: 1]، ولا في قوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2]، إلى آخر الآيات، ويدخلُ في قوله:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، وفي قوله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يُقْتَل مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ"

(2)

، وأمثال ذلك.

ولهذا كان قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] نفيًا للإيمان المطلق لا لمطلق الإيمان لوجوه.

منها: أنَّه أَمرهم أو أَذِن لهم أن يقولوا: أسلمنا، والمنافق لا يقالُ له ذلك.

ومنها: أنَّه قال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} ولم يقل: قالَ المنافقونَ.

ومنها: أن هؤلاء هم الجُفَاةُ الذين نَادوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات، ورفعوا أصواتَهم فوقَ صوته غلظة منهم وجفاءً لا نفاقًا وكفرًا.

ومنها: أنه قال: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ، ولم ينْفِ دخولَ الإسلام في قلوبهم، ولو كانوا منافقين لنفى عنهم الإسلامَ كما نفى الإيمان.

ومنها: أنه قال: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}

(1)

(ظ): "لئلآ".

(2)

أخرجه البخاري رقم (111) من حديث علي رضي الله عنه.

ص: 1325

أي: لا ينْقِصكم، والمنافق لا طاعةَ له

(1)

.

ومنها: أنه قال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ} [الحجرات: 17]، فأثبت لهم إسلامًا ونهاهم أن يَمُنُّوا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكنْ إسلامًا صحيحًا لقال: لم تُسْلِموا، بل أنتم كاذبون كما كذبهم في قولهم:{نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] لما لم تطابقْ شهادتُهم اعتقادَهم.

ومنها: أنه قال: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} ولو كانوا منافقينَ لما منَّ عليهم.

ومنها: أنه قال: {أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} ولا ينافي هذا قوله: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} فإنه نفي

(2)

الإيمان المطلق، ومنَّ عليهم بهدايتهم إلى الإسلام الذي هو متضمِّنٌ لمطلق الإيمان.

ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قَسَم القَسْمَ قال له سعد: أعطيتَ فلانًا وتركتَ فلانًا وهو مؤمن، فقال:"أو مُسْلِمٌ"

(3)

ثلاث مرات، فأثبت له الإسلامَ

(4)

دونَ الإيمانِ. وفي الآية أسرارٌ بديعة ليس هذا موضِعَها. والمقصودُ: الفرقُ بين الإيمان المطلقِ ومطلق الإيمان. فالإيمانُ المُطلق يمنعُ دخولَ النار، ومطلق الإيمان يمنع الخلودَ فيها

(5)

.

العاشر: أنك إذا قلت: الأمرُ المطلقُ فقد أدخلت الَّلام على الأمرِ، وهي تُفيدُ العمومَ والشُّمولَ، ثم وصفته بعد ذلك بالإطلاق،

(1)

(ق): "والمنافقون لا طاعة لهم".

(2)

(ع): "لا ينفي" وهو خطأ.

(3)

أخرجه البخاري رقم (27)، ومسلم رقم (150) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضى الله عنه-.

(4)

بعده في (ق): "ثلاث مرات".

(5)

وانظر "مجموع الفتاوى": (7/ 238 - 253).

ص: 1326

بمعنى: أنه لم يُقَيَّدْ بِقَيدٍ يُوجِبُ تخصيصَه من شرط أو صفة أو غيرهما، فهو عامٌّ في كلِّ فرد من الأفَراد التي هذا شأنُها.

وأما مطلق الأمر؛ فالإضافة فيه ليست للعموم بل للتَّمييز، فهو قَدْرٌ مشتركٌ مطلقٌ

(1)

لا عامٌّ، فيصدق بفردٍ من أفراده، وعلى هذا فمطلقُ البيع جائزٌ والبيع المطلق ينقسمُ إلى جائز وغيره، والأمر المُطلق للوجوب، ومطلق الأمر ينقسمُ إلى الواجب والمندوب. والماء المطلقُ طَهور، ومطلقُ الماء ينقسم إلى طهور وغيره. والمُلك المطلق هو الذي يثبتُ للحُرِّ، ومطلقُ المُلك يُثبتُ للعبد.

فإذا قيل: العبدُ هل يملكُ أم لا يملكُ؟ كان الصوابُ إثباتَ مطلق المُلك له دون الملك المُطلق.

وإذا قيل: هل الفاسقُ مؤمنٌ أو غيرُ مؤمن؟ فهو على هذا التَّفصيل، والله تعالى أعلم.

فبهذا التحقيق يزولُ الإشكال في مسألة المندوب: هل هو مأمورٌ به أم لا

(2)

؟ وفي مسألة الفاسق المِلِّي: هل هو مؤمنٌ أم لا؟

(3)

.

فائدة

(4)

نصَّ الشافعيُّ على أن البيعَ لا ينعقدُ إلا بالإيجاب والقبول

(5)

،

(1)

(ظ): "مشترك بين مطلق

"!.

(2)

انظر "المسودة": (ص / 6).

(3)

انظر كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية.

(4)

من هنا وقع في النسخ اضطراب في ترتيب الفوائد والفصول، فجرينا في -الأغلب- على التزام ما في (ظ) وهي الموافقة للنسخ المطبوعة، إلا في مواضع فقد أخذنا بترتيب (ع وق) أو أحدهما؛ لفائدة اقتضت ذلك، واكتفينا بهذا التنبيه عن ذكره في كل موضع.

(5)

لم أجده منصوصًا في الأم، فلعله في كتاب آخر، وقد نقله عنه عامة أصحابه.

ص: 1327

وخرَّج ابنُ سُرَيج

(1)

له قولًا إنه ينعقد بالمُعاطاة

(2)

، واختلف أصحابُه من أين خرَّجه؟.

فقال بعضُهم: خرَّجه من قوله في الهَديْ إذا عطب قبل المحل، فإنَّ المُهدي ينحرُهُ، ويغمس نعلَه في دمِهِ، ويخلِّي بينه وبين المساكين، ولا يحتاجُ إلى لفظ بل القرينة كافية.

واعترض على هذا التخريج بأن ذلك من باب الإباحات وهي مبنيَّةٌ على المُسامحات، يغْتفَرُ فيها ما لا يُغْتَفَر في غيرها، كتقديم الطعام للضَّيف، والبيع من باب المعاوضات التي تعقدُ على المشاحَّة، ويطلب الشارعُ فيها قطع النزاع والخصومة بكلَّ طريق.

وقال بعضُهم: هو مخرَّج عن مسألة الغَسَّال والطبَّاخ ونحوهما، فإنه يستحقُّ الأجرة مع أنه لم يسم شيئًا.

واعتُرِض على ذلك بأنه لا نصَّ للشافعيِّ فيها إلا عدم الاستحقاق، وإنما قال بعض أصحابه: يستحقُّ الأجرة.

وقال بعضُهِم: هو مخرَّج من مسألة الخلع إذا قال لها: أنْتِ طالِقٌ إن أَعْطَيْتِني ألفًا، فوَضَعَتْها بينَ يديه، فإنها تطلقُ ويملك الألف، مع أنه لم يصدرْ منها لفظٌ يدلُّ على التمليك.

وحُكِي أنْ الشيخ عز الدين ابن عبد السلام كان يرجِّحُ التَّخريجَ

(3)

من هاهنا. واعْتُرِض عليه بأن في الخلع شائبةَ التَّعلُّق

(4)

والمعاوضة،

(1)

أبو العباس أحمد بن عمر ابن سُرَيْج من أئمة الشافعية ت (306).

(2)

انظر: "الوسيط": (3/ 8)، و "المجموع":(9/ 153).

(3)

(ع): "التحريم".

(4)

(ق): "التعليق".

ص: 1328

وأما البيع فمعاوضةٌ محضةٌ، ولهذا يصحُّ الخلعُ بالمجهول دون البيع.

فائدة

ما عُلق جوار البَدَل فيه على فقد المُبْدل، فإذا فُقِدا معًا فهل يجبُ عليه تحصيل المُبدل أو يتخير بينه وبين البَدَل؟.

فيه خلافٌ، وعليه إذا وجبت عليه بنتُ مخاضٍ فعَدِمها فابنُ لَبُون.

فإن عدمه فقولان:

أحدهما: يتخيَّر بينهما في الشِّراء، والثاني: أنه يتعيَّنُ شراء الأصل.

ومنها: أنه لو ملك مئتين من الإبل، وقلنا: يخرجُ أربعَ حِقاقٍ تعيينًا

(1)

فعدمها

(2)

، فهل يجوز أن يشتريَ خمس بنات لَبون؛ فيه خلافٌ.

فائدة

ثلاثةٌ من الصحابة جمعوا بين كونهم أنصارًا مهاجرين، ذكرهم ابن إسحاق في "سيرته"

(3)

:

أحدهم: ذَكوان بنُ عبد قيس من بني الخَزْرج، قال ابن إسحاق: كان خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه بمكة ثم هاجر منها إلى المدينة، وكان يقال له: مهاجري أنصاري شهد بدرًا

(4)

، وقتل بأُحُد شهيدًا.

(1)

غير بيّنة، وهكذا استظهرت قراءتها.

(2)

من قوله: "فابن لبون"

" إلى هنا ساقط من (ق).

(3)

انظر "سيرة ابن هشام" -على الترتيب-: (1/ ق 2/ 460، 464، 465).

(4)

"شهد بدرًا" سقطت من (ع).

ص: 1329

والعباس بن عبَادةَ بن نَضْلَةَ من بني الخَزْرج أيضًا، قال ابن إسحاق: كان فيمن خَرَج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فأقام معه بها، قُتل يوم أُحُد شهيدًا.

وعُقْبة بن وهب خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرًا من المدينة إلى مكة وكان يقالُ له: مهاجري أنصاري حليف لبني الخَزْرج.

فائدة

(1)

إذا قال الحاكم المولَّى: "كنت حَكمْتُ بكذا" قُبِل قوله عند أحمد والشَّافعي والجمهور، وعند مالك لا يقبَل قولُه.

قال الجمهور: هو يملكُ الإنشاء فيملكُ الإقرارَ كوليِّ المُجْبَرة إذا قال: زوَّجْتُها من فلان، قُبِلَ قولُه اتفاقًا.

قال أصحابُ مالكٍ: الفرقُ يبنهما أن وَلِيَّ المجْبرة غيرُ متَّهَمْ عليها

(2)

لكمال شفقته وكمال رعايته لمصالح ابنته، بخلاف الحاكم.

قال أصحاب القول: وكذلك نحن إنما نقبلُ قولَ الحاكم: حكمت، حيث تنتفي التُّهمة، فإما إذا كان تهمةٌ لم يُقْبَلْ.

قال أصحاب مالك: هذا نفسُه في مظنَّة التُّهمةِ فوجب ردُّه، كما يُرَدُّ حكمُه لنفسه، وحكمه بعلمه، فمظنَّةُ التُّهمة كافيةٌ، وأما الأبُ فهو في مظنَّةِ كمال الشفقة، ورِعَاية مصلحة ابنته فافترقا، وهذا فقهٌ ظاهرٌ، ومأْخَذٌ حسنٌ، والإنصافُ أولى من غيره.

(1)

(ق): "فصل".

(2)

(ظ): "بخلعها".

ص: 1330

فائدة

إذا حَلَفَ على شيءٍ بالطَّلاقِ الثَّلاث أنه لا يفعلُه، ثم خالَعَ ولم يفعلهُ، ثم تزوَّجها:

فقال الشيخ عزُّ الدين بنُ عبد السلام: الصحيحُ أنه لا يعودُ الحِنْث، فَذُكِر له اختيار الشيخ أبي إسحاق في كتاب الطلاق

(1)

، فقال: ذلك غلطٌ، قال: ومأخذُنا في هذه المسألة أنه لو عاد الحنثُ في النكاح الثاني مَلَك بالعقد الواحد أكثر من ثلاث تطليقات، بيانُه: أن النِّكاح يملكُ به ثلاثًا، والتنجيزُ كالتَّعليق، فإنه يملكُ بالعقد الطلاق المنجَزَ والمعلَّقَ ولا يزيدُ ذلك على ثلاث، فلو عاد الحنث لمَلَكَ ثلاثًا بالعقد، لو نجزها لوقعت ومَلَك المعلَّق بتقدير عَوْد الحنث، وهو محالٌ.

فائدة

ربما يظنُّ بعضُ النَّاس أن عدَّة المُتَوَفَّى عنها زوجُها

(2)

أربعةُ أشهر وعشر ليال، فإذا طَلَعَ فجرُ الليلة العاشرة انقضتِ العِدَّةُ. ووقع في "التنبيه"

(3)

: "وإن كانت أَمَةً اعتدت بشهرينِ وخمس ليال".

ويقوِّي هذا الوهمَ: حذفُ التاء من العشر، وإنما يحذفُ مع المؤنث نحو: سبع ليال وثمانية أيام.

(1)

انظر: "البيان"(10/ 224) للعمراني.

(2)

من (ق).

(3)

(ص/ 200).

ص: 1331

وجوابُ هذا: أن المعدودَ إذا ذكِر مع عدده، فالأمرُ كما ذكر تحذف التاءُ مع المؤنث وتثبتُ مع المذكّر، وإذا ذكرَ العَدَدُ دون معدودِهِ المذكَّر جاز فيه الوجهان: حذف التاء وذكرها، حكاه الفَرَّاء وابنُ السِّكِّيت وغيرهما، وعلى هذا جاء قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأتْبَعَهُ بسِتِّ مِنْ شَوَّال"

(1)

، ولم يقل بستَّة.

وقوله تعالى: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)} [طه: 103]، فهذه أيامٌ بدليل ما بعدها، وعلى هذا فلا تنقضي العِدَّةُ حتَّى تغيبَ شمسُ اليوم العاشر، وما وقع فى "التنبيه" فغلط، والله أعلم، ووقع له هذا فى باب العدد في باب الاستبراء

(2)

.

فائدة

المُرْضعُ: من لها وَلَدٌ تُرْضِعُهُ، والمُرْضِعَةُ: من ألقمتِ الثَّدْيَ للرَّضيع، وعلى هذا فقوله تعالى:{تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2]، أبلغُ من "مرْضع" في هذا المقام، فإن المرأةَ قد تذهلُ عن الرَّضيع إذا كان غيرَ مباشر للرَّضاعةِ، فإذا التقم الثَّدْيَ، واشتغلت برضاعِهِ

(3)

تذهل عنه إلا لأمرٍ هو أعظمُ عندها

(4)

من اشتغالها بالرَّضَاع.

وتأمَّل السِّرَّ البديع فى عدوله -سبحانه- عن "كلِّ حامل" إلى قوله: "ذات حمل"، فإن العامل قد تطلق على المهيَّأةَ للحمل،

(1)

أخرجه مسلم رقم (1164) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

(2)

(ص / 203).

(3)

(ق): "وأشغلته برضاعته".

(4)

(ق): "عليها".

ص: 1332

وعلى من هي في أول حملها ومبادئه، فإذا قيل:"ذات حَمل"

(1)

، لم يكنْ إلَّا لمن قد ظهر حملُها وصلح للوضع كاملًا أو سقطًا، كما

(2)

يقال: "ذات وَلَد"، فأتى في المرضعة بالتاء التي تحقق فعل الرَّضاعة دونَ التَّهيُّؤِ لها، وأتى في الحامل بالنسب

(3)

الذي يحقِّقُ وجود الحَمْل وقبوله للوضع، والله أعلم.

فائدة

قال الشَّيخُ تاجُ الدين

(4)

: سُئل الشَّيخ عز الدين بن عبد السَّلام عن معنى قول الفقهاء للمطلِّق الطَّلاقَ الرَّجعِيَّ: قلْ: "راجعتُ زوجتي إلى نكاحي"

(5)

ما معناه؟ وهي لم تخرجْ من النِّكاح، فإنَّها زوجة في جميع الأحكام؟.

فقلت له: معناه أنَّها رجعتْ إلى النِّكاح الكامل الذي لم تكنْ فيه صائرةً إلى بينونة بانقضاء زمان، وبالطَّلاق صارت جارية

(6)

إلى بينونة بانقضاء العِدَّة، فقال: أحسنت.

(1)

من قوله: "فإن الحامل

" إلى هنا سقطت (ظ).

(2)

(ع): "فلا"!.

(3)

كذا في (ع وق)، وفي (ظ):"بالسبيل"، وفي المطبوعة:"بالسبب" وهو محتمل.

(4)

لعل المقصود به هو: عبد الرحمن بن إبراهيم الفَزَاري تاج الدين المعروف بالفِرْكاح، أحد فقهاء الشافعية، ومن أشهر تلاميذ العز ت (690)، له تصانيف، انظر:"طبقات الشَّافعية": (8/ 163 - 164).

ومن تلاميذ العز -أيضًا- ممن يلقب "تاج الدين": عبد الوهاب بن خلف ابن بدر العَلامي، تاج الدين ابن بنت الأعز ت (665). انظر:"طبقات الشَّافعية": (8/ 318 - 323).

(5)

انظر: "المغني": (10/ 561)، و "روضة الطالبين":(8/ 215).

(6)

من (ق) وفي (ع): "صائرة".

ص: 1333

فائدة

القاضي والمفتي مشتركان في أنَّ كلاًّ منهما يجبُ عليه إظهارُ حكم الشَّرع فْي الواقعة، ويتميَّزُ الحاكم بالإلزام به وإمضائه، فشروط الحاكم ترجِع إلى شروط الشَّاهد والمفتي والوالي، فهو مخبر عن حكم الشَّارع (ق / 321 أ). بعلمه، مقبولٌ بعدالته، منفذٌ بقدرته.

فائدة

(1)

كان الشَّيخ عزُّ الدين يستشكِل مذهبَ الشَّافعي في أن حَجْر الصَّبِي يستمرُّ بمجرَّد

(2)

الفِسق والسَّفَهِ في الدين، وقال: قد اتَّفق النّاسُ على: أن المجهول يسمعُ الحاكمُ دعواه والدعوى عليه، فالغالب في الناس وجودًا عدمُ الرُّشد في الدين، فلو كان الصلاحُ في الدين شرطًا في فكِّ

(3)

الحجر، لزم أن لا يسمعَ دعوى المجهول ولا إقراره، وذلك خلاف الإجماع المستمرّ عليه العمل.

فائدة

اختلف النَّاس: هل السَّماءُ أشرفُ من الأرض، أم الأرض أشرف؟

فالأكثرون على الأوَّل، واحتجَّ من فضَّل الأرض: بأن الله أنشأ منها أنبياءَه وَرُسله وعبادَهُ المؤمنينَ، وبأنها مساكنهم ومحلُّهم أحياءً وأمواتًا، وبأنَّ الله سبحانه وتعالى لما أرادَ إظهار فضلِ آدَمَ للملائكة قال:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] فأظهرَ فضله عليهم

(1)

قبله في (ق): "فرع":

(2)

(ق): "بوجود".

(3)

(ظ) والمطبوعات: "كل".

ص: 1334

بعلمه واستخلافه في الأرض، وبأن الله -سبحانه- وصفَها بأن جعلها محلَّ بركاته عمومًا وخصوصًا، فقال:{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} [فصلت: 10]، ووصف الشامَ بالبَرَكة في ستِّ آيات، ووصف بعضَها بأنَّها مقدَّسة، ففيها الأرضُ المباركة والمقدسة والوادي المقدَّس، وفيها بيته الحرام ومشاعرُ الحجِّ والمساجد التي هي بيوته سبحانه، والطور الذي كلَّم عليه كليمَه ونجيَّه. وإقسامه سبحانه بالأرض عمومًا وخصوصًا أكثر من إقسامه بالسماء، فإنَّه أقسَم بالطُور والبلدِ الأمينِ والتينِ والزيتونِ، ولما أقسم بالسَّماء أقسَمَ بالأرض معها، وبأنه سبحانه خَلَقَها قبل خلق السماء

(1)

كما دلَّت عليه سورة (حم السجدة) وبأنها مهبِطُ وحيه ومستقرُّ كتبه ورسله، ومحلُّ أحبِ الأعمال إليه، وهو الجهادُ والصَّدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومُغايظة أعدائه ونصر أوليائه، وليس في السماء من ذلك شيءٌ، وبأنَّ ساكنيها من الرسل والأنبياء والمتَّقين أفضلُ من سكَّان السماء من الملائكة، كما هو مذهبُ أهل السنة، فمسكنُهم أشرف من مسكن الملائكة، وبأن ما أودع فيها من المنافع والأنهار والثمار والمعادن والأقوات والحيوان والنبات مما هو من بركاتها لم يودَع في السَّماء مثلُه، وبأن الله سبحانه قال:{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)} [الذاريات: 20] ثم قال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)} [الذاريات: 22] فجعل الأرضَ محلَّ آياته والسماءَ محلَّ رزقه، فلو لم يكن فيها إلَّا بيتُهُ وبيتُ

(2)

خاتَم أنبيائه ورسله حيًا وميتًا، وبأن الأرض جعلها الله قرارًا وبساطًا ومهادًا وفراشًا، وكِفاتًا، ومادَّة للسَّاكن؛ لملابسه

(1)

(ق وظ): "الأرض" والمثبت من (ع) وحاشية (ظ).

(2)

(ق): "فإن لم يكن فيها إلا بنية خاتم"!.

ص: 1335